خبر « الوضع الراهن في القدس » دائم الحركة لتعميق السيادة اليهودية

الساعة 03:29 م|02 نوفمبر 2014

أطلس للدراسات

"الوضع الراهن في القدس" هو تسمية إسرائيلية تصف السياسة الاحتلالية تجاه القدس وسكانها الفلسطينيين التي أقرتها الحكومة الاسرائيلية في اليوم التالي من احتلال القسم الشرقي من المدينة سنة 1967، والتي تقوم في جوهرها على تمكين الأوقاف المقدسية من إدارة المقدسات الإسلامية في القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وتدعو الى التعايش تحت الاحتلال مع احتفاظ الأحياء الفلسطينية المقدسية بخصوصية نسبية.

هذه السياسة الاحتلالية الخاصة بمدينة القدس كانت وليدة الادراك الكبير لدى دولة الاحتلال لحساسية ومكانة المدينة المقدسة لدى عامة العرب والمسلمين، ومكانتها لدي العائلة الملكية الأردنية، حيث كانت تطمح إسرائيل دوماً لتنمية علاقات تصالحية مع الأردن؛ هذا فضلاً عن ان اسرائيل كانت تطمح بداية لتثبيت وشرعنة ضم وتوحيد القدس، وكان يهمها ان تقدم نفسها كدولة قادرة على توفير حرية العبادات الدينية ورعاية المقدسات الدينية لكافة الأديان، أي انها لم تكن تعبر عن كرم احتلالي أو عن غياب أية أطماع ونوايا تلمودية، فالوضع الراهن في القدس في السنوات الأولى للاحتلال كان نتيجة الظروف السياسية والأمنية وموازين القوى القائمة في تلك الفترة.

بيد ان السياسة الحقيقية التي اتبعتها اسرائيل كانت عبارة عن وضع راهن دائم الحركة باتجاه تغيير الوضع الراهن لصالح وضع راهن جديد تتعزز معه الصفة والهوية اليهودية للمدينة على حساب تراجع الطابع الفلسطيني والإسلامي، وقد اعتمدت هذه السياسة على إحداث تغيير تراكمي بطيء، يتسم بالثبات والاستمرار والشمول، مع التحسب للمزاج العام والظروف القائمة وحساسية اللحظة.

ومع ان سياسة تعزيز السيادة السياسية والدينية اليهودية على المدينة المقدسة شكلت، ولا تزال، اجماعاً لكل الائتلافات الحكومية المختلفة السابقة؛ إلا انها تأثرت تكتيكياً بالمعسكر الحزبي الحاكم، فتميزت الحكومات التي يتزعمها "الليكود" بزيادة حدة الممارسات الاستفزازية.

عمليات حث التهويد والاستيلاء على المباني، ومصادرة الأراضي، وحفر الأنفاق، وإقامة الأحياء الاستيطانية الجديدة، واقتحامات الأقصى، وبطش الشرطة بالسكان، وتصعيد إجراءات البلدية ذات الطبيعة والغاية الانتقامية من السكان تصل ذروتها هذه الأيام، وباتت تشكل اجماعاً اسرائيلياً، 46% من الاسرائيليين يقولون ان نتنياهو محق تماماً في البناء في كل مكان شرقي القدس، و28% يقولون انه محق مبدئياً لكن عليه ان يختار التوقيت المناسب، أي ان 74% يؤيدون الاستيطان والبناء في كل الأحياء المقدسية من الناحية المبدئية لكنهم يختلفون من حيث مراعاة اختيار التوقيت المناسب.

حمى السيطرة على الحرم وتقسيمه وصلت الى الوزراء وأعضاء الكنيست، والى كل المكونات الحزبية والسياسية والثقافية، ونتنياهو هو ضابط الايقاع الفعلي والموجه والمحرض الرئيسي، ومنذ فتره طويلة لم يعد الهوس التلمودي بتقسيم الأقصى وإعادة بناء هيكلهم المزعوم فقط من نصيب مجموعات متطرفة، وحسب الكاتب في هآرتس اوري مسغاف فإن "الراقصين فوق الدماء والمهووسين بإشعال الحرائق والذين يسعون لإشعال حرب يأجوج ومأجوج وطرد المسلمين وازالة قبة الصخرة، ولم يعودوا كما كانوا في السابق على هامش اليمين المسيحاني، وباتوا يتحولون شيئاً فشيئاً الى جزء من الاجماع".

