خبر إسرائيل وتداعيات عدوانها على غزة ..نبيل السهلي

الساعة 10:29 ص|21 أغسطس 2014

تشهد الساحة الداخلية الإسرائيلية تجاذبات سياسية متشعبة نتيجة العدوان على غزة، حيث رافقت عمليات التهدئة المتكررة عبر الوسيط المصري تراشقات اعلامية بين قادة اسرائيليين في المستويين العسكري والاقتصادي حول جدوى الحرب على غزة وآثارها في صورة اسرائيل المستقبلية على الصعيد الدولي. لكن اللافت هو اعلان «مراقب الدولة» الإسرائيلي، يوسيف شابيرا، قبل ايام عدة، أنه قرر فحص عمليات اتخاذ القرارات في المستويين العسكري والسياسي أثناء الحرب العدوانية على قطاع غزة، والتي أطلق عليها «الجرف الصامد»، إضافة إلى أجهزة الفحص والتحقيق التابعة للجيش والحكومة، وذلك في ظل تواتر الحديث عن خرق إسرائيل قواعد القانون الإنساني الدولي، فضلاً عن ذلك أشار شابيرا إلى أنه تلقى مؤخراً عشرات الشكاوى بشأن الحرب على قطاع غزة، والتي اعتبرت على أنها «حملة عسكرية».

وحول السجال الإسرائيلي السياسي الداخلي، أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية الى أنه خلال اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية، ظهر يوم الجمعة 14-8-2014، بدأ رئيس حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، في دفع إمكانية عدم التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و»حماس» بوساطة مصر، مقابل خطوات إسرائيلية أحادية الجانب.

وطالب بينيت بإنهاء العدوان على غزة من جانب واحد وتخفيف الحصار على القطاع، لكنه في نفس الوقت منح الجيش الإسرائيلي حرية في تنفيذ عمليات في القطاع، وفتح المعابر بين القطاع وإسرائيل من أجل نقل البضائع أو توسيع مجال الصيد. واعتبر بينيت أن خطوات كهذه من شأنها أن تمنح إسرائيل شرعية دولية، بينما لن تحقق إسرائيل في حال الاتفاق مع «حماس» أية مكاسب عسكرية وسياسية، ونقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن بينيت قوله إنه «إذا فهمت حماس أنه يوجد لدينا طول نفس، فإن الأمور ستنتهي خلال أيام».

ولمح بينيت إلى أن «حماس» لن تكون ملتزمة وقف إطلاق نار من دون اتفاق، لكنه قال إن «الوضع بين إسرائيل وحماس غير تناسبي أبداً، فهم فقدوا معظم الأنفاق والصواريخ، لكن الجيش الإسرائيلي بإمكانه الاستمرار في تصعيد قوة ردود فعله».

وفي إطار السجال السياسي الإسرائيلي حول تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اتهم زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب العمل، اسحاق هرتزوغ، الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو، بأنها فقدت رشدها السياسي، وأنها تفتح كل يوم جبهة مع دول صديقة لإسرائيل في العالم. وتأتي أقوال هرتزوغ في أعقاب كشف صحيفة «وول ستريت جورنال»، قبل ايام عدة، عن أن الولايات المتحدة امتنعت عن تزويد إسرائيل بصواريخ «هيلفاير» خلال العدوان على غزة، على خلفية الأزمة في العلاقات بين حكومة نتانياهو وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن هرتزوغ قوله إن «حكومة إسرائيل فقدت رشدها السياسي بصورة مطلقة. وفي كل يوم تُفتح جبهة أخرى ضد أصدقائنا في العالم». وأضاف أنه «يوجد انعدام ثقة مطلق بين نتانياهو والرئيس أوباما، وليبرمان نسي منذ وقت طويل أنه يفترض به أن يكون وزير خارجية، ولابيد يوزع علامات مثل محلل». وشدد زعيم المعارضة الإسرائيلية على أن «العلاقات مع الولايات المتحدة هي كنز استراتيجي واقتصادي بالنسبة الى مواطني دولة إسرائيل وهذه الحكومة تنجح في تخريبها أيضاً. والحجارة التي تلقيها هذه الحكومة سيصعب على ألف عاقل أن يخرجها من البئر».

وتابع أنه «لا يتعين علينا الاتفاق على كل شيء مع الولايات المتحدة، وهناك أمور جوهرية لإسرائيل حق كامل في اتخاذ قرار بشأنها، وهناك أمور متعلقة بالأسلوب والبروتوكول (الديبلوماسي). وهذه الحكومة فشلت بشكل أكيد في كليهما».

