خبر حادثة التسلل في ناحل عوز:.. هارتس

الساعة 11:10 ص|31 يوليو 2014

حادثة التسلل في ناحل عوز:

فروق استخبارية، وموقف معزول ورتابة غير عملياتية

بقلم: عاموس هرئيل وحاييم لفنسون

          (المضمون: إن فيلم الفيديو الذي نشرته حماس عن عملية التسلل قرب ناحل عوز والاحاديث مع كبار القادة في الجيش الاسرائيلي تثير تساؤلات تتعلق بأداء القوة التي هوجمت والقرارات التي اتُخذت لنشر القوة الدفاعية في ذلك الموقع - المصدر).

          تستغل حماس في الايام الاخيرة ضرب برج الفيلبوكس في ناحل عوز – والهجمات داخل اسرائيل بواسطة الانفاق – ليكون رمزا لانجازاتها في حربها للجيش الاسرائيلي في قطاع غزة. ويُبث فيلم الفيديو للهجوم الذي قتل فيه خمسة جنود في 28 تموز مرة بعد اخرى في شبكات التلفاز العربية، لاثبات نصر المنظمة في المعركة، في ظاهر الامر.

          التزمت حماس بهذه الطريقة مقتفية بتكتيكات الحرب النفسية التي استعملها حزب الله على الجيش الاسرائيلي في تسعينيات القرن الماضي في جنوب لبنان. إن الحادثة في ناحل عوز هي خطأ تكتيكي شديد لا يعبر ألبتة عن صورة المعركة كلها. لكن مشاهدة الفيلم مع أحاديث مع ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي تثير سلسلة تساؤلات عن القرارات التي تم اتخاذها لنشر المنظومة الدفاعية على حدود القطاع، وعن الأداء العملياتي للقوة التي هوجمت.

          فشل الانفاق. بعد أن بدأت الحرب بثلاثة اسابيع ما زالت اسرائيل معرضة لهجمات في الجبهة الداخلية، وقد نجح رجال حماس خمس مرات من قبل في الدخول اليها بأنفاق تمر تحت السياج الحدودي.

          إن النفق الذي خرج المخربون منه قرب معبر كارني الى الجنوب من كيبوتس ناحل عوز، عُثر عليه قبل ذلك ببضعة ايام بناءً على معلومات استخبارية. لكن تبين أنه لم يُكشف إلا عن فرع واحد منه في حين مر المخربون من مسار آخر. وتزيد هذه الحادثة في حدة فروق الجيش الاسرائيلي في مجال الدفاع والمعلومات الاستخبارية عن الانفاق وتشهد على قدرة حماس على تكبيدنا بخسائر حتى في مرحلة متقدمة من المعركة.

          الاستعداد الدفاعي. إعتادوا في مقر قيادة الجنوب في الماضي أن "يطووا" مواقع بارزة وقت القتال كانت القوات معرضة فيها للاصابة نسبيا. وكان الفرض أن حماس تبحث عن اهداف لتضربها باطلاق صواريخ مثلا على دبابات وأنه يُفضل أن يتفرق الجنود في قوات صغيرة في الميدان فيُضائلوا بذلك التعرض للاصابة ويساعدوا ايضا على ضرب المخربين الذين يحاولون التقدم الى داخل اسرائيل.

          وفي هذه المرة شغل جنود معهد ضباط الصف الموقع وهو برج فيلبوكس اسمنتي الساحة حوله معرضة للاصابة نسبيا وتُراقَب بسهولة من الجانب الفلسطيني. ويُبينون في الجيش الاسرائيلي أن القرار اتُخذ – ويبدو أن المعهد الذي يعمل في العملية مثل قوة لوائية مستقلة هو الذي فعل ذلك – عن ادراك أن التهديد الرئيس هو نفق هجومي على بلدات وأن هذا الموقع الذي يشغله الجنود يحجز المخربين عن كيبوتس ناحل عوز.

          وكان للقوة عمل آخر هو أن تحرس باب الدخول الذي كانت قوات من اللواء تتحرك في منطقته. وطريقة الدفاع هذه مختلف فيها في داخل الجيش، ووجد أمس ايضا ضباط اعتقدوا أنه يفضل سحب المواقع البارزة والمكشوفة من الخط الحدودي. وحتى لو استقر رأيهم مع كل ذلك على وضع قوة في هذه النقطة فيجب أن تكون جزءً من منظومة حماية عامة تشمل مواقع مراقبة ومواقع يغطي بعضها على بعض. وحقيقة أن المخربين نجحوا في الدخول الى داخل الموقع تشهد على أنه لم توجد مثل هذه التغطية بصورة فعالة.

