تحليل رهن القضية بالإرادة الدولية خيار انهزامي

الساعة 07:35 ص|27 أكتوبر 2014

أطلس للدراسات

من سلوك القيادة الرسمية الفلسطينية والعربية تجاه الصراع مع دولة الاحتلال؛ يبدو أنهما أقلعتا عن فكرة التحرير وإقامة الدولة، ولا نقول حق العودة، لصالح الانشغال بوظيفة إدارة الصراع القائمة على تبنى تقديس الواقع والأخذ بمبدأ التناسب مع الواقع الاسرائيلي والدولي وتوظيف الإحباط الفلسطيني كسبب ونتيجة في الوقت ذاته، فهي تعززه من جهة وتتذرع به من جهة أخرى.

والمؤكد أنها لم تعد تؤمن أصلاً بفكرة التحرير، بعض العرب الرسميين لم يكن يؤمن بها أصلاً وبنى نفسه على وظيفة إدارة الصراع ولا يريد ان يخسر الوظيفة، على الرغم من كل أقوال القلق والتحذير التي اعتاد اطلاقها بين حين وآخر لترميم صلتة بالقضية وللعلاقات العامة الداخلية وللحفاظ على الوظيفة، فدوره الوظيفي مهم جداً له على مستوى مكانته الدولية الرفيعة التي تمكنه ان يكون ضيفاً عزيزاً مكرماً على معظم العواصم الغربية، وفي مقدمتها البيت الأبيض، والبعض الآخر لا يؤمن اليوم بالتحرير لأنه لا يملك الإرادة ويخشى التغيير والصدام.

صادف أمس الذكرى العشرون لاتفاقية وادي عربة، المسماة باتفاقية السلام الأردنية الفلسطينية، والتي تضمنت نهاية النزاع بين الدولتين، وحثت على إقامة علاقات طبيعية ورسمية بين البلدين، وبرغم ذروة التصعيد الاسرائيلي في سلب أراضي الضفة وتهويد القدس، التي يفترض بالأردن أن ترعى المصالح الدينية فيها وفوضت سياسياً السنة الماضية من قبل منظمة التحرير بحماية مدينة القدس والدفاع عنها، وبرغم ذلك فالعلاقات بين الطرفين على المستوى الرسمي سياسياً وأمنياً في حالة انتشاء وثبات التمثيل الديبلوماسي أقوى من أي وقت، والإسرائيليون يكشفون تنسيق خطط أمنية لمساعدة الأردن في حماية حدودها الشرقية من خطر "داعش".

أما القيادة الفلسطينية المصابة بالشيخوخة والوهن السياسييْن؛ فهي تدرك أكثر من غيرها عقم أدواتها السياسية، وعمق المأزق الناتج عن رهن التحرير بالإرادة الدولية؛ هذه الإرادة المقترنة في أحسن أحوالها بمزاج القوى "الحمائمية" في إسرائيل، وهي رغم إدراكها لعقم أدواتها تمعن في مسيرة التغطية على عجزها وفشلها، وهي عملياً تمارس الخداع وتضليل القلة القليلة من الشعب التي لا زالت تؤمن حقاً بالمفاعيل السحرية للديبلوماسية الناعمة في إنبات أنياب للإرادة الدولية، منتشين بالتصويتات الهامة دونما مبالغة للبرلمانات الأوروبية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين.

القيادة الفلسطينية التي تعيش أزمة بنيوية شاملة وعميقة لا تملك أية خيارات جدية تقترن بأي نوع من التضحيات الجدية، وهي تجتهد للحفاظ على ماء وجهها، وللحفاظ على بقائها الذي بات غايتها وأولويتها، بعد أن أصبحت بنيتها التنظيمية وكتلتها السياسية في حالة كبيرة من السيولة، تقبل معها كل احتمالات إفرازات مرحلة الأزمة والإحباط وانعدام الثقة والتجنح والتعسكر، بعد أن نجحت وبحق في تفكيك المفكك وتعميق أزماتها الداخلية، بما أوصلها الى ان الشعب الفلسطيني لم يعد مقتنعاً بها، ولا ينظر إليها على انها قيادة جديرة بثقته واحترامه وأمينة على تضحياته وتطلعاته.

خطورة أزمة القيادة الفلسطينية أنها باتت تشبه أزمة بلدان "الربيع العربي"، فهي ليست مجرد أزمة قيادة يمكن استبدالها بالطرق السياسية المعروفة والمقبولة، بل هي أزمة شيخوخة وتآكل وتفكك العمود الفقري للثورة الفلسطينية، وأزمة السلطة المنتجة أوسلوياً والمرتبطة عضوياً بدور تقاسم وظيفي وتبادل منفعي مع الاحتلال، ووجه تماثلها مع الدول العربية انه لا يوجد بدائل ممكنه ومقبولة على الشعب الفلسطيني سوى البديل الذي تقدمه حركة حماس، وهو في أحسن أحواله – حسب المراقبين واستطلاعات الرأي – لا يحظى بقبول الأغلبية الفلسطينية؛ الأمر الذي يجعلنا أمام ان تكون الفوضى هي البديل، سواء بمظهرها ووصفها المعروف أو بتجميلها عبر تشكيلات وهيئات ومسميات قائمة على النفعية والمصالح الشخصية والتعسكر والمناطقية وتوفير الحمايات المختلفة، وبالتأكيد ستتقاطع مصالح بعضها مع الاحتلال.

ومع الوقت يتحول الواقع الاستيطاني والتهويدي والاحتلالي إلى وحش يفتك باحتمالات حل الدولتين، ان لم يكن قد أنجز مهمته فعلاً، ويبدو من البؤس السياسي استمرار التمسك بالديبلوماسية الناعمة كخيار وحيد يرهن جلاء الاحتلال بالإرادة الدولية التي لن تستطيع ان تفرض على إسرائيل ما لا تقبل به، ولا يبدو ان الإرادة الدولية رغم كل الحديث عن العقوبات الاقتصادية لمنتجات الاستيطان وربط التمويل للأبحاث والمؤسسات الاسرائيلية بشروط سياسية، ورغم كل أشكال الدعم والتضامن البرلماني الغربي مع مطلب الدولة؛ لا يبدو ان الغرب يرغب حقاً في ان يمضي أبعد من ذلك، وصولاً الى تفعيل عوامل ضغط حقيقية تصل الى حدود الصدام مع المشروع الاحتلالي، وفي ظل حالة فلسطينية وعربية ضعيفة ومفككة ومرتبكة ومنزوعة الإرادة.

هذا فضلاً عن ان أصل الإرادة الدولية المتضامنة مع القضية الفلسطينية يعود أساساً الى فكرة الاحتواء السياسي للثورة الفلسطينية، وإلى حث عملية سلام تفضي الى إنهاء الصراع، غايتها ضمان أمن الدولة الاسرائيلية واستمرار بقائها في حدود يضطر الفلسطينيون الى القبول بها وتأخذ بعين الاعتبار توفير قابلية الحياة للدولة الفلسطينية.

إن القيادة الفلسطينية والعربية التي لا تمتلك سوى ان ترهن قضيتنا لإرادة دولية تعرف مسبقاً محدودية إمكانياتها وسقف مشروعها، إنما هو خيار انهزامي يعبر عن مدى بؤسها وانهزاميتها أمام واقع يزداد شراسة وتغولاً، إنه خيار سيؤدي لاحقاً الى نهاية خيار الدولتين، وسيفضي الى البحث عن خيارات عديدة أخرى، قد يعيد للحياة خيارات ظننا أنها دفنت.