خبر « حماس » وتنظيم الدولة... فروق إيديولوجيّة تسبق الخلاف السياسيّ ..عدنان أبو عامر

الساعة 11:22 ص|14 أكتوبر 2014

كان ملفتاً حجم الاستنفار الإعلاميّ الذي قامت به "حماس" للردّ على اتّهامات إسرائيل لها بمساواتها بتنظيم "الدولة الإسلاميّة"، فقد خرج النّاطقون باسمها وقياداتها البارزة لنفي هذه الاتّهاماتة، ولا تنطلي على الدّوائر الغربيّة.

لكن الاختلاف السياسيّ بين "حماس" وتنظيم الدولة، يعود في الأساس إلى خلافات فقهيّة إيديولوجيّة بينهما، جعلت العديد من العناصر السلفيّة الجهاديّة يخرجون من عباءة "حماس"، حين اختلفوا معها، وينضمّون لاحقاً إلى هذه التّنظيمات، التي تعتبر تنظيم الدولة أحد إفرازاتها.

وإنّ عالم دين في غزّة مقرّب من "حماس"، نبّه "المونيتور" لملاحظة عند الحديث عن الفروق الفقهيّة مع تنظيم الدولة بقوله: "الفروق بين الحركتين تقوم على اختلافين: العلاقة مع الآخر الدينيّ والسياسيّ في السلم والحرب، فـ"حماس" تتعامل مع أيّ مختلف معها سوى إسرائيل على أساس السلم، بما في ذلك المختلف دينيّاً وسياسيّاً، بعكس تنظيم الدولة الذي يحارب كلّ من اختلف معه".

حماس في علاقتها مع المسيحيين واليهود تستند للآية القرآنية 8 بسورة الممتحنة، ونصها:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين،ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين".

أضاف: "حماس وتنظيم الدولة يختلفان فقهيّاً في قضايا الحكم والديموقراطيّة والدولة المدنيّة والمواطنة وتكوين الأحزاب، فحماس تسلّم بذلك وتشجّع عليه، فيما يعتبرها تنظيم الدولة كفراً ويستحقّ القتل من آمن بها".

التّنظيم الأمّ

ورغم عدم ممارسة أيّ نشاطات عسكريّة ميدانيّة لتنظيم "الدولة الإسلاميّة" في الأراضي الفلسطينيّة، لكن "حماس" ترى نفسها جزءاً من النقاش الفكريّ والإيديولوجيّ الذي تشهده الدول العربيّة في تقويم التّنظيم، والحكم على سلوكيّاته وخلافاته مع بقيّة الحركات الإسلاميّة.

وإنّ عدداً من الطبقة العلميّة في "حماس"، يمتنع عن الحديث صراحة عن الاختلافات الفقهيّة والفكريّة مع تنظيم الدولة، ويفضّل الحديث عنه داخل مجالسهم المغلقة، والحديث إلى الإعلام من دون الإشارة إلى أسمائهم، سواء أكان لاعتبارات أمنيّة خوفاً من التعرّض لهم من مناصري التّنظيم، أم الدخول في جدل فقهيّ وشرعيّ يبدأ ولا ينتهي.

وقال مسؤول في "حماس" لـ"للمونيتور": إنّ الموقف الأكثر قرباً من قناعات "حماس" الفكريّة ما ذكره العلاّمة يوسف القرضاوي في 14/9 أنّه يختلف بالفكر والوسيلة مع تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، لكنّه يرفض محاربته من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة.

من جهته، قال أحد كبار العلماء في غزّة لـ"المونيتور": "إنّ حماس وتنظيم الدولة يختلفان كثيراً في مصادر تفسير الإسلام، ودور السياسة فيه، حيث أنّ استراتيجيّة "حماس" على المدى القصير هي الوصول إلى السلطة عبر الهياكل القائمة على الشراكة السياسيّة، وهي جزء من براغماتيّتها التي تتطلّب منها المشاركة في الانتخابات الديموقراطيّة".

أضاف: "أمّا مفاهيم الشراكة السياسيّة فيرى فيها تنظيم الدولة كفراً ومخالفة لأحكام الإسلام، لأنّ فيها احتكاماً للقوانين الوضعيّة وابتعاداً عن أحكام السماء الربانيّة، ويؤمن بالوصول إلى السلطة عبر القوّة المسلّحة فقط، وهو غير متهاون في إيديولوجيّته السلفيّة الجهاديّة".

