خبر إعادة إعمار قطاع غزّة... كلاكيت ثالث مرّة.. عمر شعبان

الساعة 07:22 ص|14 أغسطس 2014

مقدمة :

بعد ثلاثين يوماً من بدء العمليّة العسكريّة الاسرائيليّة "الجرف الصامد" في الثامن من يونيو 2014، أعلن عن وقف إطلاق النّار لمدّة ثلاثة أيّام، وتم تجديده في 11 أغسطس. ويجب أن نكون جاهزين للصدمةـ حيث سيكشف صمت الحرب عن واقع قد يكون أكثر وطأة من الحرب ذاتها. وسيسجّل تاريخ البشريّة أنّ قطاع غزّة، وهو البقعة الصغيرة جدّاً والمليئة بالسكّان، هي المكان الوحيد الذي تعرّض لثلاث حروب مدمّرة وشهد إعادة إعمار لثلاث مرّات خلال سبع سنوات، وهي فترة قصيرة جدّاً في عمر الدول.

المؤشّرات الأوليّة... مرعبة

رغم أنّ عمليّة التّقدير العلميّ للخسائر لم تبدأ بعد، بسبب تواصل العمليّات العسكريّة، فإنّ الإحصائيّات المبدئيّة الصادرة عن مؤسّسات دوليّة وحكوميّة هي صادمة فعلاً، ويتوقّع أن تتضاعف هذه الأرقام مع بدء التّقدير الميدانيّ للخسائر. وتشير إحصائيّات وزارة الأشغال في غزّة إلى أنّ 7000 وحدة سكنيّة قد دمّرت بالكامل، و30000 وحدة في شكل جزئيّ منها، وحوالى 5000 لن تكون صالحة للاستخدام مرّة أخرى، إضافة إلى تدمير أحياء سكنيّة بكاملها، وبما تحتويه من شوارع وشبكات مياه وإنارة وأثاث وأوراق ثبوتيّة وصور شخصيّة وشهادات، ناهيك عن عشرات المصانع والمساجد والمدارس والعيادات الصحيّة والمستشفيات وآبار المياه ومحطّات الصّرف الصحيّ وشبكة الكهرباء والمياه.

وتشير الإحصائيّات الصادرة عن الأونروا إلى أنّ العمليّة العسكريّة الإسرائيليّة قد أجبرت 400,000 مواطن على ترك منازلهم، منهم 250,000 لجأوا إلى 18 مدرسة تابعة لها، إضافة إلى 150,000مواطن آخرين يسكنون الحدائق العامّة والمستشفيات والكنائس والشوارع. وتأتي هذه الحرب الثالثة في ظلّ حصار إسرائيليّ متواصل منذ يونيو 2007، وبعد الحملة المصريّة لتدمير الأنفاق بين غزّة وسيناء، وهي التي كانت مصدرا مهمّاً للسلع والإيرادات. وقدّرت الخسائر بعد أسبوعين فقط من بدء الحرب الإسرائيليّة بثلاثة مليارات دولار، حسب تصريح نائب رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، في حين قدّرها وزير الاشغال في حكومة الوفاق بـ5 مليارات دولار.

تعدّد وتعارض الأولويّات:

تنتظر عمليّة إعادة الإعمار الكثير من الإشكاليات وتعدّد أولويّات التدخّل وتوافر التّمويل اللاّزم، ومن بينها أنّه لن يكون باستطاعة 12,000 عائلة مشرّدة العودة إلى منازلها، ممّا سيضطرها للبقاء في المدارس، وهذا يعني تأجيل الموسم الدراسيّ سنة واحدة على الأقلّ، وجعل قطاع غزّة بأكمله مخيّماً للاجئين تنتشر في أنحائه عشرات آلاف الخيم، بما يستهلك مساحات هائلة من الأراضي الزراعيّة. كذلك، بقاء ملايين الأطنان من المخلّفات، بما يسبّب كارثة بيئيّة ومكرهة صحيّة.

وهناك مشكلة أخرى على علاقة بانقطاع التيّار الكهربائيّ تعود إلى توقّف محطّة توليد الكهرباء الوحيدة في غزّة بسبب تدمير صهاريج تخزين الوقود المخصّص لها، وإنّ إصلاح هذه الصهاريج يتطلّب عاماً كاملاً ولا يمكن استيرادها جاهزة لضخامتها. وإنّ الكهرباء المتوافرة حاليّاً لا تزيد عن 10 في المئة من حاجات قطاع غزّة، وهي تأتي من مصدرين أوّلهما: جمهوريّة مصر العربيّة التي تمدّ بـ30 ميجا، وثانيهما الشبكة الإسرائيليّة للكهرباء التي تزوّد بـ40 ميجا، بدل 120، بسبب توقّف ثمانية خطوط من بين العشرة. ولا مناص من توفير مصادر بديلة للكهرباء في أسرع وقت ممكن ليتمّ تسريع وتيرة إعادة الإعمار. وإنّ البدائل المتاحة هي إصلاح خطوط شبكة الكهرباء الإسرائيليّة المعطّلة مع زيادة الكميّة المشتراة منها أو\و استئجار محطّة توليد عائمة تقف عند شاطئ غزّة.

وعلى الصعيد الاجتماعيّ، ستظهر فوراً أو بعد حين مشاكل عدّة، منها: عدم قدرة النّازحين على التعرّف إلى منازلهم المدمّرة سواء كليّاً أو جزئيّاً بسب عدم وجود خرائط توضح حدود الملكيّة لكلّ عائلة وفقدان الأوراق الثبوتيّة، إضافة إلى المشاكل الصحيّة والنفسيّة والاجتماعيّة التي تنتج بسبب الازدحام في المدارس وانعدام الخصوصيّة لكلّ عائلة وخفض مستوى الخدمات الصحيّة والنفسيّة المقدّمة. كذلك، هناك ضغط إضافيّ على منظومة الخدمات الاجتماعيّة بسبب آلاف الأيتام الجدد وانضمام ما يقارب العشرة آلاف جريح إلى ذوي الإعاقة.

إعادة الإعمار والتّنافس السياسيّ المحليّ والإقليميّ

ستمثّل عمليّة إعادة إعمار قطاع غزّة بضخامتها والسيّاق السياسيّ الذي يكتنفها تحديّاً كبيراً للنّظام السياسيّ الفلسطينيّ واختباراً عمليّاً، نظراً لقدرته على تلبية توقّعات الناس منه. ويتوقّع أن تكون عمليّة إعادة الاعمار مجالاّ للتنافس الشديد بين حركة "حماس" والسلطة الفلسطينيّة، ليس فقط على أموال المانحين، بل على توظيف التّمويل من أجل حصد مكاسب سياسيّة وتحسين موقفهما في أوساط الشارع الفلسطينيّ. كذلك، سيكون هناك تنافس بين المؤسّسات الدوليّة والرسميّة على درجة التّنسيق في ما بينها ومن سيكون المخوّل لاستلام الأموال. كذلك، إنّ الاستقطاب في الإقليم بين تركيا ومصر وقطر والسعوديّة ستمتدّ خيوطه إلى عمليّة إعادة الإعمار، كما كانت في مفاوضات وقف إطلاق النّار. وستحكم هذا التنافس وتؤثّر فيه نتائج المفاوضات حول التّهدئة: هل سيتمّ رفع الحصار الإسرائيليّ المفروض منذ يونيو 2007 أم لا! و هل سيتمّ ذلك بالتدريج أم في شكل كامل وفوريّ؟ وهل سيسمح بدخول الموادّ الخام سواء أكان من مصر أم من إسرائيل أم من كليهما؟ إن البطء في مواجهة تداعيات الحرب من طرفي النظام السياسيّ، السلطة الفلسطينيّة وحركة "حماس" سيضعهما في مواجهة حقيقيّة مع عشرات آلاف المتضرّرين من الحرب الذين خسروا بيوتهم وأبناءهم، ولن يتمكّنوا من الانتظار طويلاً. إنّ النظام السياسيّ الفلسطينيّ أمام منعطف تاريخيّ، إما بإتّجاه تصليب الوحدة الهشّة، وإما بالفراق إلى ما لا نهاية.