خبر تحقيق لهآرتس:الجنود يتصدون للانفاق، بلا خطط، بلا تدريبات وبلا عتاد مناسب

الساعة 10:47 ص|17 أكتوبر 2014

القدس المحتلة

في الوقت الذي تمكنت فيه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، من إحباط أي محاولة جادة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول العدوان الأخير على غزة، والاكتفاء ببيان من مراقب الدولة يوسيف شبيرا، بأنه سيجري تحقيقاً بديلاً، نشرت صحيفة "هآرتس" أمس الجمعة، تحقيقاً خاصاً بها قالت إنه اعتمد على أحاديث مع أكثر من 30 شخصية إسرائيلية عسكرية وسياسية حول سبب إطالة أمد الحرب وانتهائها "بالتعادل" وعدم فهم حقيقة أخطار الأنفاق الهجومية التي حفرتها المقاومة الفلسطينية.


 بيّن التحقيق أن هناك فجوات كبيرة في التأهيل والتدريب والعتاد لدى الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، في مهمة "تدمير الأنفاق الهجومية" التي حفرتها الفصائل الفلسطينية، حيث أن الجيش الإسرائيلي احتل منطقة بعرض كيلومترين، على أطراف الأحياء السكنية، من شمال القطاع وحتى جنوبه من أجل تدمير 32 نفقا هجوميا حددت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مواقعها. ولكن هذه الفجوات، إضافة إلى خطط عملانية جزئية تمت حتلنتها واستكمالها في اللحظة الأخيرة أدت إلى إطالة أمد العمليات البرية أكثر بكثير من توقعات أجهزة الأمن.

وقال التقرير ، إن التأخير نجم عن حقيقة أن المجلس الوزاري المصغر تردد طويلا في المصادقة على العمليات البرية لتدمير الأنفاق، وذلك في ظل تحفظات في داخل الأجهزة الأمنية. وتبين أن الهجوم الجوي المسبق على فتحات الأنفاق صعب عمل القوات البرية بعد دخولها إلى قطاع غزة، حيث أن ذلك صعّب الوصول إلى مسار الأنفاق، كما أن القوات البرية كان ينقصها الوسائل الملائمة لتفجير الأنفاق بعد تحديد مواقعها.

وقالت الصحيفة إن التحقيق استند إلى محادثات مع 20 شخصية، كان لهم دور مركزي في الحرب وفي المصادقة عليها، وبضمنهم وزراء في المجلس الوزاري وضباط كبار في الجيش والاستخبارات وضباط وجنود شاركوا في تدمير الأنفاق.

وأشار التقرير إلى أن الاستخدام الأول للأنفاق الهجومية كان أثناء الهجوم الذي وقع فيه الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط في أسر كتائب القسام في حزيران (يونيو) 2006. كما أشار إلى أنه بين الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في "الرصاص المصبوب عام 2009"، و"عامود السحاب 2012" كثفت حركة حماس من عملية حفر الأنفاق والخنادق تحت الأرض في كافة أنحاء قطاع غزة، وتركزت في المرحلة الأولى بأهداف دفاعية. وقبل أيام معدودة من "عامود السحاب" جرى تفجير نفق هجومي مفخخ بالقرب من قوة عسكرية إسرائيلية كانت تقوم بعمليات تمشيط غرب السياج الحدودي في وسط قطاع غزة، وكان الانفجار من الشدة بحيث ارتفعت المركبة العسكرية في الجو، بيد أن الجنود كانوا قد نزلوا منها قبل دقائق من الانفجار.

وبحسب التقرير فإن حركة حماس سارعت من خططها العملانية، وتسلم محمد ضيف قيادة الذراع العسكري (كتائب القسام) بعد استشهاد أحمد الجعبري. وقرر ضيف، إضافة إلى تعزيز القدرات الصاروخية، بذل جهود خاصة في تطوير الأنفاق الهجومية التي اعتبرها "مشروعا إستراتيجيا"، وحتى صيف 2014 أنهي حفر أكثر من 30 نفقا هجوميا بتكلفة وصلت إلى مئات ملايين الدولارات. وتمكن الشاباك والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من تحديد 32 نفقا منها، وكان هناك نقاش في داخل الأجهزة بشأن عدد هذه الأنفاق، حيث أشارت تقديرات إلى أن الحديث عن نصف أو ثلث هذه الأنفاق.

وقال ضابط في سلاح الهندسة للصحيفة إن الكشف عن ثلاثة أنفاق، قبل الحرب، أعطى لإسرائيل صورة تناسبية صحيحة، حيث أن الأنفاق كانت في السابق "للتهريب والتفجير وهي ضيقة ومن الصعب التحرك في داخلها، بينما الأنفاق الأخيرة التي تم اكتشافها أشارت إلى أمر مختلف تماما، فهي أوسع وفي داخلها أجهزة اتصال، وتم حفرها عميقا تحت سطح الأرض، وجدرانها محصنة بطبقات من الأسمنت، كما يمكن التحرك فيها بقامة منتصبه بسهولة.

وأضاف الضابط أن هذه الأنفاق جعلت الجيش يدرك أن الحديث ليس عن تهديد تكتيكي موضعي يواجه قوات الجيش على طول الجدار، وإنما عن جزء من مشروع أوسع وأخطر. وقال "فجأة، ترى أمام عينيك عملية خطط لها بعمق 300 متر داخل إسرائيل. تدخل النفق وتدرك أنه ليس معدا لخطف جندي من قرب السياج، وإنما يتيح تحرك قوة عسكرية كبيرة من العدو خلال وقت قصير إلى داخل إسرائيل".

ويضيف التقرير أن الصورة التي تكونت لدى الجيش في حينه أن محمد ضيف يخطط لعملية كبيرة حين يحين الوقت، وأن هذه الأنفاق الهجومية قد تستخدمها حماس لشن هجوم منسق ضد عدة أهداف كضربة أولى في الجولة القتالية مع الجيش، أو لشن هجوم مفاجئ في داخل قوات الجيش. وفي حينه جرى تركيز الجهود الاستخبارية والعملانية للوقوف على تفاصيل مشروع الأنفاق.

ومنذ العام 2013 دأبت الاستخبارات العسكرية على تقديم تقرير شهري لرئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، ووزير الأمن موشي يعالون، وقادة الأجهزة الأمنية، ويتضمن استعراضا لكل الأنفاق الهجومية المعروفة، ومسار كل واحد منها. كما جرى تخصيص موارد خاصة لقيادة الجيش في الجنوب، تشمل وسائل وأنظمة جمع معلومات استخبارية، وقوات إضافية، وذلك بهدف معالجة خطر الأنفاق. ونقل عن ضابط كان يخدم في "كتيبة عزة" أن الأنفاق كانت على رأس أولويات الكتيبة.

