خبر كتب هيثم أبو الغزلان .. رواية إغتيال د. فتحي الشقاقي

الساعة 08:38 ص|26 أكتوبر 2014

الفهرس

- مقدمة ............................................................................... 4

-  هدف العدو من الاغتيال .........................................................  5

-  التحضير "الإسرائيلي" لعملية الاغتيال .......................................... 9

-  تفاصيل عملية الإغتيال .......................................................... 10

- إعلان الشرطة المالطية ........................................................... 12

-  مسؤولية الموساد ................................................................. 13

-  "هآرتس": الاغتيال جزء من حرب سرية....................................... 14

-  «الموساد» يروي تفاصيل الاغتيال ............................................. 16

-  الجهاد تنعى الشهيد ............................................................... 18 

-  اتهام القذافي بتسهيل عملية الاغتيال ............................................ 20

-  الشقاقي والعواصم المغلقة ....................................................... 24

-  التشييع ............................................................................ 26

-  التأبين ............................................................................. 29

-  المواقف الفلسطينية ............................................................... 30

-  المواقف العربية .................................................................. 33

-  غضبة واسعة في العالم الإسلامي ............................................... 35

-  الردود "الإسرائيلية" ............................................................. 37

-  الرد الجهادي ..................................................................... 39

-  الختام .............................................................................. 40

 


 

مقدمة

 

يظلُّ الشهداء حاضرون في الحياة وبقوة، نستلهم منهم عظمة التحدي، وقوة الحضور.. ولأن شهادتهم ودمهم وفكرهم حاضر في سوح الوغى والنزال، فإن معرفة كيفية اغتيالهم وشهادتهم تصبح أمراً واجباً، خصوصاً مع شخصية كبيرة بحجم الشهيد القائد المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي، الذي قال: «إنني لا أخاف على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فلقد بنينا صرحاً متماسكاً.. فلسطين غايته والاستشهاد أداته ووسيلته.. وشبابنا في الداخل قادرون على تغيير الواقع وخلق المستقبل الذي يليق بالشرفاء والمجاهدين وبالقدس الشريف»..

وفي قصيدته: (حكاية من باب العامود) يقول: «تلفظني القدس إن كنت نسيت، تلفظني الفاء، تلفظني اللام، تلفظني السين، تلفظني الطاء، تلفظني الياء، تلفظني النون، تلفظني كل حروفك يا فلسطين، تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون... إن كنت غفرت أو كنت نسيت».. وشعبنا كله يشهد، وأمتنا كلها تشهد أنه ما غفر وما نسي، وصدّق الكلام بفعل الشهادة؛ وحيداً غريباً مدافعاً عن اللاجئين المقهورين والمطرودين على الحدود الليبية. كما أن اسم فتحي الشقاقي قرأه الصهاينة وخبروه وذاقوا مرّ العلقم من تلامذته في "نتساريم" و"كفارداروم" و"بيت ليد".. وسحق الاستشهادي رامز عبيد لحم الصهاينة رداً على اغتيال المعلم في "ديزنغوف"..

وفي كلمات تعبّر عن مدى استشرافه للمستقبل، يقول د. فتحي الشقاقي ـ رحمه الله ـ: "من يأخذ قراراً باغتيالي سيدفع الثمن مستقبله السياسي"، وفعلاً هذا ما حصل فبعد أسبوع واحد من اغتياله وارتقائه شهيداً، تجندل رابين برصاصات حاقد صهيوني آخر ليكون الانتقام انتقام السماء لمجاهد قابض على جمر الحق، لم يتنازل عن مبادئه حتى لقي ربه ثابتاً على ذلك ولم يبدّل تبديلاً.

 

 

هدف العدو من الاغتيال

 

أراد الكيان الصهيوني من اغتياله الدكتور فتحي الشقاقي أن يوجّه ضربة قاضية لحركة الجهاد الإسلامي، وخصوصاً بعد سلسلة عمليات ناجحة نفذتها في الأعوام 1993 و1994 و1995 في مستوطنتي "كفار داروم" و"نتساريم" وبيت ليد.. وظن الصهاينة أن باغتيالهم للدكتور الشقاقي سينهون حركة الجهاد باعتبار أنها حركة شديدة المركزية ـ حسب المسؤول الكبير الأسبق في جهاز الإستخبارات "شين بيت" الصهيوني جدعون عيزرا ـ، وأن اغتيال القائد المركزي في الحركة سيجعلها تترنح ومن ثم تفقد حضورها ووجودها أيضاً.

وخاب أمل الكيان الصهيوني عندما صمدت وظلت حركة الجهاد، بقيادة الأمين العام  د. رمضان عبد الله شلح على عهدها ووعدها ومبادئها التي نشأت عليها، بل وجهت ضربات شديدة القوة لجيش العدو في «القدس، حيفا، مجدو..»، وعبر المواجهة المسلحة: «عملية زقاق الموت في الخليل، جنين، الصمود المذهل وإفشال أهداف العدو في غزة عام 2008-2009 و 2012..». أو عبر العمليات البحرية «عملية بحر غزة..»، أو عبر عمليات إطلاق الصواريخ والتي أصاب خلالها مجاهدو سرايا القدس بالاشتراك مع لجان المقاومة الشعبية (11/9/2007)، قاعدة عسكرية ما أدى لمقتل جندي وإصابة نحو 70 جندياً آخرين بجروح متفاوتة..

والتركيز في الحديث عن هذه العمليات لأن الجهاد اعتبرت بعملية مجدو أنها قد هدمت عملية السور الواقي التي أطلقها أرييل شارون للقضاء على حركات المقاومة. أما العمليات الأخرى فلأنها جاءت لتحقق توازن الدم بحيث لم يعد الدم الفلسطيني وحده مسفوحاً بل الدم الصهيوني أيضا. كما أنه بهذه العمليات قتل مجاهدو الجهاد قائد منطقة الخليل العسكرية (درور فاينبرغ)، وقائد سلاح البحرية الصهيوني السابق (زئيف المونغ)، وكذلك قائد وحدة الدوفدوفان (إيال وايس) الذي قُتل برصاص مجاهدي سرايا القدس في قرية صيدا في طولكرم بالضفة الغربية.

