خبر المقاومة ضربت الأهداف العسكرية للعدو وتجنب المدنيين كان هدفاً اخلاقياً وسياسياً

الساعة 09:09 ص|06 أغسطس 2014

وكالات

 لم تفاجئ المقاومة الفلسطينية الإسرائيليين فحسب، بل فاجأت الفلسطينيين أنفسهم، وخاصة في الضفة المحتلة، أو حتى على المستوى الداخلي في قطاع غزة، وذلك بعدما أبدعت في المستوى المتطور من التقنية والتكتيك والاستراتيجية، بدءا بالضفادع البشرية مرورا بتحليق طائرة بلا طيار، وعمليات الإنزال باستخدام الأنفاق ومحاولات أسر الجنود، وليس انتهاء بالتصوير الحربي في لحظات التنفيذ، كما جرى في موقع «ناحل عوز» العسكري.

وبرغم أن مستوى التطور لدى المقاومة لا يضاهي الذي تتمتع به آلة الحرب الإسرائيلية، فإن التطور في جوانب محددة على مدار تاريخ الصراع أدى إلى إعادة تقدير وزن المقاومة، ولاسيما من الجانب الإسرائيلي. ولا ينسى المتابعون أن هذا التطور جاء بعد تشديد مراحل الحصار وتدمير الأنفاق وإغلاق المعابر بصورة شبه كاملة، وأيضا قياسا إلى معركة عام 2012، فإن سنتين كانتا كفيلتين بتحديث قدرات المقاومة، وهو ما يعني أن الحصار لم يضر بالأساس إلا المواطنين المدنيين، ولم ينجع في وقف التسلح والإعداد.

مع ذلك، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية، وديع أبو نصار، أن أكثر ما صدم العسكريين الإسرائيلين هو «بسالة مقاتلي المقاومة وكفاءتهم، لا التطور التقني كالصواريخ والطائرات بلا طيار على أهميته»، وهو الأمر الذي خلق خوفا لدى الجنود قبل وصولهم إلى ساحات القتال في غزة، «ما جعل بعضهم يرفضون الصعود إلى مدرعات غير مزودة بنظام مضاد للصواريخ، لإيمانهم المطلق بأن القتال سيكون شرسا».

في هذا الإطار، خصصت القناة العاشرة الإسرائيلية مساحة من برامجها لتسليط الضوء على «شخصية المقاتل الفلسطيني»، واعترف ضابط في الجيش الإسرائيلي بإخفاق التوقعات الاستخبارية في تقدير «كفاءة المقاتلين وشراستهم».

هذا أربك الإسرائيليين، كما يقول أبو نصار، الذي يتحدث من فلسطين المحتلة عام 1948.

وأضاف لـ«الأخبار»: «أحجم الساسة الإسرائيليون عن اتخاذ قرار بتوغل بري واسع في عمق غزة لمعرفتهم الأكيدة بفداحة الخسائر المتوقعة. وتقول كتائب القسام إنها استطاعت قتل 131 جنديا إسرائيليا منذ بدء الحرب في عمليات مختلفة تمكنت من توثيق بعضها بالصور، ما أربك المستويين السياسي والعسكري، وظهر أنهما أخرا أو أخفيا الإعلان عن الخسائر».

في المقابل، أسهم توثيق العمليات في تعزيز صدقية المقاومة وزعزعة الثقة برواية الجيش الإسرائيلي، كما اضطر الاحتلال إلى الاعتراف بخسائره بعد ساعات من إعلان المقاومة عنها أو حتى نفيه لها.

من المهم الإشارة إلى أن ما يمكنه رصده في نهج المقاومة طوال المعركة محاولتها تجنب إصابة المدنيين الإسرائيليين، وتركيز العمليات على الجنود في ميدان القتال، وذلك برغم استطاعة المقاومين الوصول إلى أهداف غير عسكرية من منازل ومزارع داخل المستوطنات القريبة.

ومع أن قصف المستوطنات والمدن يمكن تصنيفه على أنه ضرب لمواقع عسكرية، فإن قادة ميدانيين يؤكدون لـ«الأخبار» أن المقاومة صار لديها بنك أهداف في الأراضي المحتلة، وتصوب صواريخها على مواقع ومنشآت عسكرية قدر المستطاع، وهي كذلك توقفت منذ سنوات عن أسلوب العمليات الاستشهادية داخل التجمعات المدنية.

«لهذه السياسة مغزى وعميق»، يقول الخبير الأمني من القدس، واصف عريقات، الذي يرى أن المقاوم الفلسطيني يرسل رسالة قوية إلى الإسرائيليين، وهي تحرج الجيش الذي يقتل المدنيين «فيما المقاومة تستهدف جنوده وآلياته».
أيضا يمكن القول إن المقاومة تسجل بذلك انتصارا سياسيا، لأنها ستتجنب الانتقادات الدولية التي كانت توجه إليها بسبب ما برعت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسويقه على أنه «استهداف مدنيين»، مع أنه لا يمكن في المقابل الحديث عن إخفاق تلك الدعاية.

وفي أسوأ الأحوال وبإعلان الجانب الإسرائيلي مقتل ثلاثة مدنيين فقط مقابل 65 جنديا فإن رواية العدو ستفقد الصدقية، بل ذهب عميد كلية الحقوق في جامعة القدس، محمد شلالدة، إلى القول إن المقاومة «لم ترتكب أي جريمة حرب وفق معايير القانون الدولي الإنساني». أما قوات الاحتلال، وفق شلالدة، فهي ترتكب جرائم حرب توصف في القانون الدولي الإنساني بـ«الهجوم العشوائي»، و«العقوبات الجماعية».

كذلك، عبر عطا القيمري، وهو صحافي فلسطيني من القدس، عن أنه مذهول من «حجم العنصرية التي تقطر من الصحف الإسرائيلية المعبرة عن الشارع الإسرائيلي أو النُخب الإسرائيلية»، مضيفا لـ«الأخبار»: «اتفق الإعلام العبري على وصف سكان غزة بالذباب الذي يستحق السحق والإبادة».

في المقابل، يظهر جليا أن الشارع الفلسطيني التف بأغلبية أطيافه حول المقاومة، وينعكس هذا في صفحات التواصل الاجتماعي، التي تكاد تخلو من تحميل المقاومة مسؤولية الدماء النازفة في غزة، كما حظي الناطق باسم كتائب القسام (حماس)، أبو عبيدة، بشعبيّة عالية من مختلف الأطياف الحزبية، وخصوصا بعدما أعلن خطف الجندي شاؤول أرون.

ويبقى التحدي الأكبر أمام المقاومة أن تكون على قدر حجم تضحيات الغزاويين، وهو أمر ليس سهلا، لأن الحفاظ على الإنجاز أصعب من الإنجاز نفسه، كما يقدر متابعون، منهم أبو نصار، الذي قدر أنه بعد عجز إسرائيل عن القضاء على المقاومة، وعدم جدوى خيار الانسحاب الأحادي، ها هي تضطر إلى إبرام اتفاق سياسي معها. وبعبارة أخرى فإن إسرائيل بجرائمها ضد المدنيين تخلق أسبابا لنشوء المقاومة، وما جرى خلال الحرب سيدفع الفلسطينيين إلى تطوير قدراتهم القتالية.