خبر الجبهة الاستخبارية... هآرتس

الساعة 09:14 ص|05 سبتمبر 2014

الجبهة الاستخبارية... هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: خلاف في أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حول من بادر الى المواجهة، هل هي حماس التي خططت لها مسبقا أم انها انجرت اليها على أثر آلية التصعيد المتبادلة- المصدر).

يدور في أسرة الاستخبارات الاسرائيلية جدال شديد حول الحرب في قطاع غزة، بعد أكثر من اسبوع من وقف النار. في مركز الخلاف بين شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" و جهاز الامن العام "الشاباك" يوجد التفسير للاحداث التي أدت الى اندلاع الحرب. فهم ينقسمون في مسألة ما الذي خططت له حماس قبل أن تبدأ المواجهة العسكرية وهل نبع الاشتعال من خطوة محسوبة من جانبها أم كانت هذه نتيجة شبه صدفة. فـ "الشاباك" يصف خطوات حماس كهجوم مخطط جدا قاده الذراع العسكري، بينما تؤمن "امن" بانه كانت هنا "آلية تصعيد"، كانت القيادة الغزية تفضل وقفها وبالتأكيد لم تتوقع نتائجها الشديدة.

على سؤال واحد يتعلق بالحرب لا يوجد خلاف: فالجهازان، في تقدير يتلقى تأكيدا كاملا من كل المستويات القيادية في الميدان، مقتنعان بان نقلت الى القوات المقاتلة في ظل الحرب معلومات عملياتية بجودة عالية، سهلت ضرب العدو وانقذت حياة الجنود. فالتعاون بين "امان"، "الشاباك" وغيرهما من محافل الاستخبارات تم بشكل جيد وسريع حيث ازيلت الحواجز البيروقراطية بين الاذرع المختلفة وتمتع كل المشاركين بقدرة وصول كاملة الى "الحمام" المشترك للمعلومات.

الخلافات الاستخبارية، التي طرحت بعضها ايضا امام اعضاء الكابنيت وأدت الى توترات شخصية بين كبار رجالات "امان" و "الشاباك"، تتعلق بثلاثة مجالات مركزية: جودة المعلومات الاستخبارية التي كانت تحت تصرف اسرائيل عن المشروع الضخم لحماس في مجال الانفاق الهجومية، تحليل نوايا المنظمة في الخروج الى الحرب والتقديرات بشأن مدى تصميمها على مواصلة القتال على مدى خمسين يوما من المواجهة. في المجال الاول يبدو أن "امان" مغطاة وسيكون من الصعب طرح شكاوى مسنودة ضدها. اما في المسألتين الاخريين فالوضع اكثر تعقيدا ويطرح انتقاد من كبار الوزراء على سلوك الاستخبارات.

الانفاق

في الاسبوع الاول من الحرب، لم يذكر خطر الانفاق الهجومية تقريبا في اسرائيل. وركز البحث الاعلامي كله على نار الصواريخ من القطاع. في 15 تموز وافقت اسرائيل على قبول وقف النار الذي اقترحته مصر، رغم علمها بوجود أكثر من 30 نفق هجومي، بين الثلث والنصف منها (هنا ايضا يوجد فجوة بين تقديرات "امان" و "الشاباك" حفرت تحت الجدار واجتازت نحو الاراضي الاسرائيلية. اما حماس فرفضت الاقتراح المصري وبعد يومين اطلقت 13 مخربا من قوتها المختارة "النخبة" عبر نفق هجومي قرب كيبوتس صوفا. وقد لوحظوا لدى خروجهم من الفوهة وقصفوا من الجو. وهكذا فقط تسلل الى الوعي كامل الخطر الكامن في الانفاق. وفي ذات الليلة صادق الكابنيت على العملية البرية في القطاع والتي ركزت على تدمير 32 نفقا هجوميا في مدى حتى 3كم عن الحدود. واصطدم القتال نفسه بمقاومة فلسطينية شديدة وقتل فيه 65 ضابطا وجنديا. وفي عدة حالات تسلل رجال حماس في الانفاق الى اراضي اسرائيل في الوقت الذي كان الجيش الاسرائيلي يبحث عن الفوهات في الجانب الغزي من الجدار. وفي ثلاثة اشتباكات معهم قتل 11 جندي.

