خبر الضغط على النقاط الحساسة.. اسرائيل اليوم

الساعة 11:48 ص|10 أكتوبر 2014

بقلم: شلومو تسيزنا

        (المضمون: نتنياهو يعرف جيدا كيف تسير الامور، ورغم السافرين، يصمد أمام الضغوط. وثباته في موضوع البناء في القدس صامد – وسيواصل الاعراب عنه في الغرف المغلقة وفي العلن على حد سواء - المصدر).

        في سينما "سيتي"، المجمع التجاري الجديد في القدس الذي فُتح مقابل دار الحكومة، تبدو اجواء اعياد تشري العبري، وليس اليهود وحدهم هم من يستمتعون بها. فعيد الاضحى جلب الى المكان مستجمين عرب، وبدت المنطقة هادئة. أهالي ساكنون، اطفال فرحون ووجبة بوظة ترسم صورة مثالية، وظاهرا لا ذكر للتقارير في وسائل الاعلام عن "التوتر في القدس" أو "الغضب في دار الحكومة" في الايام ما بعد الخطابات العدائية في الامم المتحدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. ولكن، على مسافة لمسة خلف الطريق، في ديوان رئيس الوزراء، في وزارة الخارجية وفي مكاتب الوزراء الاخرى يستعدون لـ "ما بعد الاعياد".

        وجع رأس سياسي بانتظار من يقومون بالمهامة، جدول اعمال مكثف: ايران، الفلسطينيين ونشاطات أبو مازن في الامم المتحدة، ميزانية الدولة، الدورة الشتوية في الكنيست وحراكات مع نظرة الى الامام لسنة انتخابات محتملة. ولم ننسى ايضا تحدي الهدوء الامني حيال غزة وفي الحدود الشمالية، الخلافات مع البيت الابيض، التصدي للجنة تحقيق الامم المتحدة بعد الجرف الصامد ومطالب الاتحاد الاوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

        القلق الاول في ارتفاعه لدى رئيس الوزراء هو ايران. فنتنياهو يتصدى لهذا الخطر منذ بضع سنوات ويتحدث عنه في كل فرصة. ووصلت اسرائيل الى مفترق الحسم: فالقوى العظمى الغربية قد تضم ايران الى تحالف "العالم الجديد" الذي يهدده الاسلام المتطرف (وأولا وقبل كل شيء – داعش)، وتقديم تنازلات لطهران.

        وكان هذا الموضوع في مركز الحديث بين نتنياهو والرئيس الامريكي براك اوباما الاسبوع الماضي، وها هو يوم الاثنين الماضي عُلم بانفجار خفي في قلب المشروع النووي المهدد في بارتشين، الموقع الاكثر سرية في ايران. ورغم أن هذه الانباء لم تتأكد أبدا، واضح أن للغرب مصلحة في وقف سباق التسلح الذي تديره ايران.

        ووجدت المصلحة الاسرائيلية في ضرب المشروع تعبيرها في المداولات على ميزانية الدفاع. فنتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون يصران على اضافة مبلغ كبير، حيث أن أحد البنود الذي يُقلون في الحديث عنه علنا "الحفاظ على القدرة مقابل ايران". لا يدور الحديث فقط عن القدرة للهجوم الجوي، بل منظومة كاملة تتضمن الاستخبارات العملياتية.

       

السير حتى النهاية

        وعودة الى علاقات اسرائيل – الولايات المتحدة، علاقات نتنياهو – اوباما. دعم واشنطن هو ذخر استراتيجي لاسرائيل، يدل على قوة العلاقة بين الدولتين. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل العلاقات العكرة بين الزعيمين. في المقابلات يتحدث نتنياهو عن العلاقة مع "الشعب الامريكي" وعن دعم الكونغرس ومجلس الشيوخ – أما الادارة الامريكية ورئيسها فيتجاهلهما.

        وهذا الاسبوع احتدمت المواجهة. فقد تعلق البيت الابيض ببيان لحركة السلام الآن، حين هاجم سياسة نتنياهو حث بناء اكثر من 2600 شقة في جفعات همتوس في القدس، وذلك بالتوازي مع دخول جمعية العاد الى منازل اشترتها في سلوان، في مدينة داود. وقد حصل هذا حين كان نتنياهو في واشنطن. وشعر رئيس الوزراء بأنه علق في توقيت حرج، في كمين لم يكن مصادفا. وبرأي نتنياهو، فقد خُرقت القواعد الدبلوماسية. فهو لم يُخف ذلك في المقابلات مع وسائل الاعلام الامريكية. وفي برنامج "لقاء الأمة" (سي.بي.إس) وصف التنديد بأنه غريب وقال: "هذا يتعارض مع القيم الامريكية. لا يبشر بالخير للسلام أن البناء يُعد تطهيرا عرقيا وشرطا للسلام بالنسبة لاسرائيل. هذا بالضبط العكس".

