خبر من خلف القبة.. معاريف الاسبوع

الساعة 09:15 ص|05 سبتمبر 2014

من خلف القبة.. معاريف الاسبوع

بقلم: يوسي ميلمان

(المضمون: المعطيات، الاعتراضات، المعدلات، الاعتبارات، القرارات، الكلفات – تقريبا كل ما اردتم معرفته عن "القبة الحديدية" وكذا بضعة امور يفضل جهاز الامن على ما يبدو اخفاءها - المصدر).

في أحد الاسابيع الاولى للحرب في غزة اطلق نحو تل أبيب صاروخ. فأطلقت بطارية "القبة الحديدية" نحوه على التوالي صاروخي اعتراض (أو ما يسمى بالاحرف الاولى للعبارة "تمير") اخطآ هدفهما، وبشكل شاذ جدا اطلق نحوه صاروخ ثالث هو الاخر أخطأ. ولشدة الحظ، سقط الصاروخ في البحر.

هذه القصة نشرها في "علون شبات" أوهد شكيد، معلم للتاريخ والتربية الوطنية من تل أبيب، ونشر في مواقع الاخبار وفي الصحف الاصولية. وكتب شكيد في صفحته على الفيسبوك بان المعلومات استندت الى واحد من تلاميذه، من سكان بني براك يخدم في البطارية. وعلى حد قوله، اتصل الجندي به كي يستوضح امكانية المشاركة في دروس التوراة إثر تسريحه بعد بضعة أشهر، وبالمناسبة روى له عن الحالة. وحسب شهادة الجندي، كان الصاروخ يستهدف أبراج عزرئيلي أو الكرياه (دار الحكومة – وزارة الدفاع)، وفقط بسبب الريح الشديدة التي هبت فجأة انحرف نحو ارض مفتوحة. ورأى الجندي في ذلك دليلا على أنه "يوجد رب".

في حديث معي أكد شكيد بانه بالفعل كتب عن ذلك، وروى انه فوجيء للصدى الهائل الذي حظي به. واضاف بانه بسبب المكالمة عوقب الجندي وجمد في قاعدته لاسبوعين. وبشكل عام يستغرق مثل هذا الاستيضاح ساعات طويلة، واحيانا أيام. اما هذه المرة فكان الرد سريعا. وبزعم الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، فليس معروفا له عن حالة جندي خدم في احدى وحدات منظومة الدفاع الجوي وعوقب بالتجميد بسبب الثرثرة لجهة غير مخولة.

في هذه القصة يوجد غير قليل من أسس الاسطورة المدينية. فالصواريخ التي أطلقتها حماس نحو مركز البلاد ليست دقيقة، ومشكوك أن يكون ممكنا القول بيقين الى اي هدف موضعي اطلقت. ومع ذلك، لا ريب ان حماس كانت ترغب جدا في أن تضرب صواريخها بعيدة المدى (فوق 40كم) تل أبيب، ولا سيما أحد الرموز البارزة لاسرائيل مثل ابراج عزرئيلي أو الكرياه.

ولكن في هذه القصة – الاسطورة توجد أنوية من الحقيقة. فطيران الصواريخ بالفعل من شأنه أن يتأثر بالرياح التي يمكنها أن تحرفها عن مسارها بعدة عشرات الامتار (ولكن بالتأكيد ليس مئات الامتار). مشوق أكثر هو الادعاء بانه اطلق نحو الصاروخ ثلاثة صواريخ اعتراضية (تمير).

ضابط كبير في سلاح الجو استعرض للصحفيين عن أداء "القبة الحديدية" في زمن الحرب رفض القول كم صاروخ اعتراض اطلق نحو كل صاروخ، وماذا كانت سياسة اطلاق النار في البطاريات. ومع ذلك، معروف بانه حسب النظرية التي تم وضعها في سلاح الجو، فان القرار بشأن عدد صواريخ الاعتراض التي ستطلق ليس ثابتا وموحدا. وهو يتغير ويتعلق بالظروف وبالمنطقة. كما أنه واضح انه بذل جهد خاص من جانب وحدات "القبة الحديدية" للدفاع بكل ثمن تقريبا عن "الرموز" أو عن "الاهداف الاستراتيجية". فما هي المواقع التي حظيت بحماية مفضلة؟ يمكن فقط التقدير بانها تتضمن ميناء اسدود، محطات الكهرباء في اسدود، في عسقلان وفي تل أبيب، الكرياه، ابراج عزرئيلي، المطارات العسكرية وبالطبع مطار بن غوريون.

