خبر كاسر تعادل-يديعوت

الساعة 09:44 ص|28 أغسطس 2014

بقلم: يوفال ديسكن

(المضمون:إن مبادرة سياسية بعيدة المدى فقط في الوضع الذي نشأ ستُمكن اسرائيل من أن تحول المواجهة العسكرية مع حماس من تعادل تكتيكي بين دولة قوية ومنظمة ارهاب، الى ضربة قاضية استراتيجية - المصدر).

 

إن الهدنة التي أحرزت مع حماس تدع الجمهور الاسرائيلي خائب الأمل. فقد اختار المستوى السياسي ألا يهزم حماس عسكريا واكتفى بضربة شديدة لمنظومة الانفاق الهجومية وبضربة جوية كثيفة أصابت بنى المنظمة التحتية وأحدثت دمارا عظيما في قطاع غزة. ومع ذلك ما زالت حماس قادرة الآن ايضا على أن تهدد بلداتنا حتى ظاهر حيفا. وتوقع الجمهور في اسرائيل الذي تحمل العبء بل منح المستويين السياسي والعسكري تفويضا كبيرا جدا، توقع نهاية مختلفة. كان العوض الذي حصلنا عليه مُخيبا للأمل وممزوجا بشعور هناك من يسمونه "كآبة".

 

سنصبح كلنا جميعا في الايام القريبة هدفا لحملة دعائية كثيفة. وسيُبينون لنا أن الجيش الاسرائيلي ضرب حماس ضربة بليغة وسيحاولون اقناعنا بالأدلة والبراهين – كما قال وزير الدفاع يعلون – بأننا "وسمنا وعي حماس". وبحسب هذا المنطق ستخشى حماس من أن تدخل مواجهات عسكرية في المستقبل مع الجيش الاسرائيلي بسبب العقاب الشديد الذي أصابها.

 

لست أسارع الى التشويش على "فرح انتصار" الدعائيين الرسميين، لكن خبرتي بمحاربة الارهاب علمتني أن وعي البشر ليس وسطا مغناطيسيا قابلا للوسم لمرة واحدة وعلى نحو لا رجعة عنه. والذي يُصر مع كل ذلك على التمسك بهذا المفهوم يجب عليه أن يفحص في صدق عن أنه كيف "وُسم وعي" سائر أعداء اسرائيل – وكيف وُسم ايضا وعي اسرائيليين كثيرين كانوا يشاهدون بلدات كاملة في الجنوب تخلو من سكانها.

 

يؤسفني أن عدم الحسم العسكري في عملية الجرف الصامد يخلف في وعي قادة منظمات الارهاب الاسلامية المتطرفة في سوريا ولبنان والعراق صورة اسرائيل الضعيفة. وهو يرون أن الدولة اليهودية ذات أقوى جيش وأكثره تسلحا وإحكاما في الشرق الاوسط لا تنجح في أن تهزم في أكثر من خمسين يوما منظمة ارهاب تسيطر على مساحة محدودة من الارض. وفي هذه الايام خاصة التي أصبح فيها تهديد المنظمات الارهابية الاسلامية المتطرفة كبيرا جدا يوجد لهذا الوعي المتشكل معنى بعيد المدى.

 

يجب أن تهتم دولة اسرائيل اهتماما كبيرا بانهاء المواجهة العسكرية في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن مع المبادرة على اجراءات ومبادرات خلاقة تُثبت تسوية سياسية، لكن المشكلة هي أن المبادرة ليست الطريق التي

 

تحبها القيادة السياسية الامنية التي تقود المواجهة الحالية. ويبدو أنه يوجد نوعان من المبادرات الممكنة التي يمكن بل من المراد جدا التأليف بينها: وأحد تلك الامكانات وقد كتب فيه الكثير من الكلام وليست له صلة بالواقع الآن هو المبادرة الى اجراءات عسكرية برية تفضي بحماس على الأقل الى شعور بانهيار قريب إن لم يزد على ذلك. وكما قد ذكرت في الماضي يمكن تنفيذ هذه الاجراءات ايضا دون احتلال قطاع غزة كله.

