خبر بدأت الحرب- يديعوت

الساعة 11:01 ص|06 أغسطس 2014

بقلم: ناحوم برنياع

إختفت قوات الجيش الاسرائيلي من مناطق الاحتشاد في غلاف غزة بين عشية وضحاها، وخلفت أطنانا من الغبار وجبالا من ورق المراحيض. وخلفت شيئا آخر يصعب قياسه وهو شعور بخيبة الأمل والاكتئاب.

إن خيبة الأمل في هذه الحال هي ايضا من نصيب المقاتلين الذين دخلوا الى الداخل ومن نصيب سكان الجنوب ايضا، فقد أمل هؤلاء واولئك نهاية لا لبس فيها وانجازا يمحو بمرة واحدة والى الأبد التهديد من جانب الحدود الثاني. وقد يحدث هذا في المستقبل بفضل الانقلاب في مصر في الأساس وقد يحدث ايضا بفضل العملية، لكن لا أحد يستطيع أن يعِد بأن الامر سيكون كذلك.

عرفنا في السنوات الثماني الاخيرة اربع عمليات عسكرية على منظمات ارهابية وهي حرب لبنان في 2006، والرصاص المصبوب في 2009 وعمود السحاب في 2012 والجرف الصامد في 2014. وتميزت كلها بفرق كبير بين التوقعات والنتائج. وإن توالي خيبات الأمل مقلق. وقد يكون من الصعب على الجيش الاسرائيلي برغم تفوقه العظيم بالنيران، وبرغم أنه يعمل بلا تشويش عليه من الجو والبحر، وبرغم معلوماته الاستخبارية المطورة ووسائل تدريعه الرائعة، قد يكون من الصعب عليه أن يقهر بضعة آلاف من مقاتلي الارهاب.

أو أن توقعاتنا مبالغ فيها. فهذه غزة وهذا هو الجيش الاسرائيلي وهذا ما نعرف فعله، ومن المؤسف جدا أنه لا توجد عملية عسكرية بسعر مخفض.

إن ميزان الربح والخسارة للطرفين مركب. واذا كان تقدير "أمان" صحيحا فان حماس جُرت الى الحرب مرغمة. ولم تكن منظومة الانفاق التي انشأتها جاهزة للعمل. وهزمت القبة الحديدية منظومة القذائف الصاروخية. وأفضت المحاولات القليلة للهجوم على ما وراء السياج الحدودي الى نتائج هزيلة.

لكن حماس أبدت قدرة على الصمود وروحا قتالية، ولم يصب أحد من كبار قادتها في الحرب، ولم تفقد سلطتها في غزة. وهذه انجازات لا يستهان بها في مواجهة مع جيش قوي حديث أرسل الى المعركة كل وحدات خطه الاول.

يجلس ناس الذراع القطرية من حماس الآن في القاهرة ويُحادثون اسرائيل عن طريق نظامين وسيطين: ساسة أبو مازن وجنرالات الاستخبارات المصرية. وإن طلبات الحد الاقصى عندهم مبالغ فيها، فهم يطلبون في واقع الامر رفع الحصار عن غزة. إن الوفد المشترك بين حماس والسلطة من وجهة نظر السياسة الاسرائيلية الى أن كانت العملية، هو بمنزلة عملية ارهابية، ورفع الحصار انتحار.

طرأ تغير على توجه نتنياهو خلال العملية. فقد أصبحت اسرائيل مستعدة الآن للتسليم بل ربما للتعاون مع سلطة فلسطينية تكون حماس جزءا منها. وبدأ جهد دولي لاعادة السلطة الفلسطينية الى غزة. ويفترض أن تصبح حماس الفرع الديني لأبو مازن فتتخلى في ظاهر الامر عن حكمها لغزة وتحصل مقابل ذلك على موطيء قدم في الضفة. والشيء الأساس أن تكف نشاطها العسكري.

يصعب عليهم في حكومة اسرائيل أن يؤمنوا بهذه الرؤيا المثالية لكنهم يدركون أن ليس هذا هو وقت إفشال الجهد. والخوف بالطبع من أن يحدث عكس ذلك بأن تصبح السلطة مسؤولة عن غزة لكن من غير أن تحكمها وأن تعود حماس للعمل علنا في الضفة.

إن أبو مازن هو الرابح الأكبر في ظاهر الامر. ومما يتفق عليه الجميع من قطر الى واشنطن ومن القاهرة الى القدس أنه هو الحل. لكنه ليس أكثر من عميل في نظر أكثر الفلسطينيين. وقد قال أحد المقربين من أبو مازن هذا الاسبوع: "نحن في الضفة لحم ميت. واذا عدنا الى غزة على حراب الجيش الاسرائيلي فسيدعوني حتى أبنائي خائنا".

لأول مرة منذ كانت حرب الاستقلال إنصرف اهتمام اسرائيل الى الجبهة الأمامية: فقد هدد نصر الله في 2006 ولم ينجح في التنفيذ، وهددت حماس ونفذت برشقات يومية. فلم تتعرض غوش دان وحدها للضرب بل تعرضت ايضا سلسلة أهداف استراتيجية. وقد عرفت حماس أن تختار.

إن هذا التعرض للضرب يجب أن يقلقنا. إن نجاح القبة الحديدية يمكن أن يُسكن جأشنا فلولا القبة الحديدية لما كان مناص من احتلال القطاع مع ما ينطوي عليه ذلك.

إن سلوك العملية في الجانب الاسرائيلي خلف اسئلة كثيرة. فقد جُرت الحكومة الى غزة. وسعت الى هدنة بعد ايام القصف الاولى فورا. ولم يكن استقرار الرأي على الدخول البري جزءا من التخطيط بل وُلد من محاولة دخول حماس عن طريق نفق قرب كيبوتس صوفا. وأصبحت الانفاق تهديدا حقيقيا لـ 50 ألف اسرائيلي يعيشون في الكيبوتسات والقرى الزراعية قرب الحدود. وكما قالت لي بعضهن في خلال العملية: "اعتقدنا أن الانفصال انشأ حدا بيننا وبين غزة لكن الانفاق محت الحد".

لكن الانفاق لم تصبح تهديدا استراتيجيا ووجوديا. فقد ضُخمت أهميتها لاسباب تسويقية. وسلب تفجيرها حماس كنزا لكنه لم يسقطها.

صعب على الاقلية في المجلس الوزاري المصغر التي سعت الى احتلال غزة أن تفهم المنطق في الحرب على الانفاق: فبدل أن يخترق الجيش الاسرائيلي نظام حماس الحصين أو يلتف حوله أضعف جنوده بالهجوم على كل موقع حصين في الخط الأمامي. وزعم أحد الوزراء أن ليس هكذا تُصنع الحرب.

يبدأ إنهاء القتال بطبيعة الامر الحروب بين اليهود. فالوزراء يلقون المسؤولية على الجيش الاسرائيلي: وهم يصفون نتنياهو بأنه سار في ثلم شقه الجيش. وقد عُرضت على المجلس الوزاري المصغر في ظاهر الامر كل الخيارات الممكنة. لكن احتلال غزة وُصف بلغة مبالغ فيها – العشرون قتيلا من الجيش الاسرائيلي في الشجاعية مضروبون بـ 34 – فذُعر المجلس الوزاري المصغر وأطاع.

دخلت حكومة اسرائيل العملية دون خطة استراتيجية وخرجت منها دون خطة استراتيجية. وكما حرصت على ألا تبادر الى شيء في السنوات بين الحروب، حرصت على ألا تبادر الى شيء في أيام القتال بل انساقت مع الأحداث.

يوجد فرق هائل بين مواجهات عسكرية ومنافسات رياضية. ففي الرياضة يوجد رابح وخاسر. وليس الحال كذلك دائما في الحرب فثمة حروب يكون الطرفان فيها خاسرين.