خبر « مشعل » شخصية حدية ..معاريف

الساعة 10:57 ص|15 أغسطس 2014

بقلم: يوسي ميلمان

          (المضمون: كل مزايا مشعل التي حللت وشخصت في ذاك التصور الذي اعده عنه علماء النفس للموساد قبل محاولة اغتياله تعظمت والنتائج رأيناها في الطريقة التي يدير بها المعركة الحالية ضد اسرائيل: بثقة بالنفس، بتصميم، بكريزماتية وبفقدان العلاقة مع الواقع الصعب في غزة - المصدر).

          ماذا كان سيحصل لو لم تنقذ اسرائيل حياة رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، حين وفرت له الاكسير المضاد للسم الذي رشه به عميلا الموساد في ايلول 1997. هل كان بديله في حماس سيكون اكثر اعتدالا وراحة منه؟ هل حماس بدون مشعل كانت ستتجرأ على الخروج الى المعركة الحالية؟ هل كان ممكنا الوصول الى اتفاق أسرع؟ هل الاردن حقا كان سيقطع علاقاته الدبلوماسية مع اسرائيل؟ هذه هي اسئلة لا يحب التاريخ الانشغال بها ولكنها بالتأكيد تبعث على التفكير.

          في 30 تموز 1997 تفجر مخربان انتحاريان في سوق محنيه يهودا. قتل 16 اسرائيليا وحماس تبنت المسؤولية عن العملية. وفي المساء استدعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قادة جهاز الامن والاستخبارات في بحث طاريء في نهايته أمر رئيس الموساد داني ياتوم بان يعود اليه مع قائمة اهداف لحماس للتصفية.

          ياتوم، الذي كان في منصبه منذ نحو سنة، عاد الى قيادة الموساد وعقد سلسلة مباحثات مع قادة الاقسام والوحدات المرتبطة بموضوع تركيب "بنك الاهداف". وفي القائمة التي اعدت كان ما لا يقل عن 8 اهداف. الاول في القائمة كما يمكن التقدير كان عز الدين الشيخ خليل، المسؤول الكبير للذراع العسكري في دمشق وقاد العمليات الارهابية، بما فيها العملية في محنيه يهودا. واستجاب خليل الى التعريف الذي كتبه ياتوم في كتابه "شريك سر": "قائمة الاهداف التي عرضتها تشكلت حسب أهمية الشخص في المنظمة، اهمية ازالته، مستوى الصعوبة في الوصول اليه ونتائج تصفيته".

          تصفية خليل كانت ستمس بقدرة حماس العملياتية، ولكن المعلومات الاستخبارية لم تكن كافية، وكان صعبا الوصول اليه في مكان مقره في سوريا. وبعد 7 سنوات فقط لاقى حتفه، عندما انفجرت سيارته خارج دمشق. احد لم يتبنَ المسؤولية عن العملية. ولكن في وسائل الاعلام الدولية والعربية تقرر أن اسرائيل هي المسؤولة. مهزلة القدر هي أن خليل كان ايضا عدو الاردن – ذاك الذي غضب جدا على محاولة تصفية مشعل على اراضيه. وعندما صفي خليل، في عمان لم يذرفوا دمعة على موته.

          يمكن التخمين بانه كان في القائمة أيضا زياد نخالة من الجهاد الاسلامي الذي وان لم تكن منظمته مسؤولة عن العملية في القدس الا انها كانت مشاركة في العديد من العمليات القاسية الاخرى.  كما ظهر في القائمة ممثلو حماس في اوروبا والمرتبطين بتمويل العمليات بالمال وتجنيد النشطاء. وفي نهاية المطاف تم التقدير بان من الافضل عدم تصفيتهم، سواء بسبب انعدام المعلومات او التخوف من التورطات السياسية مع الدول التي يسكنون فيها.

          رغم 5 في القائمة كان موسى ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي للمنظمة اليوم والمتواجد في القاهرة، ويشارك في محادثات وقف النار. على مدى ثلاث سنوات، حتى 1995 تولى ابو مرزوق رئاسة المكتب السياسي لحماس، الى أن طرد من الاردن ووصل الى الولايات المتحدة (في ماضيه تعلم في الدولة وحصل على جنسية أمريكية). اعتقله مكتب التحقيقات الفيدرالية وفي البداية طلبت اسرائيل تسليمه، ولكنها تراجعت خشية أن تزيد الخطوة عمليات المنظمة الارهابية. وفي فترة وجوده في السجن الامريكي انتخب مشعل كبديل له، ولكن كان لا يزال يعتبر كمن يتغطى بظل ابو مرزوق. في نهاية المطاف، في ايار 1997، قبل شهرين من العملية في القدس، وافق الملك الاردني على السماح له بالعودة الى المملكة. واكتفى ابو مرزوق بلقب "نائب الرئيس".

          واعتقد مسؤولو الموساد بان ابو مرزوق هو هدف مفضل للاغتيال، ولكن نتنياهو استخدم الفيتو تخوفا من أن تؤدي تصفية مواطن امريكي الى احداث مشكلة مع واشنطن. وهكذا، كأهون الشرور، تقرر اغتيال رقم 6 في القائمة، خالد مشعل.

*  *  *

          وكتب ياتوم في كتابه يقول: "انه بالنسبة لمشعل اتفق في القيادات المهنية في الموساد بان تصفيته وحدها لن تحقق الهدف المطلوب، لان الامر سيحدث صدمة مؤقتة ولكن سرعان ما سيحتل مكانه شخص أخر".