 

والامكان الباقي هو "الخروج من الصندوق" والنظر في كل ما يحدث في منطقتنا برؤية استراتيجية تُمكّن من فهم أن المعركة في قطاع غزة هي حادثة صغيرة نسبيا قياسا بالتحديات التي تواجهنا بها سائر المسارات الاقليمية. والطريقة المرادة في الوضع الذي نشأ هي مبادرة سياسية ذات معنى مفاجِئة جريئة تأخذ هذه الازمة وتحولها الى فرصة اقليمية. ويحسن في هذه الحال أن نفحص على نحو واع شجاع عن خيارات رفضناها في الماضي، وقد حان الوقت لنفض الغبار عن مبادرة السلام العربية وتحديثها وتنقيحها لتصبح مسيرة اقليمية كبيرة مفاجئة يُحل في ضمنها بالتدريج – ومع ضمانات أمنية كبيرة جدا لاسرائيل – الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ايضا.

 

وتشمل هذه المسيرة دولة اسرائيل ودولا عربية لها معها مصالح مشتركة كثيرة وهي القلق من ايران الساعية الى القدرة الذرية والخشية من تهديد الاسلام الاصولي المتطرف الذي يزداد قوة والخشية من عدم الاستقرار الذي أدخل الربيع العربي المنطقة كلها فيه. ولهذا الاجراء في الصعيد السياسي الدولي معطيات ابتدائية طيبة، فالسعودية ومصر والاردن وامارات الخليج والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ودول اخرى في العالم ايضا كما يبدو من المحتمل احتمالا كبيرا أن تؤيد هذه المبادرة وتساعد على دفعها قدما.

 

ليس ذلك عملا سهلا ألبتة، لكنه الطريقة الصحيحة لا للسير باسرائيل نحو مصالحة اقليمية فقط ولا لاستغلال واقع جغرافي سياسي مريح لاسرائيل فقط بل لسحب البساط الدولي والعربي والفلسطيني بالتدريج ايضا من تحت أقدام حماس ولجعلها تقف في مواجهة قرارات حاسمة مهمة. وسيجعل اتفاق يحظى بدعم العالم عامة والعالم العربي خاصة وفيه وكلاء حماس، سيجعل حماس منظمة ارهابية تتمرد على حكومة معترف بها قانونية وقعت على اتفاق سلام مع دولة اسرائيل. وسيكون أسهل كثيرا في هذه الظروف الجديدة عزل حماس وإضعافها.

 

اذا عرفنا كيف نساعد على تنمية الضفة الغربية من جهة اقتصادية فسيأخذ في التشكل على مرأى من سكان القطاع واقع عيش بديل أشد سحرا مما تقدمه سلطة حماس. وسيسهم في الاستمرار على إضعاف المنظمة لا عسكريا فقط بل عند الجمهور ايضا. وحماس منظمة الشرعية العربية والدولية عزيزة عليها جدا، وهذا يوجب عليها وسيوجب اظهار براغماتية سياسية ما. ولست أوهم نفسي بأن المنظمة ستغير قيمها الأساسية لكنها تعلم مثل حركات دينية سياسية اخرى كيف تؤجلها الى موعد أكثر راحة حينما يقتضي الامر ذلك.

 

تتجسد مأساة اسرائيل في حكومتها الحالية التي لا تستطيع أن تنتهز الفرصة وتثبت للتحدي، ولم يبق لنا تحت هذه الحكومة سوى أن نستعد للجولة العنيفة التالية مع حماس. إن عدم شجاعة قيادية لتحديد أهداف

 

أبعد للعملية العسكرية على حماس يصبح عدم شجاعة لتحريك مسار سياسي يكسر التعادل في الساحة الدبلوماسية.

 

إن اسرائيل تقودها اليوم قيادة مستكينة وائتلاف حكومي يُملي شللا سياسيا. وإن مبادرة سياسية بعيدة المدى فقط في الوضع الذي نشأ ستُمكن اسرائيل من أن تحول المواجهة العسكرية مع حماس من تعادل تكتيكي بين دولة قوية ومنظمة ارهاب، الى ضربة قاضية استراتيجية.