تقرير الملابس البالية ملاذ عشرات الأسر بغزة

الساعة 08:40 ص|21 أكتوبر 2014

غزة-خاص

في سوق فراس الشعبي وسط مدينة غزة يلتف مئات من الرجال حول منصة يعتليها "دلّال" وهو بائع يعرض قطعا من الملابس الإسرائيلية المستعملة "البالة" ليتنافسوا على شرائها في مزاد علني يحاكي أحوالهم الاقتصادية البائسة، ويبدأ هذا (الدلال) بعرض أفضل ما لديه من ملابس يقوم بارتدائها أحيانا ليغري الحاضرين المتزاحمين لشرائها فتعلو أصواتهم للمزايدة بالأسعار على بعضهم حتى تنتهي إلى احدهم بقليل من الشواكل.

ويرتبط إقبال الغزّيين على سوق البالة بتردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة والفقر؛ نتيجة فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارها على القطاع لما يقارب من ثماني سنوات، إضافة إلى تأخر صرف رواتب موظفي حكومة غزة، وتأثير الحرب الأخيرة على القطاع قبل شهرين مما أدى لتدمير مئات المنازل وفقدان أصحابها لملابسهم ناهيك عن ارتفاع أسعار الملابس الجديدة في الأسواق المحلية.

لجأت لها بعد تدمير بيتنا

محمد وشاح (38 عاماً ) الذي التقت به " فلسطين اليوم " في احد محلات البالة يُقلب مع أبنائه بين البضائع المعروضة المنتشرة بسوق اليرموك لعلّه يجد حاجته وحاجة أبنائه من ملابس واحذية، فيقول: "أذهب المحلات البالة باستمرار لشراء ما أحتاج لأسرتي من البضائع الأوروبية التي تفوق جودة البضائع الجديدة في الأسواق المحلية".

 

ويتابع إن الملابس البالة المستوردة من أوروبا سعرها مناسب وأقل تكلفة فأغلى قطعة لا تزيد عن 30 شيكل ومع ذلك فهي أكثر جودة من البضائع الجديدة المستوردة من الصين والمنتشرة في الأسواق، وأضاف لقد كنت أشتري من أحدث الماركات العالمية من الملابس والاحذية قبل سنوات ولكن من اشتداد الحصار قلل من عمل وما زاد الطين بلة تدمير منزلنا في الحرب بحي الشجاعية

الفقر دفعني

أما الحاجة أم عبد الله عبيد (53 عاماً ) أرملة بعد منذ ثماني سنوات بفعل المرض وهي أمّ لثلاثة شباب تجاوزوا سن العشرين دفعتها حالة الفقر إلى التردد على سوق البالة لشراء ملابس لها ولأبنائها فتقول:" لا أعرف مصدر هذه الملابس بالتحديد ولا أهتم لذلك فما يدفعني للقدوم إلى "البالة" هو ضيق الحال فلا مصدر لي سوى شيك الشؤون الاجتماعية وتضيف ولكن لا أخفيك سرا كنت أخجل في البداية من شراء هذه الملابس".

وتتابع لكن جودتها وتدني أسعارها ودخلنا المحدود جداً جعلني زبوناً دائماً فسعر الجلباب جديد لي أو شراء بنطلون للابناء سيكلفني عشرة أضعاف المستعمَل، فجلباب البالة لا يتجاوز 15 شيكلا، وأحد أبنائي حاصل على شهادة جامعية إلا أنه لم يحظَ بفرصة عمل تمكنه من الإنفاق علينا لذا أضطر لشراء الملابس المستعملة.

 

ليس من العيب شراؤها

في حين ان أبو أنس العالول لا يتوانى عن زيارة سوق البالة الواقع في سوق اليرموك كل يوم جمعة فيقول أجد ضالتي في هذا السوق من الملابس والأحذية البالة وبأسعار مناسبة وتكون أغلى قطعة لا تتجاوز عشرة شواكل، ويواصل الحديث قائلاً:" كنت في الماضي اشعر بنوع من الحرج من بعض الاصدقاء لارتداء ملابس البالة ولكن وجدتهم يشترونها ايضاً".

واستدرك أبو أنس بالقول:" ليس عيبا شراء تلك الملابس والاوضاع التي نعيشها صعبة للغاية ونتمنى ان تتحسن في المستقبل القريب، وأشار أبو أشرف الى أنه متعطل عن العمل منذ نحو سبع سنوات ويعيل أسرته المكونة من ثمانية أبناء.

نحضر أفضل الماركات

بدوره أوضح التاجر خالد جبر (42 عاماً) أحد باعة ملابس البالة بسوق فراس "أننا كتجار نستورد البضائع من الجانب الإسرائيلي وبدورنا نقوم ببيعها لمن يريد أن يشتري ولسوق فراس حظ وفير في شراء معظم البضائع التي اشتريها من الجانب الإسرائيلي ويضيف ويوجد إقبال كبير على حركة الشراء خاصة من أصحاب المنزل التي دمرت في الحرب الاخيرة بالإضافة للفقراء.

واعتبر تجارة البالة مهنة حظوظ لأننا نشتريها بالوزن دون أن نراها وبعد ذلك نفرزها ونبعد التالف منها ومن ثم نقوم بكيها، وقال عند إغلاق المعابر من قبل الاحتلال تتجمد حركة السوق، فمهنتنا مرهونة بفتح وإغلاق المعابر لأنه عندما تكون المعابر مفتوحة يكون العمل في السوق على أشده فنكون نحن كتجار بحاجة لعدد من العاملين فنوفر فرص عمل لهم.

نعمل على تنظيفها

ويشرح عمر المملوك أحد تجار المستوردين الملابس البالة لــ " فلسطين اليوم" عن كيفية إحضاره لها من عدة دول أوروبية فيقول :"أنهم يتفقون مع تجار أوروبيين يتعاملون في البضائع المستعملة حيث يتم تصويرها وإرسال الصور عبر الإنترنت بعدها يتم الاتفاق على سعرها ثم يتم شحنها لميناء أسدود ومن ثم إلى قطاع غزة عبر المعابر الإسرائيلية".

ويضيف المملوك أنه بعد وصول الملابس يتم غسلها وتعقيمها بشكل جيد خشية نقل أي أمراض معدية ثم كويها من ثم تصنيفها حسب جودتها وأنواعها لعرضها للبيع بأسواق القطاع.

وبين أنه في العديد من المرات نتكبد خسائر جراء إغلاق المعابر الاسرائيلية كل فترة من الزمن بسبب الأوضاع السياسية مما يؤثر سلبا علينا خاصة أنه في احدى المرات استوردنا ملابس صيفية ومكثت المعابر مغلقة لفترة طويلة مما أشرف على قدوم فصل الشتاء ولم نبع إلا القليل منه.