          كان زمن الاعداد للحملة قصيرا – نحو شهرين. وفي هذه الاثناء، في 4 أيلول، نفذته حماس عملية اجرامية اخرى في القدس قتل فيها 4 اشخاص واصيب 2000 في شارع بن يهودا. الدم الاسرائيلي على كل المستويات، من رئيس الوزراء وحتى رئيس الموساد، تميز غضبا.

          في الملف العملياتي الذي اعد عن مشعل جمعت مادة كثيرة وان كانت هناك ثغرات استخبارية. مثل هذا الملف يتضمن مبررات لماذا يعد الهدف "ابن موت". وتذكر فيه افعاله في الماضي ويوجد تقدير حول خطره في المستقبل. كما توجد في المادة "صورة"، تحليل نفسي لشخصيته. يتم تركيبها استنادا الى معلومات استخبارية جمعت من مصادر سرية كالعملاء، ومن مصادر علنية كتصريحاته في الخطابات والمقابلات (التي تسمح بتحليل صوته ولغة جسده)، وغيرها من الادلة والمعلومات.

          وتنشأ عن الصورة النفسية شخصية رجل ذي مبنى من الشخصية الحدية. مليء بالثقة بالنفس، مع ميل الى جنون العظمة، الكاريزما، ولكن الى جانب ذلك صاحب تصور مشوه عن الواقع. ومع أنه كان زعيم منظمة دينية ورجل مؤمن، تبين أنه كان يميل الى تناول المشروبات الروحية ولم يمتنع عن ملاحقة النساء، وكانت شائعات من مصادر علنية بانه كانت له عشيقة دائمة.

          وبعد تفكر عميق تقررت عملية "هادئة"، واتفق على أن يكون السلاح الذي يستخدم هو السم الذي طور حسب مصادر أجنبية في معهد البيولوجيا في نس تسيونا. وكان يفترض بالسم أن يحدث موتا سريعا، في ظل علائم موت مشوشة تخلق انطباعا بموت طبيعي (نوبة قلبية مثلا) وتجعل من الصعب على المشرحين تحديد سبب الوفاة الحقيقية.

          رغم زمن الاعداد القصير نسبيا – تدرب رجال وحدة كيدون على رش المادة السامة على مارة في شوارع تل أبيب – وانطلقت العملية وكانت خطوة واحدة فقط تفصلها عن النجاح. عمليا، العملية نجحت، ولكن مقاتلي كيدون فوجئا من أن مشعل وصل في سيارته الى المكتب مع ابنائه ونجحا في رش السم والانطلاق من المكان. نقل مشعل الى المستشفى في وضع صعب للغاية. ولكن عندها وقع الخلل الذي شوش كل شيء. بسبب خطأ في تحديد الموقع عادت سيارة الهرب الى ذات الشارع ورجل حماس الذي كان شاهدا للحدث شرع في مطاردتها. قفز المقاتلان من السيارة وفي نهاية المطاف نقلا الى مخطة الشرطة حيث تم التحقيق معهما. اثنان آخران فرا الى السفارة الاسرائيلية ووجدا فيها ملجأ لهما.

          وسرعان ما وصلت المعلومات عن الخلل الى ياتوم الذي عقد جلسة طوارىء مع مسؤولي الموساد. وفي الخلفية كانت تهديدات الملك حسين بقطع العلاقات مع اسرائيل والامر لوحدة مختارة اردنية اقتحام السفارة واعتقال المقاتلين اللذين اختبآ فيها.

          بعض من المشاركين في المداولات اعتقدوا بانه لا يوجد ما يدعو الى الخضوع للضغط وانه ينبغي ترك مشعل يلفظ أنفاسه. وادعاؤهم كان أن اسرائيل نجحت في انقاذ حياة الحسين ونظامه عدة مرات وان الاردن يحتاج الى اسرائيل اكثر مما تحتاج اسرائيل الى الاردن. ولهذا فان الملك سيتغلب على غضبه وعلى الاهانة بمكانته ولسيادة المملكة. وسرعان ما ستعود العلاقات الى سابق عهدها. كما اعتقدوا بان الملك لن يتجرأ على الامر باقتحام السفارة او اعدام المقاتلين المعتقلين، ومع هدوء العاصفة سيتحرران صمت. ولكن هذا كان موقف الاقلية.

          معظم مسؤولي الموساد اعتقدوا بانه يجب عمل كل شيء من أجل انقاذ المقاتلين ومنع التدهور في العلاقات مع الاردن. وقد اخذ بموقفهم. وتقرر تبليغ الملك بان الاردن سيحصل من اسرائيل على اكسير مضاد ينقذ مشعل من الموت.

          وهذا ما كان. ونجا مشعل واعيد المقاتلان الى اسرائيل. وكان جزء من الصفقة تحرير الشيخ احمد ياسين من السجن.

          وشفي مشعل واستعاد عافيته. وصعد نجمه في المنظمة. مكانته، ولا سيما بعد ان صفت اسرائيل الشيخ ياسين، ارتفعت الى السماء فاصبح الرجل القوي والمقرر في المنظمة. ومع أن حماس هي منظمة مراتبية لها مجلس شوى ومكتب سياسي وذراع عسكري والقرارات تتخذ بالاجماع الا ان مشعل كان هو الاول بين المتساوين. فقد آمن بان حياته انقذت بفضل العناية الالهية. وفي واقع الامر يقترب من درجة ابن الرب. كل مزاياه التي حللت وشخصت في ذاك التصور الذي اعده عنه علماء النفس للموساد اخذت في التعاظم.

          النتائج رأيناها في الطريقة التي يدير بها المعركة الحالية ضد اسرائيل: بثقة بالنفس، بتصميم، بكريزماتية وبفقدان العلاقة مع الواقع الصعب في غزة.