خبر القدس والأقصى .. علي عقلة عرسان

الساعة 06:30 ص|18 أكتوبر 2014

المسجد الأقصى في القدس يتعرض يومياً للانتهاك الفظ من قطعان الصهاينة يحميهم جيش الاحتلال ويرافقهم وزراء في "الحكومة"، والهدف المعلن من وراء ذلك هو تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود مكانياً وزمانياً، بمعنى تخصيص مكان لليهود فيه مقتطع منه وتوضع برانمج زمني للمسلمين واليهود يحدد أوقات الصلاة والزيارة.. ومثل هذا الأمر فرضه اليهود في مدينة الخليل منذ سنوات عدة وما زال مستمراً. وتترافق الحملة الصهيونية اليومية مع سلسلة متصلة من أكاذيب نتنياهو المعهودة، حيث يقول الإرهابي الأكذب في العالم: "إنهم لا يريدون تغيير الوضع في المسجد"، بينما تصرخ حتى الأرض بأنه كذاب أشر، وتؤكد ذلك تحركات الصهاينة بمن فيهم وزراء في حكومته على الهدف المعلن من استمرار الانتهاكات اليومية وهو الاستيلاء على الأقصى أو على معظمه بذريعة أنه المكان الذي كان فيه الهيكل؟!.. وهذا الأمر يشكل، مثلما هي الحالة مع الصهاينة منذ كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، تكاملاً بين العدوان على الأرض والافتراء في السياسة والإعلام والقضاء وفي كل مظاهر السلوك اليهودي المتوارث المعهود الذي زادته الصهيونية إجراماً وإرهاباً وفظاعة وأضفت عليه منهجية أصبحت معروفة.

في القدس يُقتل أو يٌجرح أو يُعتقل أو يُهان يومياً فلسطينيون وفلسطينيات، يدافعون عن مقدساتهم وحقوقهم وأرضهم ووجودهم في مدينتهم يبوس " أور سالم، أيلينا كابيتولينا =إيلياء، بيت المقدس، القدس"، المدينة التي أسسها أجدادهم اليبوسيون وهم فخذ من الكنعانيين العرب منذ خمسة آلاف ومئتي عام " ٣٢٠٠ ق.م"، ولم يغادرها الآباء والأجداد أبداً، ويدافعون عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين " المسجد الأقصى"، وعن مسرى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم يدافعون عن ذلك كله بلحمهم ودمهم وأرواحهم وما يملكون، وترتفع أصواتهم مناشدين العالم أن يتدخل لحمايتهم وحماية مقدساتهم، محذِّرين العرب خاصة والمسلمين عامة من نتائج التصرف اليهويدي التهويدي المستمر في القدس وفي فلسطين كلها، وصولاً إلى قرارهم بتهويد المسجد الأقصي الذي طاله من ذلك ما طاله حتى الآن.. إنهم يصرخون ليل نهار، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالعرب مشغولون بقتل بعضهم بعضاً وينفقون على ذلك المليارات، والمسلمون مشغولون بالأمر ذاته، وبعضهم منخرط فيه كلياً، إضافة إلى انشغالهم بقضايا وأمور وصراعات أخرى منها صراعات ضد المعتدي الأميركي ومنها صراعات مذهبية مقيتة تستنزف دماً وجهداً ومالاً ورصيداً كبيراً من القوة والثروة والعلاقات البيْنيَّة، وما لا يقدَّر بثمن من القيم والأخلاق والمقومات والحقائق التي للإسلام، ولما فيه وفي التاريخ الإسلامي من مآثر وفاخر، ليغدوَ الإسلام والتاريخ ويغدوا المسلمون بنظر العالم وبنظر بعض المسلمين حتى أدنى مما هو وهم عليه بكثير.

النساء الفلسطينيات يرابطن في هذه الأيام في الأقصى ليل نهار، وعنه يدافع بأيديهن ضد إرهاب كان الإرهاب ومجرميه المدججين بالسلاح من جنود ومحتلين قتلة بأثواب مدنية، ومن وزراء لديهم نزعة العدوان والشر والأرهاب متأصلة في النفس والمنهج والسياسة.. إن الفلسطينيات في أروقة الأقصى وساحاته يرفعن رؤوسهن وأكفهن نحو السماء يطلبن من الله سبحانه العون والفرج، إذ يدركن جيداً أن ما أنتجته الكثير من الأرحام العربية قد قطع صلة الرحم وتخلى عن المقدسات والواجبات الدينية والقومية وعن المروءة، وحتى عن النخوة والشرف ذاته، وأنه لم تعد قضية فلسطين قضية العرب المركزية في نضالهم الحديث، بل ولم تعد قضيتهم، وربما من الواقعي والمفيد فيما يتعلق بهذا قراءة وإعادة قراءة قول الإرهابي موشيه يعلون " بوغي" وزير الإرهاب الصهيوني الذي قال: " .. أعتقد أنه لا يوجد اليوم زعيم عربي يزعم مثلا أن القضية الفلسطينية هي لب المشكلات في الشرق الاوسط، فالذي يشغلهم تهديدات إيران وداعش والإخوان المسلمين.".

