خبر تحديات أمنية وسياسية لإسرائيل: سيناريوهات الجبهات الحدودية والداخلية

الساعة 09:52 ص|29 سبتمبر 2014

القدس المحتلة - وكالات

تتباين التقديرات الإسرائيلية حول التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة العبرية. ولا تزال تداعيات العدوان على غزة متواصلة، كما الأوضاع الملتهبة على حدود إسرائيل الشمالية، مع ما يرافقها من استمرار عدم الاستقرار في العراق وسورية، والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

تنشغل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية ومعها المحللون العسكريون في محاولات لرسم خريطة التحديات الأمنية لإسرائيل في السنة العبرية الجديدة. ويؤدي حجم التحديات ومدى جدّيتها أو تأثيرها على أمن إسرائيل والمنطقة، الدور الكبير في تقدير الموقف الإسرائيلي وكيفية التعامل معها. ولكنه يبرز استمرار الانشغال بالحراك السياسي والحزبي الداخلي في إسرائيل، كنتيجة مباشرة للحرب على غزة وما أبرزته من خلافات داخل الائتلاف الحكومي، وأثر ذلك على تماسك الائتلاف مقابل احتمالات تصدّعه والذهاب بإسرائيل لانتخابات جديدة.

تختلف وجهات نظر ثلاثة من كبار المحللين العسكريين في الصحف الإسرائيلية على صعيد القراءات الأمنية. ويبرز رأي أن أمن إسرائيل بات أقوى، مع تعزيز قواتها الدفاعية والهجومية، خصوصاً بعد تسلمها الغواصة الرابعة من ألمانيا الأسبوع الماضي، عشية رأس السنة العبرية، أكثر من غيره. لكن رأياً أخر يرى أن التحديات والأخطار لا تزال تهدّد إسرائيل، خصوصاً في ظل غياب تسوية سياسية من شأنها أن تعلن على الملأ الحلف الإسرائيلي مع "محور الاعتدال العربي" وترجمته إلى تعاون محسوس ومشهود وليس فقط معروف، وفق التعبير الذي استخدمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي.

ويعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن قوة إسرائيل باتت أكبر براً وجواً وبحراً، مستخدماً تعبير "القوة المضاعفة" ثلاث مرات، للتدليل على تنامي القوة العسكرية الإسرائيلية. ويؤكد أن إعلان الجيش الإسرائيلي بعد إسقاط طائرة "سوخوي 24" السورية أن بمقدور المتنزهين الإسرائيليين أخذ حريتهم في مرتفعات الجولان المحتل خلال أيام العيد، يأتي في هذا السياق.

ويعطي دليلا على ذلك، أن "العلم السوري على أجنحة (السوخوي) السورية لم يعد أمراً ذا بال في المنظور الإسرائيلي، وأن إسقاط طائرة سورية صار ضمن إحداثيات الأمن الجوي واليومي التي تمثل عملية إسقاطها أكبر تعبير عن التغيير الحاصل في مكانة إسرائيل الاستراتيجية مقابل سورية". ويلاحظ أن المعلق العسكري في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، يوافق فيشمان في رأيه.

جمعت الصدفة عشية رأس السنة العبرية الجديدة، حصول ثلاث عمليات ذات دلالة على قوة إسرائيل، بحسب فيشمان. الأولى، تعبّر عن وصول الغواصة الألمانية الرابعة، والثانية إسقاط الطائرة السورية، أما الأخيرة فهي تصفية الشهيدين مروان القواسمي وعامر أبو عيشة، في الخليل، وهما المُتهمان بأسر وقتل المستوطنين الثلاثة قبل العدوان على غزة.

