خبر خطوة أحادية الجانب افضل من ترتيب مع منظمة ارهابية.. عاموس يدلين

الساعة 10:22 ص|04 أغسطس 2014

 

بقلم: عاموس يدلين

(المضمون: الخطوة احادية الجانب هي خطوة للمدى القريب والمتوسط. في المستقبل ينبغي فحص امكانية تحقيق "ترتيب جيد" يمنع تعاظم حماس ويشترط اعادة بناء غزة بتجريدها من السلاح. عندها سيكون من الصحيح وداع الخطوة احادية الجانب الذي هو بديل افضل من "الترتيب السيء" الذي تسعى اليه حماس في هذا التوقيت - المصدر).

        أجرت حكومة اسرائيل في نهاية الاسبوع تغييرا هاما في الاستراتيجية العسكرية والسياسية حيال حماس في غزة.

 ومع الاسبوع الرابع من حملة "الجرف الصامد" كان لاسرائيل اربع استراتيجيات بديلة لاستخدام القوة بهدف الوصول الى اهداف الحملة:

  1. إنهاء الحملة من طرف واحد – مثل انهاء حملة "الرصاص المصبوب" 2009.
  2. وقف نار متفق عليه والوصول الى ترتيب (مثل انهاء حملة "عمود السحاب" 2012).
  3. تعميق الحملة، من الجو ومن البر لمواصلة الضرب الشديد لحماس العسكرية – البديل الذي اوصى به كاتب هذه السطور.
  4. بديل احتلال القطاع واسقاط حماس – تنظيف جذري وطويل للارهاب في غزة.

من المرحلة التي بدأ فيها الحديث عن استراتيجية الخروج من حملة "الجرف الصامد" انكشف عدم توافق جوهري بين اسرائيل وحماس. فالمسار الذي سعت اليه اسرائيل – اولا وقف القتال، أي، "الهدوء مقابل الهدوء". وبعد ذلك – البحث في الترتيب بواسطة مصر. بالمقابل، حماس، التي قاتلت من اجل انجاز استراتيجي يتمثل برفع الحصار عن القطاع، لم تكن مستعدة للالتزام بوقف النار قبل ان تتقرر مبادىء الترتيب الذي سيأتي بعد ذلك.

    أما المجلس الوزاري فقد اختار، في كل بحث أجراه حتى 1 آب 2014، الاستراتيجية الثانية – استراتيجية الترتيب، في ظل تبني الاقتراح المصري بوقف النار او وقف نار انساني ولاحقا – البحث في القاهرة مع حماس، في شروط الترتيب، للمدى القصير والمتوسط. وفضلا عن اشكالية الاتفاق مع منظمة ارهابية والدروس الاشكالية الناشئة عن تعاظم حماس في ظل الترتيبات في الماضي – يبدو أنه لم يكن ممكنا تحقيق ترتيب جيد/معقول في الظروف الاستراتيجية التي تشعر فيها حماس بانها خرجت من المعركة مع "قصة نصر".

وصل المجلس الوزاري الى المداولات في يوم الجمعة، 1 آب 2014، بينما كانت في الخلفية أحداث نهاية الاسبوع الدراماتيكية. الوضع الانساني الصعب في غزة وحجم الاصابات بغير المشاركين عمقا النقد على اسرائيل ووضعاها في مواجهة مع الاسرة الدولية ومع صديقتها وحليفتها الولايات المتحدة. وأوضح الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الامريكي جون كيري لاسرائيل بان لا مفر أمامها غير الموافقة على وقف نار انساني على مدى 72 ساعة. وجاء انتهاك وقف النار بشكل فظ من قبل حماس – الهجوم على سرية دورية جفعاتي ومحاولة اختطاف الضابط هدار غولدن – اتاح لاسرائيل تغيير موقفها.