ويضيف التقرير أن الحلول التكنولوجية لتحديد الأنفاق، والتي قامت بفحصها "الدائرة لتطوير الوسائل القتالية" في وزارة الأمن، لم تشمل ردا يتيح تحديد فتحات الأنفاق في الجانب الإسرائيلي. كما أن السياسة التي فرضها المستوى السياسي وقيادة الأركان منعت شن هجمات استباقية في الجانب الفلسطيني من السياج الحدودي. وبحسب التقرير فإن إسرائيل لم تقصف من الجو مسارات الأنفاق التي تم تحديدها، ولم ترسل قوات برية لتدميرها خشية أن "تؤدي هذه الخطوة الاستباقية إلى اندلاع المواجهات العسكرية مع حركة حماس".

إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن إسرائيل بدأت تتحدث عن القتال تحت الأرض في الخنادق والأنفاق في أعقاب الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان، في تموز (يوليو) 2006، ولكن على أرض الواقع فإن الجيش اكتفى بإقامة ثلاثة أنفاق قصيرة نسبيا في ثلاث قواعد للتدريب، في الشمال والمركز والجنوب، وأن أحد هذه الأنفاق كان يبدو على أنه قناة قتالية عادية مسقوفة، وليس ميدانا قتاليا مركبا.

ونقل عن أحد الجنود في القوات البرية قوله إن غالبية القوات البرية والوحدات الخاصة شاركت في تدريبات قصيرة على هذه الأنفاق بدون أن يكون لها أي مضمون حقيقي، حيث يقول إن الجنود هبطوا بواسطة حبل إلى داخل موقع يشبه "المحمية الطبيعية"، الخاصة بحزب الله، في منطقة مفتوحة، وبذلك انتهت عملية تعريفهم بالقتال تحت الأرض.

كما أشار التقرير إلى أن الاستعدادات في وحدات الاحتياط، وفي وحدات الهندسة القتالية، كانت تتراوح ما بين السطحية وحتى غيابها التام، حيث أن الضباط والجنود في الاحتياط من وحدات الهندسة القتالية، والذين شاركوا في تدريبات سنوية أو مرة كل سنتين، تتلاءم مع وظائف تقليدية للجندي، مثل اقتحام حقل ألغام. ولم يتحدث أحد عن الأنفاق. وعندما قال الجنود لضباطهم أن مضامين التدريبات ليست ذات صلة بالتحديات العملانية التي يمكن أن تواجههم، تلقوا إجابة مفادها أن "المشكلة معروفة".

ولفت التقرير إلى أن الكشف عن أنفاق هجومية في العام الماضي وفر فرصا كثيرة للتصوير في وسائل الإعلام، حيث تجول فيها وزير الأمن وكبار الضباط في الجيش والتقطت لهم صور على مداخلها، كما أجريت مقابلة مع القائد العسكري لمنطقة الجنوب، سامي ترجمان، إلى جانب نفق، ووصف، في المقابلة، الأنفاق الهجومية بأنها التهديد المركزي الذي يجب أن تواجهه القيادة.

في المقابل، فإن المجلس الوزاري المصغر لم يناقش "تهديد الأنفاق". وبحسب وزراء فإنهم لم يكونوا على اطلاع عميق بهذه المسألة. وأشار التقرير إلى نصف أعضاء المجلس الوزاري أشغلوا مناصبهم بعد انتخابات العام 2013، وأنه قضوا جل وقتهم في مناقشة خطر المشروع النووي الإيراني والتطورات على الحدود مع سورية ولبنان، أما خطر الأنفاق فقد ذكر كبند ملحق في "تقييم الوضع". وذلك حسبما قال الوزير نفتالي بينيت.

وقال أعضاء المجلس الوزاري إنهم لم يعرفوا بشأن التقرير الاستخباري الشهري الذي كان يقدم لرئيس الحكومة ووزير الأمن. ورغم أن نتانياهو عين المستشار للأمن القومي، يعكوف عميدرور، رئيسا للطاقم الذي يدرس خطر الأنفاق، إلا أن الأخير أقر، في مطلع الشهر الجاري، بوجود فارق بين معرفة وجود الأنفاق، وبين تذويت شدة خطورتها بشكل تام.

وقال عميدرور "لم نعرف"، وأجرى مقارنة تهديد الأنفاق مع المفاجأة التي أوقعها الهجوم بالصواريخ المصرية على دبابات الجيش في حرب 1973. كما تقر الاستخبارات العسكرية بأنه كان يجب التشديد على قضية الأنفاق في التقارير التي تعرض على المجلس الوزاري، رغم أن المعلومات الاستخبارية المفصلة كانت في متناول يد رئيس الحكومة ووزير الأمن.

وبحسب تحقيق "هآرتس"، فإنه منذ نيسان (أبريل) 2014، بدأ يتضح تدريجيا أن حركة حماس تستعد لإمكانية تنفيذ عملية كبيرة عن طريق نفق في منطقة كرم أبو سالم، جنوب قطاع غزة. وأن الشاباك أطلق تحذيرا يشير إلى أن حماس تخطط لخطف جنود عن طريق النفق، وذلك بهدف فك الحصار الإسرائيلي – المصري المفروض على القطاع. وبذلت هيئة أركان الجيش وقيادة الجنوب جهودا محمومة لتحديد موقع النفق، وعمل نحو 30 آلية هندسية في المنطقة للكشف عن فتحة النفق في داخل إسرائيل، وأقامت حواجز لمنع الدخول من الحقول القريبة من السياج الحدودي إلى داخل كيبوتس "كيرم شالوم"، وعندما لم تجد عمليات البحث تمت المصادقة على شن عمليات هجومية، حيث ألقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي نحو 30 قنبلة من نوع "جي دام" في الجانب الفلسطيني من السياج الحدودي، وذلك بهدف قطع مسار النفق. ورغم ذلك تمكن سبعة من الوحدات الخاصة في "كتائب القسام"، في السادس من تموز (يوليو) من الدخول إلى النفق، ولكنهم قتلوا نتيجة إحدى الغارات الجوية. ووصف التقرير حادثة "كيرم شالوم" على أنها "الدفعة الأخيرة باتجاه الحرب بين إسرائيل والمقاومة في قطاع غزة، حيث ردت حماس بإطلاق رشقات صاروخية ما لبث أن توسع مداها، وقررت الحكومة الإسرائيلية ليلة 7 – 8 تموز شن "الجرف الصامد" على قطاع غزة، والتي استمرت 50 يوما.

