في ظل عجز السلطة..

تقرير الفلسطينيون يحيون أرث الانتفاضة الأولى باللجان الشعبية

الساعة 10:20 ص|17 سبتمبر 2014

رام الله-خاص

بعد سنوات من اعتداءات المستوطنين على أهالي قرية قصرة، الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس شمال الضفة، شكل أهالي القرية لجنة حماية شعبية لصد هذه الاعتداءات وحماية ممتلكاتهم.

مجموعة من الشبان المتطوعين نظموا أنفسهم في مجموعات حراسة ليلية في البلدة تتحرك في حال أي اعتداء أو إقتراب للمستوطنين، وتحديدا في المنطقة الجنوبية للقرية.

يقول رئيس مجلس القرية عبد العظيم الوادي:"أربع سنوات من الإعتداءات المتواصلة بدون أيه حماية من السلطة او إيه جهة أخرى، كان لا بد من التحرك لحماية أنفسنا، فالاعتداءات طالت الأرواح و الممتلكات، حرق المنازل والمساجد، سرقة المواشي، والإعتداء على الأهالي حتى سقط شهداء وجرحى".

ووفق عبد العظيم فإن شباب القرية تواصلوا مع بعضهم البعض لتشكيل هذه اللجان و بدؤوا بالعمل، حيث تقوم مجموعات بالتناوب والسهر لرصد إيه إعتداءات محتملة، ومن خلال الهاتف المحمول، يتم التواصل، والإعلان عبر مكبرات الصوت في المسجد بنداء محدد " يا أهالي قرية قصرة توجهوا إلى المنطقة الجنوبية".

هذه اللجان لم تتبع لأي جهة، حتى أن دعم المجلس القروي في القرية أقتصر على المساعدة المعنوية و توفير كونتير في المكان وإنارته للشبان ليتقوا من البرد الشديد، والتواجد الجماهيري في حال أي إعتداء.

ويقر عبد العظيم في حديثه ل"فلسطين اليوم"، بدور هذه اللجان و أهميتها في التقليل من اعتداءات المستوطنين، ولعل النجاح الأكبر لهم كان إحتجاز 16 مستوطنا ومنعهم من القيام بإعتداءات بالجملة على القرية في كانون أول/يناير الفاءت.

وعلى أراضي عائلة عبد العظيم و غيرها من عائلات القرية إقيمت أربعة مستوطنات: "مجدليم"و "أيش كودش" ومستوطنة "إحيا"، ومستوطنة كيدا، إلى جانب مستوطنة شيلو القريبة.

ومن بلدة قصرة أنتشرت الفكرة للقرى القريبة، والتي تقام على أراضيها أكثر المستوطنات تشددا في الضفة الغربية، حيث شكلت لجان حماية في كل من بلدة حوارة وعراق بورين وقريوت، وعصيرة القبلية، وعورتا، كما يقول مسؤول ملف الإستيطان في شمال الضفة لدى السلطة الفلسطينية غسان دغلس.

و لعل الحدث الأبرز و الذي أظهر أهمية هذه اللجان هو حادثة مقتل الطفل محمد أبو خضير، و الذي قام مستوطنين بإختطافه و حرقه و قتله في بلدة شعفاط القريبة من مدينة القدس، حيث أعلنت عدد من البلدات و القرى القريبة تشكيل لجان شعبية للحماية، و التي استطاعت بالفعل إحباط عدد من محاولت الإختطاف.

وكان مستوطنون حاولوا اعتقال الفتى رمضان ريا 17 عاما، من بلدة بيت ساحور قرب  مدينة بيت لحم، والطفل هاني نايف علي الكعابنة من شرق مدينة يطا، والطفل محمد علي الكسواني 7 سنوات من بلدة بيت حنينا في القدس المحتلة.

يقول دغلس ل"فلسطين اليوم":" أهالي البلدة عرضوا فكرتهم علينا خلال إجتماع في مكتب متابعة الإستيطان ومصادرة الأراضي في المحافظة، وتمت مباركة وطلبنا منهم عدم تسلحها وأن تكون شعبية مهمتها الحماية وتنبيه الأهالي في حال أيه إعتداء"

وسبب التركيز على عدم تسليح هذه اللجان بحسب دغلس أن حمل السلاح يمكن أن يكون مبررا لإسرائيل بملاحقتهم و إعتقالهم و لربما قتلهم، إلى جانب أن الألتفاف الجماهيري لهذه اللجان يكون أكثر.

