خبر غزة إلى البقاء وكيان الإرهاب إلى زوال ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:07 م|26 أغسطس 2014

بعد استشهاد أكثر من 577 طفلاً فلسطينياً في غزة خلال خمسين يوماً من العدوان الصهيوني الهمجي المستمر عليها، قُتل ولدٌ  إسرائيلي يدعى "دانيئيل ترجمان"، فأعلن نتنياهو أنه سيجعل غزة تدفع ثمناً غالياً لمقتل ذلك الطفل، وبدأ سلسلة جديدة من التدمير والإبادة متابعة لما سلف من ذلك الجنون، وترافق هذا الإعلان العدواني الوحشي والصلف العنصري من إرهابي عنصري بلا أخلاق مع ضجيج لعالم غربي رسمي منكوب بالنفاق ومسكون بالخوف من تهمة " اللاسامية" وبازدواجية معايير تقحمه في عماء سياسي وأخلاقي خطير، بدأ صيحات الاستنكار لمقتل طفل يهودي إسرائيلي وهو يتعامى عن استمرار العدوان، ويتغاضى عما في إعلان الإرهابي نتنياهو من مواقف وسياسات تدينها المواثيق الدولية.. أما الأطفال الفلسطينيون الذين تجاوز عددهم 577 طفلاً قتلهم كيان الإرهاب الإسرائيلي بالغارات الجوية والقذائف الصاروخية وبأسلحة وذخائر أميركية وأروبية، فلم يشعر بهم ذلك العالم المنافق، ولا هو استنكر ضحايا من الأطفال على الخصوص هم بشرٌ لهم آمال وأحلام وأسماء وآباء وأمهات وإخوة وأخوات، ويجري في عروقهم دم من فصائل دم البشري؟! وقد استهدف العدو بالقصف قائد قوة حماس العسكرية محمد ضيف وقتل زوجته وابنه البالغ من العمر سبعة أشهر ودمر أبراجاً سكنية في غزة على من فيها، فلم يحرك هذا الحدث الإجرامي أولئك المتواطئين مع المجرم.. ومضى الصهاينة في فلسطين المحتلة إلى المطالبة بما هو أكثر من تدمير غزة على رؤوس سكانها، وأكثر من قتل 2123 فلسطينياً تم قتلهم في أثناء العدوان المستمر بينهم 577 طفلا، و261 سيدة، و101 مُسِن، وإصابة أكثر من 10870 بجراح فيها، استمروا يطالبون بمسح غزة وأهلها من الوجود.؟!

لا يمكن لبشر يملك الحد الأدنى من السويَّة العقلية والنفسية وذرة من الوجدان والمستوى المعرفي ـ الإنساني، ويتمتع بحس المسؤولية الأخلاقية، أن يفهم العقلية العنصرية الصهيونية التي تقدم على هذه الجرائم ولا أن يقبلها أو يتفهَّم تكوينها الثقافي وقيمها التي تدعيها ومعاييرها التي تأخذ بها، ولا أن يتصور أن لديها ذرة من الأخلاق، فضلاً عن أن يمنحها أي درجة من الحق فيما تفعل أو يسوِّغ عملها ويدرجه تحت مسمى مقبول مثل "الدفاع عن النفس" الذي يروج له تبريراً لإجرامها، لا سيما وأنها تحتل وطن الشعب الفلسطيني الذي تحاصره وتقتله وتلاحقه بمسلسلات إبادة؟! ولا يمكن لأي مجتمع تحكمه أدنى درجات الحكمة والعدالة والقيم والمعايير السليمة أن يقبل " تصرف دولة من هذا النوع" وهي بهذا القدر من الوحشية والعنصرية الدموية؟!.. ومن غير المقبول أو المفهوم كيف يتغاضى عالمٌ يسمي نفسه متحضراً عن قتل وإصابة كل هذا العدد من الفلسطينيين، وعن تدمير غزة بهذا الشكل الهمجي بعد حصارها لمدة ثماني سنوات، وعن قتل 577 طفلاً من أطفالها ثم يرفع عقيرته بالشكوى والاحتجاج لمقتل ولد إسرائيلي واحد في حرب معلنة.؟! ولا يمكن أن ندرج هذا السلوك " الرسمي والجماهيري" تحت أبواب الجهل بالوقائع والحقائق ونقص المعلومات، ولا أن نسوِّغ مواقف وسائل إعلام ضالعة في التضليل لمصلحة المعتدي، ذلك لأن هذه الأمور معروفة عالمياً، ولأن الانحياز والتواطؤ أكثر من واضحين في هذا الصراع منذ نشوبه قبل عقود من الزمن.

