خبر عماد العلمي ..القائد الصامت بحماس أُصيب بغزة وعُولج بتركيا بعيدًا عن الضوضاء

الساعة 07:52 ص|26 سبتمبر 2014

وكالات

لطالما رافقه الصمت والهدوء والتفكير العميق في حياته المريرة، منذ أن ارتبط بحركة "حماس" حتى قبل تأسيسها، ولطالما بقي ضميرها وعقلها حتى بعد إبعاده من غزة وإصابته في الحرب الأخيرة بغزة.

وعلى الرغم من انه أحد أبناء العائلات الكبيرة والغنية في قطاع غزة إلا انه كان قمة في الأخلاق والتواضع والتضحية لوطنه ودينه، دون أن تغريه المناصب أو الأموال.

انه المهندس عماد العلمي عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، والذي أصيب خلال الحرب على قطاع غزة وهو يعالج حاليا في تركيا وقد تماثل للعلاج من إصابته في قدمه.

لم يكن العلمي (56 عامًا) شابًا عاديًا حينما قرر الانضمام إلى الحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره حيث كانت تربطه علاقة مميزة مع الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة "حماس"، والذي نصحه بدراسة الهندسة في جامعة الإسكندرية برفقة نخبة من أبناء الحركة المميزين والمتفوقين والذين عادوا بعد سنوات ليثروا هذه الحركة والشعب الفلسطيني لا سيما بعد هزيمة عام 1967م واحتلال "إسرائيل" لبقية الأراضي الفلسطينية.

عاد العلمي إلى قطاع غزة نهاية سبعينيات القرن الماضي ليكمل مشواره مع في العمل الوطني وما هي إلا فترة قصيرة حتى اندلعت انتفاضة الحجارة في الثامن من كانون أول (ديسمبر) من عام 1987م، ليكون احد قادتها البارزين.

الاعتقال والإبعاد اعتقلته قوات الاحتلال بعد ستة اشهر من اندلاع الانتفاضة برفقة المئات من أبناء الشعب الفلسطيني لا سيما قادة حركة "حماس"، التي كان لها دور بارز في تلك الانتفاضة وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، وذلك بتهمة "التنظيم والتحريض من خلال اللجنة الإعلامية التابعة لحركة "حماس"، والقيام بنشاطات إعلامية بغرض تخليد أعمال الحركة ، وذلك وفق ما جاء في لائحة الاتهام التي قدمت ضده.

وفي عام 1990م أفرج عنه من سجون الاحتلال ليعود ويمارس نشاطه في إطار عمل الحركة، ليعاد ويتم اعتقاله في شهر كانون ثاني (يناير) من عام 1991م، إلا أن قوات الاحتلال والتي خبرت العلمي في زنازينها عام 1988م، آثرت ان لا تتعب نفسها معه مرة أخرى لأنها تعرف تماما أنها لن تنتزع منه أي اعتراف ليتم إبعاده فورًا برفقة ثلة من قادة حركة "حماس" وهم: مصطفى اللداوي، ومصطفى القانوع وفضل الزهار، حيث كان يوم إبعادهم احد الأيام المشهودة في تلك الانتفاضة من مواجهات عارمة في كافة أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية.

ظن الاحتلال انه بإبعاده العلمي ورفاقه سيطفئ شعلة الانتفاضة والتي زادت في تلك الفترة وبدأت بالتحول من انتفاضة بالحجارة إلى انتفاضة بالسكاكين والقنابل الحارقة والسلاح حيث كان الظهور اللافت لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة "حماس" والتي نفذت سلسلة عمليات عسكرية مميزة في غزة والخليل ونابلس، من خلال الاشتباك مع قوات الاحتلال بالأسلحة الرشاشة البسيطة التي كانت بأيدها قبل أن تنتقل إلى عمليات التفجير في تلك المرحلة.

العمل خارج الوطن واصل العلمي نشاطه في إطار حركة "حماس" وتنقل بين عدة دول عربية وكان له دور كبير وفعال في دعم القضية الفلسطينية والانتفاضة في كافة مراحلها قبل أن يصبح عضوا في المكتب السياسي لحركة "حماس" وممثلا لها في طهران لعدة سنوات.