وفي السياق نفسه تطرق وزير المالية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى الخلاف بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية، وقال هو ايضاً إن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة «كنز استراتيجي يحظر المس به. وانتقد لابيد نواب اليمين وبخاصة من حزب الليكود الذي يتزعمه نتانياهو والذين هاجموا أوباما وكيري، وقال إنه «ينبغي أحياناً أن نعرف كيف نقول شكراً والاهتمام بأن تبقى العلاقات مع الولايات المتحدة في إطارة الصداقة الشجاعة مع دولة إسرائيل».

في ظل السجالات السياسية الإسرائيلية الناتجة أساساً من العدوان على قطاع غزة، أشارت استطلاعات رأي اسرائيلية الى أن 85 في المئة من الإسرائيليين أكدو ان الجيش الإسرائيلي لم يحقق الأهداف التي خاض من اجلها الحرب على غزة، وقد رافقت ذلك تظاهرات عارمة في تل أبيب وغيرها طالب فيها المتظاهرون وبخاصة من المستوطنين في الغلاف الاستيطاني حول قطاع غزة بإنهاء الحرب وعقد اتفاقية هدنة طويلة الأمد مع فصائل المقاومة في غزة.

وقد حاول نتانياهو تهدئة وطمأنة المستوطنين بخاصة في جنوب اسرائيل والغلاف التهويدي حول غزة، حيث أعلن في أكثر من اجتماع مع رؤساء سلطات محلية في المناطق القريبة من الشريط الحدودي مع القطاع، إنه «إذا لم تنضج في مصر تسوية سياسية، وإذا دعت الحاجة، فإن العملية العسكرية في غزة ستستمر». وأضاف نتانياهو أنه لن يسمح باستمرار «تقطير» الصواريخ، واعتبر، خلال اجتماعه مع رؤساء السلطات المحلية، أنه «يهمه جداً الدعم والمناعة لسكان الجنوب».

وثمة هلع يلاحق اصحاب القرار في اسرائيل من ملاحقتهم قانونياً على انهم مجرمو حرب بعد المجازر التي اقترفها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ بدء العدوان في فجر يوم الثلثاء 7-7-2014، حيث سقط اكثر من ألفي شهيد فلسطيني ربعهم من الأطفال، ناهيك عن جرح اكثر من 10 آلاف فلسطيني غالبيتهم من المدنيين العزل. وفي هذا السياق هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برئاسة الخبير القانوني البروفيسور وليام شاباس، زاعماً أن تقرير اللجنة كُتب مسبقاً، في إشارة إلى توقعه بأن اللجنة الأممية ستوجه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم خلال عدوانها على قطاع غزة. وقال نتانياهو، في اختتام لقائه مع حاكم ولاية نيويورك، إن «تقرير اللجنة هذا تمت كتابته مسبقاً، ورئيسها قد قرر أن حماس ليست منظمة إرهابية ولذلك فإنه ليس ثمة ما يبحثون عنه هنا». وأردف نتانياهو أنه قبل زيارتهم إسرائيل على أعضاء اللجنة «أن يزوروا قبل ذلك دمشق وبغداد وطرابلس، وليذهبوا لمشاهدة داعش والجيش السوري وحماس، فهناك وليس هنا سيجدون جرائم حرب».

واعتبر نتانياهو أن «مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يمنح الشرعية لمنظمات دموية مثل حماس وداعش، وبدلاً من التحقيق في هجمات حماس ضد مواطني إسرائيل واستخدامها سكان غزة كدروع بشرية، وبدلاً من التحقيق في المذبحة التي ينفذها الرئيس السوري بشار الأسد في سورية، أو المذبحة التي ينفذها تنظيم داعش بحق الأكراد، قررت الأمم المتحدة المجيء والتحقيق ضد إسرائيل، الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والديموقراطية التي تعمل بصورة شرعية من أجل الدفاع عن مواطنيها من إرهاب قاتل».

وبطبيعة الحال يجب على الفلسطينيين، بعد المواقف الأممية والشعبية الغربية التي دانت المجازر الإسرائيلية، الانضمام الى مزيد من المنظمات الدولية، وبخاصة تلك التي في قدرتها تجريم اسرائيل قانونياً، بغية اقتياد مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية، ليس بسبب المجازر التي اقترفوها في قطاع غزة مؤخراً، بل عن كل الأعمال الإرهابية والمجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ قيام اسرائيل قبل أكثر من ستة وستين عاماً.