من المؤسف أن يحصل هذا في عالمنا وفي القرن الحادي والعشرين، ومن المؤسف بصورة أشد أن تتحول منطقتنا العربية وبلدن منها على الخصوص، من جراء السياسات العنصرية ـ الإجرامية الاستعمارية، ونتيجة للاستثمار الدولي في الإرهاب والفوضى المنظمة، وتنفيذ برامج الإبادة الجماعية المنظمة، وإثارة الحروب المذهبية والطائفية والعرقية، ونتيجة للاستبداد والفساد ومساندة المستبدين والمتآمرين على أوطانهم.. إلى مناطق منكوبة يقتل أهلها ويتشردون، ويفترسها الإرهاب، ويكثر فيها الدمار والقتل وتسودها الفوضى، ويستثمر في نكبتها مستثمرون دوليون يستثمرون في الإرهاب والعنصرية والفتن المذهبية والدم والقتل بهدف الوصول إلى تسويق السلاح، وتخريب المنطقة وإضعافها وتمزيقها، لتحقيق مكاسب سياسية وفرض استراتيجيات دولية، والحصول على أرباح وسيطرة ونفوذ وتحكّم بمصائر دول وشعوب، والاستيلاء على الطاقة والثروات والأسواق، وفرض وجود عصابات إرهابية صهيونية احتلت فلسطين وأعلنت دولة عنصرية وإرهاب فيها، وهي تريد أن تستكمل مشروعها التوسعي، وأن تفرض " شرعية وجودها" بتمزيق كل ما حولها من دول ومجتمعات وإضعافها وإفقارها، وبإبادة كل ما تستطيع إبادته من الناس المتصلين بأرض وعقيدة وتاريخ وهوية وبوطن احتله أولئك الإرهابيون بتواطؤ دولي، ويعملون منذ قرون على تشويه تاريخه كله ليكون لهم من بعد ترسيخ التشويه حق يدعونه ويطالبون به، ولكي يبقى الكيان الإرهابي الصهيوني الذي أقاموه بالقوة والخديعة والتآمر مهيمناً وآمناً وقادراً على القتل وتصدير الشر والاستثمار في الفتن. ويتم ذلك بوضع مخططات ورسم سياسات وتنفيذ برامج إبادة منظمة وتخريب ثقافي واجتماعي وعقائدي، تؤيدها وتساندها دول استعمار واستلاب معروفة، ذات تاريخ أسود وادعاءات أخلاقية وإنسانية عريضة فارغة من كل مضمون، وقوة عمياء.. وتفعل ذلك بادعاءات منها أن ما تقوم به إسرائيل هو حق لها و"دفاع عن النفس"؟!.. وأي دفاع عن النفس لعنصري إرهابي مجرم يحتل أرض الآخرين ويحاصرهم ويقتلهم في بيوتهم ويريد أن يبيدهم ليتخلص من وجودهم ومن مطالبتهم بوطنهم التاريخي وبحقهم في الأرض والاستقلال والحرية وإقامة العدل في أرض الآباء والأجداد؟! ومن المؤسف أن تدعم هذا النوع من العدوان والعنصرية المتوحشة وحروب الإبادة وإرهاب الدولة المكشوف والادعاءات الجوفاء.. أن تدعمه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً.. إلخ، الدول الأوروبية والدولة الأكبر والأقوى في العالم، صاحبة الادعاء العريض بمناصرة القيم والحقوق والحريات، مع أنها الإرهاب المكتمل مجسداً، والعنصرية المستمرة بمظاهر متعددة حتى اليوم، وأنها الدولة التي قامت منذ تأسيسها على إبادة العرق " وجثث الهنود الحمر شاهد"، وعلى دماء ودموع الأفارقة السود الذين تركز عليهم تمييزها العنصري، وعلى الحروب العدوانية ضد الشعوب.. أعني الولايات المتحدة الأميركية.؟!  والأدهى الأمر أن يناصر أولئك أو أن يسير في ركابهم ويضع أمواله وثرواته وقدراته في خدمة سياساتهم وبرامجهم لأغراض البقاء .. بعض العرب ممن يعنيهم بقاؤهم أكثر من بقاء الأمة، ونفوذهم على حساب العدل والحق والأمة.