كان لـ "امان" و"الشاباك" معلومات كثيرة ومفصلة عن الانفاق. فمنذ بداية 2013، وزع على رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورؤساء أذرع الامن تقرير شهري موسع وفيه استعراض عن كل الانفاق الهجومية المعروفة ومسار كل واحد منها. وعندما بدأت الحرب كان الجيش يعرف بتفصيل نسبي عن الانفاق التي كان يوشك على معالجتها. وقد طرح خطر الانفاق للنقاش عدة مرات لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي عين فريقا برئاسة مستشار الامن القومي في حينه يعقوب عميدرور لمعالجة ذلك. ولكن يبدو أن ما فعله هذا الفريق لم يكن كثيرا وان لم يبلغ عنه.

ولكن توجد نقطتا ضعف في قضية الانفاق. الاولى تتعلق بترجمة المعلومات الى خطط عملية. وكان وزير الدفاع يعلون، رئيس الاركان غانتس، قائد المنطقة الجنوبية ترجمان وكبار رجالات "امان" حذروا من خطر الانفاق بل والتقط لبعضهم صور وهم يزورون نفقا كشفت فتحته في الاراضي الاسرائيلية. ولكنه لم تكن خطة عملياتية شاملة وجدية لتدمير الانفاق. وعندما دخلت القوات اخيرا الى القطاع، اكتشفت فجوات في العتاد، في التدريب وفي عقيدة القتال لمعالجة الانفاق. واضطر الجيش الاسرائيلي الى الاستعانة بشركات مدنية ودمر الانفاق باعمال ارتجالية مجردة. ومن هنا، مثلا، نبع توقع يعلون المتسرع في انه مطلوب فقط يومان – ثلاثة لتدميرها (عمليا استغرق هذا نحو اسبوعين ونصف). ولما كان هذا خطرا واضحا وفوريا، فقد كان للاستخبارات ايضا واجب للحرص على الاستعداد المناسب له. فلا يكفي نشر كل المعلومات وذكر الانفاق، الى جانب عشرة مخاطر اخرى، في الخطاب السنوي في مؤتمر هرتسيليا.

نقطة الضعف الثانية تتعلق بالصلة بين الاستخبارات والقيادة السياسية. فلا شك أن نتنياهو ويعلون كانا يعرفان بكل التفاصيل، ولكن وزراء الكابنيت بقوا في الظلام. وقبل بضعة ايام من اندلاع الحرب فقط جرى نقاش جدي أول في مسألة الانفاق واكتشف بعض الوزراء بان حماس حفرت أكثر من 30 نفقا على مقربة من الجدار. وفي الجيش يعترفون بانه "يحتمل الا تكون المعلومات اجتازت حافة وعي الكابنيت في ضوء جملة المسائل الامنية التي يعنى بها اعضاؤه.

خطوة حماس

وبينما كانت حماس تحفر الانفاق، علقت في أزمة استراتيجية. نقطة المنطلق معروفة: اسقاط حكومة الاخوان المسلمين في مصر في بداية تموز 2013 وحلول حكم الجنرال السيسي بدلا منه. وغيرت القاهرة الجديدة سياستها بالنسبة للقطاع. فالجنرالات يمقتون حماس ويرون فيها فرعا للاخوان المسلمين ويسرهم التنسيق الامني الوثيق مع اسرائيل. والى جانب فرض القيود في معبر رفح، سدوا تقريبا تماما الحركة في الانفاق للتهريب من سيناء الى القطاع. ووجد سكان القطاع أنفسهم في اختناق اقتصادي متزايد.

