خبر ما الذي يؤجج حرب القدس.. هآرتس

الساعة 09:19 ص|24 أكتوبر 2014

ما الذي يؤجج حرب القدس.. هآرتس

بقلم: نير حسون وعاموس هرئيل

(المضمون: يوجد في القدس منذ الصيف نضال جماعي شعبي يأتي من الشارع، لكن القيادة الاسرائيلية ما زالت حائرة في تصنيفه أهو انتفاضة ثالثة أم لا - المصدر).

إليكم تسلسل الاحداث التي حدثت في القدس أول أمس، قبل أن يقتل المخرب عبد الرحمن الشلودي بعملية الدهس البنت الرضيعة حايه زيسل براون: في الساعات المبكرة من الصباح رمى فلسطيني حافلة في شارع عوزي نركيس بحجر. فتم تهشيم واجهتها ولم يُصب أحد؛ وفي الساعة نفسها رمى ولد فلسطيني صغير زوارا يهودا في جبل الهيكل بحجر وتم توقيف الصغير؛ وفي الظهر، وفي شارع عوزي نركيس مرة اخرى ضبط كمين من محققي شرطة القدس خمسة فتية فلسطينيين كانوا يوشكون أن يرموا سيارات بحجارة؛ وبعد ذلك بوقت قصير، وفي جبل الهيكل مرة اخرى، تم توقيف امرأة فلسطينية للتحقيق بعد أن شتمت زوارا يهودا؛ وفي الساعة الثانية بعد الظهر أوقف شرطيو حرس الحدود وشرطة اسرائيل ولدا في الـ 12.5 من عمره بعد أن رمى سيارة اسرائيلية بحجر في حي الطور.

وفي خلال ذلك وفي اثناء الصباح كان يجري في مكتب قائد منطقة القدس الجديد، اللواء موشيه (تشيكو) أدري، اجتماع بمشاركة القائد العام للشرطة، الفريق يوحنان دنينو. وعرض أدري على قائده لوح عرض فيه خطة جديدة لعلاج الاخلال بالنظام في المدينة، وتشمل الخطة ادخال قوات اخرى تُنقل من مناطق اخرى، وتعزيز نقاط الاحتكاك – ولا سيما حول الشوارع الرئيسة والمستوطنات اليهودية في قلب الأحياء الفلسطينية، واستعمال وسائل تقنية أساسها وسائل مراقبة يفترض أن تنذر بأعمال مريبة لراشقي حجارة.

وما زلنا في يوم الاربعاء قبل العملية – كانت ساعات ما بعد الظهر آنذاك هادئة نسبيا. وآنذاك فرغت أمانة سر اللجنة الداخلية في الكنيست برئاسة النائبة ميري ريغف (الليكود) لارسال دعوات الى اجتماع يتم في يوم الاثنين القريب. ومن الامور التي سيُبحث فيها، كما كانت الحال في جزء كبير من اجتماعات اللجنة في السنة الاخيرة – جبل الهيكل. ومن المدعوين رئيس البلدية نير بركات، وحركة "اذا شئتم"، وجمعية "عطيرت كوهانيم" وجمعية "مدينة الشعوب" (عير عاميم). وبدأت ترد قبيل المساء تقارير عن مصابين بسيارة بالقرب من القطار الخفيف في محطة "جفعات هتحموشت".

اذا استثنينا عملية الدهس لم يكن ذلك اليوم يوما شاذا في المدينة في الاشهر الثلاثة الاخيرة، لأن حوادث الرشق بالحجارة واطلاق المفرقعات ورمي الزجاجات الحارقة أصبحت جزءً من الواقع اليومي في القدس منذ بداية تموز. وكذلك اصبح الاحتكاك الدائم بسبب جبل الهيكل في المثلث بين الفلسطينيين واليهود والشرطة، أصبح جزءً من الحياة العادية منذ زمن. بل إن تصريحات الشرطة عن خطط جديدة ووحدات جديدة للقضاء على العنف لم تعد أمرا جديدا وكذلك ايضا الاشتغال السياسي والعام الذي يزداد قوة في محاولة لتغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل والتمكين من صلاة اليهود في الجبل.

والسؤال الذي بقي بلا جواب هو هل يمكن اذا ربطنا بين كل تلك النقاط – واذا أخذنا في الحسبان المدة التي مرت منذ بدأت موجة العنف – هل يمكن أن نُعرف تسلسل الاحداث في القدس بأنه انتفاضة؟.

