خبر عودة الى فكرة المناطق المدارة -نظرة عليا

الساعة 10:24 ص|06 نوفمبر 2014

عودة الى فكرة المناطق المدارة -نظرة عليا

بقلم: عوديد تيرا

(المضمون: مبادرة اسرائيلية لتسوية مرحلية او لتسوية نهائية توضع على جدول الاعمال لن تغير بالضرورة الواقع المتبادل في ساحة النزاع، ولكنها ستمنح اسرائيل مساحة زمنية وفرصة لتحسين علاقاتها مع شركائها في العالم - المصدر).

 

من الصعب القول انه كانت لحكومات اسرائيل الاخيرة سياسة منسجمة وواضحة من النزاع مع الفلسطينيين، ولا سيما بالنسبة لموقفها الاقليمي. فسواء من حيث الوجه التصريحي او الوجه العملي فانهما يتميزان بانعدام الثبات، ولهذا فمن الصعب حتى اجراء "هندسة عكسية" (reverse engineering)، تستنتج بواسطتها السياسة من جملة التصريحات والاعمال.

 

فتدحرج الافعال دون تحديد اهداف واضحة ممكن على مدى زمن ما، يحتمل على اساس منطق ادارة النزاع وليس حل النزاع، ولكن ليس واضحا اذا كان ممكنا الاستمرار على هذا النحو على مدى الزمن: فأحداث مثل "الجرف الصامد" تستدعي تحديد هدف نهائي بالنسبة للسلطة الفلسطينية – مثل هذا الهدف النهائي يفترض أن يكون المنصب الذي في ضوءه تدار حملات مثل "الجرف الصامد"؛ فاجراءات يتخذها الفلسطينيون ومحافل في الاسرة الدولية لتدويل النزاع كفيلة بان تجبر اسرائيل على أن تحسم في مسألة سياستها؛ استمرار المساعي الاستيطانية بالوتائر الحالية يثبت حقائق ناجزة على الارض ويجبي من اسرائيل ثمنا دوليا آخذ في التصاعد. في ضوء ذلك، يحتمل أن يكون اقترب الموعد الذي ستضطر فيه اسرائيل الى الاعلان عن سياسة واضحة في الموضوع الفلسطيني.

 

في هذا المقال نقترح مثل هذه السياسة، والتي ينبع منطقها من قيود الفعل والقابلية للتحقق، وليس من هذه الايديولوجية او تلك. وبالفعل، حين يكون من جهة الاضطرار الدبلوماسي – الدولي ومن جهة اخرى الاضطرار الامني – الاستراتيجي، فان مجال السياسة المحتملة لاسرائيل ضيق جدا.

 

الاضطرار الدبلوماسي – الدولي

 

يتعاظم طلب الاسرة الدولية لاقامة دولة فلسطينية ليصبح مصمما والثمن الذي تدفعه اسرائيل بسبب غياب التسوية باتجاه دولة فلسطينية آخذ في التصاعد. ومن كل مواقف اسرائيل في

 

سياق النزاع والسبيل الى حله، فان الاصعب على الدفاع والباعث على الاعتراض الدولي الاكبر، هو ذاك الموقف الذي يتبنى استمرار الاستيطان بالوتائر الحالية. فاصدقاء اسرائيل في العالم قادرون على أن يسلموا باعمال اسرائيلية تتعارض وارائهم (مثل حملات وقائية عسكرية او ضرر عمومي يقع في اثناء معركة عسكرية)، طالما يبدو لهم أن اسرائيل تقدر بان الامر حيوي لامنها. ولكن حتى اقرب اصدقاء اسرائيل غير قادرين على أن يسلموا بتوسيع المستوطنات، والذي يحبط امكانية تسوية سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين ويعتبر ايضا كجزء من الاسباب التي تجعل النزاع السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين مواجهة دينية.

