خبر مفاجأة الانفاق وأخطاء في العمليات - هآرتس

الساعة 12:13 م|05 أغسطس 2014

مفاجأة الانفاق وأخطاء في العمليات - هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: حينما ينقشع دخان القتال في عملية الجرف الصامد ستُطرح للنقاش القضايا الامنية التي تستوجب الفحص عنها مثل مفاجأة الانفاق والأخطاء في العمليات والفجوات الاستخبارية - المصدر).

الجواب النهائي عن سؤال ما الذي ربحته وخسرته اسرائيل في الحرب في غزة سيُعطى بعد ذلك فقط. من الواضح أن الجيش الاسرائيلي ضرب حماس ضربة قاسية نسبيا وأن العملية سببت إضرارا عظيما بالبنى التحتية المدنية في غزة وازمة انسانية واسعة (فهنالك نحو من 450 ألف لاجيء فلسطيني؛ و1865 قتيلا وآلاف الجرحى).

وضاءلت اسرائيل الى الحد الأدنى الأضرار التي أحدثتها آلاف القذائف الصاروخية في ارضها بفضل منظومة القبة الحديدية (قُتل ثلاثة مدنيين) ودمرت جميع الانفاق الهجومية التي عرفتها، برغم أن المعركة صاحبتها خسائر كبيرة في الدفاع والهجوم (64 ضابطا وجنديا قتيلا). ومن المعلوم بالقدر نفسه أن أمر الامر لم ينته: فحماس لم تُهزم وستبقى المنظمة تحكم القطاع وستبقى الشريكة المركزية في كل تسوية في المستقبل حتى لو تم ذلك بصورة غير مباشرة. واذا أفضت الهدنة الى خرق الحصار على القطاع فقد يعتبر الثمن الباهظ الذي دفعته حماس تضحية سائغة من وجهة نظرها.

سيكون امتحان نتائج الحرب هو نوع التسوية التي ستُحرز بعد أن تنتهي، وطول مدة التهدئة بعدها. ومن المستحيل تقريبا أن نتنبأ بذلك مسبقا لأن الامور ليست متعلقة فقط بعظم الاضرار وقوة الردع بل بتطورات في المستقبل ايضا. فعلى سبيل المثال غيّر تولي الجنرالات الحكم في القاهرة قبل سنة تغييرا أساسيا العلاقات بين القوى في المثلث اسرائيل – غزة – مصر وأفضى بصورة غير مباشرة الى نشوب أحداث العنف في الشهر الماضي.

إن طبول النصر التي تُسمع الآن من الجانبين يحسن أن تُستقبل بحذر وشك. فهذه معركة نفسية موجهة في الأساس الى الجبهة الداخلية بغية اقناعها بأن التضحية والجهد لم يكونا عبثا. وفي اسرائيل حفظ صورة النصر الآن مهم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أصبح خصومه من الساسة يشمون الدم، ولهيئة القيادة العامة التي تهاجَم بسبب أدائها ولقادة الألوية – الذين يخرجون في الحقيقة من القطاع مع شعور بالنجاح – لكن يجب عليهم أن يعززوا روح القتال عند مقاتليهم استعدادا لما يأتي.

لا يشبه الجو في الجيش الاسرائيلي وعند الجمهور الشعور بالفشل القاسي بعد حرب لبنان الثانية. يُشعر في الحقيقة بقدر من الشك وخيبة الأمل من انجازات الحرب لكن يبدو أن ذلك لن يُفصح عن نفسه باحتجاج شديد من رجال الاحتياط كما حدث في صيف 2006. وقد كان التنسيق بين القيادتين السياسية والعسكرية هذه المرة حسنا ولم تحدث معارك بالسكاكين وانهيارات في الأداء وعزل. لكنه ما زالت تُسمع دعوات الى تحقيق. ويخدم الاعلان عن فحص مراقب الدولة عن قضية الانفاق، يخدم نتنياهو اذا أخذنا في الحسبان طبيعة مراقب الدولة الحالي المريحة. وأعلنت لجنة الخارجية والامن في الكنيست ايضا تحقيقا منها. ومن الصعب الى الآن هنا أن نتنبأ بالأجندة السياسية للرئيس عضو الكنيست زئيف إلكين (من الليكود)، وهل سيستغل الفحص لمصلحة نتنياهو أم عليه. وهذه على كل حال بعض القضايا الامنية الرئيسة التي تقتضي فحصا عنها اذا انتهى القتال هذا الاسبوع حقا.

ما الذي عرفته الاستخبارات؟

قدمت الحرب في غزة الامتحان الكبير الأول لتوجه الحرب الاستخبارية التي قادها رئيس "أمان" اللواء أفيف كوخافي في السنوات الاخيرة. وقد نجح نقل المعلومات الاستخبارية العملياتية الى القوات الميدانية بمساعدة "الشباك" في جلب قدرا أكبر مما كان في الماضي من المعلومات المحددة. وفي مقابل ذلك فان الانطباع الاول الحاصل هو أن "أمان" صعب عليها أكثر أن تشخص وأن تتنبأ بالتغييرات في توجه حماس قبيل نشوب الحرب وفي اثنائها. إن التقديرات المتفائلة التي سُمعت من وسائل الاعلام عن مبلغ سحق حماس واستعدادها للتوصل الى هدنة تبين أنه مبالغ فيها. وكانت المعلومات الاستخبارية عن قواعد اطلاق القذائف الصاروخية لمدى متوسط، كانت جزئية وصعب على اسرائيل أن تصيب قادة حماس الكبار بسبب التأليف بين فجوة استخبارية وصعوبة عملياتية (اختبائهم في أنفاق بين ظهراني سكان مدنيين).

وجّه ضابط رفيع المستوى في اثناء الحرب وسائل الاعلام الى أن تقريرا مفصلا عن تهديد الانفاق – فُسر بين الجمهور وفي المجلس الوزاري المصغر بأنه مفاجأة حماس المركزية في القتال – قُدم الى نتنياهو قبل سنة واشتمل على معلومات مفصلة عن أكثر من ثلاثين نفقا هجوميا. وفي الاسبوع الماضي بين ضابط رفيع المستوى في فرقة غزة للصحفيين أن الفرقة وقادة المنطقة الجنوبية علموا بنية حماس أن تنفذ عملية كبيرة في نفق في الشهر الماضي وأن الجيش الاسرائيلي استعد قبل ذلك لـ "معركة تموز" لحماس.

خطة العمليات

إن هذين الشيئين الاخيرين خاصة يثيران اسئلة جديدة. فأولا يزعم وزراء في المجلس الوزاري المصغر أنهم لم يكونوا عالمين بخطورة المشكلة قياسا بالتهديدات الامنية الاخرى، برغم تذكيرات "أمان" المتوالية. وثانيا لم يشمل تحديد اماكن الانفاق التعرف المسبق لآبار الخروج في 9 الى 12 منها (ويوجد هنا فرق في التقدير بين "أمان" و"الشباك")، والتي قد حُفرت في داخل اسرائيل. وثالثا وهو الجانب الأهم أنه تغيرت طبيعة العملية البرية في القطاع في آخر لحظة.

نشبت الحرب في 7 تموز؛ وفي 15 من ذلك الشهر بعد ثمانية ايام هجمات جوية ردا على اطلاق قذائف صاروخية على اسرائيل، أعلنت الحكومة بأنها مستعدة لهدنة (أي أنها تخلت عن علاج الانفاق). ورفضت حماس وبعد يومين، أي في 17 تموز، على إثر دخول مخربين من حماس من نفق قرب كيبوتس صوفا، أُجيزت العملية البرية للجيش الاسرائيلي. وفشلت حماس في عمليتها، فقد أصاب سلاح الجو الخلية ونشر الجيش الاسرائيلي صور الواقعة. لكن أُمليت على الجيش بتأثير الخوف الذي أحدثته الواقعة خطة عمليات تختلف تمام الاختلاف فحُصرت العناية في الانفاق بدل ضرب ممتلكات حماس في عمق الميدان وضرب منظومة اطلاق صواريخها. واعترف ضباط كبار بأن هذه الخطة لم تُعد بالتفصيل قبل ذلك بل صيغت في آخر لحظة مع فجوات جوهرية. وقد قاتلت القوات في الميدان بشجاعة وتفانٍ، لكن يُشك في أن تكون أُعدت اعدادا كافيا للمهمة التي أُرسلت فيها.

وعلى ذلك فان مقدار المعلومات الاستخبارية لا يستوي مع نوع الاعداد. هذا الى أنه اذا كان الجيش الاسرائيلي علم أنه تتوقع حرب في القطاع فلماذا أرهق كل ألوية مشاته بحثا عن الفتية الثلاثة المخطوفين من غوش عصيون مدة ثلاثة اسابيع بدل حصر العناية في الاعداد للمعركة في غزة؟ ولماذا بادرت الحكومة الى اعتقالات جماعية لنحو من 500 من نشطاء حماس في الضفة منهم 60 ممن أُفرج عنهم بصفقة شليط، اذا كانت تعلم أن هذه الاجراءات تحشر حماس في الزاوية؟.

حرب الأنفاق

منذ أن تبين تهديد الانفاق بكامل خطورته، أُفرد اشتغال اعلامي واضح بعدم وجود حل تقني للعثور عليها. ويبدو أنه يحسن النظر في شك في تأميل جهاز الامن صوغ حل أولي في غضون سنة، اذا أخذنا في الحسبان 14 سنة شغلوا أنفسهم فيها بتلك المشكلة دون نجاح. وكانت المواجهة الهجومية للانفاق يعتريها النقص ايضا. إن الجيش الاسرائيلي حفر في الحقيقة أنفاقا في ثلاث قواعد تدريب له، لكن التدريب الذي تدربته الوحدات عليها بعيد عن أن يكون كافيا. وشهد قادة عادوا من القطاع بأن التحدي العملياتي أكثر تعقيدا مما اعتقدوا وبأن القوات أعوزتها نظرية قتالية منظمة وخبرة بمواجهة الانفاق التي وجدتها هناك. وبرزت في الحرب الحاجة الى قوات هندسة اخرى والى فرق مختصة اخرى بقتال الانفاق. واعترف أمس وزير الدفاع بوغي يعلون بأن تفجير الانفاق طالت مدته أكثر مما قدّر الجيش قبل ذلك.

أخطاء في العمليات

إن كل حرب تسودها جلبة في الجبهة الأمامية، فالعدو يفاجيء وتقع أخطاء في العمليات. ولا شك ايضا في أن الجيش الاسرائيلي دفع في الايام الاولى ثمن الدخول والتجربة للحرب البرية مرة اخرى في منطقة مأهولة باكتظاظ، لأول مرة منذ خمس سنوات ونصف. لكن يبدو أن عدد الأخطاء هذه المرة مقداره مقلق. وبرز بينها الدخول في ناقلات الجنود المدرعة "زلدا" (إم 113) القديمة غير المدرعة بخلاف تام لدروس عملياتية سابقة ودون رقابة من القيادة العليا (سبعة قتلى من جولاني)؛ وكانت خليتان من القيادة أُصيبتا نتاج اطلاق قذائف آر.بي.جي من مخربين دخلوا من انفاق على مركبة غير مدرعة قرب السياج الحدودي (ستة قتلى في واقعتين)؛ والاهمال العملياتي المقلق الذي بيّنه الهجوم على الفيلبوكس في ناحل عوز (خمسة قتلى)؛ واصابة راجمات صواريخ لمناطق احتشاد قرب السياج الحدودي (تسعة قتلى من ألوية مدرعة في واقعتين).

إن قضية مناطق الاحتشاد مقلقة بصورة خاصة. ففي عمليات سابقة حرصوا في الجيش الاسرائيلي على مضاءلة القوات التي تنتظر قرب السياج الحدودي وسحبوا أكثرها الى الخلف، الى منتهى مدى راجمات الصواريخ. وفي هذه المرة غلب عدم نظام مفرط حول الشارع 232 قرب حدود القطاع حينما ملأه مئات من المدنيين الفضوليين من مركز البلاد كانوا يجرون بين القوات كل يوم الى أن انتهت المرحلة البرية تقريبا. هذا الى أن مقاتلين في الخدمة النظامية والاحتياط اشتكوا من نقص الدروع الواقية بل اجهزة الاتصال احيانا واستعمال مركبات غير مدرعة (منها حتى شاحنات ريو) في مهام وراء السياج الحدودي، على نحو مفاجيء بسبب النفقة الميزانية الضخمة على المعدات في السنوات الاخيرة.

حال القوات البرية

تثير هذه الظواهر أفكارا محزنة عن حال الجيش البري بعامة ونظام الاحتياط بخاصة. وكانت بين الفرق القتالية من الألوية التي عملت في القتال فرق من المعاهد العسكرية لم تستخدم منذ عشرات السنين استخداما قتاليا ولا تشمل وحدات عضوية مستقرة بل خريجي دورات دراسية. وتشمل تلك الفرق وحدات احتياط، لكن الجيش الاسرائيلي امتنع من أن يُدخل في القتال ألوية احتياط كاملة برغم أن عددا منها جرب القتال في القطاع في عملية "الرصاص المصبوب".

إن ذلك الامتناع قد يعبر عن ضعف الثقة بقدرة نظام الاحتياط. وليس سراً أن الجيش النظامي ايضا لا يتدرب تدربا كافيا وأن تدريباته غير موجهة بقدر كاف الى التحديات الجديدة وهي محاربة الارهاب والعصابات المسلحة في منطقة مكتظة، مع استعمال العدو لما تحت الارض، في مقابل المعارك بين الفرق المدرعة في الماضي. وزعم ضباط كبار في الاسبوعين الاخيرين أن صورة استعمال القوات في القطاع لم تشمل تقريبا المراوغة وأن الجيش الاسرائيلي امتنع عن ارسال وحدات مختارة لعمليات خاصة بعد أن إنكشف إنزال قوات الصاعقة البحرية على ساحل غزة في بدء العملية.

إن هذه الظواهر التي استُعرضت هنا باختصار وبناءً على انطباعات أولية فقط، تشهد بأن الجيش لا يستطيع أن يُسلم نفسه الآن لاحتضان الجمهور ومديح المستوى السياسي. فالجيش الاسرائيلي يحتاج الى تفكير عميق وتخطيط مجدد فيما يتعلق خاصة باستعمال الجيش البري. وقد واجهت اسرائيل في غزة عدم تكافؤ مفرطا، فقد استعملت جيشا متقدما تقنيا لمواجهة عدو اختار أن يلعب في ملعب مختلف وأحبط بذلك مسبقا بعض مزايا الجيش الاسرائيلي. إن سلاح الجو الاسرائيلي آلة مزيتة متطورة نشك في أن يوجد لها شبيه في العالم. وهو قادر بمساعدة "أمان" و"الشباك" على أن يجلب السلاح الى هدف بأقصى دقة. لكن يبدو أن ذلك غير كافٍ في مواجهة حماس أو حزب الله، لاحراز حسم.

لم يتلق الجيش من المستوى السياسي توجيها الى قهر حماس في غزة وذلك خاصة لأن الساسة كان يقلقهم عدد الخسائر المتوقعة في داخل المنطقة المأهولة. من المؤكد أن الجيش الاسرائيلي لم يخسر في الحرب، لكنه خرج للمعركة البرية والاستخبارات لم تُبين له بشكل كاف ما الذي يحاربه، ولم تتم تهيئة قوته للتحدي وكانت هيئة القيادة العامة تستعمله بحسب خطة ملاءمتها للظروف مختلف فيها. تستطيع اسرائيل أن تقرر أن ذلك كاف لها حتى في الحروب القادمة. لكن اذا كان الجيش الاسرائيلي معنيا بالحفاظ على قدرته بصفته جيشا قادرا على احراز النصر وقت الحاجة بعملية برية فيبدو أنه يُحتاج الى أن يتم التفكير هنا بتغييرات لا يستهان بها.