لعائلة الخليلي

تقرير « الإفطار الأخير »

الساعة 06:37 ص|30 أغسطس 2014

لم تكن تعلم أم أشرف الخليلي ان جلوسها مع أفراد عائلتها لتناول طعام الإفطار وتبادل الابتسامات بينهم سوف تكون هي اللحظات الأخيرة التي تجمعهم في هذه الدنيا الفانية ليرتقوا بعدها شهداء باستثنائها التي بقيت تردد في مرات عديدة اثناء حديثنا معها ذكريات الماضي الجميل التي بددها الاحتلال الى جحيم.

" فلسطين اليوم " تحدثت مع أم أشرف ذي الخمسين عاماً لتروي حكاية فقدانها إفراد عائلتها فتقول : "تركنا بيتنا مع بداية العدوان البري في حي التفاح المكون من ثلاثة طوابق ويقطن به ثمانية عشر فردا من أبنائي وزوجاتهم، لنعود ونجتمع في ليلة العيد بعد تفرقنا أياماً عدة لنقضي اليوم الأول والثاني من العيد في أجواء أسرية طوال فترة الحرب فمنذ أيام ونحن متفرقين ومهجرين وكأن إرادة الله عزو جل جمعتنا لأودع أبنائي وأطفالهم".

وتتابع والحزن يملأ نبرات وجهها....ليلة حدوث الفاجعة التي لم تتخيل وقوعها يوماً وتصفها بالمحرقة ضد أبنائها فتقول:" لقد كانت ليلة مش عادية وقصف الطائرات والمدفعية لم يتوقف، فاستيقظ زوجي أبو اشرف من النوم وقال :"الخبط اليوم كثير وعلينا مغادرة البيت ، فأعددت الفطور للجميع وافطرنا وجهز كل واحد منا نفسه لنخرج من البيت".

وتكمل:" بعد تناول الفطور طلب مني زوجي أن لا نخرج دفعة واحدة، فخرجت إحدى زوجات أبنائي وأطفالها، ثم غادرت أنا وزوجي وأبنائي غير المتزوجين، وانتظر كل من أحمد وأشرف السيارة لتنقلهم إلى حيث يريدون في الحاكورة ، ولسان حالها يقول: لكنهم لم يعلموا أن الله عز وجل أراد لهم الانتقال إلى جواره مع عائلتهم كاملة .

وأضافت قائلة :"خرجنا ونحن نرتجف من شدة الخوف وأعصابنا متعبة متوجهين إلى بيت ابنتي في حي الصبرة وما هي إلا دقائق حتى جاءني اتصال وأخبرني بوقوع قذائف في بيتنا فاتصلنا على أبنائي فلم ترد هواتفهم، وبمجرد وصولنا جاءنا اتصال آخرى تخبرنا ان الإسعافات تنقل جثث من بيوتكم فقال أبو اشرف بعوض علينا الله" .

لقد استهدف الاحتلال أبنائي بدون أي تحذير وهم جالسون في بيتهم آمنين بعيدين عن التحزب السياسي وحياتهم من أجل عملهم وأطفالهم، فقرر إنهاء حياتهم بعد أن اختار لهم القدر الموت وقتل أطفالهم في عمر الزهور ومزق جلودهم الرقيقة دون أي ذنب سوى أنهم فلسطينيين وبصوت خافت تقول: "هكذا هي الطفولة في فلسطين تعيش وسط القذائف والصواريخ".

خلال حديثها مع "فلسطين اليوم" كانت تذرف الدموع بكاءً على من فارقتهم وشوقاً لأبنائها وأحفادها الذين سرقتهم آلة الحرب الطاحنة: " فقدنا عائلتين بأكملهما وهم عائلة أشرف ابن الثانية والثلاثين من عمره وزوجته 27 عاماً وأطفاله محمود سبع سنوات و ديمة خمس سنوات وزياد الذي لم يكمل الثلاث سنوات، وعائلة أحمد 28 عاماً وزوجته 24 عاما الحامل بجنينها الذي لم يتجاوز الشهرين وطفلتهم 4 سنين ولسان حالها يقول:" عائلتين بأكملها مُحيت من السجل المدني حسبنا الله ونعم الوكيل".

وصمتت برهة:" حتى أننا لم نجد لهم جثث فقد أصابهم صاروخين قطع أشلاءهم ومزقها ومن شدة فظاعة المشهد لم يسمح لي زوجي برؤيتهم ووداعهم" حرموني من وداعهم الله ينتقم منهم اليهود وحسبنا الله وإنا لله وإنا إليه راجعون رحلوا وتركونا نموت موتاً بطيئاً من شدة حزننا عليهم وما يواسينا هو ارتقاؤهم شهداء ".

وما أثر في نفسي حفيدي محمود الذي لم يتجاوز سبع سنين وأضرمت النار في جسده البريء، في مشهد مأساوي لا يحتمله بشر، الذي خرج يجري إلى الشارع وجسده يشتعل ناراً وينادي "طفيني ياعمي" ليحول على جناح السرعة إلى مستشفى الشفاء وبعدها ينقل للعلاج في مصر ولكنه توفي بعد يومين وفشلت محاولات عقله الصغير في النجاة بروحه .

وأمسكت أم أشرف صور ابنها أشرف وزوجته وأطفاله قائلة " يا حبايبي لقد فقدناكم وأصبحتم مجرد صور، واضافت لقد دمر البيت وفقدنا الرزق حيث دُمر المصنع الذي استمر اشتعال النار فيه لمدة ثلاثة أيام قضت عليه بالكامل لنصبح بلا مال والحمد لله على كل حال "

هذه مأساة إحدى مآسي العائلات الفلسطينية التي خلفها الاحتلال باستهدافه إبادة عائلات بأكملها، في جرائم لا يصدقها أي عقل دون أي ذنب يقترف وهم في بيوتهم آمنين.. مأساة تتكرر من حرب إلى حرب على يد نفس العدو وبنفس الصواريخ, ولكن ما يختلف فقط اسم العائلة تحت صمت دولي وتخاذل عربي وتنكر للمواثيق والقوانين الدولية.