وظلّت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مُحافظة على نهجها وفكرها رغم مرور السنوات الطوال، والتي شاهدنا خلالها تغيُّر وتبُّدل الكثيرين، خصوصاً في ظل ظروف ومتغيرات وتحولات ما يسمى "الربيع العربي" في المنطقة؛ فمنذ انطلاقة "الجهاد" أعلنت أن «فلسطين هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة»، وفق مقولةٍ لأمينها العام السابق الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، بعدها تغيّر وجه المعركة في فلسطين وتم إعطاؤه البُعد الحقيقي والضروري، من خلال تفجير وعي الإسلاميين بضرورة ووجوب توجيه السلاح نحو العدو الإسرائيلي، وأما الوطنيين بعدم تغييب الإسلام أو محاربته.. وبناء عليه فقد ظلّت "الجهاد" بعيدة عن التحولات الحاصلة، وحافظت على "طهارة ممارستها السياسية" من خلال تأكيدها على أن البوصلة يجب أن تبقى باتجاه فلسطين، نائية بنفسها عن الصراعات والاحتراب الداخلي الحاصل في أكثر من بلد عربي، رافضة في الوقت نفسه، الانجرار لمستنقع الطائفية والمذهبية، وفق رؤية واضحة المعالم والاتجاه، بل عمل قادتها وفق رؤية الحركة على القيام بالعديد من محاولات رأب الصدع الداخلي الفلسطيني بين "فتح" و "حماس"، ومع بعض الأفرقاء المتناحرين في بعض الدول العربية، في محاولة لإنهاء بعض القضايا الخلافية، والتي نجح بعضها، وفشل بعضها الآخر.

  وتستند "الجهاد" لرؤية واضحة في تبنيها، ومن ثم تعاطيها مع القضية الفلسطينية، وفي هذا يقول الأمين العام الحالي للحركة د.رمضان عبد الله شلّح: «إن فلسطين هي بوابة العرب والمسلمين التاريخية والجغرافية لأي دور حضاري عالمي راهن أو مستقبلي. لذا فإن أي محاولة للنهوض لا تبدأ بفلسطين ستضل الطريق لأنها ستُحاصر وستُضرب ولا تجد من يبكيها.. ولا أشك لحظة أنه لا حياة لمشروع عربي أو إسلامي نهضوي إلا بموت المشروع الصهيوني».

  وتقيم "الجهاد" علاقاتها مع الآخرين على أسس ثلاثة: الإسلام، الجهاد، فلسطين. وهي ترفض مبدأ الحرب الأهلية، وبغض النظر عن الخلاف السياسي والعقدي والأيديولوجي مع المختلف الوطني. فإنها ترى أن الخلاف يُحسم بالطرق السياسية، ولا يحسم بالحرب الأهلية والعنف المضاد، بل بتصعيد الجهاد المسلح ضد العدو الصهيوني.

وتميّزت حركة الجهاد الإسلامي عبر مسيرة جهادها بالجدية والتفاني المطلق، فقد نفذ مجاهدوها الاستشهاديون عمليات تفجيرية نوعية: «بيت ليد، كفار داروم، القدس، حيفا، مجدو..»، كما خاضوا مواجهات مسلحة: «عملية زقاق الموت في الخليل، جنين..». أو عبر العمليات البحرية «عملية بحر غزة..»، أو عبر عمليات إطلاق الصواريخ التي كانت فيها أول من قصف "تل أبيب".

أما التطور الذي حصل، فهو عملية إعادة بناء القوة والتنظيم لدى الحركة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التطور والحرفية في الأداء من خلال صمودها مع المقاومة وإفشال الأهداف الإسرائيلية خلال العدوان الواسع على قطاع غزة 2008 - 2009. وكذلك بمعركة المواجهة في غزة 2012، واستطاعت مع بقية فصائل المقاومة فرض تهدئة متبادلة ومتزامنة وبضمانة مصرية، وكان ذلك مُقدّمة لنصر الشيخ خضر عدنان في معركته التي أطلق عليها معركة "الأمعاء الخاوية"، ما أعطى حافزاً للأسرى للدفع باتجاه الإضراب الشامل... وأيضاً خاضت معركة "كسر الصمت" في (12-3-2014)، منفردة ومُحققة نصراً في تلك الجولة، على الرغم من الظروف الصعبة وعدم تكافؤ القوى، مُتسلحة بموقف سياسي واضح وإرادة قوية وعمل دؤوب متحمّلة كافة الضغوط، ما أنتج نصراً كان له ما بعده..

وقد أبدعت سرايا القدس إلى جانب الأجنحة العسكرية المختلفة للفصائل الفلسطينية في تصديها للعدوان الصهيوني في معركة "البنيان المرصوص"، وكانت حصيلة الصواريخ والقذائف التي أطلقتها (3249) صاروخًا وقذيفة. وقتلت 30 جندياً وضابطاً إسرائيلياً بحسب الاعترافات الإسرائيلية.

كما برع مجاهدو السرايا بسلاح البنية التحتية "الأنفاق" وكان من أبرز الوسائل التي استخدمتها المقاومة للتصدي للتوغل الصهيوني المحدود خلال معركة "البنيان المرصوص"، كما استخدمتها المقاومة في إطلاق الصواريخ والقذائف صوب المدن والمواقع والمستوطنات الإسرائيلية. وعجز الاحتلال عن كشف معظم الأنفاق التي تستخدمها المقاومة رغم زعمه أنه دمرها بشكل كامل.

ونقل الاعلام الحربي لسرايا القدس عن أحد المجاهدين في السرايا ويدعى أبو إبراهيم قوله عن أحد الأنفاق في رفح إن "هذا النفق يمتد من عمق المدينة وصولًا إلى منطقة حدودية، ويحمل اسم الشهيد فتحي الشقاقي، وبه أكثر من 7 تفرعات تستخدمها الوحدات القتالية المختلفة في سرايا القدس من ضمنها الوحدات القتالية والإسناد والصاروخية والمدفعية".
وأضاف "استغرق إعداد هذا النفق ما لا يقل عن عامين، وجرى تجهيزه وفق منظومة أمنية معقدة للغاية. مشيراً إلى أن سرايا القدس تمتلك عدداً من الأنفاق ولم تستخدم خلال الحرب إلا العدد القليل منها".

وكان لشبكة الهواتف الأرضية الخاصة بالمقاومة دوراً مهماً في تحقيق النصر وهزيمة الاحتلال، لأن الأجهزة اللاسلكية بجميع أنواعها تشكل خطراً عليها لسهولة مراقبتها من قبل العدو. فقامت بإيجاد اتصال آمن بين عناصر المقاومة وقيادتهم من جهة، وكان لديها القدرة على التحكم في إدارة المعارك والحروب، وحرية التواصل بين القادة والجند، والتنسيق الآمن بين كافة الأجنحة العسكرية دون الاجتماع أو اللقاء المباشر، ما شكّل نجاحاً كبيراً من الناحيتين الأمنية والعملياتية للمقاومة.

