خبر تبشير بصوت نذير خبير ..علي عقلة عرسان

الساعة 02:15 م|18 نوفمبر 2014

"يبشِّرنا؟" متقلبٌ عتيدٌ عائدٌ لتوه من موسكو، بعد أن "عتَّم" لزمن على بث الإعلانات الترويجية عن سياسات " أصدقائه؟!" في الولايات المتحدة الأميركية.. " يبشرنا بصوت نذير وذي خبرة في التحذير؟!"، بأن نهاية النظام في سورية ستكون بعد شهرين من الآن، حيث سينتهي حتماً.. وأنه ومن يستمع إليه وينتصح بنصحه عليهم أن جميعاً يعدوا العدة لمرحلة ما بعد ذلك.. وكانت الوعود والعهود المقطوعة بهذا الشأن التي استند إليها مع كثيرين غيره، ولهج بها مع من لهَج حتى بلغ حدود الشطط في التهديد والوعيد، فزاغ منه البصر، وراغ العقل أو ارتبك واحتجبت الحكمة بسبب ذلك الزوغان "فانحرفت الرؤية"، حسب مضمون اعتراف علني تم في دمشق.. ونحن لا نريد أن نصدق أو أن نكذب، لكن نرى أن ذلك محكوم بعوامل وسياسات ومتغيرات لا يمكن معها الجزم بشيء والبناد عليه وكأنه نبؤات المرسلين.. وهناك تجربة كبيرة في هذا المجال يصعُب أن تُنسى.. فقد كانت الوعود والعهود " المبشَّر بها" في بداية الأزمة سورية عام ٢٠١١ تقول:" إن نهاية النظام في سورية ستكون خلال ثلاثة أشهر فقط.".. ولم يكن ذلك تنجيماً في حينه، " كذب المنجمون وإن صدقوا؟!"، وإنما كان ترويجاً لسياسات ومخططات ووعود دول مؤثرة، وينطوي على دفع لقوى تعمل على الأرض السورية، وكل ذلك كان يتدفق بغزارة على ألسنة كثيرين ممن يُقال عنهم: " إنهم لا ينطقون عن الهوى" من ناطقين رسميين وإعلاميين ومحللين، وإنما هو تبليغ تبليغ سياسات واستراتيجيات وقرارات لأهل المنطقة، ووراء ذلك يقف فيلتمان وروبرت فورد وغيرهما من الديبلوماسيين والساسة ومن يروجون لهم وباسمهم في المنطقة.. ومن المعروف أنه مرت ثلاث سنوات ونيف على نهاية الأشهر الثلاثة الموعودة ولم يسقط النظام، لأسباب وأسباب منها عدم دقة القراءة للمشهد السياسي، وعدم وفاء الواعدين بما وعدوا، ولخلل شامل تم الحديث عنه لاحقاً في الوى والأدوات والزعامات، وكل ذلك أدى بالنتيجة إلى واقع يتلخص في أن القوى المعنية بالتنفيذ لم تستطع أن تحقق ما تم التخطيط له.. وما زالت نار الحرب مستعرة حتى اليوم، ويصطلي الشعب السوري بنارها في كل لحظة، وتمتد بصورة أو بأخرى، وتتحول إلى ما هو أخطر من البدايات بكثير..

ليس هذا مربط الفرس كما يقولون، ولا الوعد الموعود بتحقق المنشود بعد شهرين فقط هو المربط، إنما مربطها في التأكيد على توجهات وتحالفات جديدة تتلاءم مع ما هو قادم وفق ما يُراد لنا أن نعرفه بصورة إبلاغ يقول حامله: " قد أعذر من أنذر".. ومن ثم اتخاذ مواقف واعتماد مناهج وسياسات وبرامج في ضوء ذلك الذي سيتم كما "بُشِّر البعضُ به؟".. خلال شهرين سوف تُحسَم؟! ورافق ذلك إشارات إلى بعض التفاصيل العملية والعملياتية التي تفصح عما سيتم من أجل إنفاذ الوعد ومن بعد نفاذه، منها أو من أهمها: "إقامة منطقة عازلة في جنوب سورية تمتد من أقصى سفوح جبل الشيخ في الشمال الغربي لمحافظة القنيطرة وصولاً إلى التخوم القصوى لمحافظة السويداء، مروراً بحوران التي كانت فيما مضى ولاية تشمل المحافظات الجولان وحوران سهلاً وجبلاً " أي جبل حوران".. ومن ثم فإن هذا يتطلب، حسب المبشّ الناصح" تحركات وتفاهمات وربما تحالفات.؟! ويمكن النظر إلى هذا الترويج أو التبشير بحسن نية لولا ما كان مما يعرفه القاصي والداني عن أنواع التبشير الذي من هذا النوع وأهدافه، لا سيما حينما ينطوي على تخويف وتحريض.

وإذا كان هذا ما يٌراد له أن يُبلّغ إلينا، وكأنه مستجد سياسي توافق عليه موسكو، أو يطبَخ تحت نظرها كما يوحي بذلك المنذِرون المحذِّرون.. فإنه مما يستوجب التدقيق فيه، ومما يقتضي الحذر وإعادة النظر، لأنه يتصل بمصير البلد وبمصير المدعويين إلى النظر بجدية تامة إلى التحذير والبناء عليه..!؟ إن التدقيق في الأمر يشير إلى إنه يتعارض بداهة مع موقف موسكو الحالي الذي رفض ويرفض مناطق الحظر الجوي والمناطق العازلة، هذا ما تأخذه واشنطن بالاعتبار عند مقاربة هذا الموضوع.. لا سيما أن موسكو غير راضية عن تصرفات الولايات المتحدة الأميركية التي اختطفت القرار الدولي الخاص بمحاربة الإرهاب لتكوِّن تحالفاً تقوده هي ويعمل وفق مصالحها، وتنفذ منه إلى تطبيق سياسة جديدة أو العودة إلى سياسة قديمة هي إعادة احتلال العراق الذي تبدو مؤشرات قوية له في الأفق السياسي - العسكري الأميركي، حيث أخذت تكثف الخبرة وتزيد من عدد خبرائها هناك وبدآت تحركها نحو التدخل البري بعد أن كان مستبعداً.. وذلك لا يريح موسكو بالتأكيد.. ومن ثم فهو يتعارض أيضاً مع موقف روسيا من مطلب تركية الذي تشترط تنفيذه لكي تدخل عملياً وبقوة في التحالف الأميركي ضد "داعش"، أي إقامة منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة على الحدود السورية التركية، وهو أحد مطالبها الأربعة لتقوم بدور مؤثر على الأرض يدعم خطط التحالف ضد داعش.. ولكي نقبل أن الحالة الأولى " أي منطقة عازلة في جنوب سورية" مما يدخل في دائرة "رضى موسكو"، كما يريد أن يوحي لنا به المبلِّغ المحذِّر، علينا أن ننقض موقف موسكو من الحالة الثانية " أي منطقة عازلة في شمال سورية"، بمعنى أن نفترض موافقة موسكو على الأمرين معاً؟! وهذا مستبعد جداً لأن  كل مواقف موسكو عبر الأزمة السورية ستتهاوى، وستبدو كأنها تسلم سورية للأميركيين أو تقايض عليها.. وهو بتقديري أمر يتعارض جذرياً مع مواقف روسيا التحادية من الأزمة السورية ومع مبادئها وثوابتها ومع سياساتها واستراتيجيتها ومصالحها في المنطقة، لا سيما مع حرصها على موقع استراتيجي لها على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهو موقع يهمها أن تحافظ عليه.

إن من يرون هذا الرأي ويبشرون بحدوثه، و"يبنون على هذه الأمور" يبنون على توقع حدوث تفاهم أميركي - روسي لحل سياسي شامل في المنطقة، وكأن هذا من تحصيل الحاصل، ويربطون ذلك بما سيتم بعد الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري 2014 حيث يرون أن اتفاقاً سيتم في فيينا بين إيران ومجموعة الخمسة + 1 وبموجبه ستصفى أمور كثيرة منها الأزمة/الكارثة في سورية بمقايضات كبى.. لكن المؤشرات لا تذهب باتجاه أن تضحي إيران وموسكو بحليفهما السوري، بل هناك تسريبات سياسية وإعلامية تشير إلى أن التوصل إلى تفاهم مع أيران سيدعم موقف النظام في سورية، ويذهب باتجاه تشجيع حل السياسي يتجه باتجاه شراكة سياسية في مرحلة انتقالية بين النظام والمعارضة، حيث سيدخلان "صرح جنيف 3 ممرداً هذه المرة" ويستأنفان مفاوضات من جديد.. وهذا ما تم التلويح به على أنه اتفاق روسي - أميركي غير معلن، وهو ما يفسر التصريحات " المتناقضة" للمسؤلين الأميركيين حيال الموقف من الرئيس بشار الأسد الذي لا توجد مخططات لإزاحته حسب قول أوباما، وهي تصريحات تبدأ بالرئيس أوباماً وتصل إلى وزارة الدفاع مروراً بالخارجية.. وهي بتقديري مواقف شبه متفق عليها لكنها تبقى بانتظار ما سؤول إليه الوضع في فيينا بين أيران ومجموعة خمسة زائد واحد بشأن ملف إيران النووي. ويضاف إلى ذلك معطيات مهمة في المعادلات السياسية والمواقف الجذرية لروسيا الاتحادية على الخصوص بعد الذي جرى في مؤتمر الدول العشرين، وما خرج به الرئيس بوتين من نتائج وانطباعات غير مريحة، وبعد تطور الوضع في أوكرايينا باتجاه التصعيد العسكري، وهو وضع لا أظن أنه مرجح ليكون موضوع مقايضة على سورية.

ليس من السهولة ولا من البساطة بمكان، مع هذه المعطيات المؤثرة على الحسابات كافة، أن نجزم بشيء محدد وكأنه نهائي لا سيما وضع سورية بين فكي كماشة من الجنوب والشمال بضغط مناطق حظر جوي ومناطق عازلة، مع رضا الدول الداعمة لها بذلك أو التسليم به كأمر واقع، ولا نتحدث عن إمكانية مواجهة الدولة لذلك وتعاملها معه فيما إذا حدث.. وفي المنطقة معطيات وتحركات ومتحركات لا يمكن القفز فوقها.. فعلى الصعيد السياسي هناك أحداث مستجدة ومعطيات ومتغيرات منها ما تم حدوثه خلال هذا الأسبوع، أي اتفاق دول الخليج العربي على إنهاء الخلافات فيما بينها، وعودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر، على أن تغير قطر سياستها خلال شهر حسب تعهد مكتوب، ولهذا إن تم دلالاته وانعكاساته وتأثيره في الساحة السورية وما يجري فيها، ومنها ما يجري في الكواليس بين الدولتين الأعظم وهو ما سيوصل إلى حل سياسي فعلي عبر جنيف، ومنها ما يتصل بملفات إقليمية ودولية لها إنعكاسات مباشرة على ما يجري في سورية، بما في ذلك تحرك ديمستورا.. وعلى الأرض هناك معطيات وحسابات لا تقل أهمية عما ذكر، ولا يمكن القفز فوقها: منها الوضع العسكري والأمني في الساحة السورية، والتحالفات أو المصالحات بين بعض التنظيمات المسلحة، وما يستجد في هذا الوضع حتى من تصفيات واشتباكات مسلحة يمكن أن تقع في أي وقت وتحدث تأثيراً وتغييراً.. وهناك أوضاع عسكرية تلحظ تأثيراتها وتوضع في الحسبان، ففي محافظتي القنيطرة ودرعا يُلاحظ تقدم للمعارضات وعلى رأسها جبهة النصرة في مواقع، ولا يعتبر هذا نهائياً، وفي حلب مواجهات وخلافات بين المعارضات حول الموقف من مبادرة ديمستورا " تجميد القتال"، واشتباكات بين الجيش العربي السوري والمعارضات، وتقدم للجيش في المدينة وريفها.. وفي حمص كر وفر في مناطق منها جبل الشاعر " جبل الشاعر"، وفي القلمون وريف دمشق مواجهات مستمرة.. وهذا عامل متحرك ذو أهمية كبيرة وتأثير في القرار السياسي.. وهناك نشاط للمبعوث الدولي إلى سورية متداخل مع النشاطات السياسية العربية والدولية، ويشكل مؤشراً من مؤشراتها الدالة.. من هذا وبناء عليه لا يمكن التسرع في استنتاجات والأخذ بما يقوله مروجون ومطلقو بالونات اختبار وأصحاب دكاكين سياسية يبيعون ويشترون في سوق المواقف، لا سيما من أولئك الذين ينفتحون ببضاعتهم السياسية على كل الأسواق، ولا يهمهم أن يكون لهم موقف في المساء مغاير كلياً لموقف لهم في الصباح، ففي هذه السوق هناك من ينطبق عليه القول الرائج في التجارة" بين البائع والشاري يفتح الله.."، وما يهم أصحاب هذه السوق هوما يدخل إلى جيوبهم فقط ويبقيهم في السوق.

نحن نريد للأزمة/الكارثة/الحرب/ المأساة المدمرة التي تجتاح سورية وشعبها أن تنتهي اليوم قبل غداًن في هذه اللحظة قبل اللحظة التالية لها.. لكن ما يجري على الصعد كافة، وما تقررة سياسات وإرادات وقوى على الأرض، وقوى أخرى خلفها.. يجعل الأمر معقداً وقابلاً للتغيير، مما يصعب معه الركون إلى رأي وقرار وتوجه، فكل ذلك محكوم بما يجري على الأرض وبما يعتمل في الأنفس وما تمليه إرادات وموقع ومواقف ليس السوريين وحدهم من يمليها ويتحكم بها.. فقد دخلت الأزمة السورية منذ زمن في دوائصراع أوسع وأكبر وأكثر تشعباً، ودخل فيها ما لا يلحظ الآ باهتمام كافٍ وبتطلع إلى أبعاده وتأثيره، وأني ما يختمر في بعض الأنفس، وما يتفاعل ضمن شرائح اجتماعية على أسس ولأسباب ومعطيات كثيرة.. مما يجعل المستقبل حافلاً بمؤثرات لا يتحكم بها ولا بما يمكن أن تسفر عنه أحد.

إن من ينبغي أن نحذرهم أولاً هم المروجون لمشاريع أعدائنا بيننا، ممن انكشف أمرهم أمام الأمة كلها أكثر من مرة ومرة ومرة، ومع ذلك بقي لهم صوت وتأثير وحضور، وبقي لهم دور في إشعال نار الفتنة تحت السبب ونقيضه؟! ومن ينبغي أن نضع لهم حداً هم تجار الدم والسياسة والحروب والأزمات الذي يتجدد حضورهم وفتكهم بنا كلما لاح خلاف ورفعت رأسها فتنة، ومن يجب علينا أن نتجاوز أمراضهم وأشكال استقطابهم هم بعض الساسة الذين أدمنوا التسلط والقهر والمحو والاعتقاد بأنهم البلاد والعباد.. وما لم يقف الناس عندنا مع أنفسهم وضد من يبيعهم ويشتري بهم ويتسبب في الكوارث لهم.. فإن مآسينا لن تنتهي وسوف تتجدد كلما توقفت، وإن نزف دمنا سيستمر، وعدونا سيتنمّر في أرضنا، وأحولنا سوف تسير من سيء إلى أسوأ.. والمروجون للعدو والباطشون بنا بأمره، سوف يزدادون قوة وشرسة ووحشية.. فلنلتفت إلى ما ينفعنا حقيقة، وإلى حقيقة أوضعنا وما يعتمل في نفوسنا وما يحيط بنا مما يستهدفنا بلا رحمة، ولنطفئ نار الفتنة بزفواهنا وسواعدنا قبل أن تفرّخ الفتنة فتناً، ولنقلع شوكنا بأيدينا قبل أن يصبح الشوك أشجار صبار ملتفة على أعناقنا وفي أفواهنا، فينمو في ظلها البؤس والألم والمعاناة والموت.. فنحن شعب يستحق آفضل بكثير مما هو عليه وما هو فيه من أوضاع. 

   دمشق في الثلاثاء، ١٨ تشرين الثاني، ٢٠١٤

 

علي عقلة عرسان