كما لفت التقرير إلى أن التصعيد مع قطاع غزة بدأ بشكل مواز مع انتهاء حملة البحث عن المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية. وعثر الجيش في نهاية تموز على جثثهم. وبحسب تصريحات بينيت لوسائل الإعلام، قبل شهر، فإنه هو الذي اقترح للمرة الأولى فكرة معالجة خطر الأنفاق على وجه السرعة، وذلك استنادا إلى علاقاته المتشعبة مع ضباط في الجيش، من خلال شن هجوم على قطاع غزة لإزالة خطر الأنفاق وفي الوقت نفسه تكون ردا على مقتل المستوطنين. وبعد أسبوع من عرض الفكرة تم اطلاعه على التوتر القائم في الضفة الغربية وفي وسط فلسطينيي الداخل، وكذلك استمرار عمليات التمشيط بحثا عن نفق كرم أبو سالم.

في المقابل، فإن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان كان يعتقد بضرورة احتلال قطاع غزة، وأبدى اهتماما أقل بقضية الأنفاق. أما باقي الوزراء فقد كانوا منصتين لمخاوف الجيش من الغوص في "المستنقع" في قطاع غزة.

ويضيف التقرير أنه كان هناك معارضة واسعة وموحدة ضد إدخال قوات برية إلى قطاع غزة، وعرض رئيس الحكومة أسئلة على الجيش لا تخرج عن رأي غالبية أعضاء المجلس الوزاري. وكانوا يعتقدون أن حماس لا تنوي استخدام الأنفاق الهجومية، علما أنه في الوقت نفسه أرسلت وحدة كوماندو بحري لشن هجوم في "زيكيم". واستمرت النقاش داخل المجلس الوزاري حتى بعد مقتل عناصر حماس في كرم أبو سالم واندلاع الحرب. ووضع أمام الجيش هدف توجيه ضربة قاسية لحركة حماس وإعادة الهدوء إلى الجنوب، ولم يتم ذكر الأنفاق بشكل مفصل.

ويتابع أنه بين الثامن وحتى الخامس عشر من تموز اكتفت إسرائيل بشن هجمات عن بعد ردا على إطلاق الصواريخ، عن طريق الغارات الجوية العنفيفة ونيران المدفعية. كما ركز الجيش قوات برية ومدرعة على حدود قطاع غزة. وبدأ يتضح تدريجيا أمام الوزراء "خطر الأنفاق" بكامله: عشرات الأنفاق على طول الحدود مع قطاع غزة، وبعضها متصل بفتحة داخل الحدود مع إسرائيل، وبالقرب من مواقع الجيش والكيبوتسات. وتلخص العمل ضد الأنفاق بالغارات الجوية على فتحات الأنفاق غرب السياج الحدودي.

في المقابل، ادعى وزير الأمن موشي يعالون، في مقابلة مع "هآرتس"، يوم أمس الأول الأربعاء، أن خطر الأنفاق والاستعدادات الدفاعية للجيش عرضت عدة مرات على المجلس الوزاري المصغر، وبتفاصيل أكثر في الأسبوع الذي سبق الحرب بينما كانت حماس تستعد لتنفيذ عملية في كرم أبو سالم.

وفي 15 تموز، صادق المجلس الوزاري، بمعارضة بينيت وليبرمان، على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار. ولكن حركة حماس رفضت المقترح المصري الذي وضع بالتنسيق مع بين مصر وإسرائيل. وهنا يشير التقرير إلى أن القيادة الإسرائيلية كانت على استعداد لوقف إطلاق النار بدون توجيه أية ضربة للورقة الأساسية المتوفرة لدى حماس، وهي الأنفاق الهجومية. وعن ذلك يقول يعالون إن إسرائيل كانت ستواصل غاراتها الجوية وتعزيز دفاعاتها، بينما تستمر عمليات التمشيط عن فتحات الأنفاق داخل إسرائيل، وأن الموافقة على وقف إطلاق النار كانت بهدف الحصول على شرعية دولية للخطوات التالية.

ويتابع التقرير أن نقطة التحول المركزية في الحرب بدأت بعد يومين، أي في صباح 17 تموز، حيث خرج 13 مقاتلا من الوحدات الخاصة لكتائب القسام من تحت الأرض على بعد بضع مئات الأمتار من كيبوتس "سوفا"، وقامت طائرة بدون طيار إسرائيلية بتصويرهم، ثم جرى استهدافهم من الجو. بيد أن الصور التي نشرتها الناطق بلسان الجيش أثارت ضجة واسعة لدى الجمهور الإسرائيلي والقيادة، حيث بدأ يغير رؤساء السلطات المحلية في محيط قطاع غزة من حديثهم عن الصواريخ والراجمات إلى الحديث عن خطر الأنفاق، وطالبوا بالعمل على تدميرها.

وبعد ساعات معدودة صدر تعليمات للجيش بالدخول البري إلى قطاع غزة لمعالجة خطر الأنفاق.

ويشير التقرير في هذا السياق إلى أن الخطط العملانية التي كانت لدى الجيش للقيام بعملية برية لم تكن مستكملة، فالخطط التي أعدت من قبل قيادة الجنوب لم تكن ذات صلة بالأنفاق، وإنما تمنت مراحل للسيطرة المتدرجة والمعمقة على مناطق في قطاع غزة، وتركزت على توجيه ضربات شديدة لحركة حماس. ووردت إشارة إلى تدمير أنفاق هجومية محدودة كانت قريبا نسبيا من مستوطنات إسرائيلية، ولكن ذلك لم يكن على رأس سلم الأولويات. ووضعت لاحقا خطط جديدة أعدت بسرعة وتضمنت تغييرات كبيرة.

وتم توكيل الكتيبة "162" بتولي شمال قطاع غزة. وقال قائد الكتيبة، نداف فدان، إنه تمت ملاءمة الخطط بشكل تدريجي لمعالجة الأنفاق بعد أن بدأت الكتيبة الاستعداد للحملة البرية، في الفترة القصيرة ما بين الأول وحتى العاشر من تموز، وكانت معرفة الكتيبة بالأنفاق نظرية وبدون تجربة عملانية. وبحسب قائد الكتيبة فإن كتيبته لم تقف على خطر الأنفاق إلا خلال العمل على تدميرها.

ويشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية لم تدخل عمق قطاع غزة، وإنما تركزت في كيلومترين اثنين على طول السياج الحدودي من الجهة الغربية، وبدأ العمل على الكشف عن الأنفاق لتدميرها. كما يشير إلى أن العملية التي نفذتها "غولاني" في الشجاعية تأجلت مرتين حتى التاسع عشر من تموز، وذلك لأن استعدادات حماس كانت قوية جدا هناك، إضافة إلى الكثافة السكانية للحي.