وما تقدم ظهر جلياً لناحية التحكم والسيطرة الواضحان لدى المقاومة في إطلاق الصواريخ.. "نوعيتها، عددها، المدى الزمني، والنطاق المكاني"... وتنفيذ عمليات هجومية  نوعية: "قاعدة زيكيم".. و"الكمين المحكم" لوحدة المغاوير في سرايا القدس، الذي استهدف قوة من وحدة لواء "غولاني" شرق مدينة غزة. و"شل" قدرة الطيران المروحي بعد استهدافه بصواريخ "ستريللا"، مما جعل الاحتلال يستعيض عنها بالطيران الحربي...

وفي العموم، ظهر أن التخاطب عبر "الصواريخ" والميدان، أثبت أن المقاومة قادرة على استنزاف "إسرائيل"، وأنها ـ أي المقاومة ـ، قادرة على الصمود فترة طويلة، ولم يشكل عامل الوقت ضغطاً عليها كما شكّل ضغطاً على "إسرائيل".

 

 

التحضير "الإسرائيلي" لعملية الاغتيال

 

بعد الضربة الموجعة التي وجهتها حركة الجهاد الاسلامي للكيان الصهيوني في عملية "بيت ليد" في عام 1995، والتي اسفرت عن مقتل 22 جندياً صهيونياً وجرح 108 آخرين، أصدر رئيس الوزراء الأسبق للعدو الصهيوني المقبور "إسحق رابين"، أصدر شخصياً أمراً بإغتيال الدكتور فتحي الشقاقي.

وبناء على ذلك، قرر جهاز الموساد الصهيوني وضع خطّطين لإغتيال الشقاقي بعد أن اطلع على كيفية سفر الدكتور، وذلك إثر نجاحه في التغلغل عبر وحدة تسمى "الوحدة 8200" إلى أحد فروع الإستخبارات العسكرية السورية ويدعى "فرع فلسطين" عبر أساليب تكنولوجية متطورة.

وفي الخطة الأولى تم تقديم اقتراح بخطف الشقاقي خلال رحلته الذي تمرعن طريق مالطا، لكن اسحاق رابين عارض هذه الخطة خوفاً من ردود الفعل السياسية التي يمكن أن تتبع أو تنتج عن هذه العملية. فيما كانت الخطة الثانية تستهدف اغتياله في مالطا نفسها، وهي الخطة التي أثارت إعجاب رابين حيث وافق عليها على الفور.

وذكرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، أن رابين قد رفض السماح للموساد بتصفية الشقاقي في دمشق لأسباب سياسية، بل أنه رفض السماح في إشراك المقر الأوروبي للموساد الموجود في بروكسل في العملية.

لذاعندما علمت الاستخبارات "الإسرائيلية" بسفر الشقاقي الى مالطا، قرر رئيس الموساد ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" وقائد شعبة الإستخبارات العسكرية ورئيس الحكومة أن تكون مالطا مكان تنفيذ الإغتيال.

وحول العملية، قال أحد قادة الشاباك السابقين شمعون رومح: "إن عملية مالطا كانت عملية معقدة من الناحية العملانية والإستخباراتية، ولتحقيق أفضل النتائج كانت هناك ضرورة للحصول على معلومات دقيقة ومتابعة عن كثب لكل تحركات الشقاقي، لذا شارك في هذه العملية عدد كبير من العملاء إنهمكوا في جمع المعلومات ودراستها، ومن ثم التخطيط لها وتقديم المساعدة اللازمة لمنفذيها، حيث تمكنوا من مغادرة الجزيرة دون إبقاء أي أثر ملموس يدل على هويتهم".

 

 

تفاصيل عملية الإغتيال

 

عند الساعة العاشرة صباحاً من يوم الخميس 26 تشرين أول 1995م وصل الدكتور فتحي الشقاقي في سفينة ليبية إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق، في ظل الحصار الجوي المفروض على ليبيا، وحال وصوله توجه إلى فندق «دبلومات» في مدينة سليما على مقربة من العاصمة لافاليتا وحجز غرفة في ذلك الفندق عند الساعة 10.20 دقيقة وكان يحمل جواز سفر ليبياً باسم مستعار هو إبراهيم الشاويش.. وعند الساعة 11.00 صباحاً غادر الدكتور الشقاقي الفندق متوجهاً إلى مكتب للطيران حيث قطع تذكرة للسفر إلى دمشق في اليوم التالي وفي غضون ذلك، كانت شبكة من الموساد تتربص بالقائد الشهيد، لتختار الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمة الاغتيال.

وعند الساعة الواحدة وعشرين دقيقة، وبينما كان الدكتور الشقاقي عائداً وعلى مقربة من فندق «دبلومات» في جادة «تاور»، اقترب منه أحد عناصر الموساد الصهيوني، وحين أصبح بجانبه شهر مسدسه وأطلق عدة رصاصات من مسافة قريبة جداً فاخترقت طلقتان جانب الأيسر من رأسه ولم يكتف من القاتل بذلك وتابع إطلاق ثلاث رصاصات على مؤخرة رأس القائد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي بعد أن سقط شهيداً مضرجاً بدمه الزكي.

ولاحقاً تم العثور على الدراجة النارية متروكة على بعد مئات الأمتار من الفندق، وتحت جسر بالقرب من ميناء صغير مخصص لليخوت، وقال المحققون إن القتلة أبحروا على متن يخت كان في انتظارهم.

وأعلن مصدر أمني في لافاليتا أن الشرطة المالطية، كشفت عن أن الدراجة التي استخدمت في عملية الاغتيال تم استقدامها إلى جزيرة مالطا عبر مواطن يحمل جواز سفر فرنسي، وقال قائد شرطة مالطا إن ذلك الشخص أحضر الدراجة النارية من إيطاليا على عبَّارة قبل عدة أشهر بعد أن اشتراها من فرنسا، وحملت الدراجة لوحة تسجيل مسروقة، وأضاف إن الاغتيال «عمل محترفين».

ووصف رئيس وزراء مالطا ادوارد فينيش أدامي عملية الإغتيال بأنها "جريمة نفذت بدم بارد". وقال أدامي في بيان: "الظروف التي قتل فيها الشقاقي تظهر أنها كانت عملية اغتيال سياسي".