وخسرت حماس مرتين: حرمت من المداخيل الكبرى التي جبتها من الضرائب على البضائع المهربة، وفقدت قناة تهريب للسلاح عبر سيناء. وسرعان ما وجدت المنظمة صعوبة في دفع الرواتب لـ 33 الف من موظفيها في القطاع. وفي ضوء الازمة اضطرت الى التوقيع على اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، على أمل أن توفر لها هذه المال اللازم. ولكن حتى هذا الامل تبدد، عندما منعت القيود البنكية التي فرضتها الولايات المتحدة، بتشجيع اسرائيلي من تحويل الاموال الى القطاع من قطر. والى جانب ذلك، واصلت حماس تطوير الخيار العسكري، الذي بدا لها في حينه واعدا أكثر.

في نيسان 2014، اصدر "الشاباك" وثيقة اخطار الى القيادة السياسية واسرة الاستخبارات، وبموجبها فان حماس تعتزم تنفيذ عملية واسعة النطاق في الاراضي الاسرائيلية، على ما يبدو ضد بلدات ومواقع الجيش الاسرائيلي في منطقة كيبوتس كرم سالم. وقدر "الشاباك" بان حماس ستحاول اختطاف جنود ومدنيين لاستخدامهم كاوراق مساومة تلزم مصر واسرائيل على البحث معها في تغيير الوضع وتخفيف الحصار عن القطاع. واستند الاخطار، الذي يقوم على اساس تحليل وضع حماس، الى جزئيتين هامتين أخريين: مؤشرات على نشاط مكثف في اللواء الجنوبي لحماس حول نفق في منطقة رفح، وفهم بانهم في المنظمة يتحدثون عن تموز، شهر رمضان، كنقطة انعطافة ممكنة.

في نهاية ايار عاد "الشاباك" وأكد تقديره. الجيش الاسرائيلي، الذي عرف المعلومات، اتخذ خطوات من جانبه: الى جانب المتابعة الوثيقة لما يجري في رفح، اعلن رئيس الاركان عن موعد جاهزية لجولة عنف اخرى في القطاع، 1 تموز (تأجل بعد ذلك الى 15 منه). وأمر غانتس بتفضيل الاستعدادات في قاطع غزة على قاطع لبنان الذي يوجد بشكل عام في أولوية اعلى. وقبل ذلك قرر رئيس الاركان سنة تدريبات غير متماثلة، في اطار قيود الميزانية: في نصف السنة الاول ستتدرب الوحدات وفي النصف الثاني ستركز على العمل التنفيذي بسبب نقص المقدرات. وهكذا، استغل الوقت ايضا للاستعدادات لغزة. ولكن الجيش لم يبث نحو الكابنيت الحاحا خاصا حول غزة بشكل عام، او النفق الى كرم سالم بشكل خاص. وفي الكابنيت يجدون صعوبة في ان يتذكروا حتى ولا تحذير ملموس واحد في الاشهر التي سبقت الحملة. في بداية حزيران، عندما أعلن الجيش الاسرائيلية عن وقف تام للتدريبات على خلفية صراع الميزانية، لم يرفق اي ضابط كلمة تحذير من الخطر في أنه في القطاع توشك على أن تندلع مواجهة.

مقلق اكثر ما حصل في الضفة الغربية. في 12 حزيران اختطاف الفتيان الثلاثة. ودفع الجيش الى الضفة بافضل الوية المشاة للبحث عنهم الى أن عثر على الجثث. فضلا عن ذلك: يعترف الان معظم رجال الاستخبارات بان اعتقال مئات من نشطاء حماس بمن فيهم ستين سجينا للمنظمة ممن تحرروا في صفقة شاليط، شجع كبار المنظمة في القطاع على المواجهة مع اسرائيل. ولكن هذه الامكانية لم تذكر على الاطلاق في المداولات الكثيرة في اثناء الحملة في الضفة، التي رأى نتنياهو ويعلون فيها وسيلة لعزل القطاع عن الضفة وضرب فرص المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية. فلا "الشاباك" ولا الجيش حذرا في الموعد المناسب بانه يحتمل أن تكون اسرائيل تشعل بذلك النار في الغرفة التي تمتلىء على اي حال بأبخرة الوقود.