 

ان أحد العوامل الاساسية لسقوط الدول هو "الشد الزائد" (overstretching) – محاولة الدفاع عن المصالح، الاقليمية أو الموقفية، رغم الثمن العالي الذي تدفعه لقاء ذلك. ومن شأن المشروع الاستيطاني – في قسمه الايديولوجي على الاقل – ان يصبح اخفاق الشد الزائد الاسرائيلي. اما اذا اضطرت اسرائيل الى دفع اثمان باهظة في علاقاتها مع شركائها في العالم، فسيكون لذلك مبرر اذا كان من اجل الدفاع عن مصالح امنية حيوية، وليس من أجل الدفاع عن فكر ايديولوجي يعاني من مشكلة شرعية.

 

من هنا الحجة التالية التي تتناول عنوان السياسة الاسرائيلية في الموضوع الفلسطيني: التسوية النهائية للنزاع يجب أن تتم على المستوى التبادلي مع الفلسطينيين، بالطبع، ولكن في هذا الوقت على اسرائيل أن تتصرف في الموضوع الفلسطيني بشكل يزيل العوائق من علاقاتها مع شركائها الاستراتيجيين والاسرائيليين في العالم. اذا كانت هناك صعوبة في الوصول الى تسوية عملية مع الفلسطينيين، فان على المواقف الاسرائيلية ان تبدو معقولة ومصداقة على الاقل في آذان شركائها الدوليين. ومبادرة اسرائيلية لتسوية مرحلية او لتسوية نهائية توضع على جدول الاعمال لن تغير بالضرورة الواقع المتبادل في ساحة النزاع، ولكنها ستمنح اسرائيل مساحة زمنية وفرصة لتحسين علاقاتها مع شركائها في العالم.

 

الاضطرار الامني – الاستراتيجي

 

تنبع منظومة اضطرارات مضادة من العالم الاستراتيجي – الامني. فالميزة الاساس للساحة الاقليمية هي تحدي فكرة الدولة القومية العربية من قبل قوى دون -، فوق، ضد – الدولة، ومعظم الدول القومية العربية (مع التشديد على تلك التي نشأت في سياق اتفاق سايكس بيكو) تنهار أو على الاقل تواجه التحديات.

 

أما الساحة الفلسطينية فتتميز في أن السلطة الفلسطينية بقيادة فتح، تعاني من مشكلة شرعية آخذة في الاحتدام، ضمن امور اخرى لانها تعتبر فاسدة. ميزة بارزة اخرى للساحة هي الشقاق العميق الذي بين فتح، حماس، الجهاد الاسلامي الفلسطيني وفصائل اخرى. اذا أنهت اسرائيل تواجدها العسكري في الضفة فمن شأن النتيجة أن تكون استيلاء حماس على الحكم، وهي التي تتمتع بتفوق عسكري في مواجهة فتح (لشدة المفارقة، بقدر كبير يوجد حكم فتح في الضفة الغربي بمعونة حراب الجيش الاسرائيلي). والتفكير بانه يمكن تجاهل عواصف الشتاء العربي – التي تفكك الدول القومية في المجال الذي بين العراق وليبيا وبين اليمن وحتى سوريا و "جمع" فتح، حماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني في اطار دولة جديدة، مستقرة ومحبة للسلام، تبدو بقدر اكبر كأمنية مما كنتيجة لتفكير سياسي – استراتيجي عملي ما.

 