يبدو أنه بازاء ما يجري في القدس في الاشهر الاخيرة، أصبحت الحيرة الاسرائيلية الطويلة – هل هي انتفاضة ثالثة، أحقا ومتى؟ - بلا داع تقريبا. ومنذ الصيف تجري هناك انتفاضة مدنية بالمعنى الأصلي لهذه الكلمة: فهناك نضال شعبي جماعي مصدره الشارع في الأساس يقوده شباب وفتيان، ويعبر عنه في الاساس استعمال وسائل عنيفة دون استعمال السلاح الحي وهي الرشق بالحجارة ورمي الزجاجات الحارقة وعمليات دهس بسيارات. ولم تلِدها الجهات السياسية، أعني السلطة الفلسطينية وحماس، لكنها تحاول منذ زمن أن تركب الموجة، حتى إن متحدثين رسميين للسلطة الفلسطينية أصبحوا يصفون النضال في القدس بأنه "مقاومة شعبية بطرق سلمية"، كما عرضوا الاحتجاج على بناء جدار الفصل ايضا، أي أنها ظاهرة شعبية في أساسها ومشروعة وأن مقدار العنف فيها قليل. ويصعب أن نفترض أن هذه التفسيرات تقنع سكان الأحياء اليهودية في شرق المدينة وشمالها، الذين كانوا يواجهون منذ الصيف تعرضات يومية للقطار الخفيف وسير السيارات الخاصة.

إن هجوم رئيس السلطة محمود عباس الشديد على سلوك اسرائيل في القدس في نهاية الاسبوع الماضي كان بعيدا عن أن يكون عرضيا، وقد دعا عباس الى حماية الاقصى من المستوطنين ووصف الشباب الذين يخدمون في نوبات حراسة في جبل الهيكل للتحذير من مجيء مصلين يهود (بنفقة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والجناح الشمالي من الحركة الاسلامية) بأنهم "مرابطون". ويندمج ذلك في التوجه العام لقيادة السلطة في هذه الايام، فالعنف والاحتجاج الشعبي في القدس يخدمان أهدافا أكبر لعباس ومن معه وأعني النضال السياسي في الامم المتحدة ومحاولات تجنيد المجتمع الدولي على اسرائيل بعد فشل مبادرة السلام الامريكية التي قادها جون كيري.

إن القدس بعامة وجبل الهيكل بخاصة هما قاسم مشترك مريح للحركات الفلسطينية المختلفة. ويمكن أن تصبح ساحة النضال لاسرائيل هناك أساسا لوحدة وطنية ووحدة دينية في المعسكر الفلسطيني المنقسم، وهي وسيلة ايضا لحشد العطف والدعم الاقتصادي من العالم العربي في المنطقة. وينتقل المركز الى القدس في وقت علقت فيه اجراءات التصالح بين السلطة وحماس، ولا يوجد تقدم حقيقي لتوسيع ترتيبات الهدنة مع اسرائيل في غزة، ولم يطأ أي شرطي من السلطة الفلسطينية بعد المعابر الحدودية في القطاع. إن المواجهة في القدس تُمكن السلطة الفلسطينية من أن تظهر بمظهر المناضلة والوطنية في حين تهاجَم من الداخل بسبب المساعدة التي بذلتها اجهزتها الامنية في الضفة لقمع المظاهرات العنيفة على اسرائيل في الضفة الغربية في النصف الثاني من الحرب في غزة. في الشهر الماضي اتهمت نساء عائلة القواسمي الاجهزة بالتعاون مع اسرائيل بعد قتل المخربين اللذين قتلا الفتية المخطوفين الثلاثة على أيدي وحدات الشرطة الخاصة في الخليل. وتستطيع السلطة الفلسطينية أن تحرف النقاش العام في المناطق عن هذه الادعاءات بحصر العناية في القدس مجددا.

أسهمت اسرائيل من جهتها في تأجيج الحريق بالنشاط الذي لا يتوقف لمنظمات دينية ولساسة من اليمين لتغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل. "ما يحدث اليوم في القدس يوحد الفصائل كلها"، يقول شخص أمني رفيع المستوى تحدثت إليه. "إن حماس وفتح والجبهة الشعبية وحزب التحرير تتحدث جميعا معنا عن جبل الهيكل". ويرون في جهاز الامن صلة مباشرة بين الاشتغال الاسرائيلي في شأن جبل الهيكل وتغيير الوضع الراهن وبين العنف، وصلة مباشرة ايضا بين العنف في الجبل والاخلال بالنظام في أحياء شرق القدس كلها، وقد أصبحوا في الشرطة يعرفون أن كل مدونة لعضو كنيست في الفيس بوك تتحدث عن حج مخطط له الى جبل الهيكل، وكل تباحث ضاج في لجنة الداخلية سيتم الرد عليه بمطر من الحجارة واطلاق مفرقعات نارية في الجبل. ولاحظ الصحفي ميرون ربابورت الصلة ايضا في صفحة المخرب الشلودي في الفيس بوك، فقد نشر الشلودي قبل اسبوعين صورة المسجدين في جبل الهيكل محاطين باللهب وحولهما تحذير: "الاقصى في خطر".

إن ما يجري في الجبل، كما كُتب هنا من قبل، ليس شأن الحالمين أو اعضاء الكنيست من الحواشي المتطرفة في اليمين فقط، لأن اعضاءً مركزيين في الليكود (وأبرزهم ريغف وموشيه فايغلين وزئيف الكين وداني دنون) والبيت اليهودي، وفيهم وزراء مثل أوري اريئيل، يمنحون ذلك تأييدا سافرا. إن الاشتغال الواسع بذلك ومعه موجة اشاعات في الجانب الفلسطيني يتعلق باجراءات اسرائيلية لم تتحقق بالفعل، يرفعان مستوى العصبية في السلطة والاردن ايضا الحساسة لكل تغيير في الاماكن المقدسة.

