تحليل خطة عباس: حين يصبح الرئيس بلا سلطة

الساعة 08:01 ص|06 أكتوبر 2014

تحلييل- زاهر أبو حمدة

يجتهد قادة إسرائيل في تكذيب 28 دقيقة ألقى خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خطاباً "مهيناً" بالمعايير الإسرائيلية والأميركية في الأمم المتحدة. لم يكن بيان عباس إعلاناً لوفاة المفاوضات التي يُنظر لها منذ أكثر من 40 عاماً (في 1974 دعا الرئيس الراحل ياسر عرفات، إلى السلام للمرة الأولى خلال خطابه في الأمم المتحدة)، بل كان تحذيراً منمقاً ليخرج من "دوامة" المفاوضات.

يعمل عباس، ومستشاروه هذه الأيام، على خطة اعتبرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية "خطيرة". تعرف الولايات المتحدة تفاصيلها باعتراف سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة سامنتا باور، فاستبقتها بـ"فيتو" مؤجل.

تعطي خطة عباس فترة أربعة شهور للأميركيين يتخللها ترسيم حدود الدولة الفلسطينية وتأمين الاعتراف الإسرائيلي بها. مدة طويلة في حساب الزمن، فالخرائط موجودة والجزئيات معروفة ولا تحتاج لهذه الفترة. وإن كانت هذه الفترة مخصصة لرسم الحدود، فهذا يعني أن فترة قضايا الحل النهائي المتبقية ستطول كثيراً. ووفقاً لواضعي الخطة، إذا قبل الطرفان بترسيم الحدود، تبدأ مفاوضات فورية تحت سقف زمني ويطلب فيها من إسرائيل عرض خريطة تحمل حدودها. أما إذا رفض الأمر أو فشل، وهذا هو المرجح، فإن القيادة الفلسطينية ستذهب عبر غطاء عربي إلى مجلس الأمن لطلب إجلاء إسرائيل عن "أرض فلسطين" خلال فترة محددة زمنياً. فإذا أحبط المشروع، سيقدم عباس على الخطوة الأخيرة، وهي الانضمام إلى جميع المنظمات الأممية ومن ضمنها محكمة الجنايات الدولية.

يتمم أبو مازن عامه الثمانين بعد خمسة أشهر، وخطته إن نفذت كما خطط لها، فهي بحاجة لثلاثة أعوام. لم يعد يملك المزيد من الوقت ليكون أول رئيس لدولة فلسطينية يعترف بها العدو والصديق. قالها أمام جمهوره يوماً، إنه لن يختم حياته "خائناً". يحاول إبراز أوراق قوته، ويعرف ما الذي يؤذي إسرائيل فعليا: الورقة القانونية والملف الأمني.

يتعهد قائد "فتح" بمحاكمة إسرائيل بعد انضمامه لمحكمة الجنايات الدولية، إن لم تعترف بدولته المستقلة. ويهدد بحل السلطة وإيقاف التنسيق الأمني. هذان الخياران مصدر قوة، لذلك اتفق مع حركة "الجهاد الإسلامي" على ألا توقع على الورقة التي طلبها للتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، بحسب مسؤول فلسطيني، في حين وافقت "حماس" وبقية الفصائل. يريد من ذلك أن يضمن حجة أمام الشارع الفلسطيني حين يطالبه بمحاكمة قادة إسرائيل، والضامن بالنسبة لحركة "الجهاد الإسلامي" أنها ما زالت تدرس عواقب ذلك، خصوصاً أن المحكمة ربما توجه اتهامات أيضاً للمقاومة الفلسطينية.

أما حول الملف الأمني الذي يديره عباس، باعتباره من صلاحياته الرئاسية، فيبدو أن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال هو الرصاصة الأخيرة التي سيطلقها على جثة التفاوض. وكانت الإشارة واضحة باغتيال المتهمين بأسر وقتل المستوطنين الثلاثة، عامر أبو عيشة ومروان القواسمي في الخليل بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل خطاب عباس بيومين، وهو الخطاب الذي خصصه للتنسيق الأمني. تقول مصادر فلسطينية، إن اغتيال الناشطين ما كان ليتم لولا تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية للسلطة ونظيرتها الإسرائيلية.

وتبقى الضربة القاصمة لبنيامين نتنياهو، أي حل السلطة. في هذه الحالة، ستصبح الضفة وغزة وشرق القدس تحت الاحتلال إدارياً وعملياً، ويستطيع عباس بالتالي أن يطالب بحماية دولية. مثل هذه الخطوة لا يتحملها الإسرائيليون ومعهم الإدارة الأميركية. ويصبح أبو مازن من دون كرسي في المقاطعة. لذلك، سيعمل الجميع على تدوير الزوايا وإيجاد مخرج للركود التفاوضي، علماً أن ملف التسوية لم يعد من أولويات واشنطن حالياً، في ظل قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واستمرار الأزمة الأوكرانية.

تشير تصريحات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى أنهما مستعدان للمفاوضات. إسرائيل بحاجة إلى استئناف المباحثات أكثر من السلطة لكسر عزلتها الدولية ومحاولة تجميد حملة المقاطعة الأوروبية لبضائع المستوطنات. والقيادة الفلسطينية ترى في المفاوضات إمكانية لتسهيل إعادة إعمار غزة وتثبيت حكومة رامي الحمد الله، التي من المحتمل أن يُجرى عليها تعديل بعد عيد الأضحى. يضاف إلى ذلك، الضغط العربي والخشية من قطع المعونات الأميركية للسلطة وفرض عقوبات إسرائيلية.

يحاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إيجاد إطار جديد لبدء المفاوضات خلال شهرين، لكن هذه المرة بمشاركة دول أخرى في المنطقة. تفيد القناة الإسرائيلية العاشرة أن الدول المحتمل مشاركتها في المفاوضات هي مصر، السعودية، والامارات، وربما قطر على الرغم من احتضانها المقاومة.

لا يزال الرئيس عبد الفتاح السيسي، ينتظر "الهدية" من إسرائيل كما قال قبل فترة، وهي دولة فلسطينية. وقد كرر الكلام عن مسألة الحل الشامل قبل وخلال العدوان الأخير على غزة أكثر من مرة. وما كان عباس ليقدم مسودة اقتراح إنهاء الاحتلال إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لولا موافقة السيسي، الذي التقاه قبل مغادرته إلى نيويورك.

تنقل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أن مسودة الاقتراح الفلسطيني، تدعو إلى إنهاء الاحتلال وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وتطالب المسودة من الأمم المتحدة الإعلان عن القدس كعاصمة لدولتين وحل قضية اللاجئين. بكل الأحوال، إن بقيت مسودة أو تحولت إلى مشروع قرار، فستصطدم بـ"الفيتو" الأميركي.

ثمة تجاذب في الآراء وشد حبال دبلوماسية بين نتنياهو وعباس. يحاول الرجلان كسب المعارضة الداخلية في الشارعين الإسرائيلي والفلسطيني. في تل أبيب قناعة أكيدة بأن المماطلة والتسويف وجلسات التفاوض التي لا تنتهي ستبقى معتمدة. أما الطرف الفلسطيني، فسيجرب المجرَّب، أي التفاوض، إلى حين تنفيذ خطوات وفرض خطته التي وافقت عليها "حماس"، ما يعطيه قوة "الكل" الفلسطيني، لكن إن نفذها فسيصبح رئيساً بلا سلطة.