خبر الهجرة المعاكسة وحكاية الإسرائيليين مع برلين ..ماجد الشيخ

الساعة 07:22 ص|28 أكتوبر 2014

كشفت القناة «العاشرة» الإسرائيلية، نتائج استطلاع أجرته أخيراً، أظهر أن ما يزيد على نصف مليون إسرائيلي يعتزمون الهجرة بسبب غلاء المعيشة في إسرائيل. وبين الاستطلاع أن 50 في المئة من الإسرائيليين الذين تراوح أعمارهم بين 25 و44 عاماً يفكرون في الهجرة. فيما رأى ما يقرب من 61 في المئة من الذين شاركوا في الاستطلاع، أنه لا مبرر لغلاء المعيشة، وأن الاحتجاجات التي اندلعت صيف 2011 والتي تتكرر كل عام فشلت في إحداث أي تغيير إيجابي.

ولأن التوترات الاجتماعية والأزمة الاقتصادية والاضطرابات الأمنية لا آفاق نهاية أو معالجات ناجعة لها من ائتلاف حكومي ذي تركيبة يمينية متطرفة، فقد ازدادت بصورة كبيرة الهجرة المعاكسة من إسرائيل في الآونة الأخيرة. وتشير تقارير رسمية ودراسات أكاديمية إلى أن نحو 26 ألف إسرائيلي يغادرون البلاد كل سنة منذ أربع سنوات. وبحسب مكتب الإحصاء المركزي، فإن معظم المغادرين هم من الشباب والأكاديميين ممن يبحثون عن فرص للتعلم والعمل، خاصة في ألمانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة. ويبلغ متوسط أعمار الإسرائيليين المغادرين 28 عاماً، ويشكل اليهود الروس 40 في المئة منهم، ويعودون إلى وطنهم الأم أو ينتقلون إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وكانت معطيات دائرة الإحصاءات المركزية كشفت في 2011 أن ستمئة ألف إسرائيلي يقيمون خارج فلسطين المحتلة، وأن عدداً مشابهاً يحملون جوازات سفر أجنبية. وأشارت دراسة في هذا الشأن، إلى أن الهجرة المعاكسة تكثر، خصوصاً وسط العلمانيين من الشباب ذوي المهارات والشهادات العالية، وذلك لأسباب، من أهمها ضعف الفكرة الصهيونية، والتدني الكبير في مستوى المعيشة في «أرض الميعاد». ويرى باحثون أن العامل الأساسي والمفاجئ في تحديد الرغبة في الهجرة ليس نابعاً من الأوضاع الأمنية، وإنما من الأوضاع الاقتصادية.

ولأن ظاهرة هجرة الشباب الإسرائيلي لاعتبارات اقتصادية ودواع امنية، أصبحت لافتة، فقد كشفت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي، نقلا عن مصادر رسمية، أن هناك نحو 800 ألف إسرائيلي غادروا إسرائيل، ووجدوا لهم مأوى دائماً في دول العالم، معظمهم من الشباب والعلمانيين.

وتحت عنوان «العام المقبل في برلين – أورشليم الجديدة» نشرت مجلة « ذي إيكونومست» البريطانية تقريراً عن الهجرة العكسية من اسرائيل، والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، فقد زادت عمليات النزوح الفردي والجماعي، خاصة الى مدينة برلين الالمانية.

وفي تقريرها قدمت القناة العاشرة فرقة موسيقية أسسها مهاجرون إسرائيليون تدعى «شمامل» وألّفت أغنية راب عنوانها «برلين» صُوّرت مشاهدها في أربع قارات. وكلمات الأغنية كافية لتعكس المزاج السائد في أوساط الشباب الإسرائيلي، وتلقي الضوء على دوافع تركهم للبلاد غير آبهين بالصهيونية.

وبخلاف الماضي، يجاهر هؤلاء الشباب بذلك من دون خجل. وتقول الأغنية بالعبرية ما معناه: «لأجل ماذا نبقى هنا يسألون في كل مكان؟ يمكننا ركوب أول طائرة وتنفس الصعداء، الجواب قاسٍ وليس سهلاً. الجارة تقطن في لوس انجليس منذ 15 سنة وتمتدح الذهاب بلا ندم... كل عائد من خلف البحار يحدثني كم هو جميل هناك... برلين برلين وإن نسيت يدي اليوم سآتي اليك يا من تنتظرين، رائحة اليورو والسلام والنور… جدي وجدتي لم يأتيا إلى إسرائيل بحثا عن الصهيونية فقط بل هرباً من الموت، والآن فهما أنها ليست حياة... يفضلوننا بعيدين على البقاء فقراء… لا هذا هروب أدمغة وليس هروباً مريحاً. هذا هروب مع الأرجل، كي يبقى رأسنا مرفوعاً فوق وجه الماء، وحتى أبونا يعقوب هرب إلى مصر حيث أجرة المسكن أقل بثلثين والراتب ضعفان».

وردا على سؤال موقع «والا» الإخباري، يشير أحدهم ويدعى فايدمان، إلى أن الأغنية ولدت على خلفية تزايد الحديث في إسرائيل عن الهجرة، لافتا إلى سماعه كثيراً من قصص المهاجرين قبيل اتخاذه قرار ترك إسرائيل. ويقول: «قبلت مقترحاً بمرافقة عشرين شاباً إسرائيلياً قرروا الرحيل إلى برلين بشكل جماعي لتسهيل الانتقال، عندها أدركت أنه طبيعي جداً أن يبدل المرء شقته ويغير دولة يعيش فيهاً بحثاً عن حياة أفضل له ولأولاده». ويعبر فايدمان عن خيبة أمل أوساط شبابية كبيرة في إسرائيل خرجت إلى الشوارع في 2011 مطالبة بخفض مستوى المعيشة، وبإجراء إصلاحات اقتصادية- اجتماعية وكانت تنتظر من حزب الطبقة الوسطى يش عتيد (يوجد مستقبل) أن يفي بوعوده الانتخابية، لكن من دون جدوى، رغم مرور عام ونصف عام على الانتخابات.

وهذا ما قاله أيضاً للقناة العاشرة شاب إسرائيلي سافر الى لندن، حيث يقيم اليوم نحو 80 ألف إسرائيلي. يشار الى أن هناك موقعاً عبرياً ضخماً على الشبكة بعنوان غادر إسرائيل «leaveisrael»، يشكل منبراً ودليلاً للمهاجرين الإسرائيليين ووسيلة للتعاون بينهم.

وقبل أيام أُطلقت حملة شبابية تدعو الإسرائيليين للهجرة إلى برلين، بسبب غلاء المعيشة في إسرائيل، قال القيمون عليها إنهم تلقوا 9300 طلب من إسرائيليين، يطلبون الهجرة إلى العاصمة الألمانية للعمل والإقامة، وأنهم توجهوا إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بطلب الحصول على آلاف تأشيرات العمل. وقال المبادر إلى هذه الحملة للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي: «طلبت 25 ألف تأشيرة عمل موقت لمدة 3 سنوات بموجب شروط الحكومة الألمانية». وأضاف: «توجهت إلى خبراء اقتصاديين ألمان لكي يساعدوني في صَوغ خطة لتحسين سوق السكن والغذاء في إسرائيل. فإذا كانت الأسعار في ألمانيا متدنية إلى هذه الدرجة، يبدو أن شيئاً ما ناجح، فلماذا لا نتعلم منهم؟».

وشدد منظمو هذه الحملة في صفحتهم على «فايسبوك» على أن الوضع في البلاد هو شهادة فقر لإسرائيل، وقال أحدهم: «أجريت معي مقابلة في «دير شبيغل»، الصحيفة الأولى في ألمانيا، وسينشر ملحقهم في نهاية الأسبوع طلبي الشخصي من المستشارة الألمانية ميركل، المدعومة بطلباتكم، للحصول على آلاف التأشيرات للعمل الموقت». وأضاف: «أعتزم أن أتوجه لاحقاً إلى حكومة اسبانيا وتسريع موضوع الحصول على الجنسية لأكثر من 3 ملايين يهودي – سفاردي (شرقي) إسرائيلي». وأمل القائمون بهذه الحملة بأن تتسع حملتهم التي تسمى في إسرائيل «احتجاجات برلين»، وتشمل مدناً أخرى.

وقال منظمو الحملة، مشيرين إلى أسباب احتجاجهم، إن «الأفراد الذين ليس بمقدورهم شراء بيت حتى لو عملوا 35 عاماً، والأفراد الذين يوفرون لمدة 15 عاماً وأكثر فقط مبلغاً بسيطاً لشراء شقة، أولئك الذين يصارعون ضد قروض الإسكان، شبان، طلاب جامعات، سائقون، مهندسون، حاضنات، أبناء 14 عاما، أفراد شرطة، تلامذة ثانويات، ضباط جيش، كلهم يتوجهون إلينا ويطلبون ألا نكشف أسماءهم، لكنهم يتوقون للخروج من هنا، إلى مكان يكون ممكناً فيه شراء بيت، أو الدخول إلى السوبرماركت من دون أن يُذبحوا» بغلاء الأسعار.

مهما يكن من أمر، ما قد يقوله بعض المسؤولين الإسرائيليين عن ظاهرة النزول من «أرض الميعاد» والصعود إلى الأرض الجديدة (برلين) أو غيرها من المدن العالمية، فإن واقع الحال في إسرائيل يؤشر لانقلاب في المزاج العام، وإن يكن محدوداً اليوم. ولا شك في أن اتساعه وتزايده في المستقبل، سيشكل ليس ظاهرة محدودة بل سيرقى إلى أن يكون هو الحدث الأهم، لا سيما في الأوساط التي ترفض سياسات الاستعمار والاستيطان العنصري لمجموعة من عصابات اليمين واليمين المتطرف التي تهيمن على الائتلاف الحاكم.

وهكذا ولأن غالبية يهود العالم هم في الأصل مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه أعلى من مثيلاتها في إسرائيل، ونتيجة عدم وجود عوامل حقيقية طاردة لليهود من بلد المنشأ، وكذلك عدم القدرة على تهيئة ظروف حقيقية جاذبة ليهود العالم باتجاه إسرائيل، على ما كان الحال في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، يمكن الجزم بأن مؤشرات تراجع الهجرة اليهودية، ستطفو على السطح بوضوح في السنوات المقبلة. وما هذا الإلحاح على مسألة «يهودية إسرائيل» بأمل جذب يهود لم يجربوا بعد قضية الهجرة إلى «أرض الميعاد» المزعومة، سوى المحاولة الأبرز للوقوف في وجه الاتجاه المضاد العامل على فكرة الهجرة المعاكسة والنزول من «أرض الميعاد»، والصعود مرة أخرى إلى برلين، وغيرها من المدن العالمية التي باتت حلم الكثيرين من الشباب والعائلات اليهودية، كـ «أرض ميعاد» جديدة، ولكن حقيقية وواعدة هذه المرة.