خبر مثقفون إسرائيليون: تل أبيب أصبحت أسوأ من «داعش»

الساعة 09:57 ص|15 سبتمبر 2014

القدس المحتلة

يقدم ثلاثة مثقفين إسرائيليين رؤيتهم صورة مرعبة لإسرائيل 2014 ويقدمون شروحاتهم لماذا صارت أكثر دموية ووحشية ،ويتوقفون عند السؤال متى تتحول إسرائيل لدولة فاشية وهم يتفقون على أن الأحوال ستزداد سوءا. ويرى بعضهم أن إسرائيل تتجه بعنصريتها لتدمير ذاتها بأيديها. يشار أن رئيسة حزب « ميرتس» زهافا غالؤون قالت نهاية الأسبوع الماضي إن الإسرائيليين تحولوا لمجتمع متوحش. وذهب رئيس الشاباك الأسبق عامي أيلون في ندوة تمت بتل أبيب للقول إن إسرائيل بحاجة ماسة لتغيير روايتها التاريخية والاعتراف بما قامت به في نكبة 48 كي تساهم في التصالح مع الفلسطينيين وإلا فلن تبقى مستقبلا.

وجاءت أقوال المثقفين الإسرائيليين في ندوة عن الجماهير العربية ما بين حرية التعبير عن الرأي والقمع الجوانب القانونية والسياسية» تخللها مؤتمر «المكانة القانونية للجماهير العربية في إسرائيل « الذي نظمه مركز « مساواة « في الناصرة داخل أراضي 48.

ويرى المحامي أفيغدور فيلدمان أن الإسرائيليين مجتمع مغلق،رأسمالي،مادي، يعيش مع الإنكار،يضعف ويتسع فيه الجهل بالتدريج ويقول إن مثل هذا المجتمع سيزول. ولا يستغرب فيلدمان ما جرى في الحرب الأخيرة على غزة ويوضح أن إسرائيل لم تنتصر في أي حرب منذ 1967 لأنها تخلو من الإبداع والتجديد وتشهد أجيالا جديدة جاهلة ، سطحية وتلهث وراء الحياة الاستهلاكية. ويتابع « هذا جيل سيضيع ومجتمع سيزداد ضعفه وربما هناك من يفرح لذلك أو ينتظره «. لكن فيلدمان كمراقبين آخرين لا يؤسس رؤيته النقدية على قراءة الوضع الراهن فقط فيعود بها للمربع الأول لافتا الى أن بدايات المشكلة تكمن في 1948. ويوضح أن كان حريا بالإسرائيليينمعرفة الحقيقة أنها قامت بعد طرد سكان محليين، لافتا إلى أنها لا تفعل ذلك حتى بعد 66 عاما وبعد احتلال جديد في 1967 .ويتابع « الإسرائيليون اليوم يواصلون إنكار الحقيقة أن ملايين الفلسطينيين يعيشون تحت احتلالها بظروف قاسية تشبه العبودية. ويضيف « للأسف من ينظر متأملا يرى أن الإسرائيليين مجتمع يهدم نفسه بأيديه «.

وبخلاف مراقبين آخرين يرى فيلدمان أن الأوضاع في إسرائيل لم تكن بالماضي أفضل، لافتا لتورطها بمصادرة أراضي العرب وممارسات الحكم العسكري لكنه يقول إنها تواصل التدهور. ويستذكر أن أوساطا في إسرائيل كانت تخرج للاحتجاج للتظاهر على مذبحة صبرا وشاتيلا وأنها تكاد تكون معدومة اليوم نتيجة تلاشي الأسس الإنسانية فيها. ويتابع: «بتنا مجتمعا عسكريا،بلطجيا وربما فاشيا كما كشفت الحرب الأخيرة على غزة بوضوح».

ورقة تين

فيلدمان وهو أحد أبرز المحامين في إسرائيل حمل أيضا على محكمة العدل العليا في إسرائيل وأكد أنها لا تقدم خدمة حقيقية لحقوق المواطن الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر. منوها أن الجمعيات الحقوقية لم تتوجه لمحكمة العدل العليا هذه المرة بخلاف حروب سابقة بعدما اكتشفت أن المحكمة بقراراتها ستمنح الشرعية للحرب وبنظره هذا يبرر قوله « إننا نعيش اليوم وضعاً مرعباً».

