خبر الاحتلال يترقب « انتفاضة أطفال »

الساعة 07:14 ص|23 سبتمبر 2014

القدس المحتلة

بعد أن تمكنت إسرائيل، والسلطة الفلسطينية باعتراف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من احتواء الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت بعد قتل الشهيد محمد أبو خضير في يونيو/حزيران الماضي، عادت الصحف الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، ومطلع هذا الأسبوع، إلى الحديث عن "انتفاضة الأطفال"، بعدما تبين أن وقف الاحتجاجات الفلسطينية التي اندلعت في القدس المحتلة، بعد اغتيال أبو خضير وبدء العدوان على غزة، لم يوقف مطاردة الاحتلال للمشاركين في الاحتجاج ضد قتل الفتى الفلسطيني، والتي طالت أنحاء القدس المحتلة كافة، بحسب التوصيف الإداري للقدس في العرف الإسرائيلي، أو القدس المحتلة والبلدات والقرى الفلسطينية المحيطة بها كافة، كما كان توصيفها قبل احتلال عام 1967.

وكانت الشرارة الأولى للحديث عن انتفاضة الأطفال، ربما بهدف تحجيم مدى أعمال الانتفاضة الثالثة، إذا جاز التعبير، وحصرها في أعمال "طفولية" لأطفال غاضبين، قد استؤنف نهاية الأسبوع في ثلاثة مواقع مهمة، فقد خصصت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً موسعاً، يوم الجمعة الماضي، للحديث عن معاناة القاصرين الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة بفعل مشاركتهم في "انتفاضة الأطفال" في الفترة المذكورة، بينما كان اليمين الإسرائيلي ومعارضو رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يتحدثون لأهداف سياسية واضحة، عن مصطلح "انتفاضة القدس"، داعين الاحتلال إلى مواجهة الاحتجاجات الفلسطينية في محيط القدس، بقوة وحزم أكبر، حتى لا تمتد نيران الاحتجاجات إلى كامل الضفة الغربية.


وتزامن تقرير "هآرتس"، مع نشر الصحافي المخضرم، ناخوم برنيع، في الملحق الأسبوعي لصحيفة "يديعوت" الإسرائيلية مقالاً في عاموده، تناول فيه مصطلح "انتفاضة الأطفال". وتبيّن من مادة برنيع أن الاسم مشتق من كلام قائد شرطة القدس الإسرائيلية، يوسي برينتو، الذي وصف الأحداث بأنها "انتفاضة أطفال".
وأشار الى ذلك في قوله إن "إحداثياتها تبدأ اليوم، وتنتهي مع ساعات انتهاء الدوام المدرسي، إذ يقوم الأطفال والتلاميذ أثناء عودتهم من المدرسة برشق السيارات الإسرائيلية وحرس الحدود بالحجارة، وهو ما يدفع إلى اعتقال الأطفال". وزوّد برينتو، الإعلام صور الجنود وهم يجرّون أطفالاً إلى الاعتقال.

وفي السياق نفسه، قال برنيع إنه "منذ نحو شهرين ونصف الشهر، تدور في أحياء التماس في القدس (الأحياء الفلسطينية المتاخمة لأحياء يهودية كقرية العيساوية المتاخمة للتلة الفرنسية)، وفي الجيوب اليهودية في شرقي القدس، انتفاضة صغيرة، انتفاضة الأطفال". ولفت الى أن "مثل هذه الأحداث كان من الممكن أن تستحوذ على جدول الأعمال العامة، في الأيام العادية، ولكن ليس في هذا الصيف، فالمواجهات القاسية في القدس مرت تحت شبكات الإنذار بسبب الحرب في غزة، وبسبب العدد الصغير والمفاجئ من المصابين والجرحى، ولأنها لم تتوسع لتطال الأحياء اليهودية، وكل ذلك هو بمثابة إنجاز للشرطة".

مع ذلك أشار برنيع إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين يعيد إلى الأذهان الانتفاضات السابقة، في ظلّ وجود 755 معتقلاً، منهم 244 طفلاً (صحيفة "هآرتس" أشارت إلى اعتقال 260 طفلاً). وقد أطلق أفراد الشرطة 7000 رصاصة اسفنج (رصاص معدني مغلف بالإسفنج)، ما أدى الى قتل فتى فلسطيني، واستخدمت الشرطة ما لا يقل عن 90 طناً من المياه العادمة. ويُقرّ قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس، أن قتل الشهيد أبو خضير، كان الحدث الأساسي لاندلاع هذه الانتفاضة، وهي سلسلة أحداث انطلقت من شعفاط وانتشرت في أنحاء القدس كافة، التي لم تشهد لها مثيلاً في السابق، وبلغت أوجّها في ليلة القدر.

وإذا كان قائد شرطة القدس يعترف بحجم الاحتجاجات وتأثيرها، فإن رئيس بلدية الاحتلال، نير بركات، لا يخفي غضبه من إطلاق اسم "انتفاضة" على الأحداث والاحتجاجات، خصوصاً بعد تحول القطار في القدس إلى قطار أشباح فارغ من المسافرين. ويرى بركات أن "التهويل" يضر بمصلحة المدينة وسمعتها السياحية وبالأعمال والمصالح التجارية فيها. وهو لا يتورع عن اتهام الشركة المسيّرة للقطار داخل القدس بتهويل الأمر حتى تحصل على تعويضات سخية من الدولة.


أما المصدر الثالث أو الجهة الثالثة التي تناولت الموضوع في سياق عدائي أكثر مما هو "إخباري"، فهو مستشار نتنياهو السابق، يوعز هندل، الذي كان سبّاقاً في وصف أحداث القدس والاحتجاجات وعمليات رشق الحجارة المستمرة بأنها انتفاضة، ولكن لجهة تصعيد حدة تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المنتفضين وفرض عقوبات صارمة عليهم.

ورغم استمرار اعتقال 755 فلسطينياً على خلفية الاحتجاجات الشعبية في محيط القدس منذ استشهاد أبو خضير، ومنهم نحو 260 طفلاً أو قاصراً فلسطينياً، إلا أن الملف بأكمله غائب عن الإعلام الفلسطيني الرسمي والشعبي، ومُغيّب بطبيعة الحال عن الإعلام الإسرائيلي، الذي بدأ يطلق اسم "انتفاضة الأطفال" عليه لتطويقه ومنع تداعياته على المستوى الشعبي الفلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.