تحليل هدنة الدقيقة التسعين: مناورة أم اختراق أم استجابة للضغوط

الساعة 11:18 ص|14 أغسطس 2014

أطلس للدراسات

يبدو أن الشيء الوحيد المجمع عليه فيما يتعلق بمفاوضات القاهرة غير المباشرة، علاوة على الثقة العبية الكبيرة بالمفاوضين، أنها معقدة وصعبة، وهذا ما يعبر عبه جميع المتحدثين من بين الطاقم المفاوض، لكن من الواضح أيضاً ان ثمة اختلاف بينهم في تقييم ما تم تحقيقه أو في وصف ما تم عرضه حتى الأمس.

فرئيس الوفد عزام الأحمد أجمل ما تم احرازه بالقول انه تم انجاز جميع المطالب المتعلقة برفع الحصار، ولم يتبقى على انجاز الاتفاق الدائم سوى بعض التفاصيل المتعلقة بالأمن وإعادة الاعمار وفتح المعابر، بينما كتب موسى أبو مرزوق على صفحته على الفيسبوك انه لم يتحقق أي انجاز سوى الموافقة على تمديد التهدئة.

من الواضح ان الغموض هو سيد الموقف، لكننا اذا ما اعتمدنا على ما سرب من بنود العرض حتى الساعة التاسعة من ليلة أمس، وقد جاءت على لسان قياديين من حركة حماس، منها مثلاً الاتفاق على فتح المعابر على أن يتم الاتفاق لاحقاً بين إسرائيل والسلطة وفق ضوابط ومعايير، أي أن هذا الاتفاق هو أشبه بإعلان نوايا بحاجة لاتفاق لاحق يجرى إبرامه مع السلطة على أن يراعي ضوابط ومعايير، عملياً نحن أمام وضع يتم فيه ترحيل معظم الملفات إلى مراحل لاحقة بدون أية ضمانات بأن لا تجعل اسرائيل من الضوابط والمعايير شروطاً تعجيزية تفشل الاتفاق أو تدخله في حالة من المساومة والمماطلة والموت السريري.

 

مقاومون لا مساومون

يثق الشعب الفلسطيني ثقة يقينية بأن الوفد الفلسطيني المفاوض هو وفد من الفدائيون المقاتلون المشهود لهم بالثبات والتضحية والصمود، وبعضهم من فقد ذويه وأبناءه شهداء القصف الغادر، وهم على مستوى عالٍ من الحنكة والذكاء لإدارة المعركة السياسية بحكمة واقتدار وبسالة، وهم على طاولة المفاوضات مقاومون لا مساومون يحملون تطلعات شعبهم ويصونون دماءه وحريصون على قطف ثمار صموده وتضحياته.

بيد انهم ذهبوا الى معركة سياسية على حلبة وشروط وظروف تحكيم وبسقف ليس لصالحهم، فمنذ وقت قلنا ان مفاوضات القاهرة استندت الى مبادرة عاجزة ومسقوفة مسبقاً بسقف أقل من تطلعاتنا، ومع كل احترامنا للقاهرة ومبادرتها، إلا أنها عاجزة عن توفير ضمانات إلزام اسرائيل بما يتم الاتفاق عليه، ومثلنا يقول "لا تجرب المجرب"، فقد جربنا هذه الضمانات كثيراً، هذا فضلاً عن ان المبادرة لم تتضمن إقرار مبادئ يجري لاحقاً الاتفاق على تفاصيلها، بل تركت كل شيء مفتوح للمفاوضات، المبادئ والتفاصيل، وكأن مبدئها الوحيد "أوقفوا النار وتعالوا للتفاوض على كل ما ترغبون وتريدون فلسطينياً واسرائيلياً".

اننا نعتقد اننا خدعنا ووقعنا في مصيدة التهدئة أولاً، والتفاوض المفتوح ثانياً، وكان يجب ان نصر ونتمسك بالتفاوض على أساس مبادرة ميني دولية تنطوي على مبدأ الاقرار برفع الحصار، ويجري لاحقاً التفاوض على التفاصيل وعلى الضمانات.

ان المبادرة المصرية التي تجري المفاوضات استناداً اليها في أحسن أحوالها ستفضي الى تسهيلات اكس لارج، فيها من الثقوب ما سيسمح للإسرائيلي التهرب منها أو توظيفها للابتزاز لاحقاً.

إن جوهر الحصار يكمن في الحصار البحري، ورفعه يعتبر الانجاز الحقيقي الذي يتطلع إليه شعبنا، لكن من الواضح ان هذا لن يحدث في هذه المرحلة، وربما سيتم تأجيله كما قضايا الحل الدائم.

 

الممكن سياسياً في المرحلة الراهنة

في هذه الظروف، وفي ظل آليات التفاوض وسقفها؛ فإن جوهر الجهد التفاوضي ينصب الآن على تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، السعي لإنجاز الممكن وليس ما نرغب ونريد، وثمة فرق بين الممكن وبين ما نريد، ولتحقيق الحد الأقصى الممكن لا بد من توظيف كل عوامل القوة، بما فيها من رسائل حازمة بتفجير المفاوضات والعودة للقتال، والمراهنة على ان الاسرائيلي الموجوع من الحرب والذي يتعجل انهائها لا زال بإمكانه تقديم تنازلات أخرى.

نحن لا نستطيع أن نجزم تحليلياً ان أسباب الموافقة على تمديد التهدئة في الدقيقة التسعين تعود لمناورة المزيد من ممارسة الضغوط أم تعود لأن اختراقاً كبيراً قد حصل أم نتيجة لضغوط هائلة مورست على الوفد كما صرح القيادي في حركة الجهاد وعضو وفدها في القاهرة زياد النخالة، وربما يكون بسبب كل ذلك سوية.

 

اسرائيلياً

إسرائيل تريد انهاء حربها سريعاً؛ فقد استنفذت قدراتها ولم يعد بإمكانها تحقيق أية مكاسب، وباتت في مرحلة الانحدار والخسائر ودفع الكلفة والثمن على كافة المستويات، لكنها أمام إصرار المقاومة ورسائل المقاومة الحزمة بالاستعداد للعودة للقتال؛ فإنها مضطرة وهي باتت على قناعة بأن الهدوء لن يتحقق لها إلا بتسوية تفاوضية تقدم من خلالها تنازلات، والجدل في إسرائيل يدور الآن ليس على مبدأ تقديم التنازلات، بل على نوعيتها وحجمها وعلى الضوابط والاشتراطات التي تسعى لربطها بكل تنازل.

ولدينا قناعة أن نتنياهو قد صاغ وأقر عدداً من سيناريوهات العروض من العرض الأول الذي ينطوي على الحد الأدنى إلى العرض الأخير الذي ينطوي على أقصى ما يستطيع تقديمه في ظل الظروف الراهنة، وهو حتى هذه اللحظة لم يقدم عرضه الأخير، نقول ذلك استناداً الى ما تم تسريبه عن العروض الاسرائيلية في القاهرة، واستناداً الى معرفتنا لحجم القلق الاسرائيلي من العودة لاستمرار القتال.