تحليل اليمين محصن ونتنياهو يحتكر إدارة الدولة

الساعة 11:56 ص|03 سبتمبر 2014

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية (3/9/2014)

ما إن انتهت الحرب العدوانية على لبنان تموز 2006 التي أدارها الثلاثي (أولمرت – بيرتس – حالوتس) حتى تعالت الأصوات الإسرائيلية من كل صوب منتقدة الإدارة الفاشلة للحرب، ومطالبة بتشكيل لجان تحقيق قضائية مستقلة، بينما نجد نتنياهو ينهي حربة على غزة بخطاب مرتبك ويطوي صفحة الحرب، ويعود مع الأحزاب للاشتغال بالسياسات الداخلية، وفي اليوم التالي تظهر استطلاعات الرأي رضاءً شعبياً عن إدارته للحرب بنسبة 52% وازدياد شعبية "الليكود" برئاسته إلى 26 مقعداً، وازدياد كتلة اليمين بشكل كبير، بحيث يمكنها من الحصول على الواحد وستون مقعداً لتشكيل أي حكومة دون الحاجة للائتلاف مع أحزاب الوسط.

للوهلة الأولى تبدو النتائج السياسية الحزبية للحرب مقلوبة وغير مفهومة ومتناقضة مع السياق المنطقي، ونحن هنا نتحدث عن النتائج الفورية المباشرة، وليس التفاعلات المستقبلية بعيدة المدى، التي ربما تكون على عكس الحالية.

عودة لحرب تموز على لبنان؛ فقد وصفها الاسرائيليون مباشرة بعد انتهائها بأنها الحرب الأكثر فشلاً، ورغم ان الجيش شكل أكثر من لجنة تحقيق لتفادي لجان تحقيق قضائية ولقطع الطريق عليها؛ إلا ان الإصرار الكبير للمعارضة بزعامة نتنياهو وللنخب وللإعلام وتظاهر قوى الاحتياط اضطر أولمرت للانصياع، وشكل لجنة برئاسة القاضي فينوغراد، وقد اضطر وزير الحرب عمير بيرتس، ورئيس الأركان دان حالوتس للاستقالة، وتحمل أولمرت مسؤولية الفشل في إدارة الحرب وفحص قدرات الجيش وخططه وموارده، والفشل في استعداد الجبهة الداخلية للحرب، لكن وبعد سنوات من الحرب التي وصفوها بالفاشلة، يجمع الإسرائيليون على انها كانت الحرب الأكثر نجاحاً، وذلك مقارنة بنتائجها التي يزعمون انها أدت الى ردع حزب الله، بحيث ترجم ذلك بثماني سنوات من الهدوء على الجبهة الشمالية.

وبالمقاربة بين نتائج الحربين على الجانب الإسرائيلي؛ فنتائج الحرب على غزة على الجبهة الاسرائيلية ليست فقط مساوية لحرب تموز 2006، بل وأشد إيلاماً وأكثر كياً للوعي الإسرائيلي، وقد اضطرت إسرائيل ان تقدم تنازلاً، مهما كان بسيطاً، كانت ترفضه قبل الحرب.

فإن كان الأمر كذلك، وهو كذلك فعلاً، فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا وصفت حرب تموز 2006 بالفشل والهزيمة وأقيمت لها لجان التحقيق وسنت السكاكين وقطعت الرؤوس، بينما توصف حرب تموز 2014 على لسان القادة والزعماء والكثير من الاعلاميين والرأي العام بأنها انتصار أو أقله حققت أهدافها وتوصف إدارة نتنياهو للحرب بالناجحة؟!

 

اليمين حصين على الانتقاد

يعود الأمر لأسباب كثيرة منها ما له علاقة بطبيعة المعارضة وضعفها وموقعها، ولانزياح المجتمع الاسرائيلي كلية إلى مواقع أكثر تطرفاً، ولأسباب أخرى لها علاقة بتقاليد وثقافة ووعي عميق يسود المجتمع الاسرائيلي ومكوناته السياسية والاجتماعية؛ ثقافة تمنح اليمين، تبرئ اليمين من شبهات الهزيمة والتنازل وتحتفظ بهذه الشبهات لمن يوصفون باليسار، فهؤلاء مشكوك في نواياهم وأعمالهم ومطعون بوطنيتهم إلى ان يثبتوا العكس، أما اليمين فهو منزه عن شبهة الطعن بوطنيته، حتى لو هرب من غزة وفكك مستوطناتها، هذه الثقافة هي التي جعلت بيغن قادراً على توقيع "كامب ديفيد" والانسحاب من سيناء، وسوغت لشارون الانسحاب من القطاع وتفكيك المستوطنات، وهي التي جعلت بيريس سنة 96 يتراجع عن تسليم مدينة الخليل للسلطة، وقيام نتنياهو بذلك بعد ان فاز بانتخابات سنة 96، وهي التي حفرت عميقاً في أذهان الإسرائيليين شعار "فقط اليمين يستطيع".