        وشجب البيت الابيض رسميا تصريحات نتنياهو فسخن المواجهة الجبهوية. فقد لمس نتنياهو نقطة حساسة – القيم الامريكية التي ترفض التمييز والعنصرية وتعارض منع الانسان من شراء بيت، في أي مكان، بسبب أصله أو لون جلدته. والتعابير التي استخدمها نتنياهو يفهمها الامريكيون وتتسلل الى الرأي العام – أما الحكومة فقد دفعها هذا الى القفز من مكانها.

        مثل كثيرين آخرين في البلاد، فان نتنياهو، المقدسي بالدم، لا يقبل امكانية أن يعيد الامريكيون والاوروبيون من جديد رسم الخط الاخضر داخل عاصمة اسرائيل. من ناحيته هذا تدخل سافر، وعلى هذا المبدأ، مثلما أثبت في الماضي مع اقامة الحي في هار حوماه، فانه مستعد للسير حتى النهاية، رغم الانتقادات.

        و"السلام الآن" هي الاخرى هاجمها نتنياهو، فقد اتهم حركة اليسار بتخريب مقصود لزيارته الى الغرفة البيضوية. "عدم مسؤولية وطنية"، وصف بغضب ما فعلوه، وذكر بأن في جفعات همتوس ستقام منازل للعرب واليهود. خطة البناء في الحي هي لثلاث سنوات وتتأخر على المستوى البيروقراطي.

        قبل اسبوعين نشر تحديث للمصادقات الجديدة المرتبطة بالمخططات، ولكن في السلام الآن، الذين يتابعون الامور عن كثب، انتظروا قبل نشر بيانهم حتى يوم اللقاء بين نتنياهو واوباما. ونفى الامين العام للحركة ياريف اوفنهايمر قائلا إن "التوقيت لم يكن مقصودا. والمعلومات لم تكن لدينا من قبل". وأضاف بأن "البيت الابيض ليس فرعا للسلام الآن. وهم يرون الخرائط ويفهمون الآثار. أنا لا أريد أن استيقظ بعد عقد على واقع لا مرد له والندم على الخطيئة في أننا كنا أديبين اكثر مما ينبغي في الصراع".

       

حتى المواجهة التالية

        خط نتنياهو الاعلامي ثابت: البناء خلف الخط الاخضر، في اراضي التواجد الاسرائيلي القائم والتي ستبقى تحت سيطرة اسرائيلية في المستقبل ايضا، ليس العامل الذي يمنع التسوية. ومن جهة اخرى، فان سلوك أبو مازن يعرقل حقا. ولسبب ما فان واشنطن لا تستوعب هذا الخط وكذا عواصم الاتحاد الاوروبي التي تُبرز عدم صبرها تجاه اسرائيل. والمواجهة التالية باتت على الطريق، هذه المرة مع بريطانيا، حيث يوشك البرلمان على اجراء تصويت في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

        القلق في الحكومة قائم، على مستويات مختلفة. "لا توجد ولن توجد دولة فلسطينية"، قال بقطع رئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، "ولكن توجد مشكلة مع القارة الاوروبية، فهي تتأسلم أمام ناظرنا. هي مشكلة استراتيجية لا ترتبط بالدولة الفلسطينية بل بالديمغرافيا وبالميل في القارة الاوروبية".

        يفهم بينيت الى أين يؤدي هذا الوضع. فالاوروبيون يمارسون ضغطا على اسرائيل فقط ويطالبون باقتراح لا يمكن للفلسطينيين أن يرفضوه. أما الفلسطينيون من جهتهم فلا يتحركون عن رفضهم، ولا يدفعون ثمنا دوليا.

        نتنياهو هو الآخر يعرف جيدا كيف تسير الامور، ورغم السافرين، يصمد أمام الضغوط. وثباته في موضوع البناء في القدس صامد – وسيواصل الاعراب عنه في الغرف المغلقة وفي العلن على حد سواء.