خبر الجنود يتصدون للانفاق، بلا خطط، بلا تدريبات وبلا عتاد مناسب.. هآرتس

الساعة 11:19 ص|17 أكتوبر 2014

بقلم: عاموس هرئيل وغيلي كوهرين

        (المضمون: رغم المعرفة بوجود أنفاق حماس الا أن المشكلة لم تستوعب بكاملها الا مع نشوب الحرب وبالتالي فقد كانت معالجة الجيش لهذه لمشكلة في الغالب ارتجالية وغير كاملة - المصدر).

        فجوات كبيرة في التأهيل، في التدريب وفي العتاد جعلت من الصعب على الجيش الاسرائيلي القيام بمهامته الاساسية في الحرب التي كانت في الصيف في قطاع غزة – تدمير الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس من القطاع الى اسرائيل. هذا ما يتبين من تحقيق أجرته "هآرتس". في زمن القتال ضد حماس استولى الجيش الاسرائيلي على منطقة بعرض نحو 2كم في أطراف الاراضي المبنية الفلسطينية، من شمال القطاع وحتى جنوبه، كي يدمر 32 نفقا هجوميا أشارت الى موقعها اذرع الاستخبارات. ولكن هذه الفجوات، الى جانب خطط عملياتية جزئية تم تعديلها واستكمالها في اللحظة الاخيرة فقط، أدت الى تمديد العملية البرية الى ما يتجاوز التوقعات الاصلية لدى جهاز الامن.

        ونبعت التأخيرات ايضا من حقيقة أن الكابنيت تردد طويلا في اقرار العملية ضد الانفاق، على خلفية التحفظات في جهاز الامن نفسه. وللمفارقة، فبالذات الهجوم المبكر على فوهات الانفاق من الجو جعل صعبا عمل القوات على الارض ما ان دخلت هذه الى القطاع لانه شوش العثور على مسارات الانفاق. واذا لم يكن هذا بكاف، فقد كانت تنقص القوات البرية الوسائل المناسبة لتفجير الانفاق بعد أن تم العثور عليها.

        الجوانب المختلفة المتعلقة بقضية الانفاق نشرت هنا في ظل الحرب وفور انتهائها. اما التحقيق الحالي فيستند الى محادثات مع نحو 20 من المشاركين المركزيين في العملية وفي اقرارها: وزراء في الكابنيت، ضابط كبار في الجيش الاسرائيلي، رجال استخبارات وكذا ضباط وجنود شاركوا في تدمير الانفاق. وعندما تبين حجم تهديد الانفاق، تركز النقاش الجماهيري في الصعوبة المتواصلة في ايجاد حل تكنولوجي للعثور عليها وفي مسألة ما الذي عرفته الاستخبارات. والصورة المتبلورة الان أوسع بكثير، وهي تكشف فجوات في سلسلة من المجالات. فالاستعداد والمعالجة للانفاق لا يزال يفترض ان تفحص بجذرية من جانب لجنة الخارجية والامن في الكنيست.

        المشروع الاستراتيجي

        الاستخدام الاول الذي أجراه الفلسطينيون في القطاع لنفق هجومي داخل اراضي اسرائيل كان في العملية التي اختطف فيها جلعاد شاليط، في حزيران 2006. بين حملة "الرصاص المصبوب" في كانون الثاني 2009 وحملة "عامود السحاب" في تشرين الثاني 2012 سرعت المنظمة حفر منظومة الانفاق والخنادق التحت ارضية في ارجاء القطاع، ولكن هذه تركزت في المرحلة الاولى على الاغراض الدفاعية. وقبل بضعة ايام من "عامود السحاب" انفجر نفق مفخخ قرب قوة من الجيش الاسرائيلي كانت تعمل في مهمة تمشيطات غربي الجدار الفاصل في وسط القطاع. فقد طارت مركبة محصنة في الهواء من شدة الانفجار، ولكن جنود المركبة كانوا نزلوا منها قبل بضع دقائق من ذلك ولهذا فلم تقع اصابات في الحادثة.

        في نفس الوقت، شددت حماس الوتيرة في خطتها التنفيذية. فقد عاد محمد ضيف الى رئاسة الذراع العسكري للمنظمة بعد تصفية اسرائيل احمد الجعبري في بداية الحملة. والى جانب تعزيز منظومة الصواريخ، قرر ضيف بذل جهد خاص في تطوير الانفاق الهجومية، التي رأى فيها مشروعا استراتيجيا. وحتى صيف 2014 حفر اكثر من 30 نفق هجومي، بكلفة شاملة بمقدار مئات ملايين الدولارات. ونجحت شعبة الاستخبارات "امان" وجهاز المخابرات "الشاباك" في العثور معا على 32 نفقا، ولكن كان بينهما جدال حول مسألة كم من الانفاق حفرت حتى الان الى تحت الاراضي الاسرائيلية (وتراوحت التقديرات بين ثلث ونصف العدد الاجمالي).