وجاء الموقف الأكثر معارضة لتنظيم الدولة من عدنان إبراهيم، وهو المفكّر الإسلاميّ الفلسطينيّ، من مواليد غزّة والمقيم في النّمسا منذ عقود، ويعتبر من رجال الدين المجدّدين للفكر الإسلاميّ، حين هاجم في 25/9 تنظيم الدولة، واتّهمه باستباحة غير المسلمين، لإخضاعهم للسلطة الإسلاميّة.

تطبيق الشريعة

واطّلع "المونيتور" على كرّاسٍ يتداوله بعض النشطاء السلفيّين في غزّة ممّن يؤيّدون تنظيم الدولة، وجاء فيه أنّ "تنظيم الدولة الإسلاميّة يرى مشاركة "حماس" في الانتخابات وتنفيذ القوانين الوضعيّة، جزءاً من ابتكارات شركيّة تستحقّ نار جهنّم". وقال: "إنّ حماس ترتكب مخالفة شرعيّة حين تمنح مقاومتها للاحتلال الإسرائيليّ صبغة قوميّة فلسطينيّة، ولا تتحدّث عن العقيدة الإسلاميّة، لأنّ الدين يأمر المسلمين بالحرب لإقامة مجتمع إسلاميّ عالميّ كامل، وليس محصوراً في جغرافيّة بعينها".

وممّا يأخذه علماء "حماس" من مخالفات شرعيّة فقهيّة على تنظيم الدولة: "عدم رجوعه إلى علماء الأمّة، وأن لا عالم شرعيّاً واحداً فيه. كما أنّه فارق جماعة المسلمين وأعلن دولة الخلافة من دون مشورتهم، وكفّر عمومهم ممّن لا يؤيّدون رأيه. وقام بالقتل الجماعيّ من دون تفريق، وهو متصلّب بآرائه لاعتقاده بأنّه من أهل الجنّة".

وتابع "المونيتور" عن قرب نقاشات الدكتور يوسف فرحات، وهو أحد أبرز علماء غزّة، ومن رموز "حماس"، وهو من القلائل الذين اتّخذوا موقفاً حادّاً من تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وخاضوا حوارات حادّة في إبداء الفرق بين "حماس" والتّنظي واعتبر أن تنظيم الدولة إفراز للتوجهات المتشددة، مطالباً بمكافحته فكرياً وأيديولوجياً قبل ملاحقته عسكرياً، على اعتبار أن له جذوراً في التاريخ الإسلامي من الفرق الإسلامية التي انحرفت عن الإسلام الصحيح، وخرجت عن تعاليمه السمحة.

"المونيتور" التقى أحد العلماء الشرعيين في حماس من خريجي الجامعات الماليزية المتنورة، وحاول تلخيص الكثير من الفروقات بين حماس وتنظيم الدولة استنادا لأحكام شرعية تم نشر بعضها على شبكات الانترنيت، لكنه أعادها لأصولها الدينية بقوله: حماس تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ذات الطابع الوسطي المعتدل، أما تنظيم الدولة فينتمي لتيار متشدد أقرب لتنظيم القاعدة، الذي أفرز تنظيمات أخرى لا تلتقي مع حماس في معظم الأفكار والتوجهات السياسية والشرعية.

بعض علماء حماس الذين التقاهم "المونيتور" يعيد أصل نشوء تنظيم الدولة للفكر الوهابي الذي تقوم عليه السعودية، وهو فكر متشدد إقصائي، وقامت عليها القاعدة بجميع أفرعها، ومنهم تنظيم الدولة، ولا يختلف ما يؤمن به تنظيم الدولة من أفكار ومعتقدات وسلوكيات عن الدولة السعودية إلا في الموضوع الجهادي المسلح.

هناك فروق واضحة في أن حماس لا تكفر الشيعة، كما يكفرهم تنظيم الدولة، ويرى علماؤها أنهم فرقة إسلامية منحرفة عن تعاليم الدين، دون اعتبارهم كفاراً بالمعنى الفقهي للكلم.

