خبر هل يقوم نتنياهو الثالث؟- هآرتس

الساعة 08:48 ص|04 سبتمبر 2014

بقلم: آري شبيط

كان بنيامين نتنياهو في ولايته الاولى برئاسة الوزراء زعيما شابا قوي الحضور عقائديا مغرورا مناوئا وكان ثوريا بقدر ما. وكان نتنياهو في ولايتيه الثانية والثالثة ناضجا ورماديا وبراغماتيا ومهادنا وحذرا وغير ثوري. ففي حين كان نتنياهو الاول يسارع الى قلب العالم وتغيير وجه دولة اسرائيل أصبح نتنياهو الثاني يحاول أن يختبيء من العالم ويُقر الوضع في اسرائيل. فهو لم ينطلق الى السلام ولم يبادر الى حرب. وهو لم يجابه فلسطين ولم يوقف ايران. فكل ما استطاع نتنياهو أن يفعله في السنوات الخمس الاخيرة أنه ضمن استقرارا (أمنيا)، واستقرارا (اقتصاديا) واستقرارا (سياسيا داخليا).

وحطم صيف 2014 استقرار نتنياهو. فحينما تتحدى حماس اسرائيل من الجنوب وتصبح القاعدة هي الجارة من الشمال، وحينما تسقط قذائف صاروخية في تل ابيب – لا يمكن أن نؤمن بعد ذلك بأن دولة اسرائيل جرف صامد للاستقرار الأمني. وحينما يتحول النمو الاقتصادي الى تباطؤ قد يصبح ركودا لا يمكن أن نقول إن اسرائيل هي واحة نماء واستقرار اقتصادي. وحينما يصبح رئيس الوزراء معزولا في حزبه وحكومته بل في مجلسه الامني الوزاري المصغر لا يمكن أن نزعم أنه يوجد في اسرائيل استقرار سياسي.

        إن الأساطين الثلاث التي قام عليها حكم نتنياهو الثاني سُحقت سحقا دقيقا. وما زال نتنياهو يُرى الى الآن شخصية رئاسية لا منافس لها، لكن ليس عنده مقولة زعامية حقيقية يستطيع أن يخرج بها الى الاسرائيليين ويثير حماستهم.

        إن المفارقة الساخرة دقيقة وذاك أن نتنياهو فعل الشيء الصحيح ثلاث مرات في حياته حينما وقع في 1998 على اتفاق مرحلي مع ياسر عرفات، وفي 2003 حينما أنقذ اقتصاد اسرائيل، وفي 2014 حينما منع كارثة حرب شاملة في قطاع غزة. لكن نتنياهو لم يُجازى عن أي واحد من هذه الافعال الصحيحة بل عوقب. وحينما خسر اليمين في تسعينيات القرن الماضي طعنه الوسط واليسار بسكين في ظهره. وحينما خسر طبقة العمال الليكودية في الالفية الثالثة فضلت الطبقات العليا (التي أغناها)، فضلت "كديما" عليه. وحينما جعله توجهه المنضبط في عملية الجرف الصامد يخسر نقاطا عند المتطرفين لم يعطه المعتدلون أي تفويض.

        قد يكون هذا هو السبب الذي جعل نتنياهو يشيخ كثيرا بين ولايتيه الاولى والثانية، فقد جرب على جلده أنه حينما يفعل يسقط. ولهذا بذل كل ما يستطيع في سنواته الخمس الاخيرة كي لا يفعل. لكن عدم الفعل استنفد نفسه ايضا في نهاية هذا الصيف القاسي وأفضى انهيار الاستقرار الى انهيار نتنياهو الثاني.

        سيواجه رئيس الوزراء في الخريف والشتاء القريبين معضلة هوية لأنه لما كان ما كان لن يكون بعد الآن فليس يكفي شيء آخر مما كان. واذا لم يُعرف نتنياهو نفسه مرة اخرى فسيفترسه اليمين الجديد المهاجِم. فلا يستطيع إحداث تحول سوى ظهور مفاجيء لنتنياهو ثالث، لكن هل يملك ما يكفي من قوى النفس كي يخلق نفسه مرة اخرى؟ قد يكون جواب ذلك بعد القرار القبيح في شأن المستوطنات، قد يكون شكاً، شكاً كبيرا.

        ليس بنيامين نتنياهو بشراً، وليست عنده صداقة وليس له اخلاص ولا سخاء ولا اعتراف بالجميل. وهو لا يرى الآخرين ولا يحسب لهم حسابا إلا اذا استخدموه أو هددوه، لكن يُقال في فضله إنه ليس هزليا كالساسة الجدد وليس متوحشا كالقوميين الجدد بل فيه شيء من احترام الرسمية ونواة مسؤولية وله قدرة مبرهن عليها. فاذا عرف نتنياهو كيف يصل نفسه بهذه المزايا ويتجه بها الى الوسط آخر الأمر فقد يستطيع أن يُخلص نفسه، لكنه اذا تمسك بنقاط ضعفه فان زمانه قد ولّى. وهو لن يسقط على سيفه الجابوتنسكي بل بسبب حقيقة أنه لم يعرف كيف يبدأ مجددا.