خبر هل انتصرت المقاومة؟.. هاني المصري

الساعة 08:41 ص|05 أغسطس 2014

إن القلم يرتعش في اليد والكلمات غدت بلا معنى في ظل الكارثة الإنسانيّة التي حلّت بشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، بعدما واصلت إسرائيل عدوانها المستمر منذ تأسيسها وحتى الآن، وارتكبت مجازر وجرائم حرب بصورة غير مسبوقة، وأكدت أنها تتعامل على أساس أن الشعب الفلسطيني هو العدو ويمثل النقيض التاريخي للمشروع الصهيوني، لأنه حاضنة القضيّة الفلسطينيّة والمقاومة من أجلها مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
وما يعزّي النفس أن الكارثة تقابلها ملحمة صمود وبطولة منقطعة النظير أعادت الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة وإلى الإنسان الفلسطيني وإلى المقاومة، وفتحت الطريق أمام المستقبل، وأكبر دليل على ذلك أن الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده هبّ لنصرة غزة بشكل أثبت أن القضيّة واحدة والشعب واحد وأن الأرض واحدة، وأرغم جميع القوى على دعم مطالب المقاومة وتشكيل وفد فلسطيني بمشاركة الجميع، وهذا يحدث لأول مرة بهذا الشكل منذ تأسيس حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
لا يمكن الإجابة عن سؤال «هل انتصرت المقاومة»، بشكل حاسم، قبل أن يضع العدوان أوزاره وتتضح النتائج النهائيّة. يمكن وضع اليد على مؤشرات تستند إلى ما توفر حتى الآن. لكن يبقى المعيار الأول والحاسم للحكم على مصير المعركة هو: هل حقق العدوان أهدافه، وفي المقابل، هل حققت المقاومة أهدافها؟
لقد حرصت الحكومة الإسرائيليّة على الاستفادة من تجارب إسرائيل من الحروب السابقة، خصوصًا في أعوام 2006 و2008-2009 و2012، وذلك بأن لا تضع أهدافًا كبيرة للحرب الحاليّة حتى لا تُهزم إن لم تحققها، فحددت أهدافًا متواضعة من خلال الحديث بداية عن هدفها القاضي بإفشال حكومة الوفاق الوطني وإسكات الصواريخ بتدمير منصّاتها وتحقيق معادلة «هدوء مقابل هدوء»، ثم قالت فيما بعد، عندما فشلت الحرب الجويّة وبدأت الحرب البريّة، إن الهدف هو تدمير الأنفاق، وأخيرًا قال نتنياهو إن أهداف الحرب تتمثل بإعادة الهدوء والأمن طويل المدى، بالإضافة إلى ضرب البنية التحتيّة للفصائل الفلسطينيّة، وأضاف أن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى القوة وبعض الوقت (لم يحدده).
أما الهدف الإسرائيلي غير المعلن للحرب الحاليّة ولأي حرب إسرائيليّة منذ «النكبة» وحتى الآن، فهو ترويع الشعب الفلسطيني وكسر إرادته على المقاومة، وكَيّ وعيه ودفعه لقبول الحلول الإسرائيليّة، أو التعايش مع الأمر الواقع الاحتلالي وتعميق فصل الضفة الغربيّة عن قطاع غزة، حتى لا تقوم قائمة للدولة الفلسطينيّة الحقيقيّة لا الآن ولا في المستقبل.
أما أهداف المقاومة فكانت إحباط أهداف العدوان ووقفه، ورفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى، والتمسك بالوحدة الفلسطينيّة وتعميقها.
إذا نظرنا إلى النتائج في اليوم التاسع والعشرين للعدوان سنجد أن أهداف الاحتلال لم تتحقق برغم الإبادة البشريّة التي ظهرت من خلال سقوط حوالي ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح، معظمهم من المدنيين، وتدمير كلي وجزئي لأكثر من عشرة آلاف بيت ومدرسة ومسجد وجامعة ومختلف مقومات الحياة، وتهجير نصف مليون مواطن داخل حدود قطاع غزة.
وبرغم حجم العدوان والدمار والمجازر والجرائم، لا تزال صواريخ المقاومة تُطلق وبمعدلات عالية نسبيًا وتصل إلى مختلف أرجاء إسرائيل. وخاضت المقاومة الفلسطينيّة معارك بطوليّة فاجأت العدو وكبّدته خسائر فادحة وصلت ـ بحسب اعترافه ـ إلى 63 قتيًلا في صفوف قواته ومئات الجرحى، وإلى شبه شلل في الحياة في إسرائيل كبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر تقدّر بالمليارات، ويمكن أن تكون لها أبعاد طويلة الأمد، مثل تراجع الاستثمار، خصوصًا الأجنبي، وتراجع السياحة التي تلقت ضربة كبيرة هذا العام، وبروز علامات سؤال كبرى حول جدوى نظريّة الردع الإسرائيليّة بعد أن تحطم معظم أركانها.
لقد انتصرت المقاومة عسكريًا برغم الاختلال الفادح في ميزان القوى العسكري، وبرغم أن الحرب الحاليّة تمت في ظروف غير مؤاتية عربيًا وإقليميًا ودوليًا. ولو كانت هذه الظروف مختلفة، لغيّرت هذه الحرب الوضع بصورة إستراتيجيّة. فلأول مرة لا يوجد موقف عربي داعم للمقاومة، بل هناك تجاذبات حادة بين محاور إقليميّة وعربيّة أضرّت أبلغ الضرر بالمقاومة وإمكانيات استثمار صمودها وانتصارها.
هناك من يقول أين الانتصار الذي تتحدثون عنه، أو ما قيمته أمام كل هذه الكوارث التي حلّت في قطاع غزة، ويستندون في ذلك إلى الهوة الواسعة بين الخسائر الفلسطينيّة والإسرائيليّة؟
إن عدم التناسب في الخسائر على هوله ووجعه الإنساني العميق متوقع، ويحسب ضمن نتائج الحرب وتقييمها برغم أن الخسائر الإسرائيليّة الحقيقيّة أكثر من المعلن عنها، وإلا، فلماذا فرض الرقابة العسكريّة المشددة على النشر حولها؟ إلا أن ذلك ليس العنصر الحاسم في الحكم على الحرب، ولو كان هو الأساس لما اعتُبرت فيتنام منتصرة برغم تقديمها مئات الآلاف من الضحايا وأضعافهم من الجرحى وتدمير هائل لمرافق الحياة فيها مقابل خسارة أميركا لأربعة وخمسين ألف جندي وضابط وأضعافهم من الجرحى. والنتيجة كانت هزيمة مخزية لأقوى دولة في العالم وانتصار عظيم لشعب فيتنام.
إن الحكم النهائي على الحرب لا بد أن ينتظر فصلها الختامي، وما إذا كانت المقاومة ستحقق أهدافها في وقف العدوان ورفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى وتعميق الوحدة الوطنيّة وتجديد قدرتها على خوض معارك أخرى.
المعركة السياسيّة التي بدأت أصعب من المعركة العسكريّة، وعلى المفاوض فيها أن يكون بمستوى أداء المقاومة في الميدان، بحيث يفشل العدو في تحقيق أهدافه بالسلم مثلما فشل في تحقيقها بالحرب. فمن المتوقع أن تجري محاولات للمقايضة بين سحب سلاح المقاومة وإخضاع غزة واستمرار وتعميق فصلها عن الضفة وإفشال المصالحة وإعادة وتعميق الانقسام من خلال بث الفرقة بين السلطة «الشرعيّة المعتدلة» وبين المقاومة «الإرهابيّة»، وبدء عمليّة سياسيّة جديدة على القواعد السابقة نفسها، بتغطية من مؤتمر دولي شكلي أو من دونه للتعمية على جرائم الحرب الإسرائيليّة، والحيلولة دون معاقبة إسرائيل عليها، مقابل رفع الحصار والإعمار بتوظيف معاناة قطاع غزة وعدم توفر البيئة العربيّة والإقليميّة والدوليّة المناسبة.
تأسيسًا على ما سبق، من المهم إدراك أهميّة المقاومة وسلاحها وقدرتها على تغيير توازن الردع وتوظيفها في سياق إستراتيجيّة فلسطينيّة موحدة تستند إلى وحدة وطنيّة حقيقيّة ولا تكتفي بوقف العدوان ورفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى، بل تسعى لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحريّة والعودة والاستقلال، من خلال الدعوة إلى مقاربة سياسيّة جديدة مغايرة لاتفاق أوسلو بشكل جذري.
يمكن أن يساعد على تحقيق ذلك الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي مستمر كامل الصلاحيات، وبمشاركة كل الأطراف المعنيّة، في إطار الأمم المتحدة وعلى أساس القانون الدولي والقرارات الدوليّة، بحيث تكون المفاوضات لتطبيقها لا للتفاوض حولها.