خبر سورية.. مرحلة من العاصفة الهوجاء ..علي عقلة عرسان

الساعة 11:34 ص|25 أكتوبر 2014

 

يُسمح لأي "مقاتل أو ذي شهوة إلى القتل" في العالم، مهما كان هدفه وتوجهه وتصنيفه وجنسيته ودينه وهويته، بأن يدخل إلى سورية ليخوض فيها حرباً هي حرب عليها أولاً وحرب فيها ثانياً.. ويُسمح لأية دولة ذات نزوع عدواني أو ذات مصلحة أو ثأر وحسابات عند دولة أخرى بأن تساهم في القتال الدائر في سورية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالسلاح أو بدعم المسلحين أو بتقويض فرص وقف الحرب وتعزيز فرص استمرار الاقتتال حتى الإبادة.. فسورية أصبحت اليوم ساحة معارك قديمة جديدة، ومسرح تصفية حسابات بين المعسكرات الدولية والدينية والمذهبية والقومية والعرقية، ومدخل تفتيت للمنطقة بهدف إعادة رسم خرائط الدول والدويلات.. ولا يجوز لأهلها المخلصين لها والحريصين عليها، ولا لأي إنسان نقي تقي عارف مؤمن بحق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة، أن يتدحل ولو "كلامياً" ليقول: ارفعوا أيديكم عن هذا البلد فقد دمرتموه ودمرتم فرص شعبه في الحياة والكرامة والحرية"..!! وإذا ما أقدم أحد من أولئك على شيء من ذلك تناوشته الذئاب من كل جانب، إذ لا يجوز أن يبقى صاحب مثل هذا الموقف والقول والرأي بمنآى عن الاتهام والتشويه والتجريح والتجريم، وهو لن يسلم حتى من بعض مواطنيه، إن كان سورياً واعياً نظيفاً، لأن عليه، من وجهة نظر المتصارعين فيها وعليها حتى الموت والإماتة، أن ينضم إلى جبهة من الجبهات الدموية المفتوحة على الشعب والوطن، لا أن يقف خارج الجبهات "مدعياً؟!" أنه مع الشعب والوطن، وخارج الحرب القذرة التي تدمرهما معاً.؟!

هذا بعض ما وصل إليه حالنا في سورية، وحين أقول "بعضَ ما وصل.." فلكي أذكِّر بأحوال أخرى هي من الأهوال، يتعرض لها البلد الذي لم يعد له منفذ بري على الجوار إلا في مكانين أحدهما مهدّد هو معبر " نَصِيب" في الجنوب.. ومن تلك الأحوال ما يتعرض له سوريون من كل الأعمار، داخل الوطن وخارجه، يعيشون البؤس والخوف في معسكرات الإقامة ومخيمات اللجوء، يطاردون لقمة العيش وتطاردهم ظروف ووحوش هي أقسى عليهم وأمضى فيهم من الهتك والفتك.. ويتعرض لها أيضاً سوريون يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة للغاية ويفتقدون للأمن ويمتص دمهم تجار الأزمات والفاسدون المفسدون في كثير من المواقع، أما الأقسى بما لا يقاس على سواه فمعاناة ومصير سوريين في منافي الدهر ومفازات الدروب، حيث يلتهمهم الأخوفان البر والبحر، وترى فيهما جثث الهاربين من الموت إلى الموت، وهياكل الباحثين عن فرصة حياة خارج دوائر العذاب والإرهاب والتغييب والغياب، ومع ذلك لا يجدونها إلا في عِبَرٍ تُضاف إلى عِبَرٍ تقدمها للناس هياكل في الرمال أو جثثٌ طافية على سطح الماء، هي جثث وهياكل بشر ينشُدُون الحياة ولهم آمال وأحلام وأطفال، وهناك من السوريين وسواهم من تطالعهم عِبَرٌ أخرى عَبْرَ غصص وحشرجات موت تصدر عن كثيرين هم في شكل من أشكال النزع الأخير، وتنتشر معاناتهم بين بشر ضاقوا بهم، أو ضاقت بالجميع فرص العيش فشكا البائس لعاثر الحظ..