كما ان يمينية الاعلام الإسرائيلي تلعب دوراً هاماً في تمكين اليمين وإفلاته من المسؤولية، والاعلام يتمتع بتأثير ونفوذ كبيريْن، وهو مرآة للمجتمع الإسرائيلي، لا سيما انه اعلام تجاري استثماري يبحث عن الجمهور الواسع ويستقيم مع توجهاته ويجتهد ألا يغضبه، وألا يوسم باليسروية، فضلاً عن ان كبار الاعلاميين المتنفذين يحملون توجهات يمينية، وجلهم تقريباً يصوتون لليكود أو ليمين الوسط، ورغم بعض المناكفات والانتقادات المتواضعة التي يروج لها بعض الاعلاميين ضد الجوانب السياسية أو الحياتية الشخصية للزوج نتنياهو؛ إلا انهم عامة تبنوا رواياته السياسية، وأشهرها وأكثرها يمينية وتأثيراً تلك التي تتعلق بعدم وجود الشريك الفلسطيني.

أما على مستوى تسويق الاعلام لنتائج الحرب، فيكفي متابعة أسئلة الصحفيين لنتنياهو ويعلون في خطاب انتهاء الحرب وفي اللقاءات اللاحقة، لتلاحظ جلياً كيف يمنحوه لقاءً بيتياً دافئاً، ويتجنبون بحرص شديد طرح ما يعرف بالأسئلة الصعبة والمحرجة، ويتعاملون معهما بحفاوة وبأكف من حرير.

وعليه؛ فاليمين الاسرائيلي لا زال محصناً ضد الانتقادات، سواء على مستوى الأداء العسكري في الحرب على غزة – رغم كل مظاهر الفشل على المستوى الأمني، وعلى مستوى الإدارة والأداء الحكومي – أو على المستوى السياسي فيما يتعلق بالمفاوضات وفرص التسوية.

وأي حديث عن لجان تحقيق راج قبل نهاية الحرب، دفن مع نهايتها، ولجان التحقيق التي قد تشكل ستكون داخلية، ولأغراض فنية، وربما ستفتح الأجهزة القضائية المدنية تحقيقات محددة في بعض ما عرف من حالات ارتكاب جرائم قتل ضد مدنيين بهدف تحسين صورة القضاء الاسرائيلي في ساحة القضاء الدولية، ولتعطيل وقطع الطريق على أية مطالب تطالب بإجراء تحقيقات في جرائم الحرب.

 

نتنياهو خسر الزعامة وظل الافضل لإدارة الدولة

في حملته الانتخابية الأخيرة؛ سوق نفسه كالزعيم الاسرائيلي الأقوى للانتصار على حماس، تحت شعار "بيبي قوي ضد حماس"، وقد تبنى الإسرائيليون ذلك، لكنه اليوم لا يستطيع، ولا يجرؤ على تبني ذات الشعار، وكما تقول "هآرتس" فقد فقدت زعامة نتنياهو بريقها، ولم يبقَ له إلا الترويج أنه الاقدر على إدارة الصراع في ظل المحافظة على الوضع القائم، أي الأقدر على المحافظة على السفينة من الغرق، والأقدر على تشكيل الحكومة وادارتها، فقد تحول من زعيم في نظر الاسرائيليين الى مجرد مدير.

ومن حسن حظه ان لا أحد يستطيع حتى الآن ان يقدم نفسه زعيماً لمعسكر اليمين، رغم كل محاولات ليبرمان في هذا الاتجاه، كما لا يستطيع أن ينافسه على لقب المدير، والأمر الذي يعني ان اسرائيل بقيت عالقة بلا زعامة مضطرة ان تكتفي بقدرة نتنياهو على الإدارة.