ويقول فيشمان، إن "هذه الحكايات لا تروى عن دولة ضعيفة، بل هي دليل على أن إسرائيل اليوم باتت قوية". ويرى أنها "الفرصة كي تتحرّك الحكومة الإسرائيلية لترتبط بالعالم العربي السني المعتدل: مصر والأردن والسعودية ودول الخليج. فالعدو مشترك والمصالح ذاتها اليوم لهذه الدول مع إسرائيل، تتمثل بمواجهة خطر الإسلام الأصولي المتنامي في سورية والعراق. ولكن دخول هذا النادي يلزمها دفع ثمن في الساحة الفلسطينية، على هيئة مبادرة سياسية".

في المقابل، يرى المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن السنة العبرية الجديدة تحمل لإسرائيل نظاماً إقليمياً جديداً. يحلل حادثتي، الطائرة السورية وتصفية أبو عيشة والقواسمي، باعتبارهما دليلاً على أن "الأمن الذي يعيشه الجمهور الإسرائيلي هش للغاية ومؤقت للغاية".

وتتفق تحليلات هرئيل، مع تقديرات ضابط كبير في قيادة المنطقة الشمالية يبلّغ فيها صحيفة "مكور ريشون"، أن "الجيش الإسرائيلي يستعدّ لمواجهة عسكرية مع سورية في العامين المقبلين". لكن هرئيل، يرصد "حزب الله" اللبناني، مع تغيير الحزب لموقفه الأساسي في كل ما يتعلق بالردّ على "كل انتهاك إسرائيلي للوضع القائم (الستاتيكو) ونهاية عقيدة الإنكار التي ميزت عمل الحزب في الأعوام الأخيرة، ومكّنته عبر إنكار وقوع الهجمات ضده من عدم الالتزام بردّ عليها. وهو ما انكسر بعد اغتيال عماد مغنية، وبصورة أكبر ومفصلية بعد قصف إسرائيل في مارس/آذار الماضي لقافلة محملة بالسلاح كانت في طريقها إلى الحزب".

أما على صعيد الجبهة السورية فيقرّ هرئيل، خلافاً لفيشمان، أن "الوضع السوري ليس مستقرّاً إلى درجة لا يمكن معها معرفة متى يمكن أن يقرر طرف ما في سورية، سواء كان النظام أم الثوار تنفيذ عملية ضد إسرائيل وفي أراضيها عبر جرّ الحرب إلى إسرائيل".

وهو يرى أن "الصورة تصبح أكثر تعقيداً إذا ضممنا إليها حزب الله بعد أن تحدث أخيراً، الأمين العام للحزب حسن نصر الله، عن حساب قديم وجديد وحساب متجدد مع إسرائيل، مما يُلزم الدولة العبرية بدرجات تأهب واستعداد على نحو خاص في الجبهة الشمالية".

ويرفق هرئيل، خلافاً "للمتفائلين" من المحللين الإسرائيليين، الجبهة الفلسطينية في الجنوب، في قطاع غزة باعتبارها مصدر تهديد لا يزال قائماً حتى بعد الحرب، وعلى الرغم من أن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الحالية، بأن الأوضاع في القطاع لا تتجه إلى التصعيد، فإن هرئيل، يرى أن الوضع على الجبهة الفلسطينية في القطاع بات أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل الحرب.

ويلخّص هرئيل، السنة العبرية المنتهية باعتبارها السنة التي "انزلق" فيها القتال السوري الداخلي، أكثر من أي سنة سابقة إلى الحدود الإسرائيلية. وإذا كان فيشمان، لا يأتي في تقييمه للعام على ذكر "داعش"، فإن هرئيل، يقرّ بأنه على الرغم من ورود اسم "داعش" في تصريحات المسؤولين المختلفين مراراً في الفترة الأخيرة، فإن إسرائيل ليست، حالياً على الأقل، على أجندة التنظيم. مع ذلك يخرج هرئيل، باستنتاج أن الواقع الاستراتيجي الإقليمي مركّب من عوامل كثيرة للغاية، لدرجة لا يمكن معها التنبؤ كيف ستؤثر على إسرائيل في العام المقبل.