قرر العودة إلى قطاع غزة لينهي فترة الإبعاد القسري التي استمرت أكثر من عشرين عاما ليعود في السادس من شباط (فبراير) من عام 2012 إلى القطاع برفقة عائلته المكونة من زوجته وأبناءه الستة وليستقر في قطاع غزة.

وعلى الرغم من أن التهم التي وجهها الاحتلال له حينما اعتقل وابعد هي العمل الإعلامي لصالح لحركة "حماس" إلا انه قليل الكلام ونادرًا ما يظهر على الإعلام وقد لا تجد له تصريحات بخلاف أقرانه من الحركة إلا إذا تم استضافته في لقاء أو ندوة .

إلا أن قلة كلامه هذا جعلت أفعاله كثيرة فهو من القادة الفعالين في إعادة الوحدة الوطنية ومكتبه وبيته في غزة كان مفتوحًا على مدار الساعة للاستماع لهموم المواطنين ومشاكلهم.

وعلى الرغم من انه أصيب مع بداية الحرب على غزة في شهر تموز (يوليو) الماضي بجراح متوسطة إلا أن حركة "حماس" لم تكشف عن ذلك إلا بعد انتهاء الحرب حيث هنأته بنجاح العملية الجراحية التي أجراها في احد المشافي التركية دون إعطاء المزيد عن هذه الإصابة ومكانها، مكتفية بالقول انه "أجريت له عملية جراحية ناجحة لقدمه اليمنى في إحدى المستشفيات التركية إثر إصابته ، وذلك بعد استهداف أحد المنازل المجاورة للمكان الذي كان متواجدًا فيه".

 إصابته في الحرب وفي هذا السياق يقول الباحث والمختص في الشأن الفلسطيني واحد الذين ابعدوا مع العلمي عام 1991م مصطفى اللداوي في مقال له بعنوان:"ويبقى العلمي عقلاً وضميراً": قلةٌ قليلةٌ هي التي عرفت بإصابة عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" المهندس عماد العلمي، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، رغم أنه أصيب في الأيام الأولى للعدوان، لكن إصابته بقيت سرية، ولم يكشف النقاب عنها، مما جعلها في نطاقٍ ضيق، حُصرت في أهله وخاصة الحركة من القيادة السياسية والأمنية، فما عرفها إلا القليل، رغم أن الكثير قد افتقد غيابه عن حوار القاهرة الأول، الذي سُمي فيه إلى جانب خليل الحية مفاوضاً عن حركة حماس، حيث وصل الأخير إلى القاهرة وحده، ولم يكن معه العلمي، لكن أحداً لم يشك في أسباب غيابه، ولم يفسره أحدٌ باحتمال تعرضه لحادثٍ خلال العدوان".

وأضاف: "بصمتٍ أُصيبَ، وتحت وابلِ القصف غادر مكانه الخطر، ودونَ جلبةٍ ولا فوضى بقي في غزة الجريحة يتلقى العلاج، عله فيها يشفى من إصابته، رغم صعوبة الظروف وقسوة الأوضاع، وندرة الدواء وقلة الحيلة، وضيق ذات اليد طبياً، إلا أن حالته تدهورت، وجرحه ساء، إذ أُكتفي بعلاجه في ملاذه تحت القصف، الذي يفتقر إلى كل شيء من سبل العلاج وأدوات الجراحة، فضلاً عن عدم قدرة وصول الأطباء والمسعفين إليه".

وتابع: "بصمتٍ أكبر انتقل إلى تركيا لمواصلة العلاج، فلم تواكبه فرقة، ولم تتبعه جوقة، ولم تنقل وسائل الإعلام صوره، ولم تتناقل الصحفُ أخباره، بل آنسته في رحلته زوجته وولده، فكانا معه وإلى جنبه، خير رفيقين، وأصدق محبين، صامتين مثله، هادئين لا يضطربان".

