خبر لا تراهنوا على «خلاف» أمريكا مع «إسرائيل» ..د. عصام نعمان

الساعة 11:21 ص|18 أغسطس 2014

ـ القدس العربي

استبشرت وسائل الإعلام العربية بما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» اخيراً حول «تدهور غير مسبوق» في العلاقات بين واشنطن وتل ابيب. فقد اعادت نشر وبث ما اوردته الصحيفة الامريكية المحافظة وعززته بتصريحات وتسريبات منسوبة الى هذا المسؤول الإسرائيلي او ذاك.

هل ثمة خلاف حقيقي بين امريكا و»اسرائيل» يتيح للعرب فرصةً للمراهنة عليه في صراعهم مع الصهاينة؟

جوهر ما قالته «وول ستريت جورنال» هو اتهام مسؤولين امريكيين للحكومة الإسرائيلية ورئيسها وطاقمه الامني بأنهم «متهورون وغير جديرين بالثقة»، وانهم يمنعون الدبلوماسيين الامريكيين من المشاركة في محادثات القاهرة، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وان الرئيس اوباما امر بتجميد شحنة صواريخ لطائرات «اباتشي» اسرائيلية تشارك في الحرب على غزة.

إن ما قالته الصحيفة الامريكية لا يشير في حقيقته ومؤاده الى وجود خلاف بين واشنطن وتل ابيب، بقدْر ما يوحي بوجود توتر بينهما ليس إلاّ. التوتر ممكن الحدوث وطبيعي لصلته بتصرفات شخصية وطرائق في التعبير والتدبير يستخدمها مسؤولون في كِلا الجانبين. الخلاف مستبعد، بل يكاد يكون مستحيلاً لأن «اسرائيل» مرتكز اساس لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، ولها دور مرسوم تلعبه في اطارها. وليس ادل على ذلك من مخازن الاسلحة الثقيلة والذخائر على مختلف انواعها، التي اقامتها امريكا في «اسرائيل» ومنها زودتها صواريخ وذخائر اثناء حربها على قطاع غزة، ثم، ألم يبرر اوباما شخصياً ووزراؤه ومساعدوه عدوان «اسرائيل» على غزة بقولهم، إنه من قبيل «الدفاع عن النفس»؟ ألم يبادر وزير دفاعه تشاك هيغل الى طلب مساعدة عاجلة لـِ»اسرائيل» لتطوير فعالية «القبة الحديد» المضادة للصواريخ بقيمة 226 مليون دولار، ولم يتأخر مجلسا الكونغرس في الموافقـة عليها؟ اخيراً وليس آخراً، ألا يعتبر البيت الابيض «حماس» حركة ارهابية وقد عارض بقوة المصالحة الوطنية التي تمت بين مختلف الفصائل الفلسطينية كما حكومة الوحدة الوطنية التي اعقبتها؟

لماذا يتوجّب على الفلسطينيين (والعرب) عدم المراهنة على وجود خلاف بين الولايات المتحدة و»اسرائيل» يمكن الاستفادة منـه في محادثات القاهرة؟ لان الانخداع بوجود خلاف قد يجرّ البعض الى الوثوق بضمانات قد تعطيها امريكا للفلسطينيين حول التزام «اسرائيل» بوعـود او تعهـدات بشـأن بعض القضـايا والمطالب والمشروعات. الجانب الفلسطيني يطالب، مثلاً، بمطار وميناء بحري لغزة. «اسرائيل» ترفض البحث في هذا الموضوع إلاّ بعد تأكدها من ان الفلسطينيين نفذوا ما جرى الاتفاق عليه في مرحلة اولى. لكن قد تأتي واشنطن وتقدّم «ضمانات» للفلسطينيين بأن «اسرائيل» ستفي بوعودها او انها ستلزمها بذلك اذا ما امتنعت، فهل يمكن الوثوق بها؟

إن «ضمانات» امريكية من هذا الطراز لا يمكن الوثوق بها البتة، لأن في مقدور «اسرائيل» تعطيلها بدعوى نشوء حادث او حدث يتصل بأمنها القومي، ما يستوجب صرف النظر عن كل ما يسيء اليه. أليس عدم تنفيذها اتفاق اوسلو دليلاً صارخاً في هذا المجال؟

ما العمل؟

الى جانب التمسك بسلاح المقاومة وعدم القبول بأي قيد على حيازته او تطويره او استعماله، فإنه يقتضي الإصرار على ضمانات إضافية على النحو الآتي:

اولاً، اقتران بنود اي اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بمواقيت محددة ومتسلسلة زمنياً للتنفيذ، وادراجها بوثيقة يصار الى إقرارها في مجلس الامن الدولي، مع تضمين القرار بنداً يلتزم المجلس بموجبه بإجازة محاكمة الطرف المخالف في الامور العسكرية والامنية امام المحكمة الجنائية الدولية، وفي الامور السياسية والاقتصادية امام محكمة العدل الدولية، للحصول على احكام نافذة سياسياً او تعويضات ملزمة قانونياً.