        في السنة والنصف اللتين سبقتا حملة "الجرف الصامد" اكتشف الجيش الاسرائيلي ثلاث فتحات انفاق في الجانب الشرقي من الجدار، داخل الاراضي الاسرائيلية. وفي تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كانت قوة عسكرية تجتاز الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية لتدمير احداها، تم تفعيل عبوة ناسفة ضدها كانت زرعت في نفق فاصيب ستة ضباط وجنود.

        ضابط هندسة كان يعمل على العثور على الانفاق قال لـ "هآرتس" ان كشف الانفاق الثلاثة "اعطانا المقاييس الصحيحة. ففي الماضي عرفنا انفاق تهريب وتفجير ضيقة كان ينبغي التقدم فيها في سير منحنٍ. اما الانفاق التي عثرنا عليها في السنة الماضي فقد أوضحت لنا بأن امامنا شيئا آخر تماما: فقد كانت هذه انفاق واسعة مع شبكات اتصال داخلية، حفرت عميقا تحت الارض وتم تكثيف بطاناتها بطبقات من الاسمنت. كان يمكن السير فيها وقوفا دون صعوبة. هذه هي المرحلة التي فهمنا فيها بانه لم يعد الحديث يدور عن تهديد تكتيكي موضعي على قوات الجيش الاسرائيلي على طول الجدار، بل جزء من شيء أوسع وأخطر. فجأة ترى امام ناظريك عملية خطط لها لعمق نحو 300 متر أو اكثر داخل اراضينا. انت تدخل النفق وتفهم بانه لم يستهدف فقط اختطاف جندي على مقربة من الجدار بل يمكنه أن ينقل قوات للعدو بحجم كبير في غضون وقت قصير الى ما وراء خطوطنا والهجوم من هناك".

        وهذا بالفعل كان الفهم الذي تبلور في ذاك الوقت: ان محمد ضيف يخطط لخطوة كبيرة في يوم الامر. فالانفاق الهجومية يمكنها أن تستخدم من حماس لهجوم منسق ضد عدة اهداف كضربة اولى في جولة القتال مع الجيش الاسرائيل، او كبديل، لهجوم مفاجيء في ما وراء خطوط قوات الجيش الاسرائيلي، بعد أن تكون هذه قد هاجمت في القطاع. وفي نفس الوقت تركز الجهد الاستخباري والعمليات على فهم مشروع الانفاق.

        في بداية 2013 وما بعد اصدرت شعبة الاستخبارات "امان" تقريرا شهريا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير الدفاع موشيه بوغي يعلون ولرؤساء أذرع الامن تضمن استعراضا لكل الانفاق الهجومية المعروفة والمسار المعروف لكل واحد منها. وخصصت لقيادة المنطقة الجنوبية في تلك الفترة مقدرات عديدة – وسائل، منظومات لجمع المعلومات وقوات – لغرض معالجة الانفاق. "لقد تعرضنا للضغط لمعالجة هذا الامر. قالوا لنا: "افعلوا ما تستطيعون على أن تجتازوا هذا الحدث فقط بسلام""، هكذا يروي ضابط خدم في فرقة غزة. "لقد اصبح هذا الهدف الاول في سلم اولويات الفرقة".

        ولكن الخطوة ضد الانفاق لم تخرج بقدر كبير عن مجالات قيادة المنطقة الجنوبية أو الاستخبارات. فسلسلة الحلول التكنولوجية للعثور على الانفاق والتي درستها مديرية تطوير الوسائل القتالية في وزارة الدفاع ("مفات")، لم تنتج ردا يسمح بالعثور المنهاجي على فتحات الانفاق في الجانب الاسرائيلي. اما السياسة التي أملتها القيادة السياسية وهيئة الاركان، فقد رفضت معالجة هجومية مانعة من الجيش الاسرائيلي في الجانب الفلسطيني من الجدار. فلم تقصف اسرائيل من الجو مسارات الانفاق التي شخصتها في اراضي القطاع ولم تبعث ايضا بقوات برية كي تضربها خشية ان تؤدي خطوة مسبقة من جانبها الى اشتعال مواجهة عسكرية مع حماس.

