خبر إسرائيل تعيش كابوس المقاومة الشعبية

الساعة 07:04 ص|11 نوفمبر 2014

كتب :حلمي موسى

سيناريو الرعب الأسوأ يتحقق بالتدريج في إسرائيل. فالكيان العبري الذي أراد استغلال الأوضاع العربية المتفجرة والاقتتال الداخلي لترسيخ وقائع على الأرض لم تكن متوافرة سابقاً، اضطر لمواجهة غضب شامل لا يتوقف في كل المناطق التي ظن أنه أنهى أمرها. فالقدس تنتفض بقوة فتحرك الداخل الفلسطيني في مناطق العام 1948، وتجبر النظام الرسمي العربي على التحرك ولو ظاهرياً.
وهكذا، تضطر إسرائيل للإعلان جهاراً عن أنها لا تنوي إجراء تغيير على الوضع القائم في القدس خلافاً لكل أقوالها السابقة، وتضطر لأن تكشف أمام العالم حقيقة تعاطيها مع فلسطينيي أراضي العام 1948 على أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة يسهل ويحق التمييز ضدهم.
وخلافاً للانتفاضتين الأولى والثانية، اللتين انطلقتا أو أديرتا فصائلياً أو من السلطة الفلسطينية، تبدو الانتفاضة الثالثة، أو على الأقل مراحلها الأولى في القدس ومناطق العام 1948، شعبية بامتياز. بل إن أعمال العنف الفردي التي تواكب هذه الانتفاضة كما يحدث بتواتر في عمليات الدهس في القدس والطعن قرب الخليل وفي تل أبيب، تتزايد لتعيد إلى الذهن ظاهرة رافقت الانتفاضة الأولى.
وفي كل حال، يبدو أن ما كانت تتطلع إسرائيل إلى تحقيقه من خلال حشر أهالي القدس وفلسطينيي أراضي 1948 في الزاوية، تبدد دفعة واحدة وأظهر ليس فقط أن القدس غير موحدة ولن تبقى كذلك، بل أيضاً أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ويحملون كل همومه.
وليس هناك ما يغيظ الإسرائيلي أكثر من رفع العلم الفلسطيني في مناطق العام 1948، ما دفع برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى دعوة المحتجين للانتقال إلى الضفة الغربية المحتلة، وكأنه يوحي للعالم أن أهالي الناصرة والطيبة وأم الفحم وكفر كنّا تسللوا إلى إسرائيل خلسة فسمحت لهم بالبقاء وليسوا «أبناء البلد» الأصليين الذين فرضت إسرائيل العزلة عليهم وفصلتهم عن شعبهم.
وهكذا، خلال أربع ساعات فقط، وقعت عمليتا مقاومة شعبية ضد إسرائيليين، واحدة في تل أبيب والثانية في غوش عتسيون بين الخليل والقدس، ما قاد إلى مقتل جندي إسرائيلي ومستوطنة وإصابة آخرين بجروح.
وقتل الجندي الإسرائيلي إثر تعرضه للطعن بسكين في محطة للقطارات في تل أبيب، على يد الشاب نور الدين أبو حاشية (18 عاماً) من مخيم عسكر في نابلس.
وبعدها بساعات، قُتلت مستوطنة إسرائيلية وأصيب اثنان آخران بإصابات متفاوتة في عملية طعن في غوش عتسيون، نفذها أسير محرر يدعى ماهر الهشلمون من الخليل.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن الهشلمون «ترجل من مركبة بالقرب من محطة للحافلات، بعدما صدمها بمركبته، وأقدم على طعن ثلاثة مستوطنين»، في عملية تبنتها «حركة الجهاد الإسلامي».
وبرغم أن إصبع أفراد الأمن الإسرائيلي رخوة على الزناد في مثل هذه العمليات ويقتلون كل من يلوح منه خطر عليهم، فإن هذه العمليات في تزايد، ما يشهد ليس فقط على زوال قدرة الردع الإسرائيلية بل الأهم تنامي مشاعر الغضب الفردي والجماعي من السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين ليس فقط في الضفة والقطاع، بل أيضاً في القدس وأراضي العام 1948.