ثانياً، الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين، احياء كانوا ام جثثاً، الى ما بعد تنفيذ ما تكون «اسرائيل» قد تعهدت به بشأن اي موضوع او قضية او التزام.

ثالثاً، تضمين الاتفاق الموثّق بين الجانبين بنداً يقضي بإيلاء الفريق المتضرر حق اعتبار الاتفاق مفسوخاً على مسؤولية الطرف المخالف في حال امتناعه عن تنفيذه كلياً او جزئياً، وان بإمكان الطرف المتضرر مراجعة محكمة العدل الدولية للاستحصال على رأي او حكم بصدد قانونية او عدم قانونية القرار المتخذ بشأن المخالفة والطرف المخالف.

رابعاً، تضمين الاتفاق بين الجانبين بنداً يستثني الاغذية والادوية ومواد البناء من اي تدبير أمني او انتقامي لأي سبب من الاسباب، على ان تبقى كل المعابر المؤدية الى قطاع غزة مفتوحة منه واليه، وان يكون معبر رفح على الاقل في عهدة الحكومة الفلسطينية بضمانة معلنة من مصر.

خامساً، تضمين الاتفاق التقديرات المالية اللازمة لتعمير واعمار قطاع غزة مصحوبة بتعهدات معلنة وملزمة من حكومات الدول المانحة.

هذه هي ضمانات الحد الادنى المطلوبة لتسويغ اي اتفاق جدي بين الجانبين، بعد كل المعاناة والخسائر البشرية والعمرانية التي تكبدها فلسطينيو قطاع غزة الابطال خلال العدوان الإسرائيلي الاخير الذي ما زال، في الواقع، مستمراً. وفي حال وجود ضمانات افعل، يقتضي اعتمادها بلا إبطاء.

اما اذا تعذّر تضمين الاتفاق موضوع البحث مثل هذه الضمانات او سواها افعل منها، فلا بأس من اعتماد رأي عضو قيادة حركة «الجهاد الإسلامي» خالد البطش القائل: اذا ما كان علينا الاختيار بين اتفاق لا يسترد لشعــبنا حقوقه ولا يلبي متطلباته، وبين اتفاق على وقف مديد لإطلاق النار دونما شروط مقيدة لإرادة المقاومة او لحركتها، فلا بأس من القبول بالخيار الثاني لانه يبقى مفتوحاً على هدف المقاومة والتحرير.

غير ان القبول بهذا الخيار او بغيره لا يعفي دول العرب، ولاسيما مصر، من اعتماد سياسة جديدة اكثر جرأة وايجابية لمصلحة الفلسطينيين وقوى المقاومة، ذلك ان اندحار «اسرائيل» في عدوانها الاخير على قطاع غزة قد هزها وأضعفها على المديين القصير والمتوسط. ويكفي للتدليل على صحة هذا الحكم التاريخي ما قاله زعيم حزب العمل اسحق هرتسوغ: «هناك شلل في القيادة. نتنياهو ليس قوياً ازاء حماس، بل هو عزز قوتها. لقد اقمنا قِدْر (طنجرة) ضغط مغلقاً وفي النهاية انفجر. حماس التي كانت ضعيفة عشية المعركة، تفهم انه بوسائل عسكرية تحقق انجازاً، وشعبها متراص حولها. لم نعزل حماس، وفي النهاية دخل نتنياهو في شَرَك. حان الوقت لأن يعتذر رئيس الوزراء واعضاء المجلس الوزاري، افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، بشكل علني لسكان الجنوب على الوعد العابث الذي قطعوه لهم».

ايها الفلسطينيون، لا تراهنوا على «ضمانات» امريكا، بل راهنوا على مقاومتكم واقرأوا ما قاله شاهد من اهل «اسرائيل»..