        مشاكل في التدريبات

ما فهم في قيادة المنطقة الجنوبية، في فرقة غزة وفي شعبة الاستخبارات لم يترجم الى خطواته عملية كافية في باقي اجزاء الجيش الاسرائيلي. ففي هيئة الاركان بدأوا يتحدثون عن القتال التحت ارضي في الخنادق والانفاق، في أعقاب حرب لبنان الثانية. اما عمليا فقد اكتفى الجيش باقامة انفاق قصيرة نسبيا في ثلاث منشآت تدريب قيادية، في الشمال، في الوسط وفي الجنوب. زيارة لواحدة منها قبل نحو سنة لم تترك انطباعا عميقا: فقد بدا هذا مثل قناة قتالية عادية، مغطاة بسقف، وليس مجال قتال مركب.

معظم كتائب المشاة النظامية والوحدات الخاصة اختبرت الانفاق فقط في تدريبات قصيرة لم يكن فيها تقريبا اي مضمون حقيقي. "نزلنا بحبل الى داخل فتحة نطاق يشبه محمية طبيعية، معقل لحزب الله في أرض مفتوحة. بهذا تلخصت معرفتنا للقتال التحت ارضي"، روى جنود في كتيبة الدورية في لواء المشاة.

وكانت الاستعدادات في وحدات الاحتياط – حتى في كتائب الهندسة القتالية، التي اعتمد عليها الجيش بقدر كبير في الحرب في غزة – من سطحية حتى غير موجودة. فضباط وجنود في الاحتياط من كتائب الهندسة قالوا ان التدريبات التي اجتازوها، واحد في السنة او في السنتين، كانت تتطابق والادوار التقليدية للسلاح، مثل اقتحام حقول الغام. لم يتحدثوا عن انفاق، ولا حتى في كتائب الاحتياط التي خصصت مسبقا لاعمال محتملة في اطار حملة لاحتلال القطاع. وعندما أبدى الجنود ملاحظة لقادتهم بان مضمامين التدريب غير ذات صلة بالتحديات العملياتية التي قد يقفون امامها، اجابوهم بان المشكلة معروفة.

لواء جفعاتي، الذي بحكم انتمائه الى قيادة المنطقة الجنوبية احتل منذ البداية مكانا مركزيا في الاستعدادات للقتال في غزة، عني قبل اندلاع الحرب بتطوير نظرية قتالية للمجال التحت ارضي بأمر من قائد المنطقة الجنوبية. في منتصف تموز كان يفترض باللواء ان يقود استكمالات قيادية لوحدات اخرى. وقد الغيت الاستكمالات كون الحرب قد بدأت.

الكابنيت ليس في الصورة

        لقد ولد اكتشاف الانفاق الهجومية العام الماضي الكثير من فرص التصوير في وسائل الاعلام. وزير الدفاع وكبار رجالات الجيش تجولوا فيها والتقطت لهم الصور في فتحاتها. قائد المنطقة الجنوبي، سامي ترجمان، اجري لقاء معه في القناة 2 الى جانب نفق ووصف الانفاق بانها التهديد المركزي الذي سيتعين على القيادة التصدي له.

        في محفل واحد لم يجرِ في تلك الفترة نقاش جدي لتهديد الانفاق وهذا هو الكابنيت السياسي الامني. معظم اعضائه، وفقا لشهادتهم لم يكونوا على علم على الاطلاق بعمق المشكلة. نصف اعضاء الكابنيت لم يتسلموا مهامهم الا بعد انتخابات 2013 ومعظم وقتهم قضوه في المداولات على خطر النووي الايراني وعلى التطورات في الحدود السورية واللبنانية. اما مشكلة الانفاق من غزة فقد ظهرت، في افضل الاحوال "فقط كبند رقم 17 في تقييم الوضع"، قال عضو الكابنيت، الوزير نفتالي بينيت قبل نحو شهر.

        أما التقرير الاستخباري الشهري الذي تلقاه نتنياهو ويعلون، فلم يعرف به اعضاء الكابنيت على الاطلاق. صحيح ان رئيس الوزراء عين مستشار الامن القومي في تلك الفترة، اللواء احتياط يعقوب عميدرور ليترأس فريقا لدراسة مشكلة الانفاق، ولكن عميدرور نفسه اعترف في بداية الشهر في مقابلة مع صوت الجيش بانه يوجد فارق بين المعرفة بوجود الانفاق وبين استيعاب كامل خطورة التهديد.