فيما لم يكشف أدامي تفاصيل عما توصل اليه التحقيق الذي تجريه السلطات المالطية حول الجرىمة، قائلا: "إن الحكومة تتخذ اجراءات لضمان عدم تكرار أمر كهذا".

بدورها نفت واشنطن الحليف الرئيسي للعدو "الإسرائيلي" امتلاكها أية معلومات عن الجهة المسؤولة عن اغتيال الشقاقي، رافضة وصفه بالعمل الإرهابي، حيث قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز حينها: "لاحظنا التقارير حول مقتل السيد الشقاقي، لا نستطيع تحديد أو معرفة من المسؤول عن مقتله"، حسب زعمه.

معلومات الشرطة المالطية أكدت أيضاً، وبعد استجواب شهود عيان وعمال فندق «دبلومات» أن شخصاً يبدو أنه كان يتابع الدكتور الشقاقي قد طلب من عامل الاستقبال في الفندق أن يخبره فيما إذا كان (الليبي إبراهيم الشاويش) قد حجز في الفندق أم لا، مما يؤكد أن الاستخبارات الصهيونية كانت ترصد تحركات القائد الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي قبيل تنفيذ جريمة اغتياله.

وكان رئيس رئيس جهاز "الموساد" في هذا الوقت يشرف على العملية من سفينة في البحر المتوسط كانت تنقل، كتغطية، إسمنتاً من حيفا إلى إيطاليا.

وتولت الوحدة حيط (ح) من الموساد توفير الذخيرة والسلاح في مالطا، أما وحدة كيدون (الحربة) المتخصصة في الإغتيالات فقد استخدمت رجالها مع الدراجة النارية في العملية، في حين حافظت الوحدة كوف (ق) على الصلة بين الباخرة والعملاء في المنطقة.

وتقول مجلة "دير شبيغل" الألمانية "إن السفينة كانت تنقل مروحيتين استخدمت إحداهما لنقل القتلة من شاطئ مالطا إلى الباخرة ومنها إلى إسرائيل".

 إعلان الشرطة المالطية

 

أعلنت الشرطة المالطية يوم الجمعة (27/10/1995) أن مسلحاً أطلق النار في اليوم السابق الخميس (26-10)، على مواطن ليبي يدعى إبراهيم شاويش (43 عاما) فأرداه قتيلا، ونقل عن الشرطة المالطية وصفها للعملية بأنها من عمل قاتل محترف.

 ونقلت وسائل الإعلام المالطية (عن مصادر الشرطة المحلية) بعض التفاصيل حول الحادث من بينها أن رجلا يرتدي ملابس سوداء أطلق النار من مسدس كاتم للصوت ومن مسافة قصيرة على "شاويش" فأرداه قتيلاً في الحال. وأن شهود عيان رأوا شاويش يسير خارج الفندق الذي يقيم به عندما أطلق المسلح النار عليه وفر هارباً على دراجة نارية يقودها شخص آخر وأن الحادث وقع في وضح النهار في مدينة "سليما" بعد ساعات من وصول شاويش إلى مالطا. وعلى الرغم من أن القتيل يحمل جواز سفر ليبي إلا أن المصادر الليبية في فاليتا رفضت التعليق على الحادث.

ويوم السبت (28/10/1995) كشفت مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية عن الهوية الحقيقية لحامل جواز السفر الليبي الذي اغتيل في مدينة "سليما" المالطية وأنه "فتحي الشقاقي" مؤسس حركة الجهاد الإسلامي وأمينها العام. وأنه كان في طريقه عائداً من ليبيا إلى دمشق عبر مالطا بعد أن أجرى محادثات مع القذافي، في محاولة لإقناعه بالرجوع عن قراره بطرد الفلسطينيين من ليبيا. ونقلت وكالة "رويتر" عن مصادر في حركة الجهاد بغزّة (مسقط رأس الشقاقي) بأن المخابرات الإسرائيلية (الموساد) وبمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية، هي التي نفذت عملية اغتيال أمينها العام.

 مسؤولية الموساد

 

حتى وقت متأخر من مساء يوم الخميس (26-10-1995)، لم يكن نبأ استشهاد الدكتور الشقاقي قد تأكّد بعد، إلاّ أن إذاعة الكيان الصهيوني نقلت حينذاك عن مصدر مسؤول عسكري صهيوني كبير تأكيده أن إبراهيم الشاويش الذي تم اغتياله في مالطا هو حسب معلومات الاستخبارات الصهيونية، ليس سوى الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مشيراً إلى أن الشقاقي على لائحة المستهدفين من قبل الموساد، كما صدرت عن الكيان الصهيوني وقادته إشارات مختلفة تؤكد قيام الموساد باقتراف جريمة الاغتيال الجبانة.

 

"هآرتس": الاغتيال جزء من حرب سرية

 

في أعقاب الجريمة التي نفذتها أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية) باغتيال القائد الدكتور فتحي الشقاقي، تبجح محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس» (الإسرائيلية) زئيف شيف بقوله لوكالة «فرانس برس» إن (إسرائيل) «حرصت دائماً على إظهار قدرتها على أن تحل مشاكلها الأمنية بسرية».

ونقلت "قدس برس" عن الصحيفة (الإسرائيلية) قولها: «يستدل من 20 سنة من سياسة الاغتيالات والتصفيات السنوية للاستخبارات (الإسرائيلية) ضد شخصيات عسكرية فلسطينية وعربية أن هنالك ثلاثة نماذج عمل رئيسية» اتبعتها (إسرائيل) في هذا المجال:

 

1 ـ استخدام وسائل سرية بمشاركة عملاء (إسرائيليين) في اغتيال قادة وكوادر فصائل المقاومة.

 

2 ـ اللجوء لعمليات كوماندوز تنفذها وحدات منتخبة من الجيش (الإسرائيلي) من خلال اجتياح دول عربية والقيام بعمليات اغتيال وتصفية.

 

3 ـ الاستعانة بعرب وأجانب يعملون لحساب (إسرائيل).

 

وأضافت أن الأسلوب الأول استخدم في اغتيال الدكتور الشقاقي، فقد كلف أفراد وحدة التصفيات الخاصة في الموساد بالمهمة وكانوا يركبون دراجات نارية، ويحملون مسدسات مزودة بكاتمات للصوت.

وكشف المعلق العسكري (الإسرائيلي) في صحيفة «هآرتس» زئيف شيف عن مشاركة «شبكة كاملة» من عناصر الموساد، في جريمة اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي.