          انضباط عملياتي. لا يحتوي الفيلم الذي نشرته حماس على صور فظيعة فقط بل يكشف ايضا عن تفاصيل مقلقة تتعلق بالرتابة العملياتية التي كانت موجودة في الفيلبوكس. إن هذا الموقع ينقسم الى اثنين: طبقة القتال في الجزء الاعلى وطبقة السكن (مع ساحة حولها في الاكثر) في الجزء الأسفل. ويحق للمقاتلين في الطبقة السفلى أن يناموا على نحو عام حينما يكون اولئك الذين في الجزء الأعلى في الحراسة. ويُبين الفيلم أن باب الدخول الى الموقع تُرك مفتوحا (أو فتحه المخربون بسهولة نسبية على نحو غير موثق). ولوحظ ايضا أن المخربين نجحوا في الوصول الى داخل الساحة دون أن يُكشفوا وآنذاك فاجأوا الجنود وقتلوا خمسة منهم باطلاق النار من مسافة قصيرة في الساحة وفي طبقة السكن. وأبلغ الجيش ايضا أن أحد المخربين جُرح أو قُتل (لم تتضح التفاصيل النهائية حتى الآن)، برصاص واحد من الجنديين اللذين كانوا في الطبقة العليا – وبذلك أُحبطت محاولة اختطاف جثة أحد المقاتلين.

          ويُبين الفيلم بوضوح أنه لم يُفرض انضباط عملياتي كامل في الموقع. ويثور ايضا سؤال لم يتضح بعد وهو هل كان الحراس في حال يقظة. إن احدى المشكلات في الفيلبوكس بسبب الطبقة الاسمنتية السميكة هي صعوبة أن يسمع الموجودون داخلها ما يحدث في الساحة أو خارج المبنى. ويتبين من الفيلم أن رجال حماس خططوا لمسار التقدم من فوهة النفق الى البرج بحيث لا يُكشفون للمراقبة منه. سيحقق الجيش الاسرائيلي في هذه الحادثة تحقيقا كاملا بعد انتهاء القتال فقط، لكن يبدو الآن أن التأليف بين اليقظة الفاسدة ومشكلات الانضباط العملياتي أفضى الى النتيجة القاسية.

          بلاغات الجيش الاسرائيلي لوسائل الاعلام. كانت التفاصيل الاولى التي أعطاها الجيش الى الجمهور عن الحادثة بواسطة وسائل الاعلام، جزئية وخاطئة. وقعت الحادثة في ساعات بعد الظهر يوم الاثنين وسُمح بنشر تفاصيل جزئية في ساعات المساء دون تفصيل عدد المصابين (الذي كان معلوما للصحفيين لكن لم يبلغ الى الجمهور في الوقت نفسه لأنه لم تُعلم عائلات القتلى بذلك). لكن بعض النشرات عرضت الحادثة بناءً على توجيهات اولى من ضباط الجيش على أنها نجاح في احباط عملية وذلك بدعوى أن المخربين صُدوا في طريقهم لتنفيذ عملية في الكيبوتس، بل وُجدت حتى وسائل اعلام بالغت وأفادت عن قتل اربعة مخربين. وفي الغد أبلغ الجيش الاسرائيلي أن الجنود قتلوا بقذيفة آر.بي.جي وأن أحد المخربين قُتل وقت محاولة خطف جثة.

          يُظهر الفيلم صورة تختلف تمام الاختلاف، فقد تبين أن المخربين وصلوا الى الموقع نفسه وفاجأوا المقاتلين وقتلوهم برصاص من مسافة قصيرة. ولا يظهر في الفيلم اطلاق قذيفة آر.بي.جي (برغم أن هذه القذيفة وجدت في الميدان). ولا يُظهر اصابة مخرب برغم أنه ربما يكون الفيلم قد أُعد بحيث يُحذف ذلك على عمد. ويُبين الفيلم ايضا بوضوح أن المخربين انقضوا على الموقع وأنهم في هذه الحال لم يكونوا في طريقهم الى الكيبوتس القريب لذبح مدنيين.

          تتم تقارير متحدث الجيش الاسرائيلي في اثناء قتال واسع النطاق. وقد حافظ المتحدث الى اليوم على قدر عال من الصدق ولم يحجم رجاله ايضا عن الاعتراف بأخطاء ظهرت. ويكشف الفيلم عن فرق: فالعملية لم تُحبط والتفاصيل التي أعطاها الجيش جزئية بل مضللة، أما حماس فتعرض نفسها على أنها تكشف عن الحقيقة. ويبدو أن الخطأ في البلاغ نبع من عدم فهم نقطي أضيفت اليه محاولة "تغليف" حادثة قاسية بكلمات جميلة جدا. ولا يُبين ذلك توجه الجيش الاسرائيلي في الحرب الحالية، لكن من المهم ألا تتكرر هذه الظاهرة لأن هذا الخطأ في الصدق يضر بالجيش أولا في الجبهة المهمة له على نحو خاص التي تهتم بثقة الجمهور الاسرائيلي.