ثلاثة سيناريوهات سياسية داخلية

في مقابل السيناريوهين الأساسيين في قراءة المشهد الاستراتيجي الإقليمي وتأثيراته على إسرائيل، فإن محللي الشؤون الحزبية باتوا على قناعة بأن تأثيرات العدوان على غزة، مع ما أظهرته مختلف الاستطلاعات الأخيرة لا تُنذر بالضرورة باقتراب أجل حكومة نتنياهو، أو بتبكير موعد الانتخابات. يدور الحديث عن استمرار الحكومة الحالية، أو تغيير في تركيبتها الحزبية وضم "الحريديم" (اليهود المتطرفين). وأخيراً المضي قدماً حتى أواخر العام العبري الجديد وانتظار نضوج قرار حزبي للذهاب لانتخابات مقبلة في الصيف المقبل.

وبحسب المحلل شالوم يروشالمي، في صحيفة "مكور ريشون"، فإن إسرائيل لا تسير نحو انتخابات جديدة قريباً، ولن يكون هذا واردا في حسابات وزيرة العدل رئيسة حزب "كاديما"، تسيبي ليفني، وزعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، حتى ولو اتجه نتنياهو، نحو مبادرة سياسية. لكن يروشالمي، يرى أن الشخص الوحيد الذي يمكن له أن يقوم بخطوة نحو تفكيك الائتلاف الحكومي، هو وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، واصفاً إياه بأنه "رجل لا يمكن توقّع ردود فعله". واعتبر أن "احتمالات تفكيك حكومة نتنياهو، في حال الذهاب إلى مبادرة سياسية قد تأتي من ليبرمان، وليس من طرف آخر".

أما الكاتب في "معاريف"، زئيف كام، فيرى أن السنة العبرية المقبلة، قد تشهد ازدياد ارتجاج واهتزاز الائتلاف الحكومي الحالي لدرجة قد تعصف به كلياً وتأتي بحكومة جديدة. وبالتالي فإن الميزانية للسنة المقبلة التي ستصادق عليها الحكومة الحالية ستكون آخر ميزانية لها، وأن الانتخابات ستجري في وقت ما في العام المقبل.

ويضيف أن "اهتزاز الائتلاف الحكومي الحالي وسقوطه قد يكون على خلفية إحدى مسألتين. الأولى هي مبادرة سياسية، والثانية هي خلافات داخل وبين مركبات الائتلاف الحكومي حول قضايا تتعلق بعلاقة الدين بالدولة ومساعٍ لتكرير قوانين تتعلق بتحديد من هو اليهودي والمصادقة على الزواج المدني وفق اقتراحات حزب ليبرمان، وقضايا حرمة السبت".

مع ذلك يورد كام، تحفظأ من احتمالات سقوط الحكومة الحالية وإجراء انتخابات جديدة بقوله، إن "ذلك لا يلغي احتمالات إجراء تغييرات في تركيبة الائتلاف الحكومي ومحاولة الإتيان بأحزاب الحريديم، كما حاول نتنياهو، في الأيام الماضية لردع كل من بينيت، والوزير يائير لبيد".

أما الصحافية اليمينية والمعلقة السياسية بصحيفة "ميكور ريشون" صوفيا رون موريا، فترى أن "الحكومات لا تسقط في إسرائيل بفعل ضربات المعارضة وإنما في حال تفككها من الداخل. وفي حالة الحكومة الإسرائيلية، فإن هذا الاحتمال وارد وهو ما قد يدفع نتنياهو، وهو في أوج قوته الجماهيرية اليوم، إلى الذهاب إلى الانتخابات ليكون الفائز الأكبر، خصوصاً وأنه لا منافس جدي له".

وتشير إلى أن "الوضع الحالي للأحزاب في إسرائيل لا يترك حزباً له مصلحة أو مكسب من إجراء انتخابات جديدة، فكل الأحزاب تخسر باستثناء حزب البيت اليهودي بقيادة نفتالي، لكنه بتعريفه وهويته اليمينية ليس بمقدوره (جماهيرياً انتخابياً) إسقاط حكومة يرأسها الليكود، أي نتنياهو".