إن غزة العظيمة تنجح في الامتحان وهي في خضم المحنة، وتخوض حرباً فُرضت عليها فتحولها من حرب خاطفة، حسب توجهات المعتدي وحساباته، إلى حرب استنزاف للعدو المحتل، ولو بصور محدودة: "اقتصادية ونفسية وأمنية"!! وقد استطاعت غزة وهي تحت النار أن تكسب رغم فداحة المصاب وكثرة الخسائر: فقد كسبت حضوراً نضالياً/ جهادياً مكنها من أن تجعل العدو العنصري الصلف يختبئ في الملاجئ ويخلي مستعمرات حول غزة ويفقد جنوداً، وفي أن تشل حركة العمل في مواقع كثيرة من فلسطين المحتلة، وتوقف مطار اللد " بن غوريون" عن العمل لمدة سواء أزادت أم قصرت فهي إنجاز، وأن تجعل كيان الإرهاب الصهيوني يحسب لها حساباً وأن يرتبك وينكشف أمام نفسه وأمام العالم وذلك بصمودها واستمرار تصديها له وتطويرها لسلاحها، كما استطاعت أن ترغمه على مناقشة شروطها لوقف النار والقبول بما لم يكن يقبل به من قبل من شروط، ومن ذلك رفع الحصار عن المدينة البطلة غزة، التي " نسيها العالم" أو تناساها في عتمة الحصار الصهيوني المميت المفروض عليها لسنوات وسنوات.. وربما كان من أهم ما أنجزته غزة بتقديري أنها رفعت قضية فلسطينية من وهدات سقطت أو أسقطت فيها إلى مستوى أعلى بكثير مما فعله " تفاوض" عقيم انحدر بها إلى مستوى قضم الأرض والتسليم بقبول القليل حتى لا يذهب الكل ، حتى لا نقول الاستسلام لمطالب المحتل.. فأصبح مما يرد في مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي إقامة دولة فلسطينية على بحدود الرابع من حزيران 1967 وهو ما كانت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوربية وحتى اللجنة الرباعية الدولية تسكت على كل ما ينتقَص من ذلك الأفق الذي أقرته الأمم المتحدة، وتتغاضى عن وهي " إسرائيل" تهشمه ومعها حلفاؤها.. وأصبح رفض كيان الإرهاب للمصالحة الوطنية الفلسطينية ولدولة تضم الضفة الغربية وغزة، ولحكومة فيها حماس شريك سياسي،  مطلباً مقبولاً لنتنياهو وحكومته،  وأصبح انضمام فلسطين إلى مؤسسات وهيئات واتفاقيات دولية، ومنها اتفاق روما، أمراً واقعاً، وسينتج عنه أن يحاكم الإرهابيون الصهاينة بوصفهم مجرمي حرب أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

لقد حققت غزة شيئاً مهماً، ومنه ما يدخل في استراتيجية المقاومة للمستقبل، وأغلقت باب الهزائم، وكتبت سطور حضورها بدماء شهدائها، مدنيين ومقاومين، وأطفالاً سجلوا حضورهم النوعي في ذاكرة أطفال غزة وفلسطين وأمة العرب وأطفال من أنحاء العالم، ليكبر جيل المقاومين الجدد ويتوسع وفي صلب تكوينه ومعتقده ونضاله تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر، ونصرة الحق والعدل والمستضعَفين الواقعين تحت الاحتلال والاستعمار والاستبداد والعنصرية في العالم، وأن النصر يكون عن طريق امتلاك القوة بالعلم والعمل وتطوير القدرات والإيمان بأن التحرير آتٍ، وأن الصهاينة المحتلين العنصريين المتوحشين وليل العنصرية والإرهاب إلى زوال، لأن بقاء المحتلين مع أجيال الفلسطينيين والعرب المنتمين لأشرف قضية وأعدلها من رابع المستحيلات..

 فلا مستقبل للصهاينة في فلسطين ولا  لكيان الإرهاب " إسرائيل" في أرض فلسطين العربية. غزة تكتب بالدم، وتكتب لكي يقرأ القادمون من أبناء فلسطين، والقادمون من أبناء العرب والمسلمين والشرفاء من أبناء العالمين، أن مدينة محصورة بين الرمل والبحر، ومحاصرة بأكثر من راغب في إبادتها وإخضاعها قد صمدت وقاومت ونجحت في رفع الحصار عنها وفي التمسك بسلاحها وحقها في الدفاع عن نفسها وحقوقها، وفتحت بوابات الأمل على المستقبل ليرى كل ذي بصر وبصيرة أن الحق لا بد أن ينتصر، وأن انتصاره مكلف جداً ولكنه حين يحقق نصره فإنما يهزم أعداء البشرية جمعاء وأعداء الله والعدل والحرية، وأصحاب الرؤى العنصرية المقيتة المريضة، ومن تجاوزتهم كل الثقافات والعقائد والديانات لأنهم إنتاج ثقافة ما قبل التاريخ وما قبل الديناصورات البائدة التي تحجرت في عنصرية صوانية.

غزة إلى بقاء ونماء بعون الله وكيان الإرهاب إلى خلل وزوال.. والمجد للشهداء والمقاومة المؤمنة بالله، وبحقها في الوجود والاستقلال والحرية.

دمشق في 26/8/2014

علي عقلة عرسان