وقال شيف في لقاء بثه التلفزيون (الإسرائيلي) في (29/10/1995)، «إنني لا أصدق أن أمراً كهذا يمكن أن يحدث فقط بوجود شخصين» وأضاف إن أولئك الذين يقومون بالضغط على الزناد ليسوا وحدهم وإنما يقف وراءهم الكثير من عملاء الموساد.

 

«الموساد» يروي تفاصيل الاغتيال

 

وكشف الصحافي الصهيوني، رونين برغمان، الذي تصفه الأوساط الإعلامية الإسرائيلية بأنه واحد من أعمدة صناعة الخبر الحِرَفِي بسبب قدراته المتنوعة ومنها عمله التخصصي في مجال الاستخبارات والمخابرات والعمليات السرية. ويتميز بعلاقاته المتشعبة مع رئاسة الأركان والشاباك والموساد. فقد كشف في فصل خاص من كتاب ألّفه بعنوان: «نقطة اللاعودة»، رواية «الموساد» لتفاصيل اغتيال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، فتحي الشقاقي، في جزيرة مالطا الايطالية أثناء عودته من ليبيا.

وجاء في الكتاب الذي نُشر في حزيران 2007 أنَّ رئيس الوزراء "الاسرائيلي" اسحق رابين، أمر في كانون الثاني باغتيال الشقاقي «في أعقاب تنفيذ الجهاد الاسلامي عملية بيت ليد في كانون الثاني 1995»، حيث قتل 22 إسرائيلياً وجرح 108. بعد صدور الأوامر من رابين، بدأ «الموساد» الاستعداد لاغتيال الشقاقي، عن طريق وحدة منبثقة تسمى «خلية قيسارية». كان الشقاقي، وقبل تنفيذ عملية بيت ليد، تحت الرقابة الإسرائيلية لسنوات طويلة، لذا استطاع «الموساد» في حينه، وبعد أوامر رابين، أن «يحدد مكان الشقاقي في دمشق بسهولة». إلا أنَّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي، حذّر من مغبة هذه العملية، معتبراً أنَّ عملية كهذه «ستؤدي إلى غضب سوري كبير». قبل رابين توصيات ساغي، وأمر «الموساد» بتجهيز خطةٍ بديلة لاغتيال الشقاقي في مكان غير دمشق. وجد «الموساد» صعوبة في هذا الشأن إلا أنه عمل كما يريد رابين. كان الشقاقي على علم بأنَّه ملاحَق، لذا لم يخرج كثيراً من دمشق وكان حويطاً، حسبما قال الإسرائيليون. وذكرت مصادر من «الموساد» أنَّ الشقاقي كان يسافر فقط إلى إيران عن طريق رحلات جوية مباشرة. ومع هذه الصعوبة، وضع «الموساد» خطة بديلة وسعى إلى تطبيقها. في بداية شهر تشرين الأول من عام 1995، حسب رواية «الموساد»، تلقى الشقاقي دعوةً إلى المشاركة في ندوة «تجمع رؤساء تنظيمات» في ليبيا (كذا). وطالب المختصين في الموساد «بالاستعداد». مسار سفر الشقاقي إلى ليبيا كان معروفاً للموساد من خلال رحلاته السابقة، أي عن طريق مالطا. عندها أعد أعضاء «قيسارية» خطتين: اختطاف الشقاقي أثناء سفره من مالطا إلى ليبيا. إلا أنَّ رابين لم يوافق على هذه الخطة «خشية التورط دولياً». أما الخطة الثانية، فكانت تصفية الشقاقي أثناء وجوده في مالطا. سافر قتلة «الموساد» إلى مالطا وانتظروا الشقاقي في المطار. لم يخرج الشقاقي في الرحلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدأ رجال «الموساد» يفقدون الأمل بهبوط الشقاقي في مالطا، لكنهم سمعوا صوت أحد رجال «الموساد» في أجهزة الاتصال يقول «لحظة، لحظة، هناك أحد يجلس جانباً ووحيداً». اقترب رجل «الموساد» من هناك، وقال مرة أخرى في الجهاز «على ما يبدو هذا هو، وضع على رأسه شعراً مستعاراً للتمويه». انتظر الشقاقي ساعة في مالطا، ومن بعدها سافر إلى ليبيا، من دون معرفته أنه مراقب. ويقول «الموساد» إنَّ الشقاقي التقى هناك أبو موسى وطلال ناجي. في السادس والعشرين من تشرين الأول، عاد الشقاقي إلى مالطا. وعرف «الموساد» أنَّ الشقاقي يستعمل جواز سفر ليبياً باسم إبراهيم الشاويش. ولم يجد صعوبة في تحديد مكانه في مالطا، بناءً على اسمه في جواز السفر. وصل الشقاقي في صبيحة اليوم نفسه إلى مالطا، واستأجر غرفة في فندق يقع في مدينة النقاهة «سليمة». استأجر غرفة لليلة واحدة. كان رقم الغرفة 616. في الساعة الحادية عشرة والنصف، خرج الشقاقي من الفندق. وحسب رواية «الموساد»، فقد سار الشقاقي على الأقدام في مالطا ولم ينتبه إلى الدراجة النارية من نوع «ياماها» التي لاحقته طيلة الطريق بحذر. بدأ سائق الدراجة النارية يقترب من الشقاقي حتى سار إلى جانبه محتسباً كل خطوة. أخرج الراكب الثاني، الجالس وراء السائق، مسدساً من جيبه مع كاتم للصوت، وأطلق النار على الشقاقي.. ثلاثة عيارات نارية في رأسه حتى تأكد من أنه «لن يخرج حياً من هذه العملية». أُلصق بالمسدس الإسرائيلي جيب لالتقاط العيارات النارية الفارغة، لتفريغ منطقة الجريمة من الأدلة وتجنب التحقيقات وإبعاد الشبهات المؤكدة حول إسرائيل. وكشف «الموساد» أنَّ الدراجة النارية كانت قد سرقت قبل ليلة واحدة من تنفيذ العملية وتم «تخليص» عملاء «الموساد» من مالطا، من دون الكشف عن تفاصيل «تخليصهم». ورأى «الموساد» عملية اغتيال الشقاقي إحدى «أنجح العمليات التي قام بها». إلا أنَّه «أدخل اسرائيل في حالة من التأهب القصوى بعدما وصلت إنذارات بعمليات تفجيرية».

