خبر حينما صرخ عباس في الامم المتحدة- هآرتس

الساعة 12:24 م|01 أكتوبر 2014

ترجمة خاصة

حينما صرخ عباس في الامم المتحدة- هآرتس

بقلم: عميرة هاس

(المضمون: كانت خطبة عباس في الامم المتحدة صرخة المضطهَّد الذي يريد أن يقول للمضطهِّد أنه ضاق ذرعا بالاحتلال والاضطهاد والقمع - المصدر).

يشير استعمال كلمة "مذبحة شعب" في خطبة محمود عباس في الامم المتحدة الى ضيق لغوي لا في وصف الحرب الاخيرة (واللتين سبقتاها) على غزة بل في تعريف السيطرة الاسرائيلية على الفلسطينيين (عن جانبي الخط الاخضر). ودون أن نتطرق الى سؤال هل يقف عباس وراء كلماته أو هل أدرك أنه يجب عليه أن يعبر عن مشاعر شعبه تعبيرا أفضل مما كان في الماضي، كان الحاصل العام للخطبة أنها صرخة. ولأنه لم يكن يستطيع أن يصرخ هناك استعمل كلمات مشحونة شحنات عالية.

نميل الى الصراخ حينما لا يصغون إلينا. والاسرائيليون مختصون بعدم الاصغاء. وهكذا بدل الحديث عن عدم اصغائهم يصرفون النقاش الى الصراخ. وهذا هو شرك كل صرخة أو كل شذوذ عن المواضعات المقبولة لكل ما يسمى مقبولا. وتحظى الصرخة بالتنديد لأن المتحضرين لا يصرخون، فهم يفعلون اشياء كثيرة اخرى – يدمرون ويقتلون ويطردون – لكنهم يسلكون سلوكا حسنا في حفلات الكوكتيل.

ليس الضيق اللغوي لعباس فقط بل لكل غير معني بأن يصف الواقع بتعريفات مختلقة في كتب ومقالات ويريد أن يغير الواقع، ولماذا نبلغ الى الصراخ؟ لأنه يوجد كثيرون جدا يتلذذون بالواقع ولا يريدون أن يتغير، فلماذا يستمعون لمن يقول إنه غير محتمل وغير عادل وغير منصف في حين لا يمسهم هذا "الغير" ألبتة.

إن كل من لا يكتفي بتعريفات مختلقة أو بكليشيهات يُدفع الى ضيق لغوي. فما أن تكتب عن طرد انسان من ارضه وبيته حتى يرى الاسرائيليون ذلك مثالا واحدا لا يعبر عن الواقع. واذا كتبت عن الابعاد والطرد تلاشى ذلك مثل احصاء ليست له صلة بنا. وتحدث عن ولد قتله جنود تتجه قلوب الاسرائيليين الى الجنود الموجودين في خطر على حياتهم. وتحدث عن مئات الاولاد الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الاسرائيلي يتحدث الاسرائيليون عن القذيفة الصاروخية التي سقطت في روضة اطفال اسرائيلية فارغة. وحينما تمحى التفصيلات والحقائق والمعاني تصبح المفاهيم التي تصورها في نظر سامعيها مختلقات وكليشيهات.

وهكذا يجب علينا أن نوجد الاطار كل مرة من جديد، وعلينا أن نقص القصة نفسها بطرق اخرى. ويمكن أن نلخص الـ 25 سنة الاخيرة على النحو التالي بأن نقول إن كل الوسائل التي استعملها الفلسطينيون للتعبير عن مقاومتهم للحكم الاجنبي الذي فُرض عليهم قد فشلت، فاسرائيل لم تُصغ الى الرسالة بل طورت وقوّت فقط الوسائل التي قمعت بها الطرق الفلسطينية للتعبير عن الرسالة (اجل، إن الحجارة والقذائف الصاروخية، كالخطب والمقالات هي طرق المضطهد ليقول إنه قد ضاق ذرعا). وقد طورت وقوّت ثم اشتكت من أن الفلسطينيين ما زالوا يقاومون.

إن التصعيد والتطوير يصحان على كل الوسائل التي يملكها الشعب السيد: الوسائل البيروقراطية والتقنية (القيود على الحركة والسيطرة بالرخص ومنع البناء والتطوير)، والوسائل العسكرية (السلاح والذخيرة اللذين يقفزان طول الوقت عدة درجات من جهة القتل، والاستخبارات التي تبلغ الى أسرة المرضى)، والوسائل الدبلوماسية. 

يبدو أنه لا منافس لنا في الدهاء وإحكام سيطرتنا على شعب آخر. وقد عمل اسرائيليون كثيرون من الأخيار والأشرار في دهاء ولوذعية لجعل التفاوض إحلالا لتوسيع المشروع الاستيطاني ولحشر الفلسطينيين في محابس ضيقة من الارض (عن جانبي الخط الاخضر)، وضعضعة صلتهم الطبيعية والعميقة والتاريخية بهذه الارض التي هي وطنهم. وألقوا على كاهل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن المواطنين، لكنهم يسلبونها صلاحيات وموارد كي تستطيع تحمل المسؤولية. ويستطيع هذا الدهاء والاحكام الدبلوماسيان أن يفسرا لماذا صرخ عباس وهو أكبر المؤمنين بالتفاوض، في الامم المتحدة؟.