خبر ما بعد السلام بلا سلام- هآرتس

الساعة 09:07 ص|30 سبتمبر 2014

بقلم: كارولينا لندسمان

كما كان ما بعد الحداثة بعد الحداثة، وكما كان ما بعد الصهيونية بعد الصهيونية – أهلا وسهلا الى عصر ما بعد السلام. مع فرق ضئيل واحد هو أنه لم يسبقه سلام. فقد اصبح الجميع يودعون السلام وفكرة الدولتين واحدا بعد آخر. واصبح من الصعب أن نتذكر من الذي قاد الركب. أربما هو اليتسور؟ أو ايلان بابيه؟ أو موشيه آرنس؟ أو روبي ريفلين؟ أو يهودا شنهاف؟ أو بنيامين نتنياهو؟ أو آري شبيط؟ أو نفتالي بينيت؟ أفهذه فكرة أصيلة يمينية أخذها نخبويون يساريون لكن مع قلبها رأسا على عقب، أعني فكرة ارض اسرائيل الكاملة التي تم تحويلها الى الكنعانية الجديدة؟ أم الحديث عن فكرة يسارية شديدة التطرف لمن يحاولون الظهور بمظهر من هم اكثر فلسطينية من الفلسطينيين من أسرى وعي كاذب، وتبناها يمينيون باسلوبهم المعروف وهو "أعطونا كلماتكم وسنفرغها من المعنى". واذا استمرت تسيبي حوطوبلي على الحديث عن "عدالة التوزيع" واستمر بنيامين نتنياهو على الحديث عن "أفق سياسي" وبينيت عن "الاخلاق" فستستجدي الكتب بعد ذلك أن يحرقوها.

إن عصر ما بعد السلام نعمة على اليمين الذي يبدو أنه رضي عن نفسه فهو لم يعد محتاجا آخر الامر الى التنكر بزي الباحث عن السلام. واصبحت السماء هي الحد تحت المبدأ الجديد، بل اصبح يمكنه أن يتحدث عن حقوق المواطن، بمعنى "أممي من السكان" بالطبع.

 

          وبدأ اليسار ايضا ينظم مفاهيمه بحيث تلائم العصر الجديد. وقد كان في ذلك الموضع بايمانه بـ "دولتين للشعبين"، قبل الجميع لكنه صحا منذ ذلك الحين أو تطور منذ ذلك الحين اذا شئنا الدقة. وحينما اصبحت فكرة الدولتين فكرة التيار الرئيس بقدر أكبر، شعر فجأة بمثل شعور لقاء اسرائيليين في الخارج، وأدرك آنذاك أن حل الدولتين مع اتفاقات اوسلو وكل مبادرات اسرائيل السلمية صور منظمة للاضطهاد وتأسيس للعنصرية فقط. وليس مؤيدو حل الدولتين سوى عنصريين متنكرين يريدون فقط التخلص من الفلسطينيين وترحيلهم الى دولة لهم. فاليسار الحقيقي يعني دولة ذات شعبين ويعني أكل الحمص من الصحن نفسه.

 

          بدأ آخرون من اليسار فجأة يدركون أن السلام يبدأ من اسفل لا من اعلى، أي أنه لا يبدأ في الحقيقة بل ينتهي؛ وهناك من انتشوا بالربيع العربي وعصف برؤوسهم شبق الدولة الاسلامية ولا يفكرون الآن إلا بمفاهيم اقليمية. هل ذكرتم الصراع الاسرائيلي الفلسطيني؟ لقد أضحكتموهم، فهذا الصراع محلي جدا، راجع جدا الى القرن العشرين.

 

          كف كثيرون عن الايمان بالتفاوض المباشر سبيلا لحل يقوم على مبدأ الدولتين إما لليأس وإما لصحوة تتسامى في ظاهر الامر فوق قِدم مذهب القرن العشرين. واصبح حاملو فكرة تقسيم البلاد التي هي الوحيدة التي يمكنها أن تحقق مطامح الشعبين القومية لا مطامح واحد على حساب الآخر – اصبحوا فجأة يشبهون الديناصورات في متحف العلوم الطبيعية. ويدرك هؤلاء جيدا أن كل امكانات الدولة الواحدة ليست سوى تنويعات قانونية للوضع الراهن. وليكن ما كان اقتراح الدولة الواحدة، ودونما أية صلة بحقوق مواطنة الفلسطينيين فيها، تتجاهل كل الاقتراحات الطموح القومي الفلسطيني الذي هو بعيد عن الخفوت كما بين محمود عباس للعالم كله.

 

          ليس الطموح القومي بدعة عابرة. وليقولوا ما قالوا من اليمين واليسار، فلن يكون مناص آخر الامر من حل صهيوني وحداثي مصوغ بمنطق القرن العشرين ويحمل آلامه، فلتكن اسرائيل وفلسطين دولتين للشعبين.