        بالانتهاك الفظ لوقف النار سمحت حماس لاسرائيل بتغيير الميل الاستراتيجي واختيار بديل يضع حماس في المدى القصير على الاقل في وضع استراتيجي صعب. فقد عادت اسرائيل ونالت الشرعية الدولية لعمليتها – وعرضت حماس مرة اخرى كمنظمة ارهابية غير مصداقة، تنتهك للمرة السادسة وقفات النار التي بادرت اليها الاسرة الدولية وقبلتها اسرائيل. وقررت اسرائيل حرمان حماس من حق "الفيتو" على وقف النار، استعادت المبادرة وأوضحت بانها لا تجري مفاوضات مع حماس ولا تمنحها اي انجاز، لا في وقف النار ولا في الترتيب. وغيرت اسرائيل الميل الذي بموجبه – "الزمن الذي يمر – يخدم حماس" وأدخلت الى المعركة فضائلها الاستراتيجية في طول النفس، في القوة الاقتصادية، في القوة العسكرية وفي صمود المجتمع الاسرائيلي، الذي لم يرتدع ولم ينكسر من حجم المصابين ووقف بشكل مثير للانطباع خلف جيشه وحكومته. وبقيت حماس دون قدرة على التهديد بتصعيد المعركة وبعد أن قدمت اسرائيل جوابا عمليا ممتازا على نار صواريخها ودمرت أنفاقها الهجومية، فانها تقطع ايضا الاتصال مع المناطق التي كان فيها جنودها عرضة للهجمات والاختطافات.

        اسرائيل تقول لحماس أربعة اقوال، تطرح أمامها وضعا استراتيجيا جديدا:

  1. كل المطالب التي من أجلها خرجتم الى المعركة لم تعد على جدول الاعمال. انتم تتبقون بلا رفع الحصار، بلا ميناء ومطار، بلا رواتب، بلا تحرير سجناء وبلا اعادة بناء غزة. وضعكم اليوم اسوأ بكثير مما كان عشية المعركة.
  2. بقيتم مع غزة المدمرة، أزمة انسانية، مئات كثيرة من القتلى، الاف الجرحى وربع مليوم لاجيء. انتم مسؤولون عن "التسونامي الذي اصاب غزة" وليس لديكم الادوات للتصدي له. الجمهور في غزة، الذي وعدتموه بالانجازات في الحرب والتي لا يمكنكم ان توفروها له بلا ترتيب – سيحاسبكم.
  3. اذا واصلتم اطلاق النار – فلدى اسرائيل قوة نارية متفوقة وأكثر بكثير؛ وهي ستواصل ضربكم، وهذه المرة ليس بالهجوم على معسكرات تدريب فارغة بل بهجمات أليمة على الاهداف الاكثر اهمية لحماس. قيادات حماس السياسية والعسكرية ستواصل العيش في الخنادق تحت الارض وستجد صعوبة في بث ادعاءات مصداقة عن انتصارات وهمية. كما أن على زعماء حماس أن يشرحوا لسكان غزة لماذا يجلبون دمارا آخر على القطاع بدلا من اخراجها  من الازمة الانسانية.
  4. خلافا للجولات السابقة، تضمن اسرائيل ومصر الا تتمكن حماس من التعاظم وبناء قوتها العسكرية من جديد. وستمنع مصر التعاظم من خلال استمرار منع التهريب فيما ستفعل اسرائيل ذلك بفضل حرية العمل التي ابقتها لنفسها في الخطوة احادية الجانب التي تقرر فيها قواعد اللعب، وفي مركزها حقها في العمل ضد التعاظم المستقبلي لحماس.

خطوة اسرائيل هذه يمكن أن تلتقي نهجين استراتيجيين لحماس وتلزم اسرائيل باعادة تصميم استراتيجيتها لتحقيق أهدافها حيال حماس:

