خبر مسار تصادم .. يديعوت

الساعة 10:11 ص|31 أكتوبر 2014


بقلم: عكيفا نوفيك

(المضمون: وصف لاعمال يهودا غليك الذي تعرض للاغتيال أول أمس ونشاطه لاجل تمكين اليهود من الصلاة في داخل باحة المسجد الاقصى وعلاقته بالشرطة التي كانت تبعده على الدوام عن الوصول الى باحة المسجد الاقصى - المصدر).

في حال يهودا غليك كان العنوان وما يزال مطليا به عشرات الجدران. إن قادة النضال لأجل حرية العبادة اليهودية في جبل الهيكل يخضعون في الفترة الاخيرة لحملة تحريض هوجاء وعنيفة في الشبكات الاجتماعية. والشرطة والنيابة العامة وكل متصفح محب للاستطلاع يعرف ذلك، لكنه لم ينجح ببساطة في إسماع صرخته الى أن استقر رأي مُغتال عربي على أن ينتقل الى العمل هذا الاسبوع.

لا يعني ذلك أنه لم يحاول. "إنني أعبر هنا عن خوف شديد جدا. وأنا أخشى أن يصبح العنف الكلامي عنفا جسمانيا"، أعلن في لجنة الداخلية التابعة للكنيست في 23 من حزيران 2014. "لقد نالني أنا نفسي الركل والحجارة والرمي بالاحذية. وأنا أتوسل قبل أن يصبح ذلك متأخرا وقبل أن نبلغ الى حال سفك الدماء". وكتب في الآونة الاخيرة في تصريح جماعي للصحفيين: "يجب على أحد ما أن يستيقظ قبل أن تقع كارثة". وقال في مقابلة صحفية مع "يديعوت احرونوت" قبل سنة: "لا أحد يعتقد أنني خطير. واذا كان شخص ما خطرا علي فليجعلوا لي حراسا ملازمين".

بل إنه وصل الى رئيس الوزراء؛ فقبل شهرين تسلل بين مصاحبي نتنياهو بعد نهاية حفل ما ووقف أمامه وصرح غليك قائلا: "يا سيدي، ما زالت حماس تسيطر على جبل الهيكل بالعنف. وكل يهودي يحج الى جبل الهيكل يناله عنف شديد جدا، فيجب علاج ذلك". وتلفظ نتنياهو بقوله: "يجب علاجهم"، وانتقل بعد ذلك فورا الى سلسلة صور "سيلفي" مع نشطاء من الليكود.

متى سُمعت صرخة غليك؟ في الساعات التي تلت محاولة الاغتيال، لكنها سُمعت هذه المرة من أفواه أبناء عائلته الدهشين، ووجد هذه المرة ايضا من سمعها. "إن الشرطة بدل أن تحميه نكلت به"، قال والده البروفيسور شمعون غليك. "كان ابني مهددا منذ زمن بعيد. وهو يستحق حماية لكنه لم يحصل عليها فقد تخلت الشرطة عنه".

عرض إخوة غليك منشورات التهديد العربية وهي صورة يهودا في داخل "إكس أحمر" مع تهديدات صريحة بالقتل بالعبرية والعربية. وتحدثت الأخت حايه كيف اشتكت في مساء رأس السنة للشرطة بعد أن تلقت تهديدات هي ايضا، لكنها لم تحظ برد منذ ذلك الحين، وقد فضلوا في شرطة اسرائيل أمس ألا يردوا على الاتهامات.

إن معارف غليك لا ينظرون الى الوراء فقط لأن ارنون سيغال شريك درب غليك وابن الصحفي حاجي سيغال وشقيق العامل في القناة الثانية عميت سيغال يظهر هو ايضا في منشورات التهديد. وأرنون الذي اعتاد أن يحج الى الجبل مع غليك موجود اليوم في الوضع الذي كان فيه غليك حتى مساء يوم الاربعاء.

أيّد الوالد الانفصال

الحديث عن خبير باحداث المغص: المغص للمسلمين الذين تخيفهم أحلامه عن الهيكل، ويسبب مغصا لا يقل عنه لليسار الاسرائيلي الذي يصعب عليه أن يؤيد رفض حرية العبادة السافر، ويسبب المغص ايضا لمعسكر اليمين الذي لا يعرف حقا كيف يهضم هذا الرجل وحماسته. ويعرف غليك كيف يلمس الجذور المكشوفة للصراع اليهودي العربي حتى حينما لا يكون ذلك مريحا لأحد.

ومع ذلك يتفق كل من التقوا مع غليك على شيء واحد وهو أنه ليس شخصا عنيفا، وهذا إجماع.

هاجر غليك إبن الـ 49 الى اسرائيل مع عائلته في سنة 1974 من بروكلين الى بئر السبع. وعمل والد العائلة شمعون طبيبا كبيرا في مستشفى سوروكا وفي وزارة الصحة وعميدا لكلية الطب في جامعة بن غوريون في النقب. إن الوالدين شمعون وبراندا، من اعضاء اليسار الصهيوني في آرائهما، يؤيدان تصالحا على الارض وأيدا الانفصال ايضا، لكن أبناءهما الستة مغروسون الى اليمين عنهما مثل الـ 46 حفيدا ايضا. "نحن عائلة متعددة الآراء"، كما يُعرف ذلك شمعون ويصر على "أن يهودا ايضا ليس يمينيا حقا. بل هو نشيط سلام. وهو لا يتناول العرب في وجبة الفطور ولا يحرض إلا على السلام".

جمع غليك على مر السنين ما لا يقل عن 14 ولدا. ونقول "جمع"، لأن اثنين منهم جاءوا بالتبني، وستة منهم هم أيتام عائلة إيمس قتل والداهم في عملية في 2010. وسجل اسم غليك صديق الوالدين المقرب على أنه كفيل الاولاد، وتشمل عائلة غليك الواسعة المتشعبة كاتب هذه السطور ايضا.

بدأ غليك طريقه المهني نشيطا لاجل الهجرة من الاتحاد السوفييتي الى اسرائيل الى أن لقي يولي ادلشتاين الذي عينه متحدثا عن وزارة استيعاب المهاجرين. وغيرت خطة الانفصال مسار حياته حينما استقال غليك الغاضب احتجاجا على اخلاء غوش قطيف وأصبح أرفع ذي منصب فعل ذلك. واستقر رأيه بصفته عاطلا جديدا على أن يحقق حلما قديما فانضم الى "معهد الهيكل" الذي يطمح العاملون فيه الى التمكين من انشاء الهيكل بطرق سلمية. وشارك غليك في اعداد شمعدان ذهبي ومذبح وملابس كهنة وآلات موسيقية، وشارك في مقابل ذلك في دورة تعليمية لمرشدين وأصبح المرشد اليهودي الانشط في الجبل.

وهو اليوم يكسب رزقه في الاساس من ارشاد مجموعات في الجبل وبالعمل مع فتية مهاجرين الى البلاد في عتنيئيل حيث يعيش. "ليس جبل الهيكل مصدر رزقي فقط بل هو مصدر حياتي"، قال لنا في لقاء صحفي قبل سنة.

حاول غليك أن يُبين لنا الفرق بين سجل اتهاماته الضئيل وبين القدرات العجيبة على احداث حريق التي ينسبونها اليه في شرطة القدس. وقبل نحو من ثلاث سنوات، مثلا، عرّف قائد محافظة القدس (آنذاك) نيسو شاحم، عرّف غليك بأنه أخطر انسان في الشرق الاوسط، لا أقل من ذلك. وكان ذلك بعد أن زعم منشور مجهول أن موشيه فايغلين يخطط لهدم المسجدين على الجبل. واشتبه شاحم بغليك أنه هو الذي نشر المنشور، وألصق به ذلك النعت المريب في توجيه صحفي.

محور يلتف على الأوقاف

إن مكانة جبل الهيكل القانونية بمثابة لغز. ففي 1967 بلغ المظليون في الحقيقة الى الجبل ورفعوا علم اسرائيل فوقه لكنه طوي خلال ساعات معدودة بأمر من وزير الدفاع موشيه ديان الذي لم يشأ المس بالعرب. وجاء ديان الى رؤساء الاوقاف (وهو الجسم الذي يحرس الاماكن المقدسة الاسلامية) وسلمهم مفاتيح الجبل بصورة فاجأتهم. ومنذ ذلك الحين أصبح الفلسطينيون يديرون ذلك المكان تحت مسؤولية الشرطة. وقضى قضاة المحكمة العليا عدة مرات بأن من حق كل يهودي أن يصلي في الجبل إلا اذا كان في ذلك خطر على سلامة الجمهور. لكن شرطة القدس تخشى خشية خاصة تغييرات في الوضع الراهن وتمنع كليا كل مظهر من مظاهر الشعور اليهودي في الجبل بحجة أن في ذلك خطرا. وأثير في السنوات الاخيرة موضوع الزيارات والصلوات في الجبل في برنامج العمل العام الديني في اسرائيل، فقد أصبح عدد الزوار يزيد بصورة منهجية، وأصبح عدد يزداد من الحاخامين يتجرأون على إباحة الزيارة للجبل، وتجري في الكنيست نقاشات كثيرة لما يحدث في الحوض المقدس.

يستمد غليك "خطره" من الفلسطينيين خاصة الذين يولون صلواته كما يبدو أهمية كبيرة (ويُشتق خطر نشطاء جبل الهيكل على العموم من مقدار العنف العربي الذي قد يُحدثونه). ويوضع غليك في رأس الهرم. وقد وجد هو ورفاقه في السنوات الاخيرة طريقة مُحكمة للالتفاف على الحظر الاسرائيلي للصلاة في الجبل، فهم يدمجون الصلاة في كلمات تفسير مختص أو في مكالمات هاتفية تمثيلية. "أتسمع؟ إسمع اذا يا اسرائيل"، هذا حديث شائع في الجبل، أو "هنا عن اليمين تستطيعون أن تروا "ليتمجد اسمك يا ملكنا الى الأبد" وما شابه. ويميل رجال الشرطة الاسرائيليون الى تجاهل ذلك ما لم يُغضب العاملين في الأوقاف. لكن حينما يغضب هؤلاء يدفع المصلي اليهودي ثمن ذلك.

ضيف دائم في "القشلة"

ما زال شمعون غليك يقعد منذ ليلة يوم الاربعاء عند مدخل قسم علاج الطواريء في مستشفى شعاري تصيدق حيث يناضل الاطباء عن حياة ابنه. ويبلغه العاملون في الفريق الطبي الذين يعرف بعضهم معرفة جيدة في هيبة قليلة آخر ما يستجد على حال ابنه. وهو يقول: "كنت أخشى دائما أن يحدث هذا. فيهودا هدف واضح، فهو أشقر طويل القامة وبارز. وقلت له عدة مرات إنه في خطر، فقد تلقى تهديدات، ومدوناتهم وصحافتهم مليئة تحريضا على قتله، فلا يجب أن تكون عبقريا كبيرا كي تفهم".

إن علاقات يهودا غليك بشرطة اسرائيل تستحق كتابا كبيرا. وقد كانت لغليك في واقع الامر علاقات مزدوجة بالسلطة التنفيذية باعتباره مرة مخالفا للقانون أُبعد عن جبل الهيكل مرة بعد مرة جراء العدوان على القواعد، ومرة باعتباره مقدم شكوى نقل الى الشرطة منشورات تحريض على قتله واستجدى حماية. والفروق بين علاج الشرطة للتوجهين بارزة لا لبس فيها الى أن سُمعت في اليومين الاخيرين أصوات تجعل علاج الشرطة لغليك في صف واحد مع تقصيرات مركز الشرطة 100 وسائر الاحراجات التي تقدمها الشرطة في المدة الاخيرة.

ولنبدأ؛ ففي 2011 أُبعد غليك أول مرة عن الجبل مدة سنتين بعد أن ضُبط وهو يتلفظ بصلاة "صعدنا لتلاوة الثناء" التي فيها 81 كلمة. وبعد سقوط أمر الابعاد بمدة قصيرة حصل على عقوبة اخرى. "كنت مرشدا في جولة وبعد أن انتهت تقدم مني ضابط وأبلغني أنني موقوف بسبب "سلوك قد يُخل بالنظام العام" "، قال في لقاء صحفي في "يديعوت احرونوت". "قالوا لي في التحقيق إن لديهم صور فيديو تُبين أنني أصلي في الجبل، وأجبت بأنني أصلي دائما بل إنني قلت ذلك في المحكمة العليا للقضاة ملتسار وجبران وروبنشتاين، وأجابوا بأنه لا توجد أية مشكلة في ذلك. وفي 90 بالمئة من المرات أدمج الصلوات فيما أقول في الارشاد". ووقع ذلك الابعاد سواء أكان صدفة أم لا، قبل أن يبدأ مشروعه وهو جولات منظمة في الجبل بأيام معدودة. وبدأ غليك يضرب عن الطعام، وأصبح عامل ضغط وأرسل رسائل الى عشرات اعضاء الكنيست. وقد أدار المبادرة بتحكم من بعيد من باحة حائط المبكى، وهو يطلع اصدقاءه في الفيس بوك على جهوده مع الشرطة.

"لم تجر على مر السنين ايضا مسيرة المثليين في القدس لأن الحريديين هددوا بحرب عالمية. وفي اللحظة التي استقر فيها رأي الشرطة على حماية السائرين في المسيرة، حدث ذلك"، قال غليك. "عمل الشرطة حراسة النظام العام لا أن تخضع لجميع أنواع التهديدات الارهابية". وأُبعد غليك عن الجبل مرة بعد اخرى، وأسقط من وزنه عشرات الكيلوغرامات باضرابات احتجاجية قام بها عند حائط المبكى.

وفي مرحلة ما أدرك غليك المبدأ وبدأ يناضل بأكثر الاسلحة إيلاما للشرطة وهو نور الشمس، ففي شهر أيار الماضي تقدم غليك باستئناف الى المحكمة العليا وطلب في مقابل ذلك تعويضا من الشرطة بعد شهري إبعاد بسبب صلاة غير مسموح بها. وخاف كبار قادة الشرطة والنيابة العامة فكرة أن يضطروا الى القاء الضوء على ما يجري في الجبل – فهذه قضية ذات أهمية سياسية (داخلية وخارجية) وأمنية عظيمة، يُبت فيها مرة بعد اخرى بحسب تقدير رجال شرطة بسطاء في الميدان أو بأوامر سرية من مكتب رئيس الوزراء. وقبل المداولة بلحظة وافقت الشرطة فجأة على الغاء إبعاده اذا تفضل فقط بسحب شكاواه. وحينها بدأ فصل جديد في سلسلة المأساة – الملهاة "حكايات يهودا غليك في جبل الهيكل".

تعلم غليك في نصف السنة الاخير أن يعرف جيدا زنازين اعتقال "القشلة" – وهي محطة الشرطة العثمانية في البلدة القديمة، وقد تم الفحص عن كل تلفظ له في الجبل بسبع أعين واستُدعي الى احاديث توبيخ، وتم توقيفه مرات متوالية لأنه كان يرشد بصوت عال وأغضب العاملين في الأوقاف بشتى الطرق. لكن امتنعت الشرطة برغم توقيفه المتوالي عن أن تقدم لائحة اتهام له كي لا يُكشف عن طرق عملها معه. ووصلت الامور الى المفارقة المنطقية حينما تم توقيفه ذات يوم لأنه التقط صورة للمنتظرين في الصف عند باب المغاربة، وهو صف يُميز فيه معتمرو القبعات. وأمر القاضي باطلاق سراحه لكنه أوقف في الغد مرة اخرى بسبب الذنب نفسه بالضبط، وحظي آنذاك بتعويض بلغ 30 ألف شيكل بأمر من المحكمة.

وجاءت الذروة في ايلول الماضي إذ استدعي غليك للتحقيق وأُبلغ أنه هاجم امرأة عربية في جبل الهيكل وأصابها اصابة شديدة. وشهد شرطيان بأن ذلك هو ما كان وبأنهما شهدا الواقعة القاسية. وكانت لغليك حجة غياب مقنعة كثيرا، فقد كان في ذلك الوقت في محكمة السير بل التقطت له صورة هناك، وحينما عرض حجة غياب غيرت الشرطة روايتها وزعمت أن الواقعة وقعت في 31 آب قبل اليوم الذي ذكره رجال الشرطة بيومين. "يصعب علي أن أقبل دعوى الخلط بين التاريخين لأن الحديث عن وثائق صدرت بعد الواقعة بيوم أو يومين فقط يذكر فيها رجال الشرطة بصراحة تاريخ 2/9 على أنه يوم الواقعة"، كتبت القاضية جويا شبيرا وأعادت غليك الى الجبل.

شارع سريع الى الهيكل

في مساء يوم الاربعاء بعد محاولة الاغتيال بوقت قصير اجتمع اصدقاء غليك المقربون خارج باب غرفته. وقد كان هناك اعضاء الكنيست موشيه فايغلين وشولي مُعلم ويهودا عتصيون (المُبعد عن الجبل دون تحديد وقت)، والحاخام اسرائيل اريئيل (الذي عاد في الآونة الاخيرة بعد ابعاد بلغ سنوات)، وميخائيل بوؤاه (من الزعامة اليهودية) ونشطاء الجناح اليميني من الليكود. والشيء المشترك بينهم الى جانب التوق الى الصلاة في الجبل المقدس الخطير، أنهم جميعا يعتبرون الآن بمثابة مطلوبين، وربما يتجول في مكان ما قاتل آخر هدفه أن يقضي على نشطاء جبل الهيكل. فهل يوجد حراس ملازمون؟ أم عمل سري؟ لن تصيبوا الوجهة الصحيحة. إن الحديث خارج الغرفة تناول مبادرة طموحة لعتصيون الذي يخطط لأدق تفاصيل الهيكل الثالث مثل الشوارع ومواقف السيارات وفنادق لملايين الحجاج ولـ "كل ما يُحتاج اليه لتكون عندنا هدية حسنة ليهودا حينما يُبعث".