ويتابع « تأثير محكمة العدل العليا على الأقلية الفلسطينية في إسرائيل وحقوقها يناهز الصفر وما ساهمت به هو إشاعة خطاب ولغة حول الحقوق. محكمة العدل العليا مكان يتيح لك البكاء على صدرها وأحيانا تبكي معك».

وقال فيلدمان إنه يوما بعد يوما يشعر بالخجل أن يكون مواطنا في إسرائيل التي تكاد تخلو من جهات تعارض القتل وسفك الدم عدا أعداد قليلة ومحاصرة «. ويدلل على رؤيته الجريئة بالإشارة لعدم وجود حزب يهودي واحد خرج ضد الحرب على غزة منوها لتجند الصحافة أيضا لخدمتها ويقول إن هذا يدلل كيف بلغت الفاشية للصحافة بالعقد الأخير».

بالطريق للـ «أبرتهايد»

ويقول محاضر كلية الحقوق في جامعة حيفا د. إيلان سابان إن إسرائيل تدنو من نظام فصل عنصري (أبرتهايد) على غرار صربيا وجنوب إفريقيا بالماضي ، منبها أن الأمم المتحدة لم تنعتها بهذا التوصيف حتى الآن بفضل الفيتو الأمريكي. ويشير إلى أن إسرائيل قوتها محدودة وتعتمد على الآخرين مؤكدا أن الحل إما تقسيم البلاد أو دولة واحدة باتفاق. كما أكد استحالة وجود نظام ديموقراطي في إسرائيل طالما أنها دولة محتلة وطالما تدير ذاتها على مبدأ إثني. ويرى سابان أيضا أن محكمة العدل العليا ورقة تين أحيانا لتغطية عورة الديمقراطية فتتدخل كل مرة من جديد لإلغاء قرار لجنة الانتخابات المركزية بمنع حزب عربي من المشاركة بالانتخابات العامة. وفي سياق الحديث عن انقراض اليسار في إسرائيل يرى سابان أن مرد ذلك لا يعود للانتفاضة الثانية فحسب بل لفك الارتباط عن غزة أيضا. ويضيف «يقبل الإسرائيليون تساؤل اليمين: انسحبنا من غزة وما زالت الصواريخ تلاحقنا فماذا سيحدث بعد الانسحاب من الضفة الغربية؟ هل ما زالت الخطة المرحلية قائمة؟ ويرى سابان أن التشريعات العنصرية كـ»قوانين النكبة» في إسرائيل تريد إرسال رسالة للإسرائيليين بأن الصراع يدور حول 1948 لا على 1967». ويضيف: «في محاولتها فرض الخدمة المدنية، البديلة للخدمة العسكرية، على المواطنين الفلسطينيين تسعى حكومة اليمين لاستغلال رفضهم لها للتدليل على أن القصة الحقيقية تتعلق بـ 48».

إسرائيل أسوأ من داعش

المعلق السياسي البارز غدعون ليفي يرى أن الأحوال السيئة الراهنة ستزداد سوءاً لعدم وجود من يوقفها. وينوه ليفي إلى إضعاف أجهزة الرقابة والكبح في إسرائيل بشكل منهجي ويقول إن إسرائيل ليست دولة فاشية لكن في حال ظهور زعيم فاشي لن يجد فيها من يوقفه فالجميع إما معطلون وإما داعمون. ويمضي ليفي بالتغريد خارج السرب الإسرائيلي « أغلبية الإسرائيليين مقتنعون بأن أغلبية الفلسطينيين يريدون إلقائهم بالبحر ولكن هناك أكثر يهود ممن يريدون إلقاء الفلسطينيين باليمّ».

وفي تشخيصه للحالة الراهنة والمستقبلية يقول ليفي إن المشكلة تكمن أيضا بأن أغلبية الإسرائيليين لا ترى بالفلسطينيين بشرا متساوين،يضاف الى ذلك جهلهم بالديمقراطية التي يعتبرونها مجرد تصويت أغلبية ضد أقلية.. تأييد اثنين لقتل شخص لأنه أسمر مقابل معارضة واحد. ويشير ليفي أن الحرب كشفت عن كل التغيرات داخل إسرائيل وتجلت بتأييد قتل الأطفال الفلسطينيين كما تبين من التعقيبات في الشبكة مثلما تجلى بدعوة رئيس الإئتلاف الحاكم ياريف لفين لمحاكمته بصفته « خائنا « لانتقاده الحرب. وحمل ليفي بشدة على الصحافة في إسرائيل ونعتها بالمتعاونة والعميلة الأكبر الداعمة للاحتلال ولشيطنة الفلسطينيين وقمعهم وقال إنها « سطحية وصفراء وبدون قيم « هدفها الانتشار الواسع وسط انقطاع عن الواقع.