التغيير الانقلابي والجذري لما يسمى بالوضع الراهن يثير انتقادات ومخاوف واسعة لدى شريحة من السياسيين والكتاب، ليس لأنهم يعارضون الأهداف النهائية للتغيير؛ بل لأنهم يشعرون ان الأمور تسير بوتيرة أسرع من اللازم، وعبر مظاهر استفزاز علنية كبيرة وواضحة، لا تراعي حكمة الأخذ بالتدرج والدبلوماسية الناعمة الملتوية، وتفضل الوسائل العنيفة على حساب الغايات، حيث ان منتقدو هذه السياسة يخشون من ان هذه السياسة تولد عنها فعلياً الانطباع ان اسرائيل ذاهبة باتجاه تغيير ترتيبات الصلاة في الحرم؛ الأمر الذي من شأنه ان يستفز ملايين العرب.

فرض السيادة الاسرائيلية كاملة على مدينة القدس، بجميع احيائها وبلداتها، كان يمثل اجماعاً اسرائيلياً، ولكن بتفاوت بين الأحزاب من حيث جرأة الوضوح وعلانية الموقف، وكل يوم يمضي يزداد هذا الاجماع اجماعاً ووضوحاً وعلانية.

وينحصر الخلاف بين الاحزاب والنخب، إضافة لموضوع التوقيت والأخذ بالظروف، بعلاقة دولة الاحتلال وبلديتها بفلسطينيي القدس، حيث ان "المعتدلين" من بينهم يحملون سياسة تهميش الأحياء والسكان الفلسطينيين وإقصائهم وعنف الشرطة تجاههم، وسياسة الاستفزاز المتعمد، والتضييق والاستيطان في قلب أحيائهم التي تشبه وضع الاصبع في العين؛ السبب في اندلاع المواجهات، ويطالبون بانتهاج سياسات ايجابية تعزز التعايش ورؤية الفلسطينيين كجزء من المشهد الايجابي لعاصمة اسرائيل الموحدة، أي انهم يغمضون أعينهم متعمدين عن الدافع الرئيسي لأي احتجاج فلسطيني وغاياته وأهدافه، وهي مزاعم مستفزة من أدعياء الحمائمية والليبرالية الصهاينة في محاولتهم لي عنق الحقيقة والتنكر المتعسف لمطلب الحرية والاستقلال لعاصمة الدولة الفلسطينية.

إن قضم القدس يسير على قدم وساق، بشكل حثيث ويومي، وبات ابتلاعها مسألة وقت، ويبدو ان الأضرار التي تلحق بالهوية الفلسطينية والاسلامية بالقدس وبمستقبلها أصبحت للأسف بلا رجعة في المنظور المستقبلي المرتبط بأدوات الصراع الحالية وآفاق الحل المطروحة، ولم تعد تأبه دولة الاحتلال بكل أشكال التصدي المتواضعة، سواء على المستوى الميداني أو الرسمي الفلسطيني والعربي، رغم جرأة وبسالة أبناء القدس في تصديهم للهجمات الصهيونية على مدينتهم.

وأصبح من الضرورة بمكان ان يعيد الفلسطينيون قبل العرب النظر في كل سياساتهم وتجربتهم وأدائهم الذي كلل حتى الآن بالفشل، وان يعيدوا بناء خططهم واستراتيجياتهم بحيث تمثل القدس بوصلتها وقلبها، وان ترتقي لمستوى الأخطار المهددة للقدس، ومطالبة العرب بسحب مبادرتهم للسلام وسحب سفرائهم، فلا يعقل ان تنزف القدس واسرائيل تتمتع بعروض السلام وثماره.