لن يتوقف العنصريون الصهاينة عند حد، لا في الاستيطان ولا في التهويد ولا في العدوان، ولا في الاستيطان وقد أكد هذا يعلون أيضاً: "..  لا يوجد تجميد بناء، بل يوجد تأخير اعلانات بمسارات التخطيط بسبب الحساسية. ويجب من هذه الجهة السلوك بحكمة وألا نجلب علينا قرارات دولية صعبة نأسف بعد ذلك لأننا وصلنا إلى تلك الزوايا»، كما تؤكد ذلك الإجراءات القائمة على الأرض.. لن تردع المحتلين الصهاينة

 إلا القوة، وهم يدركون جيداً أن ما يملكونه من قوة يفوق قوة عرب يتحدثون عن القوة ولا تظهر قوتهم وأسلحتهم وشراستهم إلا ضد بعضهم بعضاً؟! أمَّا ما يُسمى المجتمع الدولي فهو إمِّا متحالف مع الصهاينة أو مناصر لهم، وإمَّا متواطئ من الباطن، أو لا يريد لا أن يسمع ولا أن يرى.. والأمم المتحدة، وعلى رأسها بان كيمون، فإنها ترى وقد تأسف لكنها لا تملك أن تقول لا للصهيوني المدعوم أميركياً إلى ما لا نهاية مهما فعل.. وأكثر ما يشهد على هذا الوضع بمجمله قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة منذ القرار ١٩٤ لعام ١٩٤٨ وحتى الآن التي لم يصدر قرار واحدٌ منها على الفصل السابع ولا نُفِّذ أي قرار لم يرغب الكيان الصهيوني بتنفيذه، بل على العكس من ذلك مسحت قرارات أدانت الصهيونية بوصفها حركة عنصرية لأن إسرائيل أرادت ذلك فكان الأميريكيون آمرين والعرب أول الراكضين نحو التنفيذ بلهفة؟! 

 

 

 

لا يمكن انتظار تحرك إيجابي النتائج من لجنة القدس العتيدة فهي حتى إن تحركت تبقى في سبات, ولا من المملكة الأردنية الهاشمية التي تتمتع بامتيازات خاصة في هذا المجال ربما كانت من نتائج المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية المعروفة بوادي عربة, ذلك لأن للملكة حساباتها واعتباراتها الخاصة.. وهي بعد كل هذه الأشهر من ممارسات الصهاينة في المسجد الأقصى واستهدافهم له وللمصلين فيه وللمقدسيين.. لوحت باللجوء إلى القانون؟! وماذا تراه يفعل القانون الدولي وسواه مع عصابات صهيونية إرهابية خارجة على القانون, ومحمية في خروجها عليه وفي إرهابها للشعب الفلسطيني منذ عقود منذ الزمن من أكبر دولة تنتهك القانون الدولي وتخرج عليه كلما رغبت في ذلك, وتحمي الإرهاب الصهيوني وتكافئه. هي الولايات المتحدة الأميركية؟! لكن على الرغم من هذا الواقع البائس والأوضاع العربية المتردية في الضعف والتمزق والاقتتال والرداءة.. لا بد من تحرك لأنه لا يمكن الانتظار إلى ما لا نهاية, بينما يقوم الاحتلال الصهيوني بكل ما يؤدي إلى تنفيذ أهدافه من استيلاء على المسجد أو تقسيمه مكانياً وزمانياً ومن تهويد للقدس واستيطان فيها واضطهاد لأهلها!!. ولا يتوقع أن تتمكن السلطة الفلسطينية من فعل شيء أكثر من الاحتجاج, فهي لا تستطيع ولا تريد مواجهة الاحتلال, ولا التشويش على السياسة التي تنتهجها وصولاً إلى كسب دول في أثناء توجهها بالملف الفلسطيني إلى مجلس الأمن الدولي للمطالبة بقرار ينهي الاحتلال خلال ثلاث سنوات، ولا تقديم ذرائع للعدو في أثناء توجهها إلى برلمانات الدول الأوروبية خصوصاً للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية, على غرار ما تم في مجلس العموم البريطاني وبعد إعلان السويد عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو موقف شجاع يستحق الشكر والتقدير. في هذه الحالة نحن أمام استغلال صهيوني قذر لواقع عربي مزرٍ ولفرصة يراها سانحة لتحقيق أهدافً استراتيجية قديمة ومستمرة له.. ولا بد من تحرك وعمل لأن التحرك الشعبي الفلسطيني على أهميته لن يجلب نتائج إيجابية وسيسفر عن مزيد من الشهداء والجرحى والمعتقين والمعتقلات, فالصهيوني المجرم لا يتقن سوى الإجرام.. ولا بد في هذه الحالة من عمل عربي – إسلامي عاجل وحازم وفاعل وكواكب للعمل الفلسطيني بأشكاله من أجل وضع حد للتهديد الذي يتعرض له المسجد الأقصى وللممارسات العدوانية التي يتعرض لها المدافعون والمدافعات عنه.. وهذا ما يستطيع, بل ما يجب, أن يقوم به تجمع " مؤتمر" القمة الإسلامي.. وليس مجدياً ولا مقبولاً أن يقتصر التحرك على اتصالات ديبلوماسية وسياسية ثنائية ولا على مشاريع بيانات وتصريحات من مسؤولين بينهم ممثلين للأمم المتحدة على أهمية ذلك وضرورته لأن الولايات المتحدة الأميركية ستضعف كل ذلك إن لم تجهضه, إذا لم ترافقه إجراءات عملية تؤثر على مصالحها وتقرأ فيها جدية تامة من القائمين بها على تحقيق أهدافهم.. وإن إجراءات عملية ملزمة تتخذها تلك الهيئة التي تمثل سبعة وخمسين دولة في العالم وأكثر من مليار ونصف مليار مسلم, هي التي تجعل لتحركها قيمة على الصعيدين السياسي – الديبلوماسي وعلى الصعيد الإجرائي العملي.. وأول وأفضل ما تتخذه تلك الكتلة من إجراءات عملية هو إلزام أعضائها, وفي مقدمتهم عرب, بوقف إمداد العدو الصهيوني بالغاز والنفط, وعدم التجارة معه, وقطع العلاقات أو تجميدها لمن يعز عليه قطعها, والتحرك الجدي على صعيد تشكيل قوة دولية إسلامية للتدخل السريع لحماية المقدسات والتدخل في حالات الضرورة القصوى لحماية الناس من الإبادة.. ؟!