ومن الواقعية والموضوعية ألا نعمم في هذا المجال فنخلط البؤس بالمقت واليأس، إذ هناك حالات استثنائية يُشكر كل الشكر من وفرها لسوريين وتحمل ما تحمل من جراء ذلك.. فمهما اشتد الألم واحلولك المدى لا يجوز أن ننظر إلى المشهد من بعض الزوايا فنرى ما نريد أن نرى ونحذف من دائرة الوجود مكونات هي من صلب المشهد ومما تقتضيه سلامة الرؤية.. فمن البلدان التي حل فيها لاجئون سوريون بكثافة بلدان فاق عبء من حل منهم فيها قدرتها على الاحتمال فصبرت وكبرت، ومن البلدان من تاجر بالسوريين الذين حلوا فيها وآذاهم وانتهك من حرماتهم ما انتهك.. وكل يعمل بما هو أهل له، والباقيات الصالحات.

إن مأساة سورية الوطن ومأساة السوريين الشعب هي نتيجة لما كان مما سُكِت عنه ولا يجوز السكوت عليه فضلاً عن المساهمة فيه، ونتيجة لكلام غير مسؤول كان يستفز ولا يهدف إلا إلى الاستفزاز لأنه كان أداة الغير وفاقداً للرؤية والإرادة والانتماء والقيادة، ونتيجة لفعل من استيقظ متأخراً ليتكلم بما لم يعد الكلام مجدياً فيه مما استتب في سورية، قبل أن يؤسس لفعل يقود إلى هدف وفق رؤية موضوعية وواقعية نضالية، وهو بعض الخلاصات: لرأي فطير، ونظر قاصر وقصير، وفعل متآمر مموّل آمر عبر مأمور جاهل أو فاجر.. والكل أشعل فتيلَ فتنة نائمة لعن الله من حركها وأشعل فتيلها، ومن أسس لها أصلاً واحتضن بذورها وتعهدها حتى ربت ونمت، وحُمِدَ من شَعَر بها وقال بضرورة معالجة جذرية لكل شأن من شؤونها ولكل تفصيل من تفاصيلها، بالحكمة والحوار والعقل والعدل، بعيداً عن الاستبداد والظلم والعنجهية وفقدان الأهلية والسؤدد، وبعيداً أيضاً عن المستعدين للأعداء على وطنهم وشعبهم وأمتهم وعن الآخذين بالاجتثاثية الطوباوية بعيداً عن حقائق الواقع وعن وشائج الانتماء والإخاء.. الكل اليوم يتحمل وزر ما آلت إليه الأمور في سورية، والكل له يد وسهم في كل ما جرى سواء بالتسبُّب والتربُّب أو بالصمت الشيطاني عن الحق، أو بالتواطؤ والتآمر، أو بسلوك ما لا يجوز أن يُسلَك من دروب للوصول إلى سلطة أو إلى إزالة سلطة، أو إلى إحقاق حقِ وإزهاق باطل في وطن وبين أفراد شعب يجب أن يبقى ويبقوا على في الوجود وعلى قيد الحياة باقتدار، لكي يكون لهم وبينهم حق يسمو ويحيا وباطل يُدحض ويُزهَق؟!.. اليوم وعلى مشارف ما تنبؤ به المعطيات والظروف والمستجدات وإعلانات المتلهفين على تقسيم سورية وتقزيمها.. اليوم.. كل من ساهم في مأساة الشعب والوطن مسؤول ومؤآخذ، وصاحب الحق في السؤال والمؤآخذة/المحاسبة هو الشعب، لكن متى وأين وكيف والشعب في المحنة والامتحان وفي ساحات الردى والتردي والخوف والمعاناة والحرب والامتهان، كما نسمع ونرى ونتابع.؟! نعم الشعب سيدٌ وحاكم وآمر عندما وسائل ومسائل تعود إليه إرادته فيحكم ويملي إرادته ويقوى على الأقوياء وعلى المتقاوين عليه باسم الأقوياء وإمرتهم وأسلحتهم وأموالهم وقواهم وأدواتهم.. وينبغي ألا يفلت أحدٌ من مساءلة الشعب له، وألا يسلم من السؤال والمؤاخذة من كان مسؤولاً فداهمته العاصفة ووجد نفسه في خضمها فانساق معها وأصبح منها.. إذ هو في هذه الحالة ركب المركب غير الآمن الذي لا يقوى على قيادته فأخل بالمسؤولية والأمانة وألقى بالناس في خضم العاصفة.. وكان أولى به أن يقدِّر الأمور حق قدرها، وأن يحسب حساب الوطن والشعب أولاً وبدقة، ثم يقرر في ضوء كل ذلك هل يقود المركب ويركب متن العاصفة، أم يختار خياراً آخر أجدى وأسلم وأهدى وأبقى.؟!