كما أن حماس لا تدعو في أدبياتها لإقامة دولة الخلافة، كما ينادي به تنظيم الدولة، فحماس ترفض الحكومة الدينية الثيوقراطية، وتدعو لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، دون وصف ذلك بدولة الخلافة، وهو ما أوضحه الشيخ القرضاوي في كتابه الشهير "فقه الدولة في الإسلام"، الذي يدرسه علماء حماس الشرعيين.

وفي حين أن حماس حركة لا تكفر أحداً انطلاقاً من معتقدات الإخوان المسلمين، ولا تقتل أحداً على الهوية، ولا تتهم الناس بالكفر، فإن تنظيم الدولة يرتكب مجازر جماعية بحق مخالفيه من مسلمين ومسيحيين، وأتباع مذاهب فقهية أخرى في الإسلام، باعتبار أن كل من لا ينخرط في صفوفه كافر، دمه مستباح.

وحين يبدي علماء حماس تأييدهم للحرية الدينية لأي إنسان، دون التعرض له، وإيذائه، يكررون الآية القرآنية 256 من سورة البقرة: "لا إكراه في الدين".

أكثر من ذلك، فإن حماس حركة شاملة تهتم بجميع النواحي السياسية والاجتماعية والجهادية، ولا يقتصر دورها على جناحها العسكري، رغم أهميته، لكن تنظيم الدولة مسلح أهدافه عسكرية بحتة، ولا يؤمن بالوسائل السياسية ولا العمل المؤسساتي.

وفي حين يقتصر مفهوم الجهاد لدى حماس على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، ولا تقاتل اليهود بسبب ديانتهم، ولكن لاحتلالهم فلسطين، كما أن حماس لا تتبع سياسة قطع الرؤوس ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، لأنها تعتبره تمثيلا في الجثث يحرمه الإسلام.

وعلم "المونيتور" أن قيام مسلحي حماس في حرب غزة بإعدام عملاء يوم 22/8، لم يحظ بموافقة قيادة الحركة، لأنها دأبت على إعدامهم بعيدا عن الأنظار، أو بحضور جهات قضائية، كما أن إعدامات العملاء تزامن مع الصور المنشورة من تنظيم الدولة لدى تنفيذها عمليات إعدام ميدانية في سوريا والعراق، وكانت حجة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لتشبيه حماس بتنظيم الدولة، لأنهما تستخدمان ذات الأساليب.

في حين أن تنظيم الدولة يعتبر الجهاد مباحاً ضد كل من يخالفهم في الرأي، ولو كانوا مسلمين، ويرى أن هذا من صلب الإسلام، الذي لا يقوم إلا بالسيف والقتا.

ولعل الفرق الفقهي الأساسي بين حماس وتنظيم الدولة يعود إلى أن حماس ارتأت لنفسها أن تقوم بتنظيم المجتمع، وتهيئته، قبل تطبيق الأحكام الشرعية، وفقاً لنظرية لإخوان المسلمين في إقامة:ا لفرد المسلم، والأسرة المسلمة، وصولاً للمجتمع المسلم، وانتهاء بالدولة المسلمة.

ثم بدأ الإخوان المسلمون، ومنهم حماس، يوصون أتباعهم بضرورة نشر فكر الجماعة داخل الفرد ثم العائلة فالمجتمع، وبعد ذلك تقوم الدولة المسلمة من تلقاء نفسها، وأكدوا ذلك بشعار الإخوان المسلمين لأبنائهم: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم على أرضكم".

بعكس تنظيم الدولة الذي بدأ بإقامة الحدود على الناس قبل أن يكون هو ولي الأمر، وأساء إلى صورة الإسلام من خلال ممارسات عناصره في القتل والذبح، وبثها عبر وسائل الإعلام، مما شوه صورة الدين في نظر أنصاره وخصومه.

وأخيراً، اتّضح أنّ أهمّ مظهرين من مظاهر الاختلاف الفكريّ الفقهيّ بينهما، يرتكز في عدم حكم "حماس" بالشريعة الإسلاميّة، واستبدالها بقوانين وضعيّة مختلطة، وتمسّكها بمنهج التدرّج في تطبيق الشريعة الذي لا يرى عليه تنظيم الدولة دليلاً من القرآن والسنة.

وفي حين تقبل "حماس" الحكم بالديموقراطيّة، يعتبرها تنظيم الدولة شركًا بالله، وكلّ من ارتضى بالديموقراطيّة وحكمها هو كافر في نظره.