خبر الطفل الجريح « يامن »..يصارع الحياة وحيدا بعد إبادة الاحتلال لعائلته

الساعة 03:55 م|03 أغسطس 2014

غزة- متابعة

عُلّق على سريره لوحة كُتب عليها "مجهول"، هكذا أمضى الطفل يامن أبو جبر إبن الـ(4) سنوات، من مدينة البريج وسط قطاع غزة، يومين كاملين في مجمّع الشفاء بمدينة غزة، وحيداً، ينادي بصوته "المرتجف" على والدته التي لم تجيبه حتّى هذه اللحظة.

بشاشٍ أبيض لفت الطبيبة وجه وجسد الطفل "يامن"، بسبب إصابته بحروق خطيرة، نتيجة تعرضه لشظايا الأسلحة الإسرائيلية الحارقة، بعد استهداف الطائرات الحربية لمنزل عائلته.

يومان كاملان حيّر فيهما الطفل "يامن" أطباء مستشفى الشفاء بغزة، إذ لم يأتِ أحد ليبحث عنه أو يلقي نظرةً عليه، كما أنهم لم يعرفوا حتّى اسمه.

وبعد ساعات من دخول "يامن" يومه الثاني "وحيداً" داخل المستشفى، يعاني ما يعانيه دون أن تمسح يد أمّه الحنون أوجاعه، جاءت مواطنة من مدينة "البريج" تبحث عن طفل بعمر الـ(4) سنوات، أباد الاحتلال الإسرائيلي عائلته بالكامل.

أسرعت ابنة عم والده، "جيهان أبو جبر"، (45) عاماً، نحو قسم الاستقبال داخل مجمع الشفاء، تسألهم عن طفل باسم "يامن أبو جبر"، لكن الإجابة كانت بالنفي، إذ لم تسجل المستشفى طفلا مصاباً بهذا الإسم، كما قالت لمراسلة "الأناضول".

حاولت جيهان البحث عنه في مستشفيات المنطقة الوسطى من قطاع غزة، لكن محاولاتها باءت بالفشل.

عندها، لم تفقد "جيهان" الأمل، وتابعت بحثها داخل مستشفى الشفاء، إذ كانت تشعر أن الطفل "يامن" لا زال على قيد الحياة.

وتابعت: " بحثت عن يامن داخل غرف المستشفى، حتّى شاهدت طفلاً ملقى على أحد الأسرّة، لُف وجهه بشاش أبيض، كما لفّت يده اليسرى بـ(الجبص)، اقتربت جيهان من الطفل وتأملت ملامحه، حتّى تصرخ: حمداً لله، هذا هو يامن".

وكانت عائلة أبو جبر، قد تجمعت، في ليلة ثاني أيام عيد الفطر، في بيت (أحمد أبو جبر)، فرغم جراح الحرب، كانت العائلة تريد أن تجتمع في جوّ عائلي يخفف عنهم حدّة الخوف والوجع، حسب "جيهان".

ويعيش الآن "يامن" بعد استهداف منزل عائلته، وحيداً، بعد أن نجا من المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الإسرائيلي بحقّ عائلته التي راح ضحيتها (22) فرداً، كما ذكرت "جيهان".

وبيّنت جيهان أن بحثهم المتأخر عن "يامن" جاء نتيجة انشغال العائلة بدفن "ضحايا الاستهداف الإسرائيلي، بحيث لم يجدوا أثناء الدفن جثّة الطفل "يامن".

وحول قصة استهداف منزل عائلة الطفل "يامن"، قالت "جيهان": " كـ(الحمم البركانية)، تساقطت شظايا (القنبلة) التي حولت منزل عائلة أبو جبر، في مخيم البريج، جنوب القطاع، إلى كومة من الركام، إذ لم أشعر، للوهلة الأولى، أن (كارثة) حلّت بعائلتي عند الساعة (12)بعد منتصف الليل".

انفجار واحد "ضخم"، حوّل مشهد العيد، في ثاني أيامه، عند عائلة أبو جبر، إلى مشهد وصفته "جيهان" بـ"الخيالي"، الذي راح ضحيته (22) فرداً من عائلتها.

وقالت لمراسلة "الأناضول" للأنباء: " لم نرَ في تلك اللحظة سوى لون برتقالي كلهيب الحمم البركانية، ومن ثم انفجار كان بحجم هذا الكون، وجثث وأشلاء باتت تتطاير من السماء نحو الأرض".

وفي تمام الساعة (12) والنصف بعد منتصف الليل، أي بعد مرور نصف ساعة على حادثة استهداف منزل "أبو جبر"، استطاعت جيهان، والتي يلاصق منزلها منزل عائلة "أحمد"، أن تستيقظ من صدمة الانفجار والمشهد الذي شاهدت بدايته عبر نافذة المنزل.

هرعت "جيهان" بعد أن امتصت صدمتها نحو المنزل الذي لم يزل ركامه ساخناً –في ذلك الوقت-، ألقت نظرة، وبصوت متلعثمٍ نادت "أيوجد حيّ هنا؟"، لكن لم يجب على سؤالها أحد.

وبدأت "جيهان" تنظر إلى ما حاول طواقم الدفاع المدني والإسعاف من انتشاله، فكان مشهد إبنة عمّها "دينا"، الحامل في شهرها (الثامن)، من أصعب المشاهد التي رأتها آنذاك.

وتابعت: " من شدة الانفجار، انفجر بطنها، وخرج جنينها منه، كما أصيب الجنين بشظايا في رأسه، وراحت وجنينها ضحية هذا الاستهداف الإسرائيلي".

كما أن مشهد الجثث التي تحوّلت إلى كومة من الأشلاء، وتطايرت بقاياها في أنحاء متفرقة من منزل "أبو جبر"، قابعاً في ذاكرة "جيهان".

وذكرت أن شدة الانفجار أدت إلى تطاير الجثث من داخل المنزل، مضيفةً: " جثة عمي، وجدنا نصفها داخل المنزل، والنصف الآخر ملقاة على الشارع، وكذلك حال العديد من الجثث".

وأوضحت "جيهان" أن انفجاراً واحداً حوّل منزل "أبو جبر" ومنازل الجيران إلى ركام، متابعةً: " لا نعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف المنزل بصواريخ طائرات حربية، إنما ألقت قنبلة كبيرة عليه أو برميلاً متفجراً، لأن انفجار صاروخ واحد لا يُحدث هذه الكارثة كلّها وهذا الدمار".

ويشن الاحتلال الإسرائيلي حربا على قطاع غزة، منذ السابع من شهر يوليو/تموز الماضي، أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 فلسطيني من بينهم 400 طفل، وأصابت أزيد من تسعة آلاف آخرين.