وكما أعلنت حماس عدة حماس في أثناء الحرب، فان "مطار بن غوريون كان في المدى على اساس دائم" بهدف شل حركة الطيران من والى اسرائيل. وبالفعل نجحت حماس جزئيا في مهامتها، عندما كفت شركات طيران غربية عن الطيران من والى اسرائيل على مدى يومين بسبب اصابة صاروخ لبيت في يهود.

أرض مفتوحة

في سياق مسألة ما الذي ينبغي حمايته، يجدر بالذكر انه في 2010، عندما بدأت بطارية "القبة الحديدية" الاولى في سلسلة تجارب نحو تأهيلها التنفيذي، وفي الوقت الذي سقطت فيه الصواريخ لاول مرة في بئر السبع، ترددوا في سلاح الجو بداية اذا كانوا سينشرونها لحماية المدينة. وادعى ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي بشكل عام وفي سلاح الجو بشكل خاص بان "القبة الحديدية" لم تستهدف حماية المدنيين بل المواقع العسكرية والاستراتيجية.

ومنذئذ، في أعقاب الصرخة الجماهيرية الناشئة، تغير النهج. فقد نشرت البطاريات لحماية الاهداف الاستراتيجية والرموز ولكن أيضا، وربما أساسا، لحماية المدنيين. من هذه الناحية، يوجد في سلاح الجو فخار بان "احدا لم يقتل باصابة صاروخ" في الاماكن التي حمتها "القبة الحديدية". ويجدر بالذكر أنه قبل سنين لم يكن السلاح معنيا على الاطلاق بمنظومة دفاعية ضد الصواريخ، واستيعابها فرضت عليه.

في الحرب قتل 15 جنديا ومدنيا باصابات قذائف هاون وصواريخ (باستثناء واحد، كلهم في غلاف غزة). ولكن هذا حصل في الاماكن التي لم تحمها "القبة الحديدية" (الخيمة البدوية قرب ديمونا) أو لم يكن بوسعها أن تحميها (غلاف غزة).

وفي سلاح الجو وصفوا سياسة الدفاع والاعتراض بمفهومين: "مجال الحماية" و "مناطق الحماية". فمثلا، غوش دان هي مجال حماية. أما اسدود فهي مجال حماية. من حيث المبدأ، كل منطقة مأهولة ينبغي أن تكون مجال حماية، وذلك لانه في معظم المدن (باستثناء اسدود وبئر السبع) تكاد لا تكون اراضي مفتوحة، والتي تصل فيها منظومة الحسابات في "القبة الحديدية" الى الاستنتاج بان السقوط فيها لن يحدث ضررا.

يرفض الجيش الاسرائيلي نشر المعطى الدقيق عن نصف القطر الادنى الذي يمكن للقبة أن تتعاطى معه كـ "ارض مفتوحة" في داخل مدينة أو في بلدة قروية. ولكن يمكن القول بيقين بان الحديث يدور عن نصف قطر أقل من 300 متر ويبدو أكبر من 100 متر. واضح أنه كلما كان نصف القطر أصغر، يكون أداء "القبة الحديدية" أحسن.

وها هو مثال، لشرح التوازن، في مسألة الارض المفتوحة المدينية. كيف يمكن تعريف حديقة اليركون في تل ابيب؟ أرض مفتوحة أم ارض مبنية ينبغي لـ "القبة الحديدية" ان تحميها؟  الجواب هو هذا وذاك. ومثلما يعرف كل متنزه في الحديقة، فان فيها مجالات بمئات الامتار غير مبنية أو مأهولة. ولكن على مسافة عشرات الامتار توجد أيضا احياء ومبانٍ (بابلي، محطة وقود، اسكان القدامى في رمات غان، محطة القطار، حدائق المعارض وغيرها) ينبغي حمايتها.

كل مجال حماية ينقسم الى مناطق حماية. ويتم التقسيم حسب سجل دقيق في الصور الجوية لكل مجال ومجال. والقرار ما هي منطقة الحماية يتم مسبقا ويتخذه قادة منظومة الحماية الجوية، سلاح الجو، قيادة الجبهة الداخلية، وقسم العمليات في الجيش الاسرائيلي، ويقره رئيس الاركان ووزير الدفاع.

في الحرب نشرت في ارجاء البلاد عشر بطاريات من "القبة الحديدية". والبطارية النظامية تتشكل من ثلاثة أو أربعة منصات اطلاق. كما يمكن نشر منصة واحدة. كل منصة يمكن أن تطلق خزانا من عشر أو عشرين صاروخ اعتراض. لكل بضع بطاريات يوجد رادار مشترك، مهمته اكتشاف مصدر الصاروخ المطلق، والتقدير بسرعة نحو حتى 15 ثانية الى أين يطلق. اما التشخيص والتحديد فيتمان بمساعدة وسائل اخرى مثل الطائرات.