ولا يغيّر من هذا الواقع محاولة إسرائيل تشديد العقوبات وسن قوانين عنصرية وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، بل ان هناك من يشدد على أن هذا ما يغذي موجة الاحتجاجات الحالية.
وفيما استمرت تظاهرات الاحتجاج ضد التصرفات الإسرائيلية في أحياء القدس ومحيط الحرم القدسي، اشتعل الوسط العربي في داخل إسرائيل من جديد في مظاهر تذكّر بانتفاضة الأقصى قبل 14 عاماً. ومعروف أنه في انتفاضة الأقصى سقط عدد من الشهداء حينما تصرفت الشرطة الإسرائيلية في البلدات والقرى العربية بالطريقة القمعية ذاتها التي تصرف بها الجيش الإسرائيلي في باقي المناطق المحتلة العام 1967. وجاء اغتيال الشهيد خير الدين حمدان في كفر كنّا ليغذي بقوة موجة الاحتجاجات الحالية بعدما ثبت استعداد الشرطة لإطلاق النار فقط لأن المحتج عربي وبغض النظر عن مدى الخطر الذي يمثله.
وخرج الآلاف من أبناء البلدات العربية في أم الفحم وسخنين وكفر كنّا وطرعان وشفا عمرو والفراديس معلنين رفضهم لسياسة إسرائيل تجاههم وتجاه الأقصى. وتتحدث إسرائيل عن أن الاحتجاجات داخل الخط الأخضر صارت تتخذ طابعاً عنيفاً تستخدم فيه الزجاجات الحارقة ورشق الحجارة وإشعال الإطارات وإغلاق الطرق. وأثار ذلك انطباعات بعودة مشاهد انتفاضة العام 2000 إلى الواقع العربي في إسرائيل.
وفي مواجهة تصاعد الاحتجاجات، رفع رئيس الحكومة الإسرائيلية النبرة ضدها، وقال إنه أمر بأن تعمل الأجهزة الإسرائيلية بحزم ضد التظاهرات، لكنه توجه إلى المتظاهرين ضد إسرائيل وتأييداً للدولة الفلسطينية «لأقول لكم أمراً بسيطاً: أنا أدعوكم للانتقال إلى هناك، لن نضع أمامكم أية عقبات».
وقال نتنياهو أمام جلسة كتلة «الليكود» في الكنيست الإسرائيلية إن «الإرهابيين يريدون طردنا من كل مكان. وأنا أعدكم بأنهم لن ينجحوا في ذلك. نحن سوف نهزم الإرهاب».
وفي ما يدل على أن إسرائيل تستشعر خطراً كبيراً، دعا نتنياهو إلى اجتماع أمني طارئ، حيث أوضح مصدر في مكتبه أن «نتنياهو دعا إلى اجتماع عاجل لمناقشة الهجمات التي نفذها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية»، بحسب القناة السابعة «الإسرائيلية». وأشار المصدر إلى أن الاجتماع سيرأسه نتنياهو، وسيحضره قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
وبحسب المعلق العسكري لموقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني رون بن يشاي، فإن «الانتفاضة الثالثة تراكم زخماً، وهي تجري في المسار المعهود: القدس، الوسط العربي وإسرائيل، يهودا والسامرة وحالياً في تل أبيب. واللهيب ينتقل من مكان إلى مكان وكل بؤرة اشتعال تغذي وتلهب البؤر الأخرى. هذا كان في الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة، وفي الانتفاضة الثانية، انتفاضة الانتحاريين».
ومع ذلك، لاحظ بن يشاي وجود فوارق أهمها أن الانتفاضتين الأولى والثانية نشبتا تقريباً دفعة واحدة وبسبب حادث واحد، في حين أن «الانتفاضة الثاثة نشبت عملياً في آذار هذا العام وتصاعدت حتى وصلت إلى الوضع الراهن، الذي تدور فيه بكامل شدتها في القدس، في الوسط العربي في إسرائيل وبقدر أقل في الضفة الغربية».
وأشار إلى أن الوضع الأقل خطراً حالياً هو في الضفة الغربية المحتلة بسبب وجود قوات الأمن الفلسطينية التي تحول دون اندلاع مواجهات كبيرة. كما أن أحداث الضفة لم تخرج بعد عن السيطرة بسبب عدم قدرة حماس أو فصائل أخرى على تطوير حالة في الضفة والقدس جراء الضربات الإسرائيلية.