إن الكيان الصهيوني مستمر في تنفيذ برنامج بطيء لإبادة الشعب الفلسطيني, إبادة الإرادة وإبادة الجسد, لا سيما إبادة المقاومة التي تدافع عن النفس والحق والأرض والمقدسات, وها هي غزة أمام الجميع أكبر شاهد ومثال, وما قُتل من أبنائها وما دمّر فيها من بيوت ومنشآت ومؤسسات خلال ثمان سنوات فقط من العدوان الصهيوني المتكرر يشهد على ذلك.. والعدو الصهيوني يجد من يعينه على باطله وعلى تنفيذ برامج إجرامية وإرهاب منهجي منظم ضد الفلسطينيين بذريعة: " من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها؟!" أفلا يجد العرب والمسلمون أن من حقهم ومن واجبهم الشرعي أن يدافعوا عن أنفسهم وعمن يحمون مقدساتهم, أم أنهم و أولئك لا أنفس لهم ولا قيمة ولا يستحقون دفاعاً عن النفس.؟! إن حلف شمال الأطلسي, على سبيل المثال, يتدخل في دول ومناطق وسياسات ليحقق أهدافاً استراتيجية ويحمي مصالح ويدافع عن حلفاء ويفتح أسواقاً ويدمر دولاً يخشى أن تتمكن  من حماية مصالحها والدفاع عن حقوقها.. إلخ, وفي الأغلب الأعم يكون معتدياً ووحشياً في عدوانه.. أليس من حقنا أن نتكتل لنحمي أنفسنا وأن ندافع عن مصالحنا وديننا وحضارتنا؟! إن الخراف تتراص وتحاول أن تشهر قرونها عندما تهاجمها الذئاب, ألسنا أفضل من الخراف يا ترى.. أم أننا ننتظر دورنا في المسالخ لحكمة ما لا تدرك؟! إن الأقصى مستهدَف وتُنتهك حرمته يومياً وبصورة لا شبيه لوقاحتها, ومن ينتهكه هو العنصري الصهيوني الإرهابي, عدو الإنسانية والحق والعدل والقيم.. وأهل الأقصى ينتظرون من يساعدهم في حقهم وضد باطل يتطاول عليهم ويطالهم بكل أنواع الأذى.. ألا ومن حق المظلوم أن ينصره الأقوياء العادلون، ومن الحق المسلم على المسلم أن ينصره في اتجاهين: أن يدافع عنه إذا ظُلم وأن يمنع العدوان عليه وقتله بل حق وعدل.. وأن ينصره على نفسه بمنعه من ظلم أحد أو العدوان على أحد أو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.." وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".. فهل نحن فاعلون يا أيها العرب والمسلمون والأقصى ينادينا، والمدافعات عنه يسهرن ويندهن ويسألن: ألا من نصير للمظلوم على الظالم؟!..

ألا إنها ساعة الاستحقاق يا من تبحثون عن العدالة والكرامة, وتنتصرون للحق والحرية, وتطلبون الشهادة في سبيل الله.. إنها ليست دعوة للموت ولا للفوضى ولا لأي نقيصة مما نرى من وقائع ومواقع في أرضنا وما يجتاح أمننا وحياتنا.. بل دعوة للوقوف مع الحياة ومن أجل الحياة, مع الحق والعدل والإنسان في الحياة, ضد من يكرهون الإنسان ويحتقرونه ويجورون على حقه الاعتقاد والعبادة والحرية في الحياة وضد من يدمرونه ويدمرون مقومات الحياة وقيمها, لأنهم من الشر نسجوا ونسلوا ولأنهم لا يتنفسون إلا في بيئته.

دمشق في 17/10/2014

علي عقلة عرسان