ويضيف التقرير أن عملية "غولاني" كان ينقصها مركبات جوهرية، المفاجأة والحيلة، حيث أن جنود "غولاني" الذين شنوا هجوما مباشرا اصطدموا بمقاومة عنيفة وغير عادية من المقاتلين الفلسطينيين، وخلال 24 ساعة قتل 16 جنديا إسرائيليا، واضطرت الكتيبة إلى الاستعانة بالغارات الجوية العنيفة والمكثفة والقصف المدفعي لكسر المقاومة في الشجاعية.

وبالنتيجة، بحسب التقرير، فقد دخلت القوات البرية بدون خطة مفصلة، وبمعلومات عملية لا تتجاوز الحد الأدنى، وبخطط عملية جرت بلورتها تدريجيا مع كميات غير كافية من الوسائل لتدمير الأنفاق.

ويشير التقرير إلى أنه في العشرين من تموز، مع بداية العمليات البرية، صرح يعالون بأن تدمير الأنفاق سوف يستغرق يومين أو ثلاثة، ولكن ذلك استغرق أكثر من أسبوعين ونصف الأسبوع. وفي الوقت الذي انشغل فيها الجيش بالبحث عن الأنفاق، تمكن ضيف من إرسال 3 مجموعات عن طريق الانفاق إلى شرقي السياج الحدودي. وقتلت هذه المجموعات 11 جنديا إسرائيليا.

ويقول التقرير إنه في الأسابيع التي سبقت العمليات البرية تمكنت الاستخبارات العسكرية من تحقيق تقدم ما في مجال الكشف عن فتحات الأنفاق في الجانب الفلسطيني من الحدود، ولكن مع بدء التصعيد في الثامن من تموز فإن سلاح الجو قصف هذه الفتحات بشكل منهجي، خشية أن تبادر حماس إلى استخدامها، ولكن القصف، كما يبدو، لم يجعل الأنفاق غير صالحة للاستخدام. ويقر رئيس أركان الجيش، بيني غنتس، بأن ذلك صعب الكشف عن مسار الأنفاق في الجانب الفلسطيني من الحدود، كما يقول ضابط آخر إن الاستخبارات قامت بعمل جيد، ولكن لم يكن هناك دقة كافية في تحديد مسارات الأنفاق.

ويضيف التقرير أن الجنود الإسرائيليين فوجئوا من عدد الفتحات وتفرعات الأنفاق. وفي حينه أكد الضباط الإسرائيلين على عامل السرعة في الكشف عن الأنفاق، ووتيرة تفجيرها. ويقول الضابط فدان إن الجنود عملوا على الكشف عن فتحات الأنفاق بسرعة، ولكن استكمال مهمة عناصر الهندسة، في تدميرها، كان يستغرق أسبوعا وأحيانا أكثر.

وتبين أنه لم يكن لدى الجيش ما يكفي من الأدوات لتدمير عدة أنفاق في الوقت نفسه. وقال ضابط هندسة إن طاقم كل كتيبة بمعالجة نفقين، ثم البدء بالنفق الثالث. ويضيف أنه بسبب النقص في الآليات بدأت عملية تدمير الأنفاق بشكل متتال، وليس متواز، حيث لم تتوفر القدرة على تدمير 32 نفقا في نفس الوقت، واضطر الجيش لتجنيد كميات كبيرة من الجرافات والآليات الثقيلة من القطاع الخاص. وبحسبه فإن بعض هذه الآليات تعود لشركات يملكها مواطنون عرب.

ويضيف التقرير أن الصعوبة الكبرى كانت في تدمير الأنفاق. فالأساليب والوسائل التي كانت لدى الجيش تتلاءم مع الأنفاق القصيرة والقريبة من سطح الأرض. ويشير في هذا السياق إلى أن الجيش قام في العقد الأخير بشراء منظومة تعمل على ضخ كميات كبيرة من المواد المتفجرة إلى داخل النفق بدون أن ينزل الجنود إلى داخله. وكبديل، اضطر الجيش لاستخدام 500 ألف لغم، ومواد متفجرة أخرى، حيث جرى ربط الألغام بسلسلة تم إدخالها إلى داخل فتحة النفق. وفي معظم الحالات كانت تدمير الأنفاق بشكل جزئي، رغم أن سلاح الهندسة شدد على أنه يجب تدمير غالبية النفق حتى يستطيع الضابط التوقيع على اعتبار النفق "مدمرا غير صالح للاستعمال".

ونقل عن جنود احتياط قولهم إن هذه هي المرة الاولى التي يقومون فيها بتجربة تدمير نفق، حيث تخصصوا في تدمير المباني في لبنان وغزة وهو أمر مختلف تماما. ويقول ضابط احتياط إن أحدا لم يعرف أو يخطط مسبقا كيف سيعالج أمر الأنفاق، وأن ذلك حصل بشكل تلقائي على الأرض. ويقول جنود في الهندسة القتالية إنهم أجروا تدريبات في السنوات الأخيرة على القتال تحت الأرض، ولكن هذه الأنفاق أمر مختلف. ففي التدريبات، كما يقول أحد الجنود، جرى إدخال آلي (روبوت) إلى الداخل، يتبعه جندي مسلح بمسدس، بينما تحتاج غزة إلى نظرية قتالية مغايرة.

وقال جنود آخرون إنهم دخلوا قطاع غزة بمستوى جاهزية قتالية منخفضة، وبدون أن يجروا تدريبات على سلاحهم الخاص، كما أن جزءا من الوسائل القتالية كان ناقصا أو معطوبا.

ونقل التقرير عن ضابط كبير في سلاح الهندسة قوله إنه بعد الحرب توصل الجيش إلى نتيجة كان قد توصل إليها قبل الحرب، حيث أن ضباطا كانوا قد أشاروا إلى ضرورة دراسة إمكانية القيام بخطوات ملموسة، مثل تشكيل كتائب تتخصص بالحرب تحت الأرض، وأنه يجب على القوات البرية أن تطور قدراتها القتالية في مواجهة الأنفاق، وأن تتسلح بوسائل جديدة كثيرة.

وفيما يلي نص التقرير كاملا :

بقلم: عاموس هرئيل وغيلي كوهرين

        فجوات كبيرة في التأهيل، في التدريب وفي العتاد جعلت من الصعب على الجيش الاسرائيلي القيام بمهامته الاساسية في الحرب التي كانت في الصيف في قطاع غزة – تدمير الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس من القطاع الى اسرائيل. هذا ما يتبين من تحقيق أجرته "هآرتس". في زمن القتال ضد حماس استولى الجيش الاسرائيلي على منطقة بعرض نحو 2كم في أطراف الاراضي المبنية الفلسطينية، من شمال القطاع وحتى جنوبه، كي يدمر 32 نفقا هجوميا أشارت الى موقعها اذرع الاستخبارات. ولكن هذه الفجوات، الى جانب خطط عملياتية جزئية تم تعديلها واستكمالها في اللحظة الاخيرة فقط، أدت الى تمديد العملية البرية الى ما يتجاوز التوقعات الاصلية لدى جهاز الامن.