الصحافة عميلة وشريكة

ويؤكد ما لاحظه مراقبون آخرون أن وسائل الإعلام العبرية حجبت الحقيقة من غزة عن عيون الإسرائيليين وواصلت عمليات غسل أدمغتهم بمواد دعائية من منطلق لا يفهم وظيفة الصحافة مفاده « أننا إسرائيليون أولا ومن ثم نحن صحافيون».

ويوضح أن الإعلام العبري يساهم في إنتاج مجتمع لا يشكّك بأي شيء حتى عندما تلقى قنابل على سوق يعج بالمتسوقين في حي الشجاعية خلال الهدنة الأولى. ويتابع « لم تتطرق الصحافة في إسرائيل لهذه الجريمة أما عندما يعثر على بندقية بجوار مدرسة لوكالة الغوث فهذا يتيح للجيش قصفها وهذا مثال على ذرائع تستخدمها الصحافة ضمن خدماتها كي نشعر أفضل وبدون تأنيب ضمير ولذا الفلسطينيون هم دائما مخربون والعالم ليس ساميا».

وبلهجة ساخرة من مزاعم إسرائيل بأن جيشها الأكثر أخلاقية في العالم يقترح ليفي أن يقال «الجيش الثاني الأكثر أخلاقية «منوها لوجود أوساط إسرائيلية ما زالت تعتقد ذلك رغم جرائم القتل في غزة.

أسوأ من داعش

وبلغت جرأة ليفي ذروتها بالقول إن إسرائيل في الحرب على غزة كانت أسوأ من داعش لأن القتلة من الإسلاميين المتطرفين يرون ضحيتهم وهي تموت وربما يدفعهم ذلك للشعور بالذنب والتراجع، أما في إسرائيل فتتم عمليات الإعدام عن بعد ولا ترى إلا عبر شاشات التلفاز أو نافذة الطائرة. وسخر ليفي من محاولات إسرائيل استغلال التحامل العالمي على الإسلام المتطرف والزعم أن حماس هي داعش فلسطينية. وقال إن هذه قتلت صحافيين اثنين بينما قتلت إسرائيل 13 صحافيا فلسطينيا ولم تقد قيامة العالم. واختتم بالقول متهكما « ربما يكون الإسرائيليون غير مذنبين فهم ضحية تضليل».

ويؤكد أن إسرائيل لن تتغير من تلقاء ذاتها لأن الإسرائيليين منغمسون بحياة جيدة ويتعرضون لشطف دماغ متواصل. ويتساءل متهكما فلماذا يهتم الإسرائيليون بالحصار على غزة ؟ ويضيف بمرارة « هم يعتقدون أن الحصار بعيد عنهم وأن غزة تستحقه وأنه لا داعي للقلق من العالم فهو لاسام على كل حال «. وينبه لخطورة عدم وجود قائد جدي في إسرائيل يطرح بديلا لحكومة اليمين لافتا لعدم احتجاج المعارضة على الحرب وانحسار قلقها على العلاقات مع الولايات المتحدة. لكنه يائس أيضا من إمكانية التدخل الخارجي ويقول إنه لا يرى إشارات لاحتمال وجود ضغوط دولية حقيقية على إسرائيل. وللتدليل على صحة رؤيته يتابع « بعد حرب « الرصاص المصبوب « قلت لنفسي إن إسرائيل لن تجرؤ على تكرارها لا سيما بعد صدور تقرير ريتشارد غولدستون.العالم يمر مرّ الكرام على ما يحدث ولذا فإن إسرائيل لا تخشى مصادرة أربعة آلاف دونم غداة انتهاء الحرب.

وردا على سؤال لماذا تدهورت إسرائيل لهذا الحد قال ليفي إن هناك عدة أسباب منها أكذوبة رئيس الوزراء الأسبق إيهود براك حول عدم وجود شريك فلسطيني والتي عمل على تسويقها منذ فشل قمة كامب ديفيد في 2000. كما أشار لدور الانتفاضة الثانية والتفجيرات داخل إسرائيل والتي تسببت بتلاشي اليسار،ولدور فك الارتباط عن غزة، منوها أن الإسرائيليين يظنون أن احتلال غزة انتهى لكن الصواريخ استمرت.