خبر التكامل بين محطات الصراع والهمٌ الوطني العام .. د. جميل عليان

الساعة 08:10 ص|16 سبتمبر 2014

د. جميل يوسف

بعد أن انقشع مؤقتا غبار الاجرام الصهيوني عن غزة الجريحة والمنتصرة, تزاحمت الرؤى والتقييمات لنتائج معركة البنيان المرصوص (العصف المأكول), وانطلقت كل رؤية من زاوية مختلفة عن الأخرى, منهم من انطلق من حجم الدمار والخسائر واعتبرها المحدد الأهم لنتائج هذه المعركة وسيجد نفسه مختلفا عمن يقيم الأمور من زاوية المقاومة وأدائها وقوة ردعها، وثالث يرى أن المسألة مرتبطة بالنتائج السياسية التي آلت إليها اتفاقية التهدئة في 26/8/2014 كالمعابر والإعمار وفك الحصار.

 كل هذه الرؤى لنتائج العدوان من الضروري تفهمها, لكن الأهم والواجب أن نجعل من كل هذه التقييمات على الساحة الفلسطينية رافعة وأوراق قوة لمشروعنا الوطني, هذه هي المعادلة الأصعب لكنها ضرورة وطنيا وسياسيا حتى نجعل من هذه الحرب خيرا رغم كل هذا الدمار والحرائق وأشلاء اللحم التي دفعها شعبنا، فالهمٌ الوطني العام يفرض علينا جميعا ان نجعل من كل محطات الصراع مادة محفزة لقوة الدفع الايجابي لمشروعنا الوطني.

 إن الشعب الفلسطيني اليوم في لحظة تاريخية غاية في الدقة والأهمية بحيث يصبح فرض عين على الجميع الوقوف فوق دائرة واحدة ومتناغمة من الأهداف والمشاعر الوطنية, وفي هذه اللحظات المصيرية يكون جلد الذات وتخطيء الآخر أمرا غير مرحب به ومضرا بالمصلحة الوطنية العليا. إن البدء بورشات عمل مهنية لتقييم مسار الحرب وما سبقها وما تلاها أمرا هاما بعيدا عن الاتهامات وتصفية الحسابات.

 بعد دخول التهدئة حيز التنفيذ الساعة السابعة من مساء يوم 26/8/2014 انتقلت المعركة إلى ساحة أخرى أصعب بكثير من ساحة المعركة العسكرية وتعتبر تكملة لما يسمى بمفاوضات القاهرة والتي امتدت لأكثر من شهر, الجميع يدرك أن في ساحة المعركة العسكرية تقرر المقاومة المدى والكم والكيفية لاستخدام كل امكاناتها للدفاع عن شعبها والتصدي للعدوان, المقاومة تدرس كافة ظروف شعبها وتنطلق في المعركة. لكن بعد التهدئة انتقلت المعركة الى ساحات أخرى وعناوين أخرى ولاعبين جدد وأصبحت المعركة تدور حول رفع الحصار وفتح المعابر واعمار غزة. ويحاول العدو الصهيوني وأمريكا أن يمرروا ما فشلوا في تحقيقه في الميدان من خلال هذه العناوين وبمساعدة النظام العالمي المرتهن للارادة الامريكية اضافة الى اغلب النظام العربي الموجه امريكيا.

 "إسرائيل" التي لم تحقق ما ارادته من عدوانها على الشعب الفلسطيني في غزة, بدأت بالاتفاق مع واشنطن على فتح النار على كل الشعب الفلسطيني في غزة من خلال الابتزاز في عملية الاعمار ورفع الحصار, وهنا نؤكد على ضرورة أن يكون القرار للشعب الفلسطيني بمجموعه وبالأخص الذين دفعوا ضريبة هذا الانجاز خاصة اهالي المناطق المنكوبة في الشجاعية وشرق خانيونس ورفح وبيت حانون.