 

الجهاد تنعى الشهيد

 

البيان الصادر عن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

في نعي الشهيد القائد الأمين العام الدكتور فتحي الشقاقي

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾

بقلوب يعمرها الإيمان بقضاء الله وقدره ويسكنها الإصرار اللاهب على مواصلة درب الجهاد والاستشهاد، تنعى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى جماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم، قائدها الفذ وفارسها الرسالي وأمينها العام الشهيد البطل الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي الذي سقط برصاص الغدر الصهيوني يوم الخميس الموافق 26/10/1955، في جزيرة مالطا، بينما كان في طريق عودته من ليبيا بعد قيامه، ضمن وفد فلسطيني بالتوسط لإنهاء الأوضاع المأساوية للفلسطينيين الذين يعانون على الحدود الليبية المصرية.

إننا إذ ننعى الأخ والقائد الكبير، أبو إبراهيم، الذي كان دوماً بشموخه وعنفوانه وإيمانه العميق بالله وثقته بشعبه أكبر من المؤامرة وأقوى من الفاجعة، لنؤكد لسفاحي الكيان الصهيوني وعلى رأسهم الإرهابي رابين أن هذه الجريمة البشعة ستجعل كل صهيوني أينما وجد على وجه الأرض هدفاً لضرباتنا المعجزة ولأجسادنا المتفجرة غضباً وثورة.. أينما يفرون بعد اليوم سنحيل كل الأرض من تحت أقدامهم بيت ليد و«رامات أشكول» والقطرانة.

إننا في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نعاهد الله والشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية على الاستمرار في المسيرة التي أضاءها دم شهيدنا العظيم كما أضاءها من قبل دم سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي ودم هاني عابد ومحمود الخواجا وعماد عقل وكل الشهداء الأبرار.

إننا نؤكد لجماهير أمتنا في كل مكان أننا سننتقم وسنشعل الأرض ناراً ونقمة تحت أقدام المجرمين الصهاينة وسنزلزل كيان الغطرسة والإرهاب الذي يقيم أركانه على عمليات الاغتيال والقتل الجبان، ولا يراعي أي اعتبار للأعراف والمواثيق ويستبيح العباد والبلاد في ظل حماية قوى البطش والهيمنة والاستكبار العالمي.

إننا نعلن لجماهير شعبنا وأمتنا أن المؤسسات الشورية في حركة الجهاد الإسلامي وفور تأكد نبأ استشهاد القائد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي، قد انتخبت خلفاً له الأخ الدكتور رمضان عبد الله أميناً عاماً لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. إننا قيادة وقاعدة نعاهدك أيها القائد الخالد أبو إبراهيم أن نبقى على دربك المضيء بنور دمك الطاهر لن نهون ولن ننكسر.

المجد والخلود لك ولكل الشهداء الأبرار. الموت للقتلة الإرهابيين الأشرار. الخزي والعار للمساومين والمفرطين، والله أكبر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

القدس ـ 5 جمادى الثانية 1416هـ

الموافق 29 تشرين الأول 1995م

 

 

اتهام القذافي بتسهيل عملية الاغتيال

 

واتهمت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على لسان مصدر مسؤول فيها بتاريخ (4-2-2011) العقيد معمر القذافي ونظامه بتسهيل عملية اغتيال مؤسسها وأمينها العام السابق، الدكتور فتحي الشقاقي، في جزيرة مالطا على يد الموساد الصهيوني.

وقال مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي فضّل عدم ذكر اسمه لوكالة "قدس برس": "لقد كانت زيارة الدكتور فتحي الشقاقي إلى ليبيا زيارة سرية جداً، ولم يكن أحد يعرف بهذه الزيارة إلا دائرة ضيقة جداً من المحيطين بالعقيد معمر القذافي، حيث كان يتبع أساليب محكمة في التخفي والتمويه".

وكشف أن "الشقاقي كان متابَعاً ومرصوداً منذ أن وصل ليبيا قبل أيام من اغتياله، وحتى مغادرتها، وأنه وعلى الرغم من سرية الزيارة، وحيازة الشقاقي لجواز سفر باسم إبراهيم الشاويش، إلا أن الموساد تمكن من الوصول إليه، وتصفيته في جزيرة مالطا، وذلك بعد حصوله على معلومات مؤكدة عن الشقاقي".

وأضاف المصدر "أنه بعد اغتيال الشقاقي رفض النظام الليبي التعاون في التحقيق الذي فتحته حركة الجهاد الإسلامي حول اغتياله، أو إعطاء أي معلومات عن ذلك، مما أثار شكوكاً حول مساهمة العقيد القذافي والنظام الليبي في اغتياله، حيث قطعت العلاقات تماماً بين الحركة والنظام الليبي".

وأوضح القيادي في الجهاد أن ملف التحقيق في اغتيال الشقاقي لا يزال مفتوحاً، ولم يغلق بعد، مشيراً إلى أن كثيراً من الأمور سوف تتضح لاحقاً، وأن حركة الجهاد الإسلامي ستواصل عملها حتى إغلاق هذا الملف.

وكانت صحيفة الحياة اللندنية قد نشرت في عددها الصادر يوم الثلاثاء (24/10/1995) (أي قبل حادث الاغتيال بيومين) وبالبنط العريض أن الشقاقي وأبي موسى وطلال ناجي موجودون في ليبيـا في محاولة لإقناع القذافي بوقف إبعاد الفلسطينيين. كما أفادت تحت العنوان ذاته أن مصادر فلسطينية ذكرت أن "المسؤولين الليبيين" لم يوجهوا دعوة جماعية (للمنظمات الفلسطينية المعارضة) بل وجهوا الدعوة لكل منظمة على حدة لزيارة ليبيا.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط "الصادرة يوم الأحد (29/10/1995)، عن أحد المصادر الفلسطينية قوله: "نحن لا نريد أن نحمّل الليبيين المسؤولية عن اغتيال الأخ الشقاقي، لكن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها لم تكن كافية". كما نقلت عن مصادر فلسطينية أخرى: "إنها أجرت اتصالات مع السلطات الليبية لإعادة جثمان الشقاقي إلى دمشق، لكن الليبيين لا يتعاونون بدرجة كافية".

ومن جهة أخرى، نقلت صحيفة "القدس العربي" في عددها الصادر يوم (31/10/1995) عن مصادر مقربة من الشيخ أسعد بيوض التميمي أن الشقاقي وقبل اغتياله بـ24 ساعة قابل العقيد القذافي ورفض تأييد موقف القذافي في سياسته بإبعاد الفلسطينيين من ليبيـا.