        لم تكن لدينا معلومات كافية، قال عميدرور، وشبه التهديد بالمفاجأة التي احدثتها صواريخ ساغر المصرية على دبابات الجيش الاسرائيلي في حرب يوم الغفران. وفي شعبة الاستخبارات "امان" يعترفون ايضا في نظرة الى الوراء بانه يبدو انه كانت حاجة الى التأكيد في الاستعراضات أمام الكابنيت لمسألة الانفاق، وان كانت المعلومات الاستخبارية المفصلة متوفرة لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.

        منذ شهر نيسا 2014 فما بعد، اتضح بالتدريج بان حماس تعد امكانية لعملية كبيرة بواسطة نفق في منطقة كرم سالم، في الجانب الجنوبي من القطاع. واصدرت المخابرات – الشاباك اخطارا بموجبه من شأن حماس أن تحاول اختطاف جنود ومدنيين بواسطة النفق، بهدف احداث كسر للحصار الاسرائيلي – المصري على القطاع. هيئة الاركان، قيادة المنطقة الجنوبية واذرع الاستخبارات بذلت جهودا حثيثة للعثور على النفق. وحشدت فرقة غزة أكثر من 30 آلية هندسية، عدد استثنائي في حجمه، في محاولة لاكتشاف فتحة الخروج في الاراضي الاسرائيلية ونصبت سدودا هدفها تأخير الوصول من الحقول التي بجانب الجدار الى كيبوتس كرم سالم. وعندما لم تجدي التفتيشات في الجانب الاسرائيلي نفعا، اقرت للجيش اعمال هجومية. فقد القى سلاح الجو نحو 30 قذيفة جي – دام دقيقة في الجانب الفلسطيني من الجدار، بهدف قطع مسار النفق. ورغم ذلك نزل في 6 تموز سبعة مقاتلين من القوة الخاصة ("النخبة") من حماس الى النفق وقتلوا في سقوط وقع كنتيجة واحد من اعمال القصف. وكانت الحادثة في كرم سالم هي الدفعة الاخيرة نحو اندلاع الحرب بين اسرائيل وحماس. وردت المنظمة الفلسطينية على قتل رجالها في النفق بصليات ثقيلة من الصواريخ اخذت اهدافها في الاتساع. وقررت حكومة اسرائيل في الليلة بين 7 و 8 تموز حملة "الجرف الصامد" في القطاع. هكذا بدأ القتال الذي دام خمسين يوما.

        بدأ التصعيد في القطاع بالتوازي مع انتهاء حملة "عودوا ايها الاخوة" في الضفة الغربية. في 30 حزيران عثر الجيش الاسرائيلي على جثث الفتيان جيل عاد شاعر، نفتالي فرنكل وايال يفرح، الذين كانوا اختطفوا قبل اسبوعين ونصف من ذلك في غوش عصيون. وحسب تصريحات الوزير بينيت لوسائل الاعلام قبل نحو شهر، فان بينيت هو الذي طرح لاول مرة الحاجة العاجلة لمعالجة تهديد الانفاق. واعتمد بينيت على شبكة اتصالات متفرعة مع قادة ألوية في الجيش الاسرائيلي، من ابناء جيله ممن كان يعرفهم من خدمته النظامية كمقاتل وضابط في الوحدات الخاصة. ومنهم تعرف على خطورة التهديد وسمع عن حشد الجهد للعثور على النفق في كرم سالم.

        رفع طلب بينيت لاول مرة في 30 حزيران، في لقاء ثنائي مع نتنياهو، وفور ذلك في جلسة الكابنيت. عملية هجومية ضد الانفاق، قال، ستكون ردا مناسبا على قتل الفتيان، وفي نفس الفرصة ستزيل عن جدول الاعمال تهديدا حقيقيا على بلدات غلاف غزة. وفي الايام التالية اجتمع الكابنيت في جلسات يومية وضع فيها في صورة التوتر في الضفة وبين عرب اسرائيل واستمرار التمشيطات بحثا عن النفق في كرم سالم.

