خبر تداعيات عدوان غزّة تطيح بجدول الأعمال الاقتصادي والاجتماعي الإسرائيلي

الساعة 11:34 ص|02 سبتمبر 2014

كتب: صالح النعامي

انهار جدول الأعمال الاقتصادي الاجتماعي الإسرائيلي بسبب العدوان على غزة، ونجحت الاحتجاجات والتظاهرات العارمة، التي اندلعت خلال عام 2010، في تكريس الجدول لكنه انهار مع أول صاروخ فلسطيني.

وكانت التظاهرات قد عمّت معظم المدن الإسرائيلية احتجاجاً على ارتفاع الأسعار وتفاقم أزمة السكن قبل أربعة أعوام. واعتبرت هذه التظاهرات حينها العامل الرئيس الذي أثّر على نتائج الانتخابات الأخيرة، إذ حل حزب "ييش عتيد"، برئاسة وزير المالية الحالي يائير لبيد، والذي تعهّد بتبني مطالب المحتجين، في المركز الثاني بعد حزب "الليكود" الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو.

يتمثّل المؤشر في تراجع بريق الأجندات الاجتماعية والاقتصادية في نتائج استطلاعات الرأي العام المتواترة التي أجريت في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار، إذ دلّلت على تراجع قوة "ييش عتيد" بشكل كبير مقابل تعاظم التأييد لحزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الديني الصهيوني واليمين المتطرف بشكل عام والذي يتزعمه وزير الاقتصاد نفتالي بنيت.

ومن الواضح أن تعاظم التأييد بشكل خاص لحزب "البيت اليهودي" يعكس الاتجاهات العامة للرأي العام في إسرائيل. فقد كان بنيت أكثر الوزراء حماسة لمواصلة الحرب على غزة وتعميقها وجاهر برفضه اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يتوانَ عن وصف نتنياهو، بـ"التردّد والجبن".

وبشكل عام، فإن استطلاعات الرأي العام تؤكد أنه في حال أجريت الانتخابات العامة في الوقت الحالي، فإن اليمين الإسرائيلي سيتمكن من تشكيل حكومة حتى من دون الاستعانة بالأحزاب التي تمثل التيار الديني الحريدي، ممثلاً في حركتي "شاس" و"يهدوت هتوراة"، رغم أن هاتين الحركتين حليفتان طبيعيتان لليمين.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي العام تدلّل على أن غالبية الإسرائيليين لا تزال ترى في نتنياهو المرشح الأنسب لقيادة إسرائيل في المرحلة المقبلة، إلا أنه في حكم المؤكد أن تأثير قوى اليمين واليمين المتطرف على دوائر صنع القرار ستتعاظم بشكل غير مسبوق بعد تشكيل الحكومة المقبلة.

ويبدو أن المجتمع الإسرائيلي قد اختار الهروب إلى الأمام، إذ إنه في الوقت الذي أثبت فيه العدوان على غزة بؤس الرهان على خيار القوة العسكرية، إلا أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين اختارت تحديداً مواصلة التشبّث بهذا الخيار عبر منح الثقة للقيادات ذات التوجهات المتشددة في كل ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية.

ومن الواضح أن أكبر الخاسرين من هذه التحولات هي الطبقة الوسطى، التي مثّلتها بشكل خاص الفئات الشبابية التي نظمت الاحتجاجات الاجتماعية، والتي ركب موجتها لبيد الذي كان حتى ذلك الوقت مجرد مقدم برامج إخبارية في القناة "الثانية" الإسرائيلية. ويعني تغليب الأجندة الأمنية على الأجندة الاجتماعية بعد الحرب بشكل واضح، إضافة الكثير من المال إلى موازنة الجيش. فقد كشفت القناة "الأولى" الإسرائيلية، مساء يوم الجمعة، أن هيئة أركان الجيش تطالب بإضافة 19 مليار شيكل (نحو 6 مليارات دولار) لموازنة عام 2015. ومن الواضح أن هذه الزيادة ستكون على حساب موازنة الوزارات الخدمية الأخرى، وستؤثر حتماً على مخططات وزارة المالية لمساعدة الأزواج الشابة في الحصول على سكن في ظروف مريحة.

وعلى الرغم من أن لبيد يدعي، حتى الآن، التصميم على عدم زيادة الضرائب لتغطية نفقات الحرب، إلا أن معظم المعلّقين الاقتصاديين يؤكدون أن زيادة الضرائب باتت أمراً محتّماً. وممّا لا شك فيه أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلة هم أكثر قطاعات الإسرائيليين ارتياحاً للتحولات المرتقبة في موازين القوى الحزبية. فليس سراً أن حزب "البيت اليهودي" هو أكثر أحزاب اليمين تمثيلاً للمستوطنين، فباستثناء بنيت، والنائب إليت شكيد، فإن جميع نواب ووزراء هذا الحزب هم من المستوطنين، علاوة على أن المرجع الديني الأبرز للحزب هو الحاخام دوف ليئور، أحد أكثر الحاخامات تطرفاً في مستوطنات الضفة.

وتعني زيادة تمثيل "البيت اليهودي" في الحكومة المقبلة، طفرة هائلة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، مع العلم أن "لوبي الاستيطان" في الكنيست يضم نواباً من جميع أحزاب اليمين والكتل الدينية.

وكان نتنياهو قد تباهى، طوال الحرب وبعدما وضعت أوزارها، بحجم التأييد الذي تحظى به إسرائيل لدى "محور الاعتدال العربي"، مقارنة بحركة "حماس". وفي حال تشكلت حكومة بناءً على استطلاعات الرأي التي تُجرى حالياً، فإن مثل هذا التطور سيقلّص من هامش المناورة أمام قادة "معسكر الاعتدال" بشكل كبير وسيحرجهم إلى أبعد حد. فمنذ الآن وحتى قبل تحديد موعد الانتخابات المقبلة، فإن نواباً عن أحزاب "الليكود"، "البيت اليهودي"، "إسرائيل بيتنا"، و"شاس" يجاهرون بنيّتهم تقديم مشاريع قوانين لتغيير الواقع القانوني والديني في المسجد الأقصى. وضمن هذه المشاريع، مشروع ينصّ على تفعيل السيادة الإسرائيلية على الأقصى، والذي يعني تطبيقه نقل الإشراف على المسجد من دائرة الأوقاف الإسلامية إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، ناهيك عن جملة من المشاريع الكفيلة بإشعال الأراضي الفلسطينية.

وسيزيد تعاظم قوة اليمين بشقيه الديني والعلماني في الانتخابات المقبلة من وتيرة سَنّ التشريعات المجنونة التي ستحرج قيادة السلطة الفلسطينية و"محور الاعتدال"، إلا أنه بخلاف الحرب على "حماس"، فإنه سيكون من المتعذّر تبرير الصمت على الاعتداءات على المقدسات الإسلامية.

أما عن مستقبل التسوية السياسية للصراع، فإنه من الأهمية بمكان استحضار ما جاء في المقابلة التي أجرتها أخيراً إذاعة "عروتس شيفع"، التي تمثّل المستوطنين، مع بنيت. فقد سئل عن ردة فعله في حال التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في مكان ما، فرد قائلاً: "سأقوم بضمّه لصفوف (البيت اليهودي)، وأطلب منه أن يصنع لي فنجاناً من القهوة".