فضلا عن ذلك، فان التجربة المتراكمة تثبت الادعاء، بانه حتى في زمن السلام، فان اسرائيل ملزمة بان تبقي لنفسها قدرة الدفاع الذاتي، وعلى رأس ذلك التواجد العسكري في غور الاردن وحرية الاحباط العسكري في الضفة. وتجربة "الجرف الصامد" (في مجالات مثل الانفاق والسلاح الصاروخي) ترتبط بتجربة سابقة، التي تؤكد الادعاء بانه توجد تهديدات عسكرية ما أن تتشكل حتى تكون غير قابلة للاقتلاع بثمن مقبول. وبالفعل، فان غياب التواجد الاسرائيلي العسكري المحبط في غزة سمح بنشوء تهديد عسكري، يتعارض ومفهوم الامن التقليدي لاسرائيل (تواجد عسكري مهدد بين البحر والنهر). وفي الحملات العسكرية الثلاثة التي اديرت حيال غزة في سنوات 2009 – 2014، تخلت اسرائيل عن ازالة التهديد لاعتبارات الثمن – وعمليا سلمت بالسلوك تحت ظله. من هنا، فان الاستراتيجية الاسرائيلية المستقبلية ملزمة بان تقوم على اساس الوقاية (عند الحاجة، احادية الجانب) من نشوء تهديدات بين البحر والنهر وليس على اساس اخذ المخاطرة لنشوء تهديدات عسكرية والتصدي لها بعد نشوئها. كما أن الفكرة في أنه يمكن التخلي عن التواجد العسكري في الغور وعن حرية الاحباط في الضفة، واذا ما نشأ تهديد عسكري فانه يزال بأثر رجعي من قبل اسرائيل بثمن مقبول، تبدو بقدر اكبر كأمنية مما هي نتيجة تحليل على اساس التجربة.

 

منذ بدأت مسيرة اوسلو قبل 21 سنة، حكمت في اسرائيل حكومات بالوان رأي متنوعة (برئاسة شمعون بيرس، اسحق رابين، ايهود اولمرت، ايهود باراك، ارئيل شارون، بنيامين نتنياهو)، ولكن سواء الحملات العسكرية الاربعة الكبرى (من السور الواقي وحتى الجرف الصامد) أم اقتراحات السلام بعيدة المدى (كامب ديفيد، طابا وانابوليس)، لم تقترب من خلق ظروف لوضع

 

انهاء مستقر. من الصعب تجاهل التجربة المتراكمة وعليه فمن الصعب تثبيت الادعاء بان الخطوة السياسية التالية (كائنة ما كانت) هي التي ستؤدي الى استقرار الساحة السياسية مع الفلسطينيين وحماية المصالح الحيوية لاسرائيل في المدى البعيد.

 

السياسة المقترحة

 

من كل هذا ينتج ان السياسة الاسرائيلية العملية، في هذا الوقت يجب أن تتضمن خمسة عناصر:

 

1. تحديد هدف سياسي بعيد المدى لدولة فلسطينية قابلة للعيش، في قسم هام من اراضي الضفة الغربية وفي كل قطاع غزة؛

 

2. اكساب مصداقية لتحديد الهدف السياسي المذكور من خلال وقف احادي الجانب للنشاط الاستيطاني الايديولوجي الذي من شأنه أن يحبط امكانية الوصول الى هذا الهدف؛

 

3. الاعتراف بان هدف السياسة بعيد المدى غير قابل للتحقق الفوري في الواقع القائم في الساحتين الفلسطينية والاقليمية؛

 

4. الاصرار على أنه حتى في زمن السلام ستواظب اسرائيل في التواجد العسكري في غور الاردن وفي حرية الاحباط في كل المجال الذي بين النهر والبحر، على مدى فترة طويلة (عشرات السنين):

 

5. محاولات البلورة المشتركة مع شركاء اسرائيل في الاسرة الدولية لتسويات مرحلية مختلفة، مهما كانت فرص نجاحها، على أن يكون ثمن المبادرة ونتائج فشل تحققها معقولا.

 

بقدر كبير، فان السياسة المقترحة تعود الى فكرة "المناطق المدارة" التي عرضت فور حرب الايام الستة. ومعنى هذه الفكرة هي أن اسرائيل تحتفظ بالمناطق ضمن "الاستيلاء القتالي" (Belligrent Occupation) المؤقت ولكن لمن طويل – الى أن يسمح الواقع الامني – السياسي التصرف بها بشكل مختلف وعدم العمل فيها بشكل ايديولوجي أو غيره من شأنه أن يحبط التسويات المستقبلية.