        بينيت، حسب هذه الرواية، عاد وطرح مطلب المعالجة الشاملة للانفاق. اما يعلون، ومعه كبار مسؤولي الجيش والمخابرات، فردوا بتحفظ. بداية قالوا ان استعدادات حماس في كرم سالم تدل على استعدادها لـ "عملية رف" لا يوجد يقين متى ستستخدم. وبعد ذلك اعتقدوا أنه تكفي سياسة احتواء تهديدات وتحذيرات، مثل نثر اضاءات في الجانب الفلسطيني من كرم سالم من قبل سلاح الجو من أجل البث لحماس بان اسرائيل اكتشفت خططها. ولاحقا وافقوا على تشديد الخطوات نحو هجوم بواسطة قنابل جي – دام. ولكن النهج العام كان يتبنى سياسة التشويش، وليس الاحباط: كانت تكفي، برأي قادة جهاز الامن، اعمال دفاعية معيقة لمنع العملية. ولم يكن ما يبرر عملية هجومية واسعة.

        في كل بحث كان بينيت يحفر ويحفر، مثل "كاتو الشيخ" ولكنه وجد نفسه في الاقلية. شريكه في الجناح الصقري في الكابنيت، وزير الخارجية افيغدور ليبرمان تبنى احتلال القطاع او قسم منه واهتم بقدر اقل بمشكلة الانفاق. اما باقي الوزراء فكانوا منصتين لتخوفات الجيش من الغرق في وحل غزة: ما ان تدخل، إذهب لتعرف متى يمكنك ان تخرج.

        الجبهة ضد الحملة البرية كانت في ذاك الوقت لا تزال موحدة وواسعة. صحيح أن رئيس الوزراء عرض هنا وهناك أسئلة على الجيش ولكنه لم يخرج عن رأي الاغلبية في الكابنيت. والحكمة الدارجة، كما سمعها اعضاء الكابنيت اعتقدت بان حماس لا تعتزم استخدام الانفاق الهجومية، وان كانت المنظمة في ذاك الوقت قد بعثت بمقاتلي الكوماندو البحري لديها الى هجوم فشل في شاطيء زيكيم.

        واستمرت الجدالات حتى بعد قتل رجال حماس في كرم سالم واندلاع الحرب. والاهداف التي تحددت للجيش الاسرائيلي كانت توجيه ضربة شديدة لحماس واعادة الهدوء الى الجنوب. ولم تذكر الاتفاق بالذات. وبين 8 و 15 تموز اكتفت اسرائيل بالهجمات من بعيد، ردا على نار الصواريخ من القطاع الى الجنوب ووسط البلاد – قصف كثيف من الجو، مسنود بنار مدفعية نحو قيادات حماس، منظومات انتاج السلاح، ومجالات اطلاق صواريخها. وحشد الجيش الاسرائيلي قوات مشاة ومدرعات على حدود القطاع وشكل طواقم قتالية لوائية، ولكن لم يجتز حتى ولا جندي واحد الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية.

        وبالتدريج انكشف أمام اعضاء الكابنيت تهديد الانفاق بكامل خطورته: عشرات الانفاق الهجومية على طول الجبهة، فوهات الخروج لجزء منها حفرت من قبل في الاراضي الاسرائيلية، بجوار استحكامات الجيش الاسرائيلي والكيبوتسات. ولا يزال، ادعى اعضاء في المحفل بانهم شخصوا انعدام رغبة، بل وجر أرجل من جهاز الامن في التصدي للتهديد. واشتكى بعضهم من أن الضباط يتحدثون عن عمد بغموض كي لا يعرضوا على الكابنيت الصورة بكاملها. والنشاط الهجومي ضد الانفاق تلخص بالقصف من الجو لقسم من الفوهات في الجانب الفلسطيني، الخطوة التي كانت ستلحق بالجيش الاسرائيلي مشاكل عويصة لاحقا، حين دخلت القوات الى المنطقة.

        وتختلف رواية يعلون جوهريا، بطبيعة الحال. ففي مقابلة مع "هآرس" أول أمس قال وزير الدفاع ان "تهديد الانفاق والاستعداد الدفاعي من الجيش الاسرائيلي عرض على الكابنيت عدة مرات، وبالتفصيل في الاسبوع الذي سبق الحملة البرية. عندما فهمنا بان حماس تبحث عن انجاز من خلال عملية نفق في كرم سالم، احبطناها".

        أما جمع المعلومات الذي قام به بينيت من قادة الالوية فيثير غضبه، ويقول: "هل شرعي أن يجري سياسي اتصالا مباشرا مع ضباط وعلى هذا الاساس يقوم بالاعيب ضد رئيس الاركان في الكابنيت، فيصفه بانه حصان كسول امام الضباط في الميدان، اولئك الحصن المندفعة؟ هذه فوضى، ليست ديمقراطية. بينيت لم يخترع العملية ضد الانفاق وما كان بحاجة الى ان يدفعها الى الامام. ماذا، أهو الذي اعد القوة؟ هو الذي اخترع الوسيلة؟ من المسؤول عن الروح القتالية للجيش الاسرائيلي، رئيس الاركان أم رئيس حزب ما؟ مكتب بينيت، رد باتهام يعلون أنه "ابو المفهوم الذي انهار، والذي يقول ان حماس مردوعة ولهذا فانها لن تستخدم الانفاق". وأعلن بان بينيت سيطالب بمراجعة محاضر جلسات الكابنيت كي يثبت صحة موقفه.

        في 15 تموز قرر الكابنيت، بمعارضة بينيت وليبرمان اقرار الاقتراح المصري بوقف النار مع حماس. وانهار الجهد المصري بعد أن رفضت حماس الاقتراح، الذي نسقت صيغته مسبقا بين القاهرة والقدس. ولكن حتى لو كان نتنياهو ويعلون قدرا بان حماس سترفض، من الصعب تجاهل معنى القرار: القيادة الاسرائيلية، التي كانت على وعي كلها بكامل حجوم مشروع الانفاق الهجومية، كانت مستعدة لان توقف النار في ختام سبعة ايام من القتال دون ان تضرب بصفتها هذه ورقة حماس الاساسية.

        ويرد يعلوم على الادعاءات فيقول: "كان لدينا جواب على التهديد – في الهجمات من الجو وفي تعزيز الدفاع، في ظل استمرار التمشيطات في اراضينا بحثا على الفوهات. وقد استجبنا للمبادة المصرية كي نحقق ايضا شرعية دولية لخطواتنا التالية. طالما جربنا الوصول الى وقف نار في تلك المرحلة، لم يكن مجال للعملية البرية، التي كانت مبررة ولكنها كلفت في النهاية حياة 66 جنديا.

الخطط لم تكن ملائمة

وقعت الانعطافة المركزية في المعركة بعد نحو يومين، في صباح 17 تموز. 13 مخربا مسلحا، من رجال قوة الانفاق في حماس، خرجوا من بطن الارض عبر فوهة هجومية في الاراضي الاسرائيلية، على مسافة بضع مئات الامتار من كيبوتس صوفا. وصورت طائرة بدون طيار اسرائيلية خروجهم وهوجمت الخلية من الجو. بث الصور، التي نشرها الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، اثار صدمة شديدة لدى الجمهور والقيادة. رؤساء المجالس الاقليمية في غلاف غزة، الذين شددوا من قبل على تهديد قذائف الهاون والصواريخ على بلداتهم، غيروا اتجاههم. رئيس مجلس اشكول حاييم يلين، رجل معتدل بشكل عام، طلب من الحكومة أن تأمر الجيش بالعمل فورا على تدمير كل الانفاق.

في سلسلة المشاورات التي اجراها نتنياهو ويعلون مع جهاز الامن ومع اعضاء الكابنيت في الساعات التالية، تقرر العمل. في ساعات المساء المتأخرة صدر للجيش الامر بالدخول الى القطاع ومعالجة الانفاق. ولم يكن يلين الوحيد الذي صخب في ضوء صورة المخربين في النفق. رئيس الاركان بيني غانتس هو الاخر اعترف في وقت لاحق في حديث خاص بان "الحدث في صوفا حسم لنا الامر".

ولكن الخطط العملياتية التي كانت تحت تصرف الجيش الاسرائيلي لغرض العملية البرية كانت بعيدة عن الكمال. فالخطط الاصلية لدى قيادة المنطقة الجنوبية كادت لا تلمس الانفاق، بل تضمنت بعض "مدرجات" السيطرة، المتعمقة، على مناطق القطاع. والفكرة التي قبعت في اساسها كانت ضرب حماس، في ظل حرمانها من ذخائرها، ردعها والمس بمجالات اطلاق الصواريخ لديها، بهدف القمع الجزئي للنار نحو الجبهة الداخلية الاسرائيلية. وعنيت احدى الامكانيات ايضا بتدمير بعض الانفاق الهجومية، التي شخصت على قرب نسبي من البلدات الاسرائيلية، ولكن ليس كمهامة باولوية عليا. والى العملية في القطاع، التي تركزت الان على الانفاق فقط، ارسلت ليس اقل من ثلاث فرق، عمل تحتها في الجبهة المقلصة نسبيا عشرة طواقم قتالية لوائية وبينها كتائب مشاة، مدرعات وهندسة. وقد تمت بلورة الخطط الجديدة بسرعة كبيرة، في ظل تغييرات واسعة.

وتحملت مسؤولية العملية في شمال القطاع فرقة 162. قائد الفرقة، العميد نداف فدان، قال لـ "هآرتس" ان الخطط اجتازت "تكييفا تدريجيا" لمعالجة الانفاق، ما أن بدأت فرقته في الاعداد للحملة في القطاع في بداية تموز وحتى الدخول الى المنطقة. في محيط 10 تموز، كما شهد يقول: "دخلنا الى هذا العالم من الانفاق". وبشكل يعطي صدى لاقوال عميدرور وغانتس قال فدان انه فهم المشكلة بكامل خطورتها فقط حين عثرت قواته على الانفاق داخل القطاع. "تعرفنا على الانفاق نظريا بالاساس. لم تكن لدينا تجربة عملياتية. يوجد شيء ما في الاحتكاك، في التجربة، يسرع الفهم. استوعبنا الامور حتى نهايتها فقط في ظل المعالجة للانفاق".

القوات لم تدخل الى عمق المنطقة بل توقفت عند قاطع بعرض اقصى بنحو 2كم غربي الجدار ومن هناك بدأت تعمل على العثور على الانفاق وتدميرها. عملية لواء جولاني، في حي الشجاعية شرقي القدس تأجلت يومين الى منتهى السبت، 19 تموز. منظومة حماس في الحي تعتبر الاقوى. كما أن هذه كانت المنطقة المبنية الاكثر اكتظاظا التي يصطدم بها الجيش الاسرائيلي.

وغابت عن خطوة جولاني، مثلما عن بعض الطواقم القتالية اللوائية، عناصر جوهرية من المفاجأة والحيلة. فجنود جولاني، الذين هجموا جبهويا، اصطدموا بمقاومة شديدة، استثنائية من حماس. وفي الـ 24 ساعة الاولى قتل 16 من مقاتلي اللواء؛ قائد اللواء وقائدا كتيبتين اصيبوا (قائد كتيبة آخر اصيب بجراح شديدة في اثناء الاسبوع). كانت لازمة معركة بطولية من مقاتلي جولاني، برفقة هجمات جوية كثيفة وقصف مدفعي ثقيل من اجل كسر مقاومة حماس.

في هذه الجبهة، مثلما في معظم الجبهات الاخرى، تركزت الحملة البرية على الانفاق فقط. ولم تتلقى القوات تعليمات بالمناورة في عمق أبعد وضرب منظومات حماس. وفي اماكن معدودة فعلت فيها ذلك، الناحل ولواء المدرعات 401، في بيت حانون، جفعاتي في رفح بعد اختطاف الملازم هدار غولدن – فوجيء القادة من السهولة النسبية التي تسللوا فيها الى عمق منظومات العدو.

تدمير الانفاق

هكذا، دون نظرية قتالية مفصلة ومتدرب عليها بما يكفي، مع معرفة عملية دنيا وخطة عملياتية تم وضعها رقعة فوق رقعة، مع كمية غير كافية من الوسائل لتدمير الانفاق، دخلت القوات الى القطاع. وغطى على الفجوات، تقريبا كالمعتاد في الجيش الاسرائيلي، قدرة ارتجال عالية، روح قتالية وتصميم كبير من القادة والجنود في رأس الحربة. ولكن المصاعب مددت زمن العملية الى اكثر مما كان مقدرا.

في 20 تموز، في موعد قريب من بداية الحملة البرية، قال يعلون ان تدمير الانفاق سيستغرق يومين – ثلاثة ايام اخرى. اما عمليا، فمر اسبوعان ونصف آخرين. كما أن التقديرات التي اعطاها الجيش في الكابنيت ظهرت بانها متفائلة اكثر مما ينبغي. وتأخر انهاء العملية ايضا في ضوء انهيار وقف النار في بداية آب (على خلفية اختطاف غولدن). والقرار بعدم تعميق دخول الوحدات الى الاراضي المبنية وان كان وفر مزيدا من الاصابات، الا انه بقدر ما "استدعى" هجمات من خلايا حماس على القوات التي كانت تعنى بالعثور على الانفاق.

في الوقت الذي كان الجنود يبحثون فيه بنشاط عن الانفاق في الجانب الفلسطيني غربي الجدار، تمكن ضيف من ارسال ثلاث خلايا اخرى في الانفاق الى الجانب الشرقي، الى داخل اراضي اسرائيل. وقتلت الخلايا 11 جنديا من الجيش الاسرائيلي – من خلية قيادة لواء 188، غرفة قيادة كتيبة في مدرسة الضباط ومن قوة حراسة مدرسة قادة الصف، الذين فوجيء رجالها في الاستحكام الذي بجانب ناحل عوز. وشاهد القادة باحباط، المفاجأة التي اوقعتها حماس وراء خطوطهم.

في الاسابيع التي سبقت العملية حققت شعبة الاستخبارات اختراقا معينا في تشخيص فوهات الانفاق في الجيش الفلسطيني من الجدار. ولكن عندما بدأ التصعيد في 8 تموز قصف سلاح الجو الفوهات بشكل منهاجي، خشية أن تستبق حماس استخدام الانفاق. ويبدو أن الهجمات من الجو لم تخرج الانفاق تماما من قيد الاستخدام. "كسبنا وقتا في تشويش هجمات حماس، ولكن عندها خسرناه عندما دخلنا الى الداخل، لان القصف جعل من الصعب علينا العثور على المسارات في الجانب الفلسطيني واستكمال قصفها"، هكذا اعترف رئيس الاركان غانتس. ويتحدث احد الضباط ايضا عن الفجوة الاستخبارية: "لقد قامت الاستخبارات بعمل فائق ، ولكن هذا لم يكن بالدقة التامة لمسارات الانفاق".

وفوجيء الجنود الذين عملوا في القطاع من عدد الفوهات ومن تفرعها، مما استدعى تمشيطات طويلة. ويقول قادة الفرق والالوية التي شاركت في الحملة البرية، انهم شعروا بعنق الزجاجة في مكانين: في سرعة العثور على المسارات الكاملة للانفاق وفي تيرة تفجير الانفاق. ويقول العميد فدان انه "كان لدينا نضج متوسط لمعالجة الانفاق". ويصف جنود في لواء المشاة في جبهات مختلفة نشاطا حثيثا للعثور على فوهات الدخول وعندها انتظار طويل، احيانا لاسبوع فأكثر حتى استكمال مهامة رجال الهندسة.

لم يكن للجيش الاسرائيلي الاليات الهندسية الكافية لان يعالج  في وقت الوقت هذا العدد الكبير من الانفاق. ويقول ضابط هندسة كبير ان "كل طاقم لوائي بدأ بنفقين وبعد ذلك قفز لمعالجة نفق ثالث في جبهته. وبسبب اضطرارات العتاد، عملنا بالطابور، بدلا من العمل بالتوازي. كانت فجوة كبيرة في الوسائل. لم تكن لدينا وسائل كافية لعدد الطواقم ولمثل هذا الحجم من الحملة. لم تكن لدينا القدرة لمعالجة 32 نفقا بالتوازي".

الصعوبة الاكبر كانت تتعلق بتفجير الانفاق. الاساليب والوسائل التي كانت لدى الجيش الاسرائيلي كانت ملائمة للايام التي كانت فيها هذه اقصر واقرب من سطح الارض. واشترى الجيش الاسرائيلي في العقد الماضي منظومة تدعى "امولسيا" لتدمير الانفاق. وتسمح المنظومة بضخ كمية كبيرة من المواد المتفجرة دون أن ينزل الجنود الى النفق.

المشكلة هي أنه لم يكن لدى الجيش الاسرائيلي سوى منظومتين كهذه عندما بدأ القتال. وكبديل، استخدم الجيش قرابة نصف مليون لغم ومواد متفجرة اخرى. وقد ربطت الالغام معا بسلسلة انزلت الى داخل الفوهات. وفي معظم الحالات كان تدمير النفق جزئيا وان كان سلاح الهندسة يشدد على أنه كان مطالبا بتدمير معظم النفق كي "يوقع" الضابط على النفق كمهدوم وغير قابل للاستخدام.

ويقول ضابط احتياط ان "احدا لم يعرف ولم يخطط مسبقا لكيفية معالجة الانفاق. وكاد كل شيء يتم بشكل عفوي في الميدان".

وقال جنود هندسة من كتائب نظامية ومن وحدة "يهلوم" انهم اجتازوا في السنتين الاخيرتين تدريبات على القتال تحت الارض ولكن هذه لم تشبه ما التقوه في غزة. وهناك مقاتلون في "يهلوم" خرجوا من القطاع بقدر ما من الاحباط. فما تدربوا عليه كان لا شيء قياسا للمهام التي وجدوا أنفسهم ملزمين بالقيام بها.