إن الخوف الفلسطيني الرئيس هو من أن تحاول اسرائيل أن تستعيد في جبل الهيكل التغيير الذي أملته في الحرم الابراهيمي في الخليل وهو توسيع تدريجي لحقوق اليهود في الصلاة على حساب المكانة التي تمتع بها المسلمون وحدهم في الماضي.

طلب الاردن الذي وثق جدا التنسيق الامني والاقتصادي الخفي مع اسرائيل بسبب الزلازل في العراق وسوريا، طلب هذا الاسبوع توضيحات للتغييرات في جبل الهيكل. ويصعب على الاردنيين أن يقبلوا تفسيرات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن اعضاء الكنيست من حزبه يعملون صدورا عن آرائهم الخاصة لا بتنسيق معه. ويبدو الى الآن على الاقل أن مقرري السياسة في الجانب الاسرائيلي – ولا سيما نتنياهو والوزراء يعلون وليبرمان واهارونوفيتش – يدركون الخطر الكامن في تغيير الوضع الراهن ويحذرون من اجراءات قد تشعل حريقا في المنطقة وتوترا مجددا مع الاردن. ويضاف الى ذلك القلق الذي أصبح يعبر عنه ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي علنا، من امكانية أن يشعل ما يجري في القدس حريقا مجددا في الضفة الغربية ايضا. وتوجد شرطة اسرائيل في الوسط.

شملت نظرية الشرطة القتالية في أحداث الشغب منذ الصيف، غايتين – صد العنف ليبقى في داخل الأحياء الفلسطينية ومنع وقوع اصابات شديدة أو قتلى. وأملت هاتان الغايتان توجها وصف احيانا بأنه "سياسة احتواء"، لأن القوات اشتغلت في الاكثر بتقييد المشاغبين الفلسطينيين قبل أن يصلوا الى الشوارع الرئيسة أو بيوت اليهود ولم تشتغل بتفريقهم. لكن الشرطة في مقابل ذلك استعملت سياسة اعتقالات صارمة شملت اعمال مداهمة ليلية واعتقال مئات الشباب والأحداث الفلسطينيين.

إستتبع سلوك الشرطة في مواجهة المشاغبين الفلسطينيين ردودا شديدة من قبل اليمين الذي اتهمها واتهم وزير الامن الداخلي بالضعف. لكن هذا التوجه أثبت نفسه اذا أُخذ في الحسبان الغضب الطاغي بسبب الحرب في غزة وقتل محمد أبو خضير. وبرغم موجة العنف التي لم يسبق لها مثيل قتل متظاهر فلسطيني واحد فقط هو محمد سنقرط ولم يصب أحد اصابات شديدة من الطرفين. ونقول لاجل المقارنة إنه قتل في الضفة الغربية برصاص الجيش الاسرائيلي أكثر من عشرين فلسطينيا في مظاهرات وقت الحرب في القطاع.

سُجل في شهر ايلول انخفاض عدد الأحداث وقوتها. لكن الشرطة فشلت في قمع استمرار رمي القطار اليومي بالحجارة، والاضطرابات العنيفة جدا احيانا حول مساكن اليهود في الأحياء الفلسطينية. "في شعفاط يمر القطار 300 مرة كل يوم، وقد خفضنا المعدل الى أقل من حجر واحد كل يوم، وهذا أمر لا ينبغي أن يكون، لكن الجمهور يعيش مع شعور بأننا ما زلنا في تموز وآب وليس الوضع كذلك"، يقول مصدر شرطي في القدس. إن العملية أول أمس برغم أنها تمت على يد مخرب فرد حسب التقديرات دون أن يوجد تنظيم منظم من ورائه، بل ربما تم ذلك بقرار لحظي – لم تدع احتمال وجود تفسيرات عند الشرطة. إن الضغط من اليمين ومن رئيس البلدية نير بركات على الشرطة لتغيير توجهها ولتكون أكثر فاعلية أصبح طوفانا. في الاجتماع الذي تم أمس برئاسة نتنياهو أُجيزت للشرطة زيادة قوات كبيرة للقدس تصاحبها معاملة أعنف لما يجري في داخل الاحياء الفلسطينية. وفي الاسبوع القريب بعد أن توضع الوسائل التقنية وتُنشر سرايا حرس الحدود التي استُدعيت الى المدينة، سيتم فحص جدوى السياسة الجديدة ويُفحص ايضا مسألة استمرار الانتفاضة في القدس. هل سيستمر الجمهور الفلسطيني في المدينة على انتفاضته الشعبية تحت الضغط المتزايد ايضا أم تعود الامور الى الحال المعتاد الذي كان قبل التصعيد. وكانت تلك فترة لم يغب عنها التوتر.

بدا مصدر رفيع المستوى تحدثنا اليه أمس شديد الشك في القدرة على تسكين الحال ولا سيما حول قضية جبل الهيكل. وقال مفسرا: "لا يمكن تجفيف هذا المستنقع بل يُحتاج لاجل ذلك الى مستوى سياسي".