خبر فَشِِلَ « الشباك » في غزة.. هارتس

الساعة 10:11 ص|03 أغسطس 2014

بقلم: أمير أورن

 

          (المضمون: فشِل "الشباك" بعد انسحاب اسرائيل من غزة في التعرف على الواقع الجديد الذي نشأ فيها وأفضى الى ما أفضت اليه الحرب الآن - المصدر).

          يقولون في العالم إن اسرائيل لها سلاح ذري، ويتفاخرون في اسرائيل بأن الجيش الاسرائيلي هو أقوى جيش في الشرق الاوسط وبأن سلاح الجو هو الأفضل في العالم كله. وسواء أكان ذلك اسطورة أم واقعا فانه لا تأثير مباشرا لكل ذلك في عملية "الجرف الصامد" على حماس في غزة. فالذي يحدد هناك هو فقط القوة التي تبتغي هدفا، وهي ذلك المقدار من القوة من الاحتياطي الضخم الذي تختاره اسرائيل أو تضطر الى استعماله بقدر ما من النجاعة. وهذا صحيح في المسائل الكبرى من سياسة استعمال القوة وفي المواد النقطية للصدام الحربي. فلا يهم عدد المركبات المدرعة للفرق العسكرية وفي وحدات مستودعات الطواريء؛ بل المهم أنه في لحظة مصيرية واحدة تُرسل ناقلة جنود مدرعة قابلة للاصابة الى خطر تحقق.

          إن الشريك الصامت للآلة العسكرية الهادرة هو جهاز الامن العام "الشباك". إن "للشباك" قدرة مبرهنا عليها على الكشف عن اشجار وضعفا مقلقا في الكشف عن غابات. وقد جمع ملفات مدهشة عمن أُفرج عنهم في صفقة شليط، استعدادا للاجراءات التي تفضي الى اعادتهم الى السجون، لكنه كان أقل ادهاشا في ملاحظة سلسلة الردود التي سبقت اعتقالهم واستمرت بعد ذلك.

          لن يستطيع من يحقق في اسباب الأداء المختل للجهاز الرسمي في اسرائيل على اختلاف أذرعه في السنوات التي سبقت الجرف الصامد، لن يستطيع هذه المرة أن يغض الطرف عن اسهام "الشباك" في الفشل، فقد كان هذا الجهاز قويا جدا نحو الداخل في الصراعات الموظفية على السيطرة والصلاحيات وحدود السيطرة، وكان ضعيفا جدا نحو الخارج في مواجهة أهدافه.

          إن "الشباك" هو جهاز استخباري وقائي. وعلة وجوده الأمن الفعال الذي توجهه المعلومات الاستخبارية. وقد اختل هذا الهدف الاساسي على مر الزمن وحول "الشباك" الى مشرف على الاحتلال. تقع عليه مسؤولية زائدة هي التحذير في الساحة الفلسطينية على اختلاف مناطقها – الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس. وهي ليست كيانات مستقلة من جهة أمنية لا من جهة سكانية فقط. وتعمل فيها وخارج البلاد في مواجهة اسرائيل نفس المنظمات مع نفس القيادات ونفس الجماهير المستهدفة. وليس "الشباك" وحده هو الذي يتابع ما يجري في الساحة الفلسطينية، فهناك تجتمع ايضا "أمان" وقيادة منطقة الوسط، ومنسق العمليات في المناطق، وقيادة المنطقة الجنوبية، والموساد والشرطة. لكن له أسبقية يشتد حرصه على حفظها.

          كان نجاح "الشباك" معقولا وإن يكن بعيدا عن الكمال في الظروف القاسية في العقدين السابقين ما بقي من الواجب عليه أن يسبق الى التعرف على تنظيمات للتخطيط لعمليات وتنفيذها، والتحذير واستصراخ قوات الامن الاخرى كي تفسد التدبيرات. لكن "الشباك" أضاع المعنى الحقيقي للتطورات في غزة منذ 2005 – 2007 وهي الفترة المشكلة للواقع الجديد، وكان فيها جلاء الجيش الاسرائيلي عن تلك المنطقة، وفوز حماس في الانتخابات وسيطرتها بالقوة. فلم تعد حماس منظمة ارهابية تنفذ عمليات بل أصبحت جيشا صغيرا في دولة صغيرة. ولم تعد الانفاق التي تفضي عشرات منها الى اسرائيل  في التوجه المُحدث، لم تعد مجرد شق في الجدار تحت الارض بل ما أصبح من المعتاد تسميته في الجيش الاسرائيلي "شق مجال"، وهذا بُعدٌ جديد في القتال يشبه غواصات برية لكونها وسيلة لنقل قوة مقاتلة للهجوم على خط تماس الجيش الاسرائيلي من الخلف مثل وسائل ملاحة تحت البحر خفية أو مثل المروحيات المصرية التي أُرسلت لانزال قوات شرقي قناة السويس في حرب يوم الغفران. فهذا تسلل وحدات لا أفراد؛ وهذه قوة صاعقة لا عصابة مسلحة.

          في مواجهة هذا العدو الذي يعمل على هذا النحو يُحتاج الى قدرات استخبارية تعوز المنظمة التي تفخر باستعمال عملاء لاحباط عمليات. إن رجال هذا الجهاز مخلصون ويعرضون أنفسهم للخطر، لكن ليس "للشباك" أي ميزة نسبية في انتاج المعلومات الاستخبارية الحربية وقت القتال الذي يحتاج الى مهارات (واتصال) مختلفين. وليس مسار التقدم من دور مُركّز الى رئيس منطقة ورئيس جهاز من نوع القضية التي نبحثها هنا؛ بل يُحتاج كما هي الحال في "أمان" الى قائد يأتي من واقع العمليات ويكون مصغيا الى حاجاته. وإن رئيس "الشباك" يورام كوهين بخلاف الحال في "أمان" حيث يخضع رئيسها لثلاثة منهم رئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع، ليس له، وهو الذي يتحصن في قلعته، إلا خضوع مباشر لبنيامين نتنياهو وحده. فكلاهما، أي كوهين ونتنياهو، مسؤول عن فشل "الشباك" في غزة.