وتابعت الصحيفة بأن المصادر: "ربطت بين الخلافات التي دارت بين الشقاقي والقذافي وتوجيه أصابع الإتهام إلى القيادة الليبية" كما نسبت الصحيفة إلى أحد قياديي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بغزّة (فضّل عدم ذكر اسمه) قوله: "إن الكوادر الداخلية لحركة الجهاد تشير بأصابع الإتهام إلى القيادة الليبية فيما يتعلق بمقتل فتحي الشقاقي". وواصلت الصحيفة "ويقول القيادي إن العقيد يريد أن يقدم فروض الولاء والطاعة للإدارة الأمريكية من خلال إثبات قدرته على تصفية قيادات أصولية فاعلة في المنطقة". وقال: "لولا ذلك لما قدم العقيد للإستخبارات الأمريكية جميع الملفات العائدة للفصائل الفلسطينية التي كانت مقيمة في أراضيه، ودفع بإتجاه تنظيف ليبيـا من الوجود العسكري الفلسطيني".

وطرحت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم (29/10/1995)، جملة من التساؤلات حول عملية اغتيال الشقاقي بقولها: ويثير وصول الإسرائيليين إلى الشقاقي في مالطا خلال عودته من ليبيـا أسئلة كثيرة مثل:

- كيف تسربت المعلومات عن حركة الشقاقي؟

- وهل نجحت إسرائيل في اختراق حركة "الجهاد"؟ (ثبت عدم صحة هذا الافتراض بشكل جلي وواضح ومثبت).

- ومن أين تسرب خبر سفره؟

- هل هو من عناصر مجنّدة للموساد في ليبيـا أو مالطا..؟

وهنا يجب أن نطرح جملة من التساؤلات حول عملية اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي، وكيفية وصول الصهاينة إليه في مالطا خلال عودته من ليبيـا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كما أوردتها (شبكة حوار بوابة الأقصى)، ومنها:

 كيف تسربت المعلومات عن حركة الدكتور فتحي الشقاقي بعد عودته من ليبيا.. إذ كان بإمكان الموساد اغتياله حينما خرج من سوريا باتجاه مالطا ومنها إلى ليبيا.. أي أن الموساد اغتاله بعدما حصل على معلومات من ليبيا نفسها؟

 هل القذافي أمر باغتياله لأنه لم يرضخ لمطالبه وأزعجه تدخل الدكتور في مسألة إبعاد الفلسطينيين عن ليبيا... ونحن نعرف أن القذافي تورط في اغتيال الكثير من الشخصيات التي عارضته في حكمه وفي أوامره وقراراته مثله مثل كل الحكام الطغاة في هذا العالم؟

وكتب الليبي محمد إبراهيم سالم في موقع (موقع ليبيا وطننا)، بعنوان: (نظام الخدمات الأمنية القذرة) أن: "القذافي شرع منذ مطلع شهر أيلول/ سبتمبر 1995، وبشكل مفاجئ ولأسباب غير ظاهرة في عملية ترحيل قسري للفلسطينيين المقيمين في ليبيـا إلى أراضي السلطات الفلسطينية (قدر عددهم  بنحو ثلاثين ألف شخص). وقد علقت أعداد كبيرة منهم على الحدود بين ليبيـا ومصر. وقد استقبلت هذه الخطوة بالاستياء والاحتجاج من قبل معظم الدوائر العربية والفلسطينية، كما سعت عدة جهات وبشتى الطرق لدى القذافي مؤملة أن يعدل عنها".

ويضيف: "وجّه القذافي دعوة فردية (وليست جماعية) إلى عدد من الفصائل الفلسطينية المعارضة لمفاوضات "السلام" مع إسرائيل للقدوم إلى ليبيا".

ويزيد: "كان الدكتور الشقاقي يعُدُّ العدة ليسافر مع أبي موسى يوم الأربعاء (25/10/1995)، بعد أن أمضى في طرابلس عشرة أيام، غير أنه تلقى بعد منتصف ليل الثلاثاء (24/10/1995) في فندقه الذي يقيم فيه مكالمة هاتفية من مسؤول أمني ليبي كبير يبلغه بأن القذافي يرغب في مقابلته لأمر هام وأن الموعد لتلك المقابلة بعد ظهر الأربعاء (25/10/1995)، الأمر الذي أدى إلى أن يؤجل سفره الذي كان يزمع القيام به في ذلك الوقت".

ويستغرب الكاتب الليبي من أن "الشرطة المالطية أعلنت يوم 27 تشرين أول أكتوبر 1995 عن جريمة القتل التي وقعت في اليوم السابق وذهب ضحيتها مواطن ليبي يحمل إسم "إبراهيم شاويش"، إلا أن المخابرات الليبية لاذت بالصمت لأكثر من ثلاثة أيام ولم تعلن عن هوية إبراهيم شاويش ولم تقم بإبلاغ قيادة حركة الجهاد باغتيال أمينها العام".

ويضيف: "بناء عليه وجهت عدة دوائر فلسطينية مسؤولة إصبع الاتهام إلى القذافي وجهاز مخابراته بأنه ضالع مع الموساد في عملية اغتيال الشقاقي. وقد استندت تلك الدوائر في اتهامها إلى ملابسات زيارة الشقاقي إلى طرابلس (طريقة الدعوة توقيتها وإصرار القذافي على حضور الشقاقي بنفسه وأسباب استبقاء الشقاقي في طرابلس دون زميليه) فضلاً عن سلوك سلطات القذافي في أعقاب الإعلان عن اغتيال الشقاقي وفيما يتعلق بإعادة جثمانه إلى دمشق (وصف موقف السلطات الليبية بأنه لا يتسم بالتعاون الكافي والمتوقع). ونثبت من هذه التصريحات: ما نقلته مجلة " روز اليوسف " المصرية في عددها رقم (3517) بتاريخ (6/11/1995) عن الشيخ أسعد التميمي الذي قال: "أنا اتهم ليبيا قبل الموساد.. سواء بالتقصير المتعمد في حمايته حتى خروجه من مالطا، أو تنفيذ العملية، أو تسريب معلومات عن تحركاته إلى الموساد".       

وبعد أن أوردت الصحيفة المصرية عن الشيخ التميمي قوله بأن عرفات لديه معلومات عن تورط ليبيا وأنه كان مقتنعاً بها، تابع قائلا: "إن القذافي يحاول إصلاح الأمور مع أمريكا، لأنني لا يمكن أن أتخيل أن شخصاً خطيراً ومطلوباً مثل الشقاقي يقتل بهذه الطريقة.. لما لم يؤمن الليبيون عودته"...