كل المعطيات المحوسبة هذه تغذى الى منظومة حوسبة مركزية، تعالجها بسرعة هائلة. وتسمى العملية الكشف للاخطار. الاخطار توفره قيادة الجبهة الداخلية التي تشغل منظومة الصافرات. في سلاح الجو يفتخرون بان النجاح في كشف الاطلاقات يبلغ 99 في المئة، وأن الحديث يدور عن منظومة الكشف الافضل في العالم، والتي تعثر على الطائرات بدون طيارين، مظلات التحويم والطائرات (التي ليست لدى حماس بالطبع بعد). باختصار، كل ما يطير في السماء على ارتفاع حتى نحو 14كم يكتشف، وكل ذلك في مساحة ضيقة نسبيا في منطقة عرضها لا يزيد عن 10كم.

كم هذا بالنسبة المئوية؟

عند حساب النسبة المئوية للنجاح في الاعتراضات، هناك يصبح الوضع مختلفا قليلا. حسب المعطيات الرسمية للجيش الاسرائيلي، ففي اثناء 51 يوما من الحرب، اطلق من القطاع 4.519 صاروخ وقذيفة هاون. 197 منها كانت سقوطات (الاطلاق يفشل أو ان الصاروخ يسقط داخل القطاع)، و 3.362 سقطت في راضي مفتوحة (وكما يذكر، توجد مشكلة في تعريف الارض المفتوحة). سجل 225 سقوطا في أراضي مبنية، وبالاجمال نفذ 735 اعتراضا.

وزع الجيش الاسرائيلي اطلاقات الصواريخ وقذائف الهاون حسب المسافات. حتى 10كم (غلاف غزة وسديروت)، حتى 20كم (عسقلان، اوفيكيم، نتيفوت)، حتى 40كم (بئر السبع، اسدود، غديرة)، وفوق 40كم (السهل الساحلي، تل أبيب، غوش دان وشمالها، بيت شيمش، القدس).

في "مفات" (مديرية تطوير البنى التحتية والوسائل التكنولوجية في وزارة الدفاع) بدأوا منذ آب 2004 في مداولات على ايجاد حل للاعتراض الصلب (خلافا للحل القائم على اساس الليزر) للصواريخ على سديروت. وكان هذا هو الهدف: حماية سديروت من صواريخ القسام التي انتجتها حماس بنفسها، ذات مدى 4.5 كم فقط.

والتشديد هنا هو على كلمتي "صلب" و "اسرائيلي": صاروخ حديدي يصيب صاروخا حديديا. ولكن عليه أن يكون حديدا اسرائيليا. منذ البداية لم يرغبوا في مفات السماع عن منظومات ليزر أمريكية، ولا ايضا عن المدفع الامريكي  الـ "فالكان بلنكس" الذي قام بعمل لا بأس به على الاطلاق في حماية مواقع صغيرة نسبيا في العراق.

وكانت مفات وجهاز الامن مصممان منذ بداية الطريق على تطوير وانتاج منظومة أزرق – أبيض. ليس لان المنظومات الاخرى التي كانت متوفرة في حينه سيئة – وهي لم تفحص بجدية كبدائل حقا. ففي مفات ارادوا أن يوفروا عملا وان يبنوا بنية علمية – تكنولوجية متطورة في مشاريع الصناعة الامنية. وقد القيت المهامة على "رفائيل" التي طورت المنظومة بسرعة فائقة – أقل من أربع سنوات.

كان هذا بالتأكيد اعتبارا مشروعا، ولكنه كان ينبغي قول الحقيقة للجمهور. الحقيقة لم تقل: بين 2004 و 2010 (الى أن طورت "القبة الحديدية" الاولى)، كان يمكن حماية سديروت وبلدات غلاف غزة التي واصلت التعرض للصواريخ وقذائف الهاون بمعونة مدافع "فالكان بلنكس" أو منظومة الليزر ("سكاي غارد"). وكان يمكن لـ "فالكان بلنكس" ان تحمي بلدات غلاف غزة، محطة توليد الطاقة في عسقلان، ميناء كاتسا في عسقلان أو كلية سفير في سديروت. وبدلا من ذلك، فضل جهاز الامن، وكذا رفائيل، اعطاء الانطباع المضلل وكأن "القبة الحديدية" مخصصة لهم وستحميهم في يوم الامر. هذا لم يحصل في 2010، لم يحصل في "عمود السحاب"، لم يحصل في "الجرف الصامد" ولن يحصل في المستقبل.