 ولذلك فإننا نرى أن هيئة وطنية عامة تختصر الطريق وتسحب البساط من تحت اي اشتراطات او اوضاع ولا يجوز بأي حال ترك هذا الشعب يلتحف السماء ويفترش اكوام الحجارة انتظارا لبسط سلطات هذا الفريق او تلك الحكومة مع التأكيد على أن اي فلسطيني مهما كان وضعه او موقعه يربط الاعمار بخلق ظروف جديدة يعتبر شخصا متهما ومتلذذا بمعناة الغزيين.

 إن الادارة الصحيحة والوطنية لمعركة الاعمار حتما ستأتي بنتائج ايجابية ولن تستطيع اي قوة تعطيلها اذا واجهت الكل الفلسطيني المتسلح ببعدها الانساني والاخلاقي واي انحراف عن العمل الجمعي للاعمار وبعيدا عن المحاصصة الحزبية أو جعل الاعمار ساحة لتصفية حسابات بين متخاصمين فلسطينيين امرا لن يغفره الفلسطينيون ولا التاريخ.

  إن "إسرائيل" تريد تصفية حساباتها مع شعب المقاومة من خلال معركة الاعمار ولذلك يجب أن نصطف جميعا ضد هذه  الرغبة الصهيونية، فإن ساحة معركة البناء يجب ان تكون بعيدة تماما عن اي حسابات سوى إعادة البناء وكذلك ألا تكون مرتبطة او مرهونة لأي استحقاقات اخرى, إن المقدس الآن هو إعادة الاعمار ولا مجال لغير الانتصار في هذه المعركة, لأن الانتصار في هذه المعركة سيفتح بابا واسعا لانجازات مستقبلية.

 هذه المعركة التي بدأت من أجل الاعمار وضرورة إدارتها بهيئة وطنية تفتح الباب سريعا على ضرورة العمل الجاد والصادق على ايجاد مرجعية سياسية فلسطينية تقود الصراع وتحمي المشروع الوطني وتحقق الوحدة الفلسطينية وهنا تبرز أهمية الاسراع في إعادة بناء وتفعيل "م ت ف"، لأن إعادة الحياة الحقيقية لـ م ت ف اهم بكثير من انتظار حكومات التوافق والوحدة الوطنية والتكنوقراط ... الخ.  فالمختلفون حول الحكومة أكثر من المتوافقين, كذلك الحكومة في فلسطين لن تمثل الكل الفلسطيني ولا حتى 25% منه أما "م ت ف" فستكون في حال إعادة بنائها وعاءً وممثلاً للكل الفلسطيني.

 الجريمة الصهيونية بغزة لم تنته بعد، فقد تبدلت الأشكال فقط، وهنا تبدو عملية الاصطفاف الشعبي لمناصرة غزة امرا لا يقل عن مناصرتها ابان العدوان العسكري, كل الفلسطينيين الذين انتفضوا نصرة لغزة يجب ألا تغمض لهم عين ما لم يتم ازالة كل آثار العدوان الأخير على غزة, والضفة عليها مضاعفة الجهد وإعمال الانتفاضة نصرة لغزة, ومواصلة الأحرار في كل العالم ونخص شعوب وحكومات أمريكا الجنوبية فضح جرائم الاحتلال أمرا هاماً في معارك الإعمار وفك الحصار.

 المعركة متواصلة وعلى الجميع عدم ترك ساحات المواجهة وفضح العدو الصهيوني, لا شك اننا نمتلك من الأوراق ما لايقل تأثيرا عن مشاهد العدوان ابان الحرب. الاطفال والنساء الذين ينتشرون بدون مأوى اكثر تأثيرا أمام المجتمع الدولي، وعلى الفلسطينيين ومن خلفهم كل الاحرار مواصلة الضغط ووضع الرأي العام الدولي وحكوماته  في قفص الاتهام, ومن تردد في تأييد الحق الفلسطيني امام الجرائم الصهيونية لاعتبارات سياسية سيفتقد للبعد الانساني والاخلاقي اذا لم يصطف مع الحق الفلسطيني لإعادة الاعمار وفك الحصار.

 

ان الانتصار في معركة رفع الحصار واعادة الاعمار يحقق التكامل بين كل الرؤى والتقييمات لنتائج معركة البنيان المرصوص ويعيد الحياة لمسيرة انهاء الانقسام والعمل الفلسطيني الجمعي.