مرتكز القول الآن سورية الآن، في الظروف والوقائع والأوضاع التي تعيشها، وفي كل ما ينتظرها مما هو متوقّع الحدوث أو محتَمل الحدوث، وفي كل ما هو آتٍ لا محالة مما يراه القاصر وقصير النظر والأشوس والأحوص.. فمن ينظر إلى ساحة مواجهة واحدة من المواجهات الكثيرة الدائرة فيها يقرأ أشياء كثيرة وخطيرة عليها وعلى شعبها ووحدة أراضيها، بَلْهَ عن السيادة وما يتصل بحقوق بلد مستقل عضو في الأمم المتحدة، في الحاضر وما يبنى عليه من مستقبل.. وأقصد ساحة المواجهة في عين العرب بمكوناتها وتداعياتها وعناوينها والمشاركين فيها والمدعوين إلى المشاركة والممنوعين منها؟! عين العرب مدينة سورية "حتي الآن"، وهي مركز قضاء لعشرات القرى السورية شمال شرق حلب على الحدود السورية التركية، تتقاتل فيها داعش والأحزاب الكردية وبعض عناصر من الجيش الحر، كما يقال نادراً وينفى دائماً، ولا تصلها القوات السورية لأسباب وظروف تتعلق بالواقع على الأرض، ولا يصلها الطيران الحربي السوري لأن التحالف الأميركي استباح الجو لنفسه وانفرد بالمنطقة من دون دول العالم الراغبة في الشراكة الدولية بمحاربة الإرهاب موضوع القرار الدولي رقم ٢١٧٣ ووفق قرارات الشرعية الدولية من دون ازةواجية معايير وانتقائية مكشوفة تمارسها الولاتي المتحدة الأميركية. في هذه الأرض السورية يقرر مؤتمر/اجتماع في أربيل إرسال مقاتلين للمشاركة في التصدي لداعش على أساس عرقي/ قومي من جهة، ومن منظور أنها " غرب كردستان" من جهة أخرى، ودعماً للكرد الذين يتولى التحالف الأميركي دعمهم.. وقد وافقت تركيا على مرور مقاتلين عبر أراضيها حيث "قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس ٢٣ أكتوبر ٢٠١٤ من ريغا إنه أحيط علماً بالتوصل إلى اتفاق لعبور 200 من مقاتلي البيشمركة الأكراد العراقيين الحدود عبر تركيا للدفاع عن مدينة كوباني السورية في مواجهة مقاتلي "الدولة الإسلامية".. بعد أن وافق برلمان إقليم كردستان العراق أمس الأربعاء ٢٢ أكتوبر على خطة لإرسال مقاتلين إلى سورية."؟!

 وفي هذا السياق العاصف أخذت أطراف دولية تسوق لما يسمى القضية الكردية من خلال " كوباني عاصمة العالم للدفاع ضد داعش؟!" الذي يكتسح العراق، ومعنى هذا تقسيمي بامتياز، ويرمي إلى اقتطاع أرض سورية وجعلها جزءاً من دولة كردية يسفر عنها الصراع.. ومركز قرارها أربيل التي اتخذت قرارين ذوي دلالة كبرى في تأكيد النزعة الانفصالية من جهة، وفي التوسع عبر أراضي الآخرين " سورية" بإرسال قوات لإقامة دولة أكبر تقاتل دول " التحالف" من أجل إقامتها، وأعني بالقرارين الأخيرين، وهما ليسا معزولين عن قرارات كثيرة أخرى تصب في الاتجاه ذاته: إسال قوات بشمركة عبر تركيا لتقاتل في عين العرب، رغم وجود قرار دولي يمنع مثل هذا التصرف ويمنع إرسال قوات لتقاتل في سورية والعراق بشكل مطلق. وإعطاء الحق للولايات المتحدة الأميركية في إقامة قاعدة عسكرية في منطقة مطار الحرير في أربيل، وهو بالمناسبة المطار الذي سمحت أربيل بأن يخترق منه الأميركيون العراق في عدوانهم عليه عام ٢٠٠٣، وقد تم ذلك من دون عرض الموضوع على الحكومة العراقية، ومن دون موافقتها طبعاً. وفي الأمرين إرسال قوات إلى سورية وإنشاء قاعدة عسكرية لدولة أخرى.. تصرف دولة مستقلة، في حين أن الأمر ليس كذلك، حتى الآن على الأقل، فأربيل ليست دولة ولا عاصمة لدولة مستقلة، بل هي جزء من العراق الذي هو صاحب السيادة بمفهومها القانوني - الدولي.      