واتهم عاطف أبو بكر السفير الفلسطيني الأسبق، والقيادي السابق في حركة فتح "المجلس الثوري"، في مقابلة صحفية مع (المستقبل العربي 17/9/2012)، "النظام الليبي السابق بالتورط في اغتيال عدد من القادة الفلسطينيين (ملف اغتيال الشهيد أبو إياد ورفيقيه (أبو الهول وأبو محمد العمري)، وجريمة تسهيل اغتيال الشهيد فتحي الشقاقي والتي مثلت فاتورة حسن سلوك مقدمة للعدو الصهيوني وأسياده، فاتورة واضحة كل الوضوح". وقال إن "الشقاقي كان مدعواً لليبيا ويحمل جوازها ولا يعلم بحركته سوى مضيفيه، فقدموه على طبق من فضة لأعدائه".

 

الشقاقي والعواصم المغلقة

 

مساء السبت 28/10/1995م، وفيما أظهر الكيان الصهيوني الابتهاج لاغتيال الشقاقي على ألسنة قادته، وبينما كان رابين يتبجح بالقول (إن القتلة قد نقصوا واحداً) كانت أبواب عواصم كثيرة قد أقفلت في وجه جثمان القائد الشهيد فتحي الشقاقي.

لقد رفضت السلطات المالطية منذ البداية السماح بنقل جثمان الشهيد جواً من لافاليتا إلى دمشق، وبعد اتصالات صعبة وصل جثمان الشهيد إلى العاصمة الليبية طرابلس حيث استقبلته وفود عربية وإسلامية وتظاهرات جماهيرية واسعة، طالبت بالثأر والانتقام من الغزاة الصهاينة، كما أُقيم للشهيد حفلٌ تأبينيووسط أجواء الحزن والغضب التي أحدثتها صدمة استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي لدى جماهير الأمة العربية والإسلامية، وقفت الحدود العربية دون وصول الجثمان الطاهر إلى دمشق.

كان هناك كثيرون ممن يخافون من الشهيد القائد حتى بعد استشهاده، فالحكومات التي تستقبل الوفود الأجنبية والصهيونية في كل لحظة، أشاحت عن جثمان الشهيد الشقاقي وأغلقت أبواب مطاراتها في وجهه.. ولم توافق سوى بعد اتصالات صعبة ومتواصلة على أن يعبر التابوت أراضيها متوجهاً إلى دمشق.

وكانت دمشق هي البوابة الوحيدة التي فتحت ذراعيها للشقاقي حياً وشهيداً.. وكان ثرى دمشق هو المكان الأجدر باحتضان جسد الشهيد ودمه في وقت خشي فيه الآخرون من غضب (إسرائيل) وأمريكا لمجرد أن يعبر الجثمان فوق أراضيهم.. وفي فجر 31/10/1995م، أشعلت دمشق شموعها وسهرت مع حشد كبير من جماهير الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية والوطنية في فلسطين ولبنان وسوريا، بانتظار وصول الشقاقي إلى دمشق.. وعند الساعة الواحدة صباحاً هبطت في مطار دمشق الطائرة الخاصة التي نقلت الجثمان من مطار جربا في تونس حيث كانت في استقباله وفود كبيرة من حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادة فصائل (قوى التحالف الفلسطيني) ووفود إسلامية إيرانية وعربية وسورية رسمية إلى جانب عدد من كوادر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين يتقدمهم الأمين العام للحركة الدكتور رمضان عبد الله شلح.

ولدى توقف الطائرة تم إنزال النعش إلى سيارة إسعاف خاصة علقت عليها صور الشهيد الشقاقي وأكاليل الورود، فيما دوت زغاريد أم إبراهيم زوجة الشهيد ونساء فلسطينيات احتشدن في أرض المطار وهتفن بتمجيد الشهيد ودمه وبالمطالبة بالثأر من القتلة الصهاينة... ثم سارت الحشود الجماهيرية والوفود التي استقبلت الجثمان في موكب كبير ومهيب استمر أكثر من ساعتين في الطريق ما بين مطار دمشق ومشفى المواساة حيث أودع النعش بانتظار التشييع في اليوم التالي.

 

التشييع

 

في موكب مهيب وحاشد التف بالزغاريد ودوّت فيه صيحات الجماهير الغاضبة منددة بالجريمة الصهيونية وداعية إلى الثأر القاصم من الغزاة الصهاينة أينما وجدوا، ومطالبة بإسقاط الاتفاقات الاستسلامية مع (إسرائيل)، شيع نحو ربع مليون فلسطيني بمخيم اليرموك بدمشق يوم الأربعاء الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، جثمان القائد الشهيد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي.

وردد موكب التشييع الذي لم يشهد له مخيم اليرموك مثيلاً من قبل دعوات الثأر من (إسرائيل) وجنودها ومستوطنيها وطالب بالانتقام العاجل والموجع، كما مجدت الجماهير الفلسطينية في هتافاتها مناقب الشهيد القائد الإسلامية والوطنية، وأكدت أن دمه لن يذهب هدراً.

وسار موكب التشييع الذي تحول إلى تظاهرة عارمة كللتها صيحات الغضب والزغاريد التي أطلقتها آلاف النسوة الفلسطينيات من على أسطحة المنازل والشرفات، إلى مقبرة الشهداء الجديدة في مخيم اليرموك، حيث أقيم مهرجان تأبيني حاشد أقسم فيه الدكتور رمضان عبد الله، في أول كلمة له بعد جريمة اغتيال القائد الشقاقي، بالتمسك بالعهد ومواصلة درب الجهاد الذي اختطه القائد الشهيد بدمه مشدداً على أن الانتقام سيكون موجعاً وقاسياً.

ومنذ الساعة الثامنة من صباح يوم الأربعاء 1 نوفمبر (تشرين ثاني) 1995، توافدت جماهير غفيرة من أبناء الشعب الفلسطيني بمخيم اليرموك ووفود من القوى والحركات والأحزاب السياسية والعربية والقوى الفلسطينية والوطنية، حيث احتشدت أمام مشفى «المواساة» بدمشق بانتظار مراسم التشييع.

وكان جثمان الشهيد القائد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي قد نقل إلى ذلك المستشفى في موكب كبير إثر وصوله عند الساعة الواحدة من فجر 31/10/1995م إلى مطار دمشق من ليبيا عبر تونس.

وفي السا