خبر الحرب التي قلبت أحشائي- هآرتس

الساعة 09:18 ص|28 أغسطس 2014

بقلم: جدعون ليفي

كان ذلك قبل اربع سنوات حينما وسمت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية مقابلة صحفية بعنوان: "هل جدعون ليفي أكثر رجل مكروه في اسرائيل أم هو الأعظم بطولة؟". وكان هذا السؤال داحضا ولست أكثر المكروهين ومن المؤكد أنني لست الأعظم بطولة. وأصبح الجواب في صيف 2014 يبدو أكثر قطعا وهو أنني المكروه أكثر من غيري وأنني أقع في المكان الثاني بعد خالد مشعل، وليس هذا لذيذا لكنه ليس فظيعا ايضا في هذا الوقت. ولا يجوز أن يتحول القاص الى قصة؛ فالصحفي هو أبدا الوسيلة لا الهدف، ولكن مع كل ذلك.

 مع كل ذلك لا يمكن أن نتجاهل السؤال المضايق وهو كيف حدث أن صحفيا ما – ليس أكثر من يُقرأ وهو يكتب في صحيفة واحدة ليست الأوسع انتشارا – قد أصبح مستهدفا لهذا الغضب والكراهية. وكيف يمكن أن يكون مرآة صغيرة مشروخة، ومصباح جيب صغير قادرين على اخراج هذا القدر من الغضب، وكيف يمكن أن يكون صوت واحد مختلف قد أهاج هذا العدد الكبير من الاسرائيليين من اليمين ومن اليسار ومن الشمال ومن الجنوب. ليس ذلك إلا لأن أدنى المهتاجين قدرا هم ناس ذوو ضمائر يبدو أنهم يشعرون ايضا بأن شيئا ما يحترق تحت أقدامهم وتحت بطائن التسويغات والدفاعات التي مهدوها لأنفسهم لأنه لو لم يكن الامر كذلك فلماذا يغضبون بهذا القدر. ولماذا لا يكونون أكثر ثقة بعدالتهم؟.

 الحقيقة أنني فخور جدا بما كتبته في هذه الحرب البغيضة، وأنا أخجل من الردود التي أثارها كلامي والتي شهدت على المجتمع الاسرائيلي الذي يتنكر للمعرفة ويهرب من البشرى ويكذب على نفسه بدعايته وكراهيته أكثر مما يشهد عليّ. لم توجد حرب اخرى مثل هذه الحرب التي قلبت أحشائي كثيرا في كل يوم وفي كل ساعة، وقد طاردتني صور غزة وكانت مخيفة، وهي لم تكد تعرض في وسائل الاعلام الاسرائيلية التي هي المتعاونة الكبرى في هذه الحرب طواعية وصدورا عن بواعث تجارية. كنت أعتقد أنه لا يمكن ألا تزعزعنا جرائم غزة، وأنه يجوز أن نعبر عن رحمة بسكانها، وأن 2200 قتيل أمر مزعزع وأنه لا يهم ألبتة هل هم فلسطينيون أم اسرائيليون، وأنه يجوز أن نخجل، وأنه يجب أن نُذكر بأنه يوجد من يتحملون المسؤولية عن القسوة المفرطة، وليسوا من حماس فقط بل هم من الاسرائيليين قبل الجميع، من زعمائهم وقادتهم بل من طياريهم.

        وكان ذلك كثيرا جدا عند الاسرائيلي من الاوساط الذي اعتاد أن يتهم العرب والعالم كله بمظالم دولته كلها ولا سيما وقت الحرب. واعتقدت أن الواجب عليّ أن أعبر عما فيّ من شعور في زمن الحقيقة هذا خاصة. وعلمت أن ذلك لن يغير الكثير لكنني شعرت بأنه يجب قول ذلك. واعتقد الأكثرون من الاسرائيليين خلاف ذلك، فقد اعتقدوا أن المقارنة بين دم ودم ظلم وأن الشعور بالزعزعة خيانة وأن الرحمة كُفر وأن القاء المسؤولية خطيئة لا تُغفر.

        برهن التاريخ أيها الرفاق الأعزاء منذ زمن على أن الأكثرية المغسولة الادمغة ليست على حق دائما ولا سيما حينما تنقض بهذا العنف على الاقلية المستهان بها.

        كنت أغطي الاحتلال الاسرائيلي منذ نحو من 30 سنة، وقد أكون رأيت من مظاهر الاحتلال أكثر مما رأى كل اسرائيلي آخر ما عدا عميرة هاس، وهذه هي خطيئتي الاولى. وهذا ما صاغ وعيي أكثر من كل شيء آخر، فقد سمعت الاكاذيب كلها ورأيت المظالم المستديمة عن كثب. وقد بلغت الآن درك آخر من دركها الأسفل في هذه الحرب اللعينة وعن ذلك كتبت صحيفة "هآرتس" التي اصبحت هي ايضا هدفا للكراهية. ولم يكن ذلك من حقنا فقط بل كان واجبنا المهني.

        ولم تغير شيئا نظرات الكراهية في الشوارع والشتائم والهجمات، ولن تغير ايضا. وقد توحد اليمين الأزعر والوسط الوادع غير المبالي والذي لا شكوك عنده، بل اليسار في ظاهر الامر الراضي عن نفسه دائما الذي زعم أنني "أهدم اليسار" – اتحدت جميعا في جوقة صارخة برهنت على أن الفروق بينها أصغر مما يبدو بادي الرأي. وقد كان عدد كاف ممن كتبوا وتحدثوا حديثا لا يحصى عن العدل الاسرائيلي المطلق دائما وعن الضحية اليهودية الوحيدة في العالم. وأردت أن أقول شيئا مختلفا ايضا فجُن جنون الرأي العام تقريبا. سأبقى على ما أنا عليه حتى لو غضبتم وكرهتم وهاجمتم ونبذتم.