واليوم يعترفون في الجيش الاسرائيلي على رؤوس الاشهاد بان منظومة "القبة الحديدية" لا يمكنها أن تعترض صواريخ أو قذائف هاون طيرانها حتى 30 ثانية ومداها نحو 10كم. حماس هي الاخرى تعرف ذلك، ولهذا فقد أكثرت من اطلاق الصواريخ وقذائف الهاون نحو غلاف غزة. وباعتبارات حفظ الاسرار وأمن المعلومات، يرفض الجيش الاسرائيلي تقديم معطيات التوزيع: كم صاروخا سقط في كل مدينة، بلدة قروية او مجال محصن، وكذا كم من بين اجمالي الاطلاقات كانت قذائف هاون. ومن هنا يمكن فقط الاعتماد على مصادر ثانوية، المعلومات فيها غير دقيقة مثل تلك التي لدى الجيش الاسرائيلي.

استنادا الى تلك المعلومات غير الرسمية، يمكن التقدير بان اكثر من 300 صاروخ اطلق الى مدى أكثر من 40كم، منها نحو 70 الى غوش دان. نحو الثلث من اجمالي الاطلاقات (1.500) كانت الى غلاف غزة. نحو نصفها قذائف هاون والباقي صواريخ قصيرة المدى من طراز القسام.

في ضوء كثرة المعطيات ورفض الجيش الاسرائيل توفير المعطيات الدقيقة، وتعريف ما هي الارض المدينية المفتوحة، من الصعب أن نعرف ما هي معدلات نجاح الاعتراض. في "عمود السحاب" تحدثوا في رفائيل وفي الجيش الاسرائيلي عن 80 – 84 في المئة. وحسب مصدر عسكري كبير في سلاح الجو، فان معدلات النجاح في "الجرف الصامد" تبلغ 88 – 90 في المئة. ولكن مصدر كبير آخر في السلاح اعترف على مسمعي بانه استنادا الى ذات قاعدة المعطيات، التي كما ذكر لا تنشر، يمكن الوصول الى عدة نتائج مختلفة. واعترف المصدر ايضا بانه "اذا كان في غلاف غزة اصيب بيت فمن ناحية القبة الحديدية لم يكن سقوط ولا حاجة لتسجيل فشل. لان القبة لم تحمي ذاك البيت".

ولكن حساب آخر يبين ان الاعتراضات تبلغ 76 في المئة – وذلك دون مراعاة المسألة المجهولة عن الاراضي المفتوحة المدينية. كيف وصلنا الى هذه النتيجة؟ ببساطة شديدة: نربط رقم الاعتراضات (735) برقم السقوطات في ارض مفتوحة (225)، ونصل الى 960. معنى الرقم هو أن "القبة الحديدية" كان ينبغي لها أن تعترض ما لا يقل عن 960 صاروخا اطلقت الى المناطق المأهولة التي كان ينبغي لها أن تحميها. وقد اعترضت 735 وأخطأت أو تركت 225 تسقط في ارض مبنية.

لا ريب أن نجاح 76 في المئة هو بالتأكيد انجاز مذهل للتكنولوجيا المميزة لرفائيل. وقبل الحرب الاخيرة اهتمت كوريا الجنوبية، الهند ودول اخرى في جنوب شرق آسيا بشراء المنظومة. ونجاحها في "الجرف الصامد" سيزيد فقط جاذبيتها في نظر الزبائن المحتملين.

كم كلفت كل الاعتراضات – دون حساب كلفات التطوير والانتاج لـ "القبة الحديدية" وكلفة التدريبات، التأهيل والتشغيل للبطاريات؟ وكوننا لا نعرف بالضبط كم صاروخ اعتراض اطلق نحو كل صاروخ، هنا ايضا يمكن فقط التقدير: على فرض أنه بالمتوسط اطلق صاروخ اعتراض ونصف لكل صاروخ، فان الحديث يدور عن ما لا يقل عن 1.500 صاروخ اعتراض. وكما أكد هذا الاسبوع وزير الدفاع موشيه يعلون، فان كلفة كل صاروخ اعتراض هي 100 الف دولار. من هنا فان كلفة صواريخ الاعتراض وحدها هي ليس اقل من نحو 150 مليون دولار، ويبدو أكثر.

الاسئلة الى رفائيل والى الناطقين بلسان وزارة الدفاع لتلقي ردود فعل على هذا التقرير لم تستجب.