حرب تموز

هنا دخل الى البحث اصطلاح مشحون. في اثناء الحرب، في لقاء مع المراسلين على حدود القطاع في 31 تموز، قال ضابط كبير في فرقة غزة ان قيادة المنطقة الجنوبية استعدت مسبقا لـ "حرب تموز" لحماس. وفهم من الاقوال بان الضابط لا يقصد فقط تاريخ الموعد المبدئي الذي قرره غانتس، بل فهم مسبق تبلور في الجيش بان وجهة حماس نحو حرب في هذا الشهر.

في "امان" غير مستعدين حتى ان يسمعوا عن وجود هذا التعبير. ضباط كبار سئلوا عنه عقبوا باستخفاف تام. لا الاستخبارات الاسرائيلية ولا حماس استخدموا مثل هذا المفهوم قبل الحرب، كما يدعون هناك. اما في "الشاباك" بالذات فيتحدثون عنه بحرية. لم نقل ان وجهة حماس نحو حرب في تموز، كما اعترفوا في الجهاز، ولكننا قدرتنا بان هذا يمكن أن يحصل على خلفية أزمتها الاستراتيجية والاستعدادات حول النفق في رفح. تموز، ولا سيما في السياق الديني لرمضان كان موعدا اساسيا.

المسألة حساسة جدا لدرجة أنها اشعلت جدالا عاصفا جدا بين رئيس "امان" اللواء افيف كوخافي ورئيس "الشاباك" يورام كوهين في احدى جلسات الكابنيت الاخيرة. الوزراء لم يسمعوا عن "حرب تموز" مسبقا، وكان بينهم من فوجيء بالقراءة عن هذا التعبير بأثر رجعي، بالذات في وثيقة لمجلس الامن القومي. العقيد احتياط بيسح ملوبني، من خريجي "امان" نشر الشهر الماضي مقالا صحفيا عن الجوانب الدينية لـ "حرب رمضان" التي شنتها حماس في تموز.

موقف حماس على طول الحرب

المرة تلو الاخرى اجتمع الكابنيت للبحث في اقتراحات مصرية لوقف النار وفي معظم الحالات قبلتها اسرائيل. اما حماس فرفضت في البداية ومن ثم وافقت، لزمن محدود، ولكن عادت واستأنفت النار عندما انتهت الهدنة دون أن تقبل مطالبها. واخذا الوزراء الانطباع بان اذرع الاستخبارات عان من تفاؤل مبالغ فيه، بالغوا في تقدير الاضرار التي تكبدتها حماس وقللوا من مدى تصميمها على مواصلة القتال، في اطار ما تسميه المنظمة الصمود. في "امان" يشرحون بان الافتراض بان حماس ستقبل وقف النار لزمن طويل، اشترط دوما بالقول ان الامور منوط بشروط معقولة من ناحيتها للانهاء.

ووجد الوزراء أنفسهم عدة مرات على مدى القتال متفاجئين من استمراره. وجاءت الانعطافة قبل نحو اسبوعين، في ضوء التأثير المتراكم للاعمال الاسرائيلية: مئات قتلى حماس، الدمار المحيطي الهائل في القطاع ولا سيما سلسلة الاغتيالات لمسؤولي المنظمة. وهناك من يولي اهمية ايضا لتدمير عدة ابراج في غزة. ولا يزال، صمدت حماس 16 يوما أكثر من حزب الله في حرب لبنان الثانية. وفي استعراض للمراسلين الاجانب اول أمس اعترف مسؤول كبير في "امان": فوجئنا في أمر واحد. لم نتوقع ان تستمر الحرب خمسين يوما.