ويقول دغلس إن نجاح هذه اللجان جعلت المواطنين يقوموا بتشكيلها بإنفسهم دون أي مرجعية"، وتابع:" خلال الفترة الماضية سجلت هذه اللجان نجاحات يومية في صد الإعتداءات، وتحديدا خلال الأحداث الأخيرة حيث تضاعفت إعتداءات المستوطنين على التجمعات السكانية الفلسطينية".

ويعتبر دغلس هذا الأسلوب من أنجح الأساليب في حماية المواطنين من هذه الإعتداءات، مشيرا إلى أنها بعملها السلمي تؤدي غرضها.

وفكرة اللجان الشعبية ليست بالجديدة في تاريخ النضال الفلسطيني، ففي الإنتفاضة الأولى كانت عبارة عن القيادة الميدانية للإنتفاضة لها الكلمة الفصل في تسير شؤون الإنتفاضة و الأهالي في مناطق تواجدها.

يقول وسام الرفيدي والذي شارك في الإنتفاضة الأولى وعمل هذه اللجان قبل اعتقاله في سجون الإحتلال : 90% منها كانوا مندوبين تنظيمات من كان يشكلها وصاحب الثقل المركزي فيها ومن له القرار هي تنظيمات الفلسطينية الأربعة "فتح شعبية و ديمقراطية وشيوعية" في ظل رفض حماس الإنضام، وبالتالي لجان فصائيلية ثقلها الأساسي نابع من التنظيمات وشعبيتها كانت تبرز بأنها أمتداد للفصائل التي كانت تقود الحدث.

ولكن اليوم، بحسب الرفيدي، هذه اللجان هي حاله نقدية لعجز السلطة، و مظهرها الأبرز تعرية لهذا العجز بالرغم من وجود الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والتي تحظى بثلث ميزانيتها، إلى جانب تركيز عملها ضد الاستيطان و الجدار، و الإعتداءات على الأرض فقط.

وحول قوة هذه اللجان، ومقارنتها من حيث المحتوى و فعالية اللجان السابقة، قال الرفيدي هذا مرتبط بإمكانية أندلاع إنتفاضة شعبية قوية، وهو أمر غير ممكن بسبب وجود طرف فلسطيني قوي على الأرض وهو السلطة ضد الانتفاضة بوضوح.

وسبب آخر لضعف هذه اللجان كما يقول الرفيدي ل"فلسطين اليوم:" عدم وجود قوى تنظيمية يمكن أن تقوم بقيادتها، فالفصائل و التنظيمات ضعيفة جدا و غير فاعله، والشارع الفلسطيني الذي تم ربطه عبر 20 سنه بالهموم الفردية والمصالح اقتصادية غير جاهز.

وقلل الرفيدي من إمكانية أن تتحول هذه اللجان إلى هيكل كفاحي تنظيمي على مستوى الوطن، وقال:" بدون قيادة سياسية حزبية صعب على المبادرات الشعبية أن تستمر، و ستبقى موجودة كمبادرات فردية لحماية الناس.

عبد العظيم ودغلس أتفقا على" إمكانية العمل على الأرض في ظل عدم تسليح أفرادها"، إلا أن الرفيدي أعتبر وصف هذا الطرح بأنه "غير عقلاني"، قال:" الأصل "التسلح" بما ملكت أيمانهم من سلاح أبيض أو عصي، داعيا هذه اللجان إلى عدم وضع قيود على حركتهم، وإلا كيف يمكن صد المستوطنين الذين يحملون السلاح دون سلاح حتى لو كان سلاحا أبيضا".

وتابع:" لاحقا سيجدوا أنفسهم أمام المواجهة ولا بد من الدفاع عن النفس، وخاصة في ظل استغلال المستوطنين، و توسيع إعتداءاتهم.