  الصمت والهدوء طبيعته وشبه اللداوي ما حدث للعلمي في إصابته وانتقاله للعلاج بسرية تامة، بحياة العملي وطبيعته، قائلا في وصفه:"إنها طبيعة عماد، وجِبلته التي عرف بها، وطبعه الذي اشتهر به، فهو صامتٌ لا يتحدث إلا قليلاً، ولكنه إن تحدث فالدرُ كلامه، والفيصل حكمه، والحكمة قوله، كلماته معدودة، يعدها السامعون، ويحفظها المتلقون، وصوته خافتٌ لا يكاد يدركه المحيطون، لكنه عميق الفكرة، صائب الرأي، صادق القول، جادُ المسعى، حاسم الحكم، لا يرائي فيه ولا يداهن، ولا ينافق ولا يساوم، ولا يقوله رضىً لفريقٍ أو حرصاً على مكانة، بل يقول كلمته بحقٍ ولو أغضبت، ويصدرها كطلقةٍ ولو أصابت، ويقطع بها كسيفٍ ولو أوجعت".

وأضاف في حديثه عنه: "منظمٌ هو ومنسقٌ، لا يضطرب عقله، ولا يختل تفكيره، ولا تتداخل أفكاره، ولا تتناقض اجتهاداته، ولا ترتبك شواهده، ولا تنعدم دلائله، ولا تغيب عنه الفكرة، ولا يضل السبيل إليها، بل تتسلسل في منطق، وتجري تباعاً كسلسلة، يأخذ بعضها برقاب الأخرى حكماً، وتتابع في سهولةٍ ويسر، كماءٍ ينحدر، ينساب بهدوءٍ ولا يتوقف، فلا تفقدها الأحداث حكمتها، ولا تحرفها القذائف وقوة الانفجارات عن مسارها، ولا تغير قناعاته الضغوط وقسوة الظروف، وتوالي الأحداث وتتابع الغارات".

وتابع: "لا تهمه الأضواء، ولا تغريه هالات الشهرة، ولا كاميرات الإعلام، ولا ينافس للظهور، ولا يسابق إلى اللقاءات، ولا يعاتب إن غابت صورته، أو تأخر خبره، أو طوى الإعلام ذكره، ولا يسبق للجلوس في الصفوف الأولى، ولا يسبقه إليها من يهيئ له المكان، ويحجز له المقعد، بل لا يهمه إن تأخر مقعده، أو لم يعرف الناس منزلته، ولم يجلسوه في المكان الذي يليق بمكانته، ويناسب قدره".

  رفيق الزنزانة والإبعاد ويثني اللداوي على رفيق زنزانته وإبعاده بأنه لا يسعى دائما للمصلحة العامة ولا يسعى لمصلحة شخصية خاصة.

ويقول عنه: "إنه عمادٌ الذي عرفته في السجن، وسكنت معه في زنزانةٍ ضيقة، ورافقته في الإبعاد، وعشتُ معه وقريباً منه ردحاً من العمر، فعرفته لا يغضب لنفسه، ولا يُستفز لذاته، ولا يسعى لمصالحه، ولا يقاتل من أجل مكاسبه، ولا ينافس لرفعةٍ، ولا يعاند نكايةً، ولا يظلم نقمةً، ولا يتآمر انتقاماً، ولا يحالف خبثاً، ولا يصادق جبناً، ولا يسكت عن خطأ، ولا يرضى عن انحراف، ولا يقبل بزيفٍ أو ضلال".

ويضيف: "سيعود عماد إلى غزة العزة ماشياً على قدميه، مرفوع الرأس، منتصب القامة، شامخ الإرادة، موفور الكرامة، عالي الصوت، صادق الرأي، واثق الوعد، راضي القضاء، ولن تقعده الإصابة، ولن يمنعه عن مواصلة المسيرة ما أصابه، بل سيكون أحد مما مضى، وأكثر صدقاً مما سبق، وأوفى مما كان، وأكثر عطاءً مما عرف عنه، وسيتحدى بقوةٍ، وسيواجه بعزم".