نحن لا نريد مطلقاً أن تسقط عين العرب في يد داعش ولا أن تُقتطَ من سورية لتنفيذ مشاريع تقسيمية ستشعل نار الصراع في المنطقة لسنوات وسنوات وتدخل الأميركيين والصهاينة وصليبيين آخرين إلى المنطقة من الباب الواسع.. ولا نريد أن يُقتَل كردي بيد عربي ولا عربي بيد كردي، لأن الطرفين تجمعهما أخوة تاريخية ثقافية عريقة وعميقة، وإذا فقدها أحد الطرفين أو كلاهما سيشعر بقيمتها.. لكن بعد فوات الأوان، فهي مثل الصحة لا يراها إلا المريض في حالة الفقد لها.

والشعب السوري والوطن سورية مهددة بهذا المشروع التقسيمي ذي الأصل اليهودي - الصهيوني "، مشروع 

وفي منحى آخر من المخاطر المحدقة بسورية الشعب والوطن ما يجري في الجولان، وقد أعلن الصهاينة مؤخراً، لا سيما على لسان وزير الحرب العدوانية بوغي/يعلون، عن مشاركة فعلية وتسهيلات عملياتية في الحرب الجارية على تلك الجبهة، وتم هذا عملياً بعد تدمير كل وسائل الرصد والمراقبة في "تل الحَارَّة" الذي عجزت القوات الصهيونية سابقاً عن تدميره، وقد أصبح الآن تحت سيطرة/هيمنة " إسرائيلية غير مباشرة أو..".. وبدأ بذلك فتح باب حربي واسع ذي بعد دولي معروف يحركه مكتب قيادي غربي - عربي في عمان، وهو لا يقل خطورة عن مناطق وجبهات أخرى، لا سيما والجولان تحت الاحتلال الصهيوني ومشمولة بما تسميه الصهيونية " أرض إسرائيل" من خلال قرار الضم الذي لم يقره مجلس الآمن الدولي ولا الأمم المتحدة، فالجولان أرض سورية محتلة وسيعود إلى الوطن لكن لا بد لذلك من وحدة الشعب وقوة الوطن.

نحن في سورية اليوم ،الآن أمام مشكلات تكبر، ولا أظن أن القول الشعبي المتداول الذي يقول:" إذا ما كبرت لا تنحل"، بل على العكس أرى أن الأمور تزداد خطورة وتعقيداً.. وهذا يستدعي، أكثر من أي وقت مضى، وعياً سورياً شاملاً ومسؤولية سورية كبرى تواجه حقائق الواقع، ويتنازل فيها السوريون لبعضهم بعضاً عن أشياء لكي يبقى لهم وطن وإرادة وهيبة وما يمكِّنهم مستقبلاً من البناء عليه واستعادة وهج الوطنية وعمق الأخوة، وأبعاد الانتماء، وحمل رسالة أياً كانت مقاصدها ومفاهيمها وأبعادها فلن تكون إلا سورية وفي مصلحة العروبة والإسلام، على الرغم من أعداء العروبة ومن يشوهون الإسلام، الذين يعملون بوعي منهم أو من دون وعي على هدف من المستحيلات، لأن سورية بهويتها وتاريخها وثوابتها هي الباقية لمن ينتمون ويفهمون ويدركون، وأنهم هم الذاهبون حتى لو أرهقوها وأدموها، وهم من سيحصد الريح لأنه يبذر الفتنة في أثناء بقائه وعناده ومكابرته أمام الشعب والتاريخ.. ستبقى سورية، وستبقى هي الجوهر والنبض بالطول والعرض، وستحيا على الرغم ممن يريدون لها أن تتفتت وتفنى، ففي تربتها الثقافية والحضارية والروحية الخصبة العريقة سينمو الرجال ومن ينجبن الرجال، وسوف يستعيد الجميع رجالاً ونساءً الوهج الروحي وزهو الوطن والشعب، وسوف تتجاوز سورية هذه المرحلة من مراحل العاصفة الهوجاء التي تعصف بها منذ سنوات.

والله غالب على أمره.