        ونبعت التأخيرات ايضا من حقيقة أن الكابنيت تردد طويلا في اقرار العملية ضد الانفاق، على خلفية التحفظات في جهاز الامن نفسه. وللمفارقة، فبالذات الهجوم المبكر على فوهات الانفاق من الجو جعل صعبا عمل القوات على الارض ما ان دخلت هذه الى القطاع لانه شوش العثور على مسارات الانفاق. واذا لم يكن هذا بكاف، فقد كانت تنقص القوات البرية الوسائل المناسبة لتفجير الانفاق بعد أن تم العثور عليها.

        الجوانب المختلفة المتعلقة بقضية الانفاق نشرت هنا في ظل الحرب وفور انتهائها. اما التحقيق الحالي فيستند الى محادثات مع نحو 20 من المشاركين المركزيين في العملية وفي اقرارها: وزراء في الكابنيت، ضابط كبار في الجيش الاسرائيلي، رجال استخبارات وكذا ضباط وجنود شاركوا في تدمير الانفاق. وعندما تبين حجم تهديد الانفاق، تركز النقاش الجماهيري في الصعوبة المتواصلة في ايجاد حل تكنولوجي للعثور عليها وفي مسألة ما الذي عرفته الاستخبارات. والصورة المتبلورة الان أوسع بكثير، وهي تكشف فجوات في سلسلة من المجالات. فالاستعداد والمعالجة للانفاق لا يزال يفترض ان تفحص بجذرية من جانب لجنة الخارجية والامن في الكنيست.

        المشروع الاستراتيجي

        الاستخدام الاول الذي أجراه الفلسطينيون في القطاع لنفق هجومي داخل اراضي اسرائيل كان في العملية التي اختطف فيها جلعاد شاليط، في حزيران 2006. بين حملة "الرصاص المصبوب" في كانون الثاني 2009 وحملة "عامود السحاب" في تشرين الثاني 2012 سرعت المنظمة حفر منظومة الانفاق والخنادق التحت ارضية في ارجاء القطاع، ولكن هذه تركزت في المرحلة الاولى على الاغراض الدفاعية. وقبل بضعة ايام من "عامود السحاب" انفجر نفق مفخخ قرب قوة من الجيش الاسرائيلي كانت تعمل في مهمة تمشيطات غربي الجدار الفاصل في وسط القطاع. فقد طارت مركبة محصنة في الهواء من شدة الانفجار، ولكن جنود المركبة كانوا نزلوا منها قبل بضع دقائق من ذلك ولهذا فلم تقع اصابات في الحادثة.

        في نفس الوقت، شددت حماس الوتيرة في خطتها التنفيذية. فقد عاد محمد ضيف الى رئاسة الذراع العسكري للمنظمة بعد تصفية اسرائيل احمد الجعبري في بداية الحملة. والى جانب تعزيز منظومة الصواريخ، قرر ضيف بذل جهد خاص في تطوير الانفاق الهجومية، التي رأى فيها مشروعا استراتيجيا. وحتى صيف 2014 حفر اكثر من 30 نفق هجومي، بكلفة شاملة بمقدار مئات ملايين الدولارات. ونجحت شعبة الاستخبارات "امان" وجهاز المخابرات "الشاباك" في العثور معا على 32 نفقا، ولكن كان بينهما جدال حول مسألة كم من الانفاق حفرت حتى الان الى تحت الاراضي الاسرائيلية (وتراوحت التقديرات بين ثلث ونصف العدد الاجمالي).

        في السنة والنصف اللتين سبقتا حملة "الجرف الصامد" اكتشف الجيش الاسرائيلي ثلاث فتحات انفاق في الجانب الشرقي من الجدار، داخل الاراضي الاسرائيلية. وفي تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كانت قوة عسكرية تجتاز الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية لتدمير احداها، تم تفعيل عبوة ناسفة ضدها كانت زرعت في نفق فاصيب ستة ضباط وجنود.

        ضابط هندسة كان يعمل على العثور على الانفاق قال لـ "هآرتس" ان كشف الانفاق الثلاثة "اعطانا المقاييس الصحيحة. ففي الماضي عرفنا انفاق تهريب وتفجير ضيقة كان ينبغي التقدم فيها في سير منحنٍ. اما الانفاق التي عثرنا عليها في السنة الماضي فقد أوضحت لنا بأن امامنا شيئا آخر تماما: فقد كانت هذه انفاق واسعة مع شبكات اتصال داخلية، حفرت عميقا تحت الارض وتم تكثيف بطاناتها بطبقات من الاسمنت. كان يمكن السير فيها وقوفا دون صعوبة. هذه هي المرحلة التي فهمنا فيها بانه لم يعد الحديث يدور عن تهديد تكتيكي موضعي على قوات الجيش الاسرائيلي على طول الجدار، بل جزء من شيء أوسع وأخطر. فجأة ترى امام ناظريك عملية خطط لها لعمق نحو 300 متر أو اكثر داخل اراضينا. انت تدخل النفق وتفهم بانه لم يستهدف فقط اختطاف جندي على مقربة من الجدار بل يمكنه أن ينقل قوات للعدو بحجم كبير في غضون وقت قصير الى ما وراء خطوطنا والهجوم من هناك".

        وهذا بالفعل كان الفهم الذي تبلور في ذاك الوقت: ان محمد ضيف يخطط لخطوة كبيرة في يوم الامر. فالانفاق الهجومية يمكنها أن تستخدم من حماس لهجوم منسق ضد عدة اهداف كضربة اولى في جولة القتال مع الجيش الاسرائيل، او كبديل، لهجوم مفاجيء في ما وراء خطوط قوات الجيش الاسرائيلي، بعد أن تكون هذه قد هاجمت في القطاع. وفي نفس الوقت تركز الجهد الاستخباري والعمليات على فهم مشروع الانفاق.

        في بداية 2013 وما بعد اصدرت شعبة الاستخبارات "امان" تقريرا شهريا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير الدفاع موشيه بوغي يعلون ولرؤساء أذرع الامن تضمن استعراضا لكل الانفاق الهجومية المعروفة والمسار المعروف لكل واحد منها. وخصصت لقيادة المنطقة الجنوبية في تلك الفترة مقدرات عديدة – وسائل، منظومات لجمع المعلومات وقوات – لغرض معالجة الانفاق. "لقد تعرضنا للضغط لمعالجة هذا الامر. قالوا لنا: "افعلوا ما تستطيعون على أن تجتازوا هذا الحدث فقط بسلام""، هكذا يروي ضابط خدم في فرقة غزة. "لقد اصبح هذا الهدف الاول في سلم اولويات الفرقة".

        ولكن الخطوة ضد الانفاق لم تخرج بقدر كبير عن مجالات قيادة المنطقة الجنوبية أو الاستخبارات. فسلسلة الحلول التكنولوجية للعثور على الانفاق والتي درستها مديرية تطوير الوسائل القتالية في وزارة الدفاع ("مفات")، لم تنتج ردا يسمح بالعثور المنهاجي على فتحات الانفاق في الجانب الاسرائيلي. اما السياسة التي أملتها القيادة السياسية وهيئة الاركان، فقد رفضت معالجة هجومية مانعة من الجيش الاسرائيلي في الجانب الفلسطيني من الجدار. فلم تقصف اسرائيل من الجو مسارات الانفاق التي شخصتها في اراضي القطاع ولم تبعث ايضا بقوات برية كي تضربها خشية ان تؤدي خطوة مسبقة من جانبها الى اشتعال مواجهة عسكرية مع حماس.

        مشاكل في التدريبات

ما فهم في قيادة المنطقة الجنوبية، في فرقة غزة وفي شعبة الاستخبارات لم يترجم الى خطواته عملية كافية في باقي اجزاء الجيش الاسرائيلي. ففي هيئة الاركان بدأوا يتحدثون عن القتال التحت ارضي في الخنادق والانفاق، في أعقاب حرب لبنان الثانية. اما عمليا فقد اكتفى الجيش باقامة انفاق قصيرة نسبيا في ثلاث منشآت تدريب قيادية، في الشمال، في الوسط وفي الجنوب. زيارة لواحدة منها قبل نحو سنة لم تترك انطباعا عميقا: فقد بدا هذا مثل قناة قتالية عادية، مغطاة بسقف، وليس مجال قتال مركب.

معظم كتائب المشاة النظامية والوحدات الخاصة اختبرت الانفاق فقط في تدريبات قصيرة لم يكن فيها تقريبا اي مضمون حقيقي. "نزلنا بحبل الى داخل فتحة نطاق يشبه محمية طبيعية، معقل لحزب الله في أرض مفتوحة. بهذا تلخصت معرفتنا للقتال التحت ارضي"، روى جنود في كتيبة الدورية في لواء المشاة.

وكانت الاستعدادات في وحدات الاحتياط – حتى في كتائب الهندسة القتالية، التي اعتمد عليها الجيش بقدر كبير في الحرب في غزة – من سطحية حتى غير موجودة. فضباط وجنود في الاحتياط من كتائب الهندسة قالوا ان التدريبات التي اجتازوها، واحد في السنة او في السنتين، كانت تتطابق والادوار التقليدية للسلاح، مثل اقتحام حقول الغام. لم يتحدثوا عن انفاق، ولا حتى في كتائب الاحتياط التي خصصت مسبقا لاعمال محتملة في اطار حملة لاحتلال القطاع. وعندما أبدى الجنود ملاحظة لقادتهم بان مضمامين التدريب غير ذات صلة بالتحديات العملياتية التي قد يقفون امامها، اجابوهم بان المشكلة معروفة.

لواء جفعاتي، الذي بحكم انتمائه الى قيادة المنطقة الجنوبية احتل منذ البداية مكانا مركزيا في الاستعدادات للقتال في غزة، عني قبل اندلاع الحرب بتطوير نظرية قتالية للمجال التحت ارضي بأمر من قائد المنطقة الجنوبية. في منتصف تموز كان يفترض باللواء ان يقود استكمالات قيادية لوحدات اخرى. وقد الغيت الاستكمالات كون الحرب قد بدأت.

الكابنيت ليس في الصورة

        لقد ولد اكتشاف الانفاق الهجومية العام الماضي الكثير من فرص التصوير في وسائل الاعلام. وزير الدفاع وكبار رجالات الجيش تجولوا فيها والتقطت لهم الصور في فتحاتها. قائد المنطقة الجنوبي، سامي ترجمان، اجري لقاء معه في القناة 2 الى جانب نفق ووصف الانفاق بانها التهديد المركزي الذي سيتعين على القيادة التصدي له.

        في محفل واحد لم يجرِ في تلك الفترة نقاش جدي لتهديد الانفاق وهذا هو الكابنيت السياسي الامني. معظم اعضائه، وفقا لشهادتهم لم يكونوا على علم على الاطلاق بعمق المشكلة. نصف اعضاء الكابنيت لم يتسلموا مهامهم الا بعد انتخابات 2013 ومعظم وقتهم قضوه في المداولات على خطر النووي الايراني وعلى التطورات في الحدود السورية واللبنانية. اما مشكلة الانفاق من غزة فقد ظهرت، في افضل الاحوال "فقط كبند رقم 17 في تقييم الوضع"، قال عضو الكابنيت، الوزير نفتالي بينيت قبل نحو شهر.

        أما التقرير الاستخباري الشهري الذي تلقاه نتنياهو ويعلون، فلم يعرف به اعضاء الكابنيت على الاطلاق. صحيح ان رئيس الوزراء عين مستشار الامن القومي في تلك الفترة، اللواء احتياط يعقوب عميدرور ليترأس فريقا لدراسة مشكلة الانفاق، ولكن عميدرور نفسه اعترف في بداية الشهر في مقابلة مع صوت الجيش بانه يوجد فارق بين المعرفة بوجود الانفاق وبين استيعاب كامل خطورة التهديد.

        لم تكن لدينا معلومات كافية، قال عميدرور، وشبه التهديد بالمفاجأة التي احدثتها صواريخ ساغر المصرية على دبابات الجيش الاسرائيلي في حرب يوم الغفران. وفي شعبة الاستخبارات "امان" يعترفون ايضا في نظرة الى الوراء بانه يبدو انه كانت حاجة الى التأكيد في الاستعراضات أمام الكابنيت لمسألة الانفاق، وان كانت المعلومات الاستخبارية المفصلة متوفرة لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.

        منذ شهر نيسا 2014 فما بعد، اتضح بالتدريج بان حماس تعد امكانية لعملية كبيرة بواسطة نفق في منطقة كرم سالم، في الجانب الجنوبي من القطاع. واصدرت المخابرات – الشاباك اخطارا بموجبه من شأن حماس أن تحاول اختطاف جنود ومدنيين بواسطة النفق، بهدف احداث كسر للحصار الاسرائيلي – المصري على القطاع. هيئة الاركان، قيادة المنطقة الجنوبية واذرع الاستخبارات بذلت جهودا حثيثة للعثور على النفق. وحشدت فرقة غزة أكثر من 30 آلية هندسية، عدد استثنائي في حجمه، في محاولة لاكتشاف فتحة الخروج في الاراضي الاسرائيلية ونصبت سدودا هدفها تأخير الوصول من الحقول التي بجانب الجدار الى كيبوتس كرم سالم. وعندما لم تجدي التفتيشات في الجانب الاسرائيلي نفعا، اقرت للجيش اعمال هجومية. فقد القى سلاح الجو نحو 30 قذيفة جي – دام دقيقة في الجانب الفلسطيني من الجدار، بهدف قطع مسار النفق. ورغم ذلك نزل في 6 تموز سبعة مقاتلين من القوة الخاصة ("النخبة") من حماس الى النفق وقتلوا في سقوط وقع كنتيجة واحد من اعمال القصف. وكانت الحادثة في كرم سالم هي الدفعة الاخيرة نحو اندلاع الحرب بين اسرائيل وحماس. وردت المنظمة الفلسطينية على قتل رجالها في النفق بصليات ثقيلة من الصواريخ اخذت اهدافها في الاتساع. وقررت حكومة اسرائيل في الليلة بين 7 و 8 تموز حملة "الجرف الصامد" في القطاع. هكذا بدأ القتال الذي دام خمسين يوما.

        بدأ التصعيد في القطاع بالتوازي مع انتهاء حملة "عودوا ايها الاخوة" في الضفة الغربية. في 30 حزيران عثر الجيش الاسرائيلي على جثث الفتيان جيل عاد شاعر، نفتالي فرنكل وايال يفرح، الذين كانوا اختطفوا قبل اسبوعين ونصف من ذلك في غوش عصيون. وحسب تصريحات الوزير بينيت لوسائل الاعلام قبل نحو شهر، فان بينيت هو الذي طرح لاول مرة الحاجة العاجلة لمعالجة تهديد الانفاق. واعتمد بينيت على شبكة اتصالات متفرعة مع قادة ألوية في الجيش الاسرائيلي، من ابناء جيله ممن كان يعرفهم من خدمته النظامية كمقاتل وضابط في الوحدات الخاصة. ومنهم تعرف على خطورة التهديد وسمع عن حشد الجهد للعثور على النفق في كرم سالم.

        رفع طلب بينيت لاول مرة في 30 حزيران، في لقاء ثنائي مع نتنياهو، وفور ذلك في جلسة الكابنيت. عملية هجومية ضد الانفاق، قال، ستكون ردا مناسبا على قتل الفتيان، وفي نفس الفرصة ستزيل عن جدول الاعمال تهديدا حقيقيا على بلدات غلاف غزة. وفي الايام التالية اجتمع الكابنيت في جلسات يومية وضع فيها في صورة التوتر في الضفة وبين عرب اسرائيل واستمرار التمشيطات بحثا عن النفق في كرم سالم.

        بينيت، حسب هذه الرواية، عاد وطرح مطلب المعالجة الشاملة للانفاق. اما يعلون، ومعه كبار مسؤولي الجيش والمخابرات، فردوا بتحفظ. بداية قالوا ان استعدادات حماس في كرم سالم تدل على استعدادها لـ "عملية رف" لا يوجد يقين متى ستستخدم. وبعد ذلك اعتقدوا أنه تكفي سياسة احتواء تهديدات وتحذيرات، مثل نثر اضاءات في الجانب الفلسطيني من كرم سالم من قبل سلاح الجو من أجل البث لحماس بان اسرائيل اكتشفت خططها. ولاحقا وافقوا على تشديد الخطوات نحو هجوم بواسطة قنابل جي – دام. ولكن النهج العام كان يتبنى سياسة التشويش، وليس الاحباط: كانت تكفي، برأي قادة جهاز الامن، اعمال دفاعية معيقة لمنع العملية. ولم يكن ما يبرر عملية هجومية واسعة.

        في كل بحث كان بينيت يحفر ويحفر، مثل "كاتو الشيخ" ولكنه وجد نفسه في الاقلية. شريكه في الجناح الصقري في الكابنيت، وزير الخارجية افيغدور ليبرمان تبنى احتلال القطاع او قسم منه واهتم بقدر اقل بمشكلة الانفاق. اما باقي الوزراء فكانوا منصتين لتخوفات الجيش من الغرق في وحل غزة: ما ان تدخل، إذهب لتعرف متى يمكنك ان تخرج.

        الجبهة ضد الحملة البرية كانت في ذاك الوقت لا تزال موحدة وواسعة. صحيح أن رئيس الوزراء عرض هنا وهناك أسئلة على الجيش ولكنه لم يخرج عن رأي الاغلبية في الكابنيت. والحكمة الدارجة، كما سمعها اعضاء الكابنيت اعتقدت بان حماس لا تعتزم استخدام الانفاق الهجومية، وان كانت المنظمة في ذاك الوقت قد بعثت بمقاتلي الكوماندو البحري لديها الى هجوم فشل في شاطيء زيكيم.

        واستمرت الجدالات حتى بعد قتل رجال حماس في كرم سالم واندلاع الحرب. والاهداف التي تحددت للجيش الاسرائيلي كانت توجيه ضربة شديدة لحماس واعادة الهدوء الى الجنوب. ولم تذكر الاتفاق بالذات. وبين 8 و 15 تموز اكتفت اسرائيل بالهجمات من بعيد، ردا على نار الصواريخ من القطاع الى الجنوب ووسط البلاد – قصف كثيف من الجو، مسنود بنار مدفعية نحو قيادات حماس، منظومات انتاج السلاح، ومجالات اطلاق صواريخها. وحشد الجيش الاسرائيلي قوات مشاة ومدرعات على حدود القطاع وشكل طواقم قتالية لوائية، ولكن لم يجتز حتى ولا جندي واحد الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية.

        وبالتدريج انكشف أمام اعضاء الكابنيت تهديد الانفاق بكامل خطورته: عشرات الانفاق الهجومية على طول الجبهة، فوهات الخروج لجزء منها حفرت من قبل في الاراضي الاسرائيلية، بجوار استحكامات الجيش الاسرائيلي والكيبوتسات. ولا يزال، ادعى اعضاء في المحفل بانهم شخصوا انعدام رغبة، بل وجر أرجل من جهاز الامن في التصدي للتهديد. واشتكى بعضهم من أن الضباط يتحدثون عن عمد بغموض كي لا يعرضوا على الكابنيت الصورة بكاملها. والنشاط الهجومي ضد الانفاق تلخص بالقصف من الجو لقسم من الفوهات في الجانب الفلسطيني، الخطوة التي كانت ستلحق بالجيش الاسرائيلي مشاكل عويصة لاحقا، حين دخلت القوات الى المنطقة.

        وتختلف رواية يعلون جوهريا، بطبيعة الحال. ففي مقابلة مع "هآرس" أول أمس قال وزير الدفاع ان "تهديد الانفاق والاستعداد الدفاعي من الجيش الاسرائيلي عرض على الكابنيت عدة مرات، وبالتفصيل في الاسبوع الذي سبق الحملة البرية. عندما فهمنا بان حماس تبحث عن انجاز من خلال عملية نفق في كرم سالم، احبطناها".

        أما جمع المعلومات الذي قام به بينيت من قادة الالوية فيثير غضبه، ويقول: "هل شرعي أن يجري سياسي اتصالا مباشرا مع ضباط وعلى هذا الاساس يقوم بالاعيب ضد رئيس الاركان في الكابنيت، فيصفه بانه حصان كسول امام الضباط في الميدان، اولئك الحصن المندفعة؟ هذه فوضى، ليست ديمقراطية. بينيت لم يخترع العملية ضد الانفاق وما كان بحاجة الى ان يدفعها الى الامام. ماذا، أهو الذي اعد القوة؟ هو الذي اخترع الوسيلة؟ من المسؤول عن الروح القتالية للجيش الاسرائيلي، رئيس الاركان أم رئيس حزب ما؟ مكتب بينيت، رد باتهام يعلون أنه "ابو المفهوم الذي انهار، والذي يقول ان حماس مردوعة ولهذا فانها لن تستخدم الانفاق". وأعلن بان بينيت سيطالب بمراجعة محاضر جلسات الكابنيت كي يثبت صحة موقفه.

        في 15 تموز قرر الكابنيت، بمعارضة بينيت وليبرمان اقرار الاقتراح المصري بوقف النار مع حماس. وانهار الجهد المصري بعد أن رفضت حماس الاقتراح، الذي نسقت صيغته مسبقا بين القاهرة والقدس. ولكن حتى لو كان نتنياهو ويعلون قدرا بان حماس سترفض، من الصعب تجاهل معنى القرار: القيادة الاسرائيلية، التي كانت على وعي كلها بكامل حجوم مشروع الانفاق الهجومية، كانت مستعدة لان توقف النار في ختام سبعة ايام من القتال دون ان تضرب بصفتها هذه ورقة حماس الاساسية.

        ويرد يعلوم على الادعاءات فيقول: "كان لدينا جواب على التهديد – في الهجمات من الجو وفي تعزيز الدفاع، في ظل استمرار التمشيطات في اراضينا بحثا على الفوهات. وقد استجبنا للمبادة المصرية كي نحقق ايضا شرعية دولية لخطواتنا التالية. طالما جربنا الوصول الى وقف نار في تلك المرحلة، لم يكن مجال للعملية البرية، التي كانت مبررة ولكنها كلفت في النهاية حياة 66 جنديا.

الخطط لم تكن ملائمة

وقعت الانعطافة المركزية في المعركة بعد نحو يومين، في صباح 17 تموز. 13 مخربا مسلحا، من رجال قوة الانفاق في حماس، خرجوا من بطن الارض عبر فوهة هجومية في الاراضي الاسرائيلية، على مسافة بضع مئات الامتار من كيبوتس صوفا. وصورت طائرة بدون طيار اسرائيلية خروجهم وهوجمت الخلية من الجو. بث الصور، التي نشرها الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، اثار صدمة شديدة لدى الجمهور والقيادة. رؤساء المجالس الاقليمية في غلاف غزة، الذين شددوا من قبل على تهديد قذائف الهاون والصواريخ على بلداتهم، غيروا اتجاههم. رئيس مجلس اشكول حاييم يلين، رجل معتدل بشكل عام، طلب من الحكومة أن تأمر الجيش بالعمل فورا على تدمير كل الانفاق.

في سلسلة المشاورات التي اجراها نتنياهو ويعلون مع جهاز الامن ومع اعضاء الكابنيت في الساعات التالية، تقرر العمل. في ساعات المساء المتأخرة صدر للجيش الامر بالدخول الى القطاع ومعالجة الانفاق. ولم يكن يلين الوحيد الذي صخب في ضوء صورة المخربين في النفق. رئيس الاركان بيني غانتس هو الاخر اعترف في وقت لاحق في حديث خاص بان "الحدث في صوفا حسم لنا الامر".

ولكن الخطط العملياتية التي كانت تحت تصرف الجيش الاسرائيلي لغرض العملية البرية كانت بعيدة عن الكمال. فالخطط الاصلية لدى قيادة المنطقة الجنوبية كادت لا تلمس الانفاق، بل تضمنت بعض "مدرجات" السيطرة، المتعمقة، على مناطق القطاع. والفكرة التي قبعت في اساسها كانت ضرب حماس، في ظل حرمانها من ذخائرها، ردعها والمس بمجالات اطلاق الصواريخ لديها، بهدف القمع الجزئي للنار نحو الجبهة الداخلية الاسرائيلية. وعنيت احدى الامكانيات ايضا بتدمير بعض الانفاق الهجومية، التي شخصت على قرب نسبي من البلدات الاسرائيلية، ولكن ليس كمهامة باولوية عليا. والى العملية في القطاع، التي تركزت الان على الانفاق فقط، ارسلت ليس اقل من ثلاث فرق، عمل تحتها في الجبهة المقلصة نسبيا عشرة طواقم قتالية لوائية وبينها كتائب مشاة، مدرعات وهندسة. وقد تمت بلورة الخطط الجديدة بسرعة كبيرة، في ظل تغييرات واسعة.

وتحملت مسؤولية العملية في شمال القطاع فرقة 162. قائد الفرقة، العميد نداف فدان، قال لـ "هآرتس" ان الخطط اجتازت "تكييفا تدريجيا" لمعالجة الانفاق، ما أن بدأت فرقته في الاعداد للحملة في القطاع في بداية تموز وحتى الدخول الى المنطقة. في محيط 10 تموز، كما شهد يقول: "دخلنا الى هذا العالم من الانفاق". وبشكل يعطي صدى لاقوال عميدرور وغانتس قال فدان انه فهم المشكلة بكامل خطورتها فقط حين عثرت قواته على الانفاق داخل القطاع. "تعرفنا على الانفاق نظريا بالاساس. لم تكن لدينا تجربة عملياتية. يوجد شيء ما في الاحتكاك، في التجربة، يسرع الفهم. استوعبنا الامور حتى نهايتها فقط في ظل المعالجة للانفاق".

القوات لم تدخل الى عمق المنطقة بل توقفت عند قاطع بعرض اقصى بنحو 2كم غربي الجدار ومن هناك بدأت تعمل على العثور على الانفاق وتدميرها. عملية لواء جولاني، في حي الشجاعية شرقي القدس تأجلت يومين الى منتهى السبت، 19 تموز. منظومة حماس في الحي تعتبر الاقوى. كما أ