  1. الانضمام الى وقف النار احادي الجانب بشكل مشابه لما حصل في "الرصاص المصبوب"، وذلك لفهمهم بانهم فقدوا الروافع العسكرية ضد اسرائيل، عمق الازمة الانسانية والاستجابة لرغبة الجمهور في غزة. ستحاول حماس الوصول الى ترتيب مع المصريين والسلطة الفلسطينية، كما ستحاول فرض هذا الترتيب على اسرائيل. ستحاول حماس استغلال الازمة الانسانية لتلقي المعونة الدولية وستحاول استعادة العطف الدولي والعربي، الذي فقدته في المعركة. والى جانب ذلك، ستحاول المنظمة تحقيق ترتيب لتخفيف الحصار عن القطاع، اما اسرائيل فستحظى بالهدوء الذي سعت الى تحقيقه. باقي أهداف تعزيز الردع واضعاف حماس – ستمتحن فقط على مدى الزمن.
  2. استمرار النار على اسرائيل وهجمات من جانب اسرائيل بالحجم الذي تم في اثناء شهر تموز 2014. مثل هذه الخطوة ستتحدى حكومة اسرائيل وتجبرها – في حالة أن المعركة بالنار لا تقدم ردا كافيا  وتآكل قدرات حماس لا يكون بوتيرة يمكن التعايش معها – الى النظر مرة اخرى في خيار تعميق الحملة. فخطوة تعميق هامة يمكنها أن تكون في هذه الحالة اكثر تخطيطا، اكثر مفاجأة، بلا "الاثقال" التي فرضتها مهامة الانفاق وستعتمد على الدروس من التحقيقات في الاسابيع الثلاثة الاولى من المعركة. يمكن لحماس أن تختار "خيار التنقيط" – عودة الى النار المحدودة على غلاف غزة، الحفاظ على مكانتها كمنظمة مقاومة مسلحة ولكن بلا جر اسرائيل الى خطوة واسعة. اما اسرائيل فسيتعين عليها في هذه الحالة أن توضح لحماس بان سياسة الرد مثلما كانت حتى حملة "الجرف الصامد" لم تعد سارية المفعول وعلى كل نار سيكون رد حاد. اذا استمر "التنقيط" ستعود اسرائيل الى حاجة النظر في التعميق – ولكن في هذه الحالة ستكون حماس التي سنلتقيها مستنزفة واضعف بكثير.

تفتح الخطوة احادية الجانب امام اسرائيل طيفا أوسع من الخيارات. فهي يمكنها أن تواصل ضرب حماس واضعافها، تعطي فرصة لوقف النار واقامة هدوء طويل، تسمح ببلورة تعاون دولي واقليمي لمعالجة ملف غزة كما تسمح بالوصول الى تفاهمات وترتيب من خلال المصريين مع السلطة وحماس. هذه الخطوة احادية الجانب لن تنجح الا اذا كانت منسقة جيدا مع الولايات المتحدة ومع مصر. ويستند التنسيق مع مصر الى العداء المشترك لحماس والرغبة في اضعافها بل وتغييرها كحكم في غزة. اما التنسيق مع الولايات المتحدة فسيكون مشروطا باستعداد اسرائيل للسماح بالمساعدة لحل الازمة الانسانية في المدى القصير واستعداد اسرائيلي للتقدم في مسيرة سياسية – في المدى المتوسط. يوجد تداخل مصالح عميق بين اسرائيل والولايات المتحدة وفهم في أنه ليس صحيحا السماح لحماس بانجازات، بل تشجيع الفلسطينيين الذين لا يتبنون استخدام الارهاب والعنف واضعاف حماس لدرجة تغييرها بنظام اكثر اعتدالا.

الخطوة احادية الجانب، التي تتضمن الفضائل التي فصلت اعلاه، هي خطوة للمدى القريب والمتوسط. في المدى القريب – سيكون الاختبار في استعداد سكان غلاف غزة للعودة الى بلداتهم. في المدى الابعد، بعد أن يتبدد الدخان وتتضح الميول الاستراتيجية سيكون صحيحا اعادة فحص بديل الترتيب. في المستقبل ينبغي فحص امكانية تحقيق "ترتيب جيد" يمنع تعاظم حماس ويشترط اعادة بناء غزة بتجريدها من السلاح. عندها سيكون من الصحيح وداع الخطوة احادية الجانب الذي هو بديل افضل من "الترتيب السيء" الذي تسعى اليه حماس في هذا التوقيت.