خبر الفلسطيني كيس للّكمات على حلبة تنافس الأحزاب الإسرائيلية

الساعة 07:32 ص|13 نوفمبر 2014

أطلس للدراسات

تنفجر ردود الفعل الشعبية الغاضبة بشكل متلاحق وفي مناطق مختلفة، في القدس والضفة والـ 48، تنفجر على شكل موجات من الغضب الشعبي التلقائي أو على شكل رد فعل فردي؛ وكلها بدون استثناء تأتي في سياق التصدي لانفلات البطش الاحتلالي وطغيان عربدة القوة وانفلات الفاشية والعنصرية، ممارسة وتصريحاً، دونما استحياء أو خجل، حتى من أعلى المستويات الرسمية الإسرائيلية.

انتشاء القوة وهوس التنافس الحزبي كان قوياً بما يكفي لأن يعبر المستوى الرسمي صراحة عن حقيقة عنصريته وفاشيته، ليس تجاه الفلسطينيين في الضفة فحسب، بل وبشكل صريح التهديد والوضوح ضد فلسطينيي الـ 48؛ هذه العنصرية التي طالما حاول تغطيتها بسيل من المزاعم الكاذبة حول حقوق المواطنة والمساواة والعدالة.

جريمة قتل أفراد الشرطة الخاصة للشاب خير الدين حمدان من كفر كنا بدم بارد، مع تأكيد عملية القتل، وجره بشكل مهين الى داخل عربة الشرطة التي كان يجلس بها شقيقه المعتقل، حسبما يظهر شريط فيديو لإحدى كاميرات المراقبة؛ هذه الجريمة التي أثارت ردة فعل كبيرة من فلسطيني الـ 48 على ما اعتبروه سياسة قمع وتنكيل متعمدة، واستسهال ضغط الزناد لإطلاق الرصاص القاتل حينما يكون الهدف فلسطينياً.

بطش وعنصرية الشرطة تجاه فلسطينيي الداخل أمر يعرفه كل واحد منهم، بل وإن أكثرهم اكتوى ويكتوى بناره، وهو الذي شكل شعوراً ووعياً مسبقاً عن الجريمة ودفعهم لتكذيب روايات الشرطة والقول بالإعدام بدم بارد والخروج للشوارع للاحتجاج، حتى قبل ان يشاهدوا شريط الفيديو الذي وثق الجريمة لأنهم يخبرون كذب مزاعم الشرطة دوماً عندما يتعلق الأمر بهم، ويدركون بشكل مسبق دوماً ان مساندة المستوى السياسي لرجال الشرطة في بطشهم بالعرب لا تعبر عن مساندة مهنية وموضوعية بقدر ما تعبر عن دعم جاهز ومكتوب مسبقاً، بغض النظر عن الظروف والملابسات حينما يكون الضحية أو المشتبه به عربياً، لأنها تعبر عن كراهية وعن نظرة الدولة للعرب باعتبارهم أعداء يغتصبون حقوق المواطنة في دولة اليهود.

لقد استبق وزير الأمن الداخلي الجريمة بتصريح يشكل مادة قانونية لإدانته بالعنصرية والتحريض على القتل، حيث طالب أفراد شرطته بعدم التردد في قتل كل من يشكل تهديداً على حياة أي يهودي، وهو هنا عبر عن حقيقة معتقداته السياسية ان المواطن الذي يجب على الشرطة حمايته هو اليهودي، فلم يستخدم مفردة "مواطن" أو "اسرائيلي"، بل يهودي، في إشارة واضحة للشرطة ان مهمتها حماية اليهود، وان المعيار لتحديد الفئة المستهدفة بالحماية والفئة الأخرى التي تشكل تهديداً على الفئة الأولى هو معيار الانتماء الديني.

لقد عبر أهرونوفيتش عن المزاج العام الاسرائيلي الذي يفيض عنصرية وكراهية للعرب، وإن كان ليس مستغرباً منه ان يقول هذ الأقوال العنصرية، وهو الذي ينتمي لحزب ليبرمان العنصري، فقد أعلن رئيس حكومته نتنياهو في مؤتمر صحفي بلغة واضحة التهديد والارهاب لفلسطينيي الـ 48، وتوجه إليهم، ليس باعتبارهم مواطنين إسرائيليين، بل باعتبارهم موجودون بحكم الأمر الواقع وان بقاؤهم مشروط بقبول ما يفرض عليهم دون ربط ذلك بأية حقوق، حيث قال لمليونين من فلسطيني الـ 48 مهدداً "لكل أولئك الذين يتظاهرون ويطلقون الهتافات تنديداً بدولة إسرائيل، وتأييداً للدولة الفلسطينية أقول لهم أمراً بسيطاً: أنتم مدعوون للانتقال الى هناك، الى السلطة الفلسطينية أو الى غزة، إن دولة إسرائيل لن تعرقل لهم تنفيذ الانتقال، أضمن لكم ألا تضع دولة اسرائيل أي مصاعب في هذا الشأن، ولكن من يتبقى هنا سنضع المصاعب في وجه المشاغبين، الارهابيين ومنفذي العمليات".

ليبرمان بدوره ركب الموجه العنصرية ليعيد الحديث عن خطته للتخلص من سكان منطقة المثلث في الداخل بضمهم للسلطة الفلسطينية، وفي هذه الاثناء يزداد التحريض العنصري بشكل كبير على قيادات فلسطيني الداخل واتهامهم بدعم "الإرهاب" وعلى مؤسساتهم باعتبارها راعية للتحريض دون أي انتقاد لجريمة الشرطة بقتل المواطن خير الدين حمدان وحتى اتخاذ قرار بفتح تحقيق مع المتورطين وعزلهم أو تجميد عملهم الى ان ينتهي التحقيق معهم، وهو الأمر الأولي الذي كان يجب ان يتم في أي دولة تراعي أبسط مقومات العدالة، لا سيما وان الجريمة موثقة ويظهر شريط التصوير بشكل جلى وواضح ان الشهيد لم يكن يشكل أي خطر مباشر، وانه قتل عندما كان يبتعد عنهم مولياً لهم ظهره، ما لم يطالب به أصحاب القرار طالبت به بعض القيادات السابقة للشرطة.

سهولة قتل حمدان، وسهولة التملص من المحاسبة التي توفرها الحكومة وأجهزتها لمجرمي الشرطة بحق العرب تعيد الى الذاكرة سهولة قتل ثلاثة عشر فلسطينياً داخل الـ 48 إبان هبة أكتوبر 2000، وسهولة قتل أكثر من 27 فلسطينياً من الداخل بعد هبة أكتوبر 2000 حتى اليوم، الذين قتلوا في حوادث اعتداء مختلفة على أيدي أجهزة "إنفاذ القانون" دون ان يشكل لأحدهم لجنة تحقيق، على الرغم من ظروف وملابسات عدد كبير منها كانت تشير الى انه كان يمكن تفادي القتل، وكانت تستوجب إجراء تحقيق.

لجنة التحقيق التي شكلت في أعقاب هبة أكتوبر 2000 برئاسة القاضي اور خلصت الى إدانة سهولة قيام الشرطة بالضغط على الزناد عندما يكون المشتبه به عربياً، وأشارت الى الممارسات الرسمية تجاه المجتمع العربي التي تخلق لدية انطباعاً بأن الحكومة تعامله معاملة المواطن غير المرحب به، وخلصت الى تقديم الكثير من التوصيات.

بيد أن الدولة ومؤسساتها التي تسري فيها روح القيادة العنصرية لا زالت وستبقي ترى في فلسطينيي الداخل مواطنين في أدني سلم درجات المواطنة، وهم غير مرغوب بهم، وهي لا ترغب حقاً في دمجهم، وان سياسية التنكيل بهم ومضايقتهم هي أفضل استراتيجياتها، وتتعاظم هذه الاستراتيجية الى حد الانفلات العنصري عندما تنتشر رائحة الانتخابات، حيث يمثل الفلسطيني فيها، أينما كان في القدس أو الضفة أو غزة أو الـ 48 كيساً للّكمات على حلبة الصراع الحزبي.