خبر المسجد الاقصى: الصلاة… الانتصار.. معين بشور

الساعة 07:11 م|16 نوفمبر 2014

ظار الكثيرين كانت  مشدودة إلى المسجد الأقصى، وأنفاسهم محبوسة بانتظار ما سيحصل قبيل صلاة الجمعة وبعدها من اشتباكات متوقعة بين مقدسيين مؤمنين مصرّين على الصلاة في قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين، وبين محتل ينتقل بين سياسة التمييز العنصري الدموية التي ينفذها بحق سكان البلاد الأصليين وبين سياسة التمييز “العمري” في إقصاء فئات عمرية بأسرها عن الصلاة.
فجأة، تراجع المحتل عن كل إجراءاته بحق المصلين وتدفق عشرات الآلاف من المقدسيين من كل أنحاء المدينة المحاصرة بالاستيطان الإغتصابي خصوصاً بعد أن أغلقت مساجد القدس أبوابها ليتوجه كل المصلين إلى الأقصى المبارك لأداء صلاة أخذت هذه المرة شكل الانتصار….
لم يكتف الفلسطينيون بالتدفق نحو مسجدهم المبارك فحسب، بل توحدوا متظاهرين متضامنين مع عاصمة بلادهم في كل مدن فلسطين وبلداتهم من أم الفحم (شريكة كفركنا في الوفاء للأرض وتقديم الشهداء) إلى الخليل التي عرف حرمها الإبراهيمي أول مشاريع تل أبيب في التقسيم المكاني والزماني والتي حاولت تطبيقها في حرمها القدسي الش
ريف.
لكن المشهد الأكثر إثارة في ذلك كله هو مشهد الشباب الذين حملوا علم بلادهم وسلماً بسيطاً وقرروا القفز فوق جدار الفصل العنصري في قلنديا، قرب حاجز كان زملاء لهم يشاغلون حراسه بالحجارة والزجاجات الحارقة، وبدا للعالم كله عظمة شعب أراد الحرية فقرّر تجاوز كل العوائق والحواجز والجدران، وكم هو لافت أن يكون ميعاد عبور الجدار في فلسطين متزامناً مع الاحتفالات بسقوط جدار برلين.
“المحللون” كعادتهم عزوا تلك “الصلاة … الانتصار” إلى أجواء التهدئة التي سعى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الى إيجادها خلال اجتماعه بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ونتنياهو، لكن فات هؤلاء المحللون إن كل زيارة كيري و “عقلانية” نتنياهو ما كانتا لتظهرا لولا تحوّل ساحات الأقصى، وحواري القدس، ومدن فلسطين وبلداتها إلى ميادين مشتعلة بوجه الاحتلال وجنوده ومستوطنيه “الاغتصابيين”، بل بشكل خاص لولا تخوف واشنطن وتل أبيب ومن لف لفهما، من اندلاع انتفاضة جديدة تستكمل ما صنعته المقاومة في غزة وتفتح الطريق واسعاً أمام تحرير الأرض واستعادة الحقوق.
والقبول بتحليل “المحللين” هذا له بالطبع نتائج سياسية خطيرة، فإذا كان التراجع الإسرائيلي هو ثمرة المسعى الأمريكي، لا البطولات والتضحيات والتطور النوعي في عمليات المقاومة، فإن على الفلسطينيين الاكتفاء بانتزاع حقهم في الصلاة، وهو حق مكفول لهم  بالطبع، بل عليهم السكوت عن مطالبهم الأخرى في اجتثاث السرطان الاستيطاني المتوغل والمتغول في القدس وحولها، ووقف هدم البيوت وتشريد السكان، وتهويد المدينة والمقدسات. بل إنهاء الاحتلال بأسره وهو أصل كل بلاء ونقيض كل الحقوق.
إن من ينصت بدقة إلى ما يدور في عقول الشباب الفلسطيني وقلوبهم، داخل فلسطين وعلى امتداد الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، يدرك أن تمردهم على الاحتلال لن يتوقف، وان مقاومتهم لمشاريعه ومخططاته لن تهدأ، وان فجراً جديداً ينبلج من دم الشهداء، وصرخات الأسرى، وإرادة الشعب التي وحدها لا تقهر.
قد يأخذك بعض هؤلاء “المحللين” إلى ما يجري من تراشق إعلامي بين رام الله وغزة على خلفية جريمة التفجيرات التي منعت احتفال أهل القطاع الصامدين الأبطال بذكرى رحيل مؤسس الثورة الفلسطينية المعاصرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ويبنون على هذا التراشق تححليلات متشائمة  مستندة  إلى غياب أي تحقيق فعلي حول هذه التفجيرات ومرتكبيها، وحول تصاعد  الاتهامات، ولكن هؤلاء لا يدركون أن الشعب الفلسطيني في ساحات الانتفاضة وميادينها لم يعد يولي مثل هذه “الاشتباكات الإعلامية” أهمية، فأبناء هذا الشعب، من كل التنظيمات موحدون على الأرض في مواجهة الاحتلال، يألمون لما يرونه من إصرار على الانقسام، متمنين على قياداتهم ألا تفسد بخلافاتها وحدتهم وفرحتهم بانتصار الواعد على الاحتلال.
 لكن شباب فلسطين ايضا مصممون على متابعة المسيرة… مسيرة الانتفاضة والمقاومة، وهم يتذّكرون ويذكرون في مناقشاتهم كيف إن واحدة من أهم حركات المقاومة في الأمة والعالم قد ولدت من رحم “حرب أهلية طاحنة” في لبنان، كما ان مقاومة العراقيين المجيدة للاحتلال قد تواصلت لسبع سنوات (2003-2010) رغم كل المحاولات المحمومة لإثارة الاحتراب والاقتتال، ورغم كل الخطط التي وضعها مهندس الفتن الأمريكي نيغروبونتي   بعد أن أرسى له سلفه بريمر قواعدها وأسسها في دستور المحاصصة الطائفية وتدمير مقومات الدولة والكيان العراقي وفي مقدمها الجيش العراقي، مستغلاً دون شك  شبق غير محدود للسلطة، واصرار غير مقبول على تهميش الاخر. بل على الغائه.
لذلك فالرهان على استمرار الشعب الفلسطيني في انتفاضته كبير ولن توقفه مناورات كيري ولا “تهدئة” نتنياهو.
وإذا كان الكثير مما نشهده في وطننا العربي الكبير من صراعات دموية، واحتراب طائفي أو مذهبي أو عنصري، هو في أغلبيته وليد ذلك المشروع الإغتصابي الصهيوني – الاستعماري الذي اتخذ من فلسطين منصة ليحيل حياة العرب جميعاً إلى جحيم، معتمداً على حلفائه وأدواتهم في المنطقة، فإن علينا جميعاً أن نثق بأن ما يجري في فلسطين من انتفاضات ومقاومات وتضحيات هو الجراحة التي ستستأصل الورم السرطاني من مصدره الأول، وستطلق مناخاً جديداً  في العلاقات بين مكونات الأمة والإقليم تحت سقف الصراع المشروع الوحيد في المرحلة الحالية هو الصراع مع العدو الصهيوني وحماته وشركاءه .
فهل من مستجيب اليوم لدعوة القدس وفلسطين إلى مصالحة عربية إسلامية شاملة لا احتراب معها ولا تهميش، لا اقتتال فيها ولا إقصاء، لا اجتثاث فيها ولا تكفير؟ّ!