خبر أسباب انخفاض التضخم في أمريكا لهذا المستوي ؟ .. امين ابو عيشة

الساعة 12:30 م|27 أكتوبر 2014

غزة

 

التحليل بقلم: المحلل المالي والخبير الإقتصادي: امين ابو عيشة


تري كيف تعايش التيسير الكمي مع استقرار الأسعار في الولايات المتحدة ؟ أو كما اسمع غالباً : كيف لم تتسبب طباعة بنك الاحتياط لهذا القدر من النقود في ارتفاع معدل التضخم ؟  ومن هنا تبدأ الحكاية يعبر التضخم عن الارتفاع المستمر ولفترات طويلة في المستويات العامة للأسعار، أو بعبارة أخرى هو مطاردة كمية كبيرة من النقد لكمية أقل من الإنتاج والتي تتضمن السلع والخدمات ...

 فخلال الست سنوات الماضية من عمر الأزمة المالية الأمريكية اشتري بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي كميات كبيرة وغير مسبوقة من السندات وأذونات الخزانة والأوراق المالية والديون المتعثرة المدعومة بالرهن العقاري وبمبالغ تصل بمجملها لحوالي تريليوني وربع التريليون من الدولار وهذا يقرب من عشرة أضعاف المعدل السنوي لشراء السندات خلال العقد الماضي ( لقد قام الفيدرالي بشراء ديون واذونات بحوالي 85 مليار دولار بداية كل شهر طوال السنوات الست اللاحقة على الأزمة ) وهو ما يعرف بسياسة التيسير الكمي تم ضخها لجسد الاقتصاد الأمريكي لمعالجة الخلل الناتج عن الأزمة المالية وأبرزه المعدلات العالية من البطالة ...

 رغم طباعة هذه المبالغ الكبيرة من النقود لكن التضخم الجامح لم يحدث على الرغم من أن السجلات التاريخية تفيد أن النمو النقدي السريع يغذي التضخم المرتفع فلماذا هذا المبدأ لم يحدث في أمريكا ( لقد بقي مستوي التضخم المستهدف Inflation Target وقت الأزمة وحتى الآن حول المعدل 1.5% – 2 % ) فقط رغم شراء بنك الاحتياط الفيدرالي للسندات وبكثافة في السنوات الست السابقة كما أسلفت..  لكن الاستجابة التضخمية لم تحدث وهذا الأمر في الحقيقة يبدو محيراً للغاية ...

 لكن اللغز يتلاشي عندما ندرك أن التيسير الكمي ( شراء السندات وما في حكمها ) ليس الشيء نفسه مثل طباعة النقود أو بشكل أكثر دقة زيادة المخزون من المال ..

حقيقة فإن المخزون من المال ( طباعة النقد ) يرتبط بشكل وثيق بالتضخم وهو بشكل جلي يتكون من ودائع الشركات والأسر لدي البنوك التجارية وتقليداً كانت زيادة مشتريات بنك الاحتياط الفيدرالي من السندات سبباً في تعزيز سرعة نمو المخزون من المال ..

 لكن التغير الجوهري في قواعد بنك الاحتياط الأمريكي في عام 2008 كان سبباً في كسر هذا الرابط بين شراءه للسندات وما يترتب على ذلك من زيادة في حجم المخزون من المال ..

 نتيجة لذلك فقد اشتري بنك الاحتياط الكمية الهائلة من السندات دون التسبب في ارتفاع المخزون من المال – وبالتالي معدلات التضخم ؟ فيا تري ما هو السبب ؟ إن حقيقة هذا الأمر يعتمد على الدور الذي تلعبه البنوك التجارية في ذلك الأمر فعندما يشتري البنك المركزي الأمريكي سندات و اذونات الخزانة وغيرها من أصول فإنه يخلق احتياطات فائضة في البنوك التجارية ، والتي بدورها تقوم هذه البنوك بإعادة إيداع جزء منها لدي بنك الاحتياط الفيدرالي نفسه على شكل احتياط أمان ، وبما أن البنوك التجارية مطالبه عرفياً وقانونياً بإيداع جزء من مخزونها المالي تعادل حصة من ودائعها ودون فوائد وهو ما يسمي بالاحتياط النقدي الإجباري ) فقد نشأ لدي البنوك التجارية الحافز لإقراض الأسر والشركات وبالتالي استهلاك النمو الناتج في المال ..

 وبالتالي كان النمو الناتج في المال نتيجة للإيداع يستهلك أغلب هذه الاحتياطيات عن طريق ما كان يعرف بالإقراض التضخمي دون عتيد أو رقيب أو حسيب ، لكن الجديد الذي حصل في العقيدة المالية لبنك الاحتياط الفيدرالي بعد الأزمة المالية هو إعطاء البنوك التجارية فوائد على احتياطاتها لديه بل سار أبعد من ذلك وهو تحكمه في معدلات هذه الفوائد على احتياط البنوك التجارية من الفوائض وبالتالي تحكم في نسب الإقراض التضخمي للبنوك التجارية بالزيادة أو النقصان وجعلها ضمن السياسة النقدية العامة للجنة السياسات بالبنك المركزي الأمريكي وجزء من محاضر اجتماعاتها ..

 وبالتالي ابقي معدلات التضخم دون حدود التضخم المستهدف عالمياً وهو 2% وبذلك سمح للأسر والشركات بالاقتراض ضمن منظومة السياسة النقدية لديه والمتعلقة بالتيسير الكمي وعمل بذلك على زيادة الإنفاق لديهم وبالتالي حسن من مستويات أداء الاقتصاد الأمريكي وجعل الناتج حقيقياً ومعدلاً وفق منظومة التضخم ..

 وبذلك كسر المبدأ الذي يفيد أن النمو النقدي السريع يغذي التضخم بل كسر مبدأ أكبر وهو أن التضخم أو الزيادة في المخزون المالي أو حتي طباعة النقود ليس هو سياسة التيسير الكمي  وأبقي المبدأ القائل أن التضخم